الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر مؤتمر الكويت
لما كان في جمادى الأولى من هذه السنة عقد المؤتمر واستمرت المفاوضات إلى أربعة أشهر انتدبت بريطانيا العظمى مندوبها في الخليج العربي الكولونيل نوكس لفض الخلاف بين حكومة نجد وحكومات الحجاز والعراق وشرقي الأردن، أو بين عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود وبين الحسين وأولاده، فاشترط عبد العزيز مبتدئًا أن لا يتدخل وفد أية حكومة من الحكومات الثلاث في المباحث مع غيرها، فقبل هذا الشرط وعليه؟ انعقد مؤتمر الكويت ولم يرسل الحسين مندوبًا عنه وأصر على أن خصمه يجلو عن تربة والخرمة قبل المفاوضات وكاد الاتفاق يتم بين نجد والعراق لولا أن الوفد العراقي خالف الشرط المبتدأ وعلق نفوذ معاهدته على الاتفاق بين نجد والحجاز.
أما وفد شرقي الأردن فكان موقفه عجيبًا؟ فلم يكتف بالمطالبة بالجوف وقريات الملح بل شرط إرجاع إمارتي آل رشيد وآل عائض والتنازل عن تربة والخرمة، فكان هذا يخوض فيما لا يعنيه، ولما عقد هذا المؤتمر للبحث في مسألة حدود نجد وشرق الأردن والبحث في المواد الباقية بين نجد والعراق.
ومن جملتها قبائل شمر الملتجئين إلى هذا القطر والبحث في المشاكل التي بين نجد والحجاز، وقد قال الوكيل في كتابه إلى عظمة السلطان أن الحكومة البريطانية مستعدة أن تعرض الأمر على الملك حسين وأن غرضها من عقد هذا المؤتمر هو إزالة سوء التفاهم وحل جميع المشاكل التي بين الممالك المتجاورة.
فأول جلسة عقدت في 7 جمادى الأولى من هذه السنة فتلتها أربع جلسات دار فيها البحث بين وفد نجد ووفد العراق، فتم الاتفاق بينهم على بضع مواد تختص بمعاقبة الذين يشنون الغارات في أطراف البلاد وبكيفية المعاقبة وبطريقة المراسلة بين الحكومتين فيما يختص بالعشائر وتم الاتفاق. أو كاد أن يتم لولا تدخل وفد العراق فيما لا يعنيه، أن الوفد ساعة التوقيع طلب أن يضاف إلى المعاهدة أنها لا تكون نافذة ما لم يتم الاتفاق مع الحجاز وبين الحسين، ولذلك فقد اشترط في أول الأمر
شروطًا منها: إرجاع إمارة آل رشيد وإمارة آل عائض وإمارة الجوف، وأن يرسل ابنه يزيدًا بعد ذلك ينوب عنه في المؤتمر وأن يرجع ابن سعود الخرمة وتربه، وطلب أن يرسل ابن سعود ابنه عنه فأبى ذلك ابن سعود، وقدمنا أنه لم يحضر الحجاز وفد، فأين الحسين أين وفده لقد سار بنفسه متوجهًا إلى عمان يخطب الخلافة في اليوم الذي جلس فيه الوفد فلما علق وفد العراق مشكلته بمشكلة الحجاز رفض الوفد النجدي المادة الشرطية، فعندها بعث رئيس المؤتمر برقية إلى حكومته، كان فيها أنه لا يكمن البت في شأن من الشئون ما لم يوفد الحجاز مندوبه، فتأخر المؤتمر إلى غرة جمادى الثانية ليتمكن الوفدان الرجوع إلى بلاديهما ليستشيروا حكومتيهما في المسائل المختلف فيها.
وكان الخلاف بين نجد وحكومة عمان هو الجوف وقريات الملح، وفي خلال هذا المؤتمر أرسل الأمير عبد الله قوة احتلت القريات لما علم بما كان من الاتفاق بين ابن سعود وبين بريطانيا العظمى، فهم عبد العزيز بن سعود أن يجهز حملة تخرج تلك القوة منها، فلجأ الأمير إلى الحكومة البريطانية فطلبت من ابن سعود عدم المعاجلة بالزحف إلى الجوف ووعدت بتسوية المسألة بالوسائط السلمية.
أما قريات الملح فهي تتألف من قريتين كبيرتين ويتبعهما ثلاث مزارع وفي أراضيها معادن ملح كثيرة، يشحن أكثر منتوجها إلى حوران وغيره، وقد استهل رئيس الوفد الأردني يخطب بإطراء صاحب الجلالة الهاشمية والنهضة العربية والحكومة البريطانية التي ساعدت في استقلال العرب، ثم قال متجرئًا أن شرقي الأردن هي من ثمار هذا الاستقلاق وأن الجوف وسكاكة وما يتبعهما هي لازمة له وهي ضرورية للمواصلات بين شرقي الأردن والعراق، فيجب إذن أن تكون تحت إشراف حكومة الأمير، وقال في الجلسة الثانية أن الجوف وسكاكة وتوابعها هي من الأراضي السورية التي تبدأ حدودها من مدائن صالح وتنتهي عند أو كمال على نهر الفرات، وأن حكومة شرقي الأردن هي من سوريا فيجب أن يكون الجوف بأجمعه تحت إدارتها، فأجابه المندوب النجدي أن الجوف وسكاكة ووادي السرحان
بأجمعه تتبع التطورات في نجد بينما أن تشكيلات الأردن الإدارية لم تكن سوى أقضية تابعة للكرك والقدس ولم يكن الجوف تابعًا لها إدارايًا أو سياسيًا.
ثم قال رئيس الوفد: لا نوافق مطلقًا على اتصال حكومة شرقي الأردن
بالعراق، ونطلب أن تكون حكومة نجد متصلة حدودها بسورية حتى تكون تجارتها
آمنة، فحفظًا لكياننا الاقتصادي وحماية لروحنا التجارية نطلب أن يكون الاتصال
بسوريا أساسًا للاتفاق بيننا وبين شرقي الأردن؛ لقد كان ظاهر هذا الخلاف بين
القطرين هو الجوف ونحوه وحقيقة الأمر أن الخلاف الحقيقي هو ما بين آل سعود
والبيت الهاشمي من العداء المتