الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر البيعة والنداء لابن سعود في العالم بملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها
لما تألف لجنة من أعيان أهل جدة عددها عشرون وسافروا إلى مكة واجتمعوا هناك بلجنة من أهلها عددها ثلاثون، عقد أعضاء اللجنتين في 22 من جمادى الثانية مجلسًا قرروا فيه باجتماع الرأي مبايعة السلطان عبد العزيز ملكًا على الحجاز واتفقوا على شروط البيعة ونصها ثم قدموها إلى عظمة السلطان ليرى رأيه فيها وطلبوا منه إذا حازت القبول أن يعين الوقت لعقد البيعة، فأجاب الطلب، ولما كان بعد صلاة الجمعة في اليوم 25 من جمادى الثانية من 1344 هـ الموافق 10 يناير 1926 م اجتمع الناس في المكان المعد للحفلة عند باب الصفا من المسجد الحرام، وجاء عظمة السلطان في موكبه في الساعة التي بعد صلاة الجمعة، وكان المشهد عربيًا صافيًا -أي بسيطًا- فلم يكن هناك غير سجادة وقف عليها السلطان وكرسي للخطيب الذي تقدمه المنادي قائلًا:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، ثم اعتلى الكرسي الخطيب فحمد رب البيت المعظم وشكر وسبح، وبعد ذلك قال: أيها الإخوان أن الله سبحانه وتعالى قد أنعم علينا بالأمن بعد الخوف وبالرخاء بعد الشدة، فقد انقشعت غمة الحروب وقد توحدت الكلمة بحول الله تعالى وقوته فتعطف علينا عظمة هذا السلطان المحبوب بقبول البيعة المشروعة الواجبة علينا وأني أتلوها على مسامعكم.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده: نبايعك يا عظمة السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل السعود على أن تكون ملكًا على الحجاز على كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم وما عليه الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح والأئمة الأربعة رحمهم الله، وأن يكون الحجاز للحجازيين وأن أهله هم الذين يقومون بإدارة شؤونه وأن تكون مكة المكرمة عاصمة الحجاز والحجاز جميعه تحت رعاية الله ثم رعايتكم.
وفي حال تلاوة البيعة في ذلك المجمع كانت قلاع مكة لها رنين ودوي بإطلاق المدافع، فأطلقت مائة مدفع ومدفع، وكان وقتًا هائلًا باهرًا والناس أثناء ذلك يتزاحمون حول تلك السجادة الواقف عليها السلطان ليتقبل البيعة، فتقدم أولًا الأشراف، ثم الوجهاء والأعيان وتلاهم المجلس الأهلي، فالمحكمة الشرعية، فالأئمة، والخطباء، فالمجلس البلدي، فأهل المدينة المنورة، فأهل جدة، فبقية خدم الحرم، فالمطوفون، والزمازمة، فمشايخ جاوة، فأهل الحرف، فمشايخ الحارات وأهل المحلات.
وقد جاءت بعدئذٍ برقيات بالمبايعة من المدينة المنورة، ومن ينبع، والوجه، وضبا، والعلاء، وكانت حكومة السوفيت الروسية أول الدول التي اعترفت بملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها، ثم اعترفت بملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها، ثم اعترفت به حكومات بريطانيا العظمى، والجمهورية الفرنسية، وهولندا، والجمهورية التركية، ثم بعد الحفلة مشى جلالة الملك المعظم إلى الكعبة البيت الحرام فطاف بها سبعًا وصلى في المقام، ثم جلس في سرادق دار الحكومة للمهنئين والخطباء، ثم تكلم الخطباء وأبدوا خطبًا بديعة.
قال أحدهم: لا بد للحجاز من ملك مستقل يكون قادرًا على صيانة الحجاز من الداخل والخارج، والذي يستطيع القيام بهذا الأمر هو عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وقال أحدهم: وما أعطاك الله هذا العطا يا عبد العزيز إلا لأنك سائر في مرضاته وقال الآخر بعد إطرائه الأمة العربية في زمن السلف الصالح.
علينا أن نتمسك بذلك الحبل المتين، ليرجع للمسلمين ما كان لهم من السؤدد والعز، فيا عجبًا لهذا الكلام وما فيه من الفصاحة والبلاغة، فإن في هذه الكلمات مثالًا من عقلية القوم ونزعتهم السياسة، ثم خطب صاحب الجلالة والمهابة الملك المعظم والسطلان المفخم، وألقى عليهم من درره وسحره الحلال ما كان أشد وقعًا من جاذبية الكهرباء، وبهر بخطابه الحاضرين وشقق آذان السامعين وأطلق لسان الداعيين والمهنئين فقال:
أسمع خطبائكم يقولون هذا إمام عادل وهذا كذا وكذا فاعلموا أنه ما من رجل مهمًا بلغ من المنازل العالية يستطيع أن يكون له أثر وأن يقوم بعمل جيد جدًا إذا كان لا يخشى الله، وإني أحذركم من اتباع الشهوات التي فيها خراب الدين والدنيا وأحثكم على الصراحة والصدق في القول وعلى ترك الرياء والملق في الحديث: لم يفسد المالك إلا الملوك وأحفادهم وخدامهم والعلماء المتملقون وأعوانهم، ومتى اتفق الأمراء والعلماء على أن يستر كل منهم على الآخر فيمنح الأمير الرواتب والعلماء يدلسون، ضاعت حقوق الناس وفقدنا والعياذ بالله الآخرة والأولى، إلى أن قال خاتمًا كلامه.
وإني لأحمد الله الذي جمع الشمل وأمن الأوطان ولكم علي عهد الله وميثاقه أني أنصح لكم كما أنصح لنفسي وأولادي، فهتف الناس إذ ذاك قائلين: جزاك الله خيرًا، جزاك الله خيرًا، وفي مساء ذلك اليوم دعا جلالته إلى قصره أعضاء المجلس الأهلي والوفد الذي قدم من جدة وبعض أهل الوجاهة في أم القرى فخاطبهم بما معناه:
إننا الآن في وقت العمل وفي ساعة التأسيس ولا يستقيم الأمر إلا بحسن التدبير والصدق والنزاهة، أنتم أرباب الرأي والفكر في بلادكم فعليكم أن تقرروا شكل الحكومة، وتضعوا دستورًا لها وتحددوا العلاقات بين نجد والحجاز، وتبحثوا فيما ينبغي أن يكون موقف الحجاز تجاه الدول، ثم أمر بأن يؤلف من مندوبي مكة وجدة مجلس تأسيسي فينضم إليه مندوبون من بلدان الحجاز الأخرى للنظر فيما ذكر من المسائل وتقريرها.
وبعد أن تألف هذا المجلس انتخب بالاقتراح السري لجنة لوضع القانون الأساسي ثم عرض أسماؤها على جلالة الملك فأمر بأن يرأس اللجنة الشيخ "عبد القادر الشيبي" حامل مفتاح بيت الله الحرام وأن يضم إليها خمسة آخرون انتخبهم جلالته من الأشراف والتجار كذلك في هذا الشرف الجديد يصلح التعيين بالاقتراع ويكمل الحاكم الفرد ما ينقص في حكم الشورى، أما الهيئة التأسيسية
فأعضاؤها ثلاثة عشر، هم: الشيخ محمَّد حسين نصيف، صالح شطا، حسين با سلامة، محمَّد شلهوب، محمَّد المرزوقي، محمَّد سعيد أبو الخير، الشريف شرف عدنان من آل غالب، علي كنبي، محمَّد ماجد الكردي، عبد الله زينل، الرئيس المؤقت فيما ذكرنا، عبد الله الدهلوي، سليمان قابل، الشريف حسين عدنان، وهكذا أخذ ابن سعود ينظم شؤون الحجاز.
وقد قال الشيخ محمَّد بن عثمان الشاوي قصيدة طويلة يهنئ بها جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل بفتح مكة المشرفة تركنا إيرادها خشية الإطالة ولعل الله يسهل إيراد شيء من قصائده في ترجمته.
وممن توفي فيها من الأعيان رجل الدين والفضل التقي الشجاع عبد الرحمن بن عبد الله بن محمَّد بن فداء كان رحمه الله تقيًا ناسكًا شجاعًا مجدًا في طلب العلم وخلف أباه في إمامة مسجده في شرقي بريدة وله فضائل ومحاسن وكان له أخ يدعى بعبد العزيز بن عبد الله وله زهد وورع ونهمة عظيمة في طلب العلم وتحصيله وهمة عالية وهو الذي التحق في معية الشيخ محمَّد عبد الله بن سليم وابنه عمر في منفاهما إلى قرية "النبهانية" وفوق ما قيل فيه عفة وذكاء وخشية وإنابة.
أما المترجم فقد بلغ بضعًا وثلاثين سنة وله أبناء ذكور قام في تربيتهم والسعي في تهذيبهم وله إناث؛ أما عبد العزيز فلا عقب له.
وفيها في 4 شوال وفاة الشيخ العجاجي وهذه ترجمته:
هو الشيخ العالم الزاهد أحد الأئمة الأعلام والعارف الحبر المقدام الذي علا ذكره في الآفاق واتفق على تقديمه أهل المعرفة والوفاق وانتشر ذكره في كل الآفاق: أبو عبد الله محمَّد بن عبد العزيز بن سليمان بن ناصر بن سليمان آل عجاجي كان من العرب من آل كثير، وقبيلته عنزة، وله همة عالية في نيل العلم والسعي في طلبه وما مات حتى نال الإجازة من مشايخه آل سليم فجلس للتدريس في أحد مساجد بريدة والتفت عليه حلق الذكر ومهر في العلوم حتى أصبح من خيرة تلامذة آل سليم علمًا ومعرفة.
ولد في سنة 1309 هـ، وتوفي في هذه السنة عن عمر بلغ 35 سنة، وكان مقبولًا
عند الناس وألفه طلاب العلم وأهل الدين، وفاق الأقران، وسبق أبناء الزمان وأقر بفضله القاصي والدان، وكان من زملاء أخينا عبد الرحمن بن عبيد ويلقب "بالحميدي" وله شهرة عظيمة، يقر له بالفضل قرناؤه وأصحابه وهذه صفته رحمه الله.
كان ربعة أبيض اللون مشربًا بحمرة كث اللحية يعلوه البهاء والنور، أخذ عن الشيخ عبد الله بن محمَّد بن سليم وأخذ عن الشيخ عمر بن محمَّد بن سليم؛ وسيرته حسنة ومعاملته جميلة لمحاسن ولين عريكته أضف إلى ذلك عقلًا وأدبًا، وكان الشيخ عمر يقدمه ويحترمه، وجمع كتبًا كثيرة فكان لديه مكتبة، وكان محبوبًا عند الناس يألفونه ويعظمونه ومن أسرة كبيرة في القصيم، وأخذ عنه أخبرنا عبد المحسن بن عبيد، وأخذ عنه أيضًا أخواه صالح بن عبد العزيز وعلي، وكان مرضه شبيهًا بالسل مع ألم أثر في إصبع يده من آثار لدغة حية حتى سقط إصبعه نسأل الله تعالى أن يخلفها في النشأة الآخرة خيرًا منها ويرفع درجاته في الجنة، ويا لعثر الحظ أن مثل هذا يكون هدفًا للموت في سن الشبيبة وتصاب به الأمة وتخلوا منه المحاريب وتندبه خلق الله "فإنا لله وإنا إليه راجعون" بعثه آل سليم إمامًا ومبينًا ومعلمًا للأمير فيصل الدويش في الأرطاوية فذهب إليها ثم جعل قاضيًا هناك.
ولما مات فجعت الأمة بموته ورثاه أهل العلم والدين؛ فمن ذلك ما رثاه به الشيخ عثمان بن أحمد بن بشر لأنه صديقه الخاص وزميله، بل كان شيخًا لراثيه وهي هذه:
إلى الله أشكو وأبتهل بدعائيا
…
وأطلب رب العرش يحسن عزائيا
فقد جاءنا خطب ملم وفادح
…
ورزء كبير من عظيم الدواهيا
أتاني كتاب من حبيب ومشفق
…
يعزي بموت الحبيب المصافيا
وأعني به الشيخ "الحميدي" أخا الحجا
…
تقيًا نقيًا طاهر العرض زاكيا
أديبًا أريبًا خائفًا متواضعا
…
فمن مثله فينا وأين المساويا
يحب ذوي التقى ويبغض ذا الردى
…
لقد كان كهفًا للهدى وداعيا
يقضي بتدريس العلوم نهاره
…
وبالليل في بحث الفنون مساميا
لقد كان للأخوان ركنًا وموئلا
…
وغيظًا لأهل الزيغ من كل طاغيا
سقا قبره مولاي وابل رحمة
…
وهتان عفو مع رضا متواليا
وأسكنه في جنة الخلد منزلا
…
وبوأه في الفردوس ما كان عاليا
فوا حسرتي والوعتي وامصيبتي
…
على فقد أهل العلم من كل هاديا
فموت رعاة الشرع في الدين ثلمة
…
ونقص على كل البرية آتيا
على العلم فليبكي ذوو الدين والهدى
…
فلا رغبة في حضرها والبواديا
فحق لعيني أن تريق دموعها
…
على السادة الأمجاد أهل المعاليا
لقد قل أهل العلم في كل بلدة
…
وقل بها الطلاب والجهل فاشيا
وقد صار إقبال الورى واحتيالهم
…
على هذه الدنيا فيا عظم ما بيا
ويا أيها الإخوان صبرًا على الذي
…
يقدره الرحمن من كل ماضيا
فذى سنة المولى الكريم بخلقه
…
قضاء من الرحمن والكل فانيا
ويا رب يا مولاي يا مالك الورى
…
ويا خير مرجو لكشف الدواهيا
تمتعنا بأشياخنا أنجم الهدى
…
يفيدون أهل الجهل من كل غاويا
فلولا هموا ما كان في العيش لذة
…
ولم نعرف الحق ولا كيف نأتيا
ولولا هموا في الأرض مادت أهلها
…
ولكنهم كانوا لها كالرواسيا
ولولا هموا كانت ظلامًا بأهلها
…
ولكنهم مثل النجوم الدراريا
ولولا هموا ما كان في الأرض مسلم
…
فيا ويح من كان حيران ساهيا
فكم جاهل أحبوه بالعلم والهدى
…
وكم قمعوا من مشرك كان طاغيا
جزاهم إله الناس خيرًا ورحمة
…
وأسكنهم الفردوس أعلى العلاليا
ويا رب وفق للسداد إمامنا
…
إمام همام فائق الصيت عاليا
ويا رب تبقيه على الدين والتقى
…
على سنة المعصوم أفضل هاديا
ينفذ أحكام الشريعة في الورى
…
ويحمي حمى الإِسلام من كل باغيا
ويجمع شمل المسلمين بعدله
…
ويدأب في قمع الخبيث المعاديا
فإنك يا ربي على الكل قادر
…
وأمرك قهار لكل مناويا
واستغفر الله العظيم لزلتي
…
وذنبي وما يجني علي لسانيا
وصل على خير البرية أحمد
…
نبي الهدى من قام لله داعيا
وآل وأصحاب ومن كان تابعا
…
طريقهم يا رب فأقبل دعائيا
خلف الشيخ رحمه الله ابنين وبنات وكان له أخوة من أشهرهم صالح الذي توفي بعده.
وفيها صدرت إرادة الملك عبد العزيز بعمارة المسجد الحرام وذلك أنه أمر مدير الأوقات السابق "محمَّد سعيد" بترخيم عموم المسجد الحرام وإصلاح كل ما يقتضي إصلاحه من ترميم عموم الخراب الواقع في جدار المسجد الحرام وأرضه وأعمدته وإصلاح المماشي وحاشية المطاف وعموم الأبواب وطلاء مقام إبراهيم الخليل عليه السلام بالدهان الأخضر وكذلك الأساطين النحاسية الواقعة حوالي المطاف وغير ذلك من الإصلاحات اللازمة للمسجد الحرام وتمت هذه العمارة بكامل السرعة لحلول موسم الحج سنة 1344 هـ، فشكر الله سعيه على هذا العمل الحسن وكم له من أمثاله من أعمال الخير.
وفيها جرت وقعة المحمل، وهذه الحادثة في ليلة 9 ذي الحجة ليلة الوقف بعرفة، وكان حجاج بيت الله تعالى مكتظين بين منى وعرفات وذلك أنه لما كان في آخر ذي القعدة وصل ركب المحمل المصري إلى جدة واستقبل فيها بكل ترحيب ثم سافر إلى مكة المكرمة ولم يتعرض الملك ابن سعود لمنعه بل أقر ذلك جلبًا للمحبة.
ولما أن سار المحمل في مساء اليوم الثامن قاصدًا عرفات يحيط به حرسه في راحة وهناء كان رجاله في أبواقهم تتراجع صداها في بطن الوادي فأنكر ذلك البدو من أهل نجد بألسنتهم وأن تلك الساعات ساعات عبادة ونسك وفي مشعر عظيم من المشاعر المعظمة فردهم رجال المحمل بعنف وشدة وآخر ذلك أطلق رجال المحمل الرشاشات والبنادق فلم يشعر الناس إلا والنار تقذف والمدافع تمطر نيرانها من هنا وهناك فعظم الخطب وبعث صاحب الجلالة ابنه فيصل وأمره أن يبادر لإطفاء هذه الفتنة ولما تقدم سموه ما كان معه قوة تضاد تلك المهمة وجعل يكافح ويهدأ روع
رجال المحمل كذلك تقدم نجل جلالة الملك الأكبر سعود بقوة للنجدة غير أن الأمر في ظلام الليل زاد ارتباكًا وجعلت قنابل حرس المحمل تضرب يمنة ويسرة تقتل الآمنين المطمئنين هذا وما كانت قوة المحمل تزيد عدة رجالها عن أربعمائة ويقابل هؤلاء تسعون ألفًا من النجديين وقفوا مكتوفي الأيدي لأن لا يحدث قدح زناد يقضي على الحجيج كله وقد استهدفوا لأن تحصدهم النيران ولم يبق إلا مقابلة الشر كثله من أولئك الأقوياء أهل البأس الشديد فثار جلالة الملك عبد العزيز في تلك الساعة الرهيبة تاركًا نساء آل سعود وأطفالهم وأرخص حياته ليحمي الحجاج بنفسه يتبعه من يطيق السعي من القرابة والأسرة فأحاط به الإخوان يسألونه أمره ويخبرونه بالجرحى المضرجين بدمائهم وكان في أشد التأثر فالتفت إلى الإخوان وقال أذكركم الله وهذا الموقف، أذكركم دينكم، أذكركم حميتكم الإِسلامية وشيمتكم العربية، يا رجال التوحيد إن حجاج بيت الله ضيوفنا وهم في وجوهنا فلا تمد إليه يد بسوء وفي هذا العنق دم يجري.
ولما أن سمع الإخوان كلامه انطفأت نار غضبهم وكفوا راجعين وحملوا سيوفهم يردون إخوانهم عن الإحاطة بالمحمل ومن الأمراء من تقدم يرد الإخوان حتى رجعوا إلى خيامهم ومنازلهم، ومن ضمن أولئك الأمراء حشر بن مقعد بن حميد من مشايخ الغطغط جعل يرد المجموع عن المحمل والرصاص يتساقط عليه من رجال المحمل فقتلت فرسه وكسرت يده وسقط على الأرض وأصيب غيره برصاص حرس المحمل وما كان إلا قليل حتى سكنت الفتنة ولم يوتر أحد من رجال المحمل سوى رجل أصيب بحجر في أنفه وآخر أصابته رصاصة طائشة في يده، وقد بلغ عدد الذين قتلوا من أهل نجد خمسة وعشرين بين رجل وامرأة وطفل، وقتل من إبلهم أربعون بعيرًا وعاد المحمل إلى هدوء وسكينة بعد وقوفه بعرفة ومنى ثم إلى مكة المكرمة.
وبذلك تبين فضل أهل نجد وكظمهم للغيظ وسعة صدورهم، ولولا ذلك الموقف الذي وقفه ابن سعود أمام المحمل بحيث ما كان لأحد أن يقف ذلك الموقف سواه لكان للأمر شأن غير هذا.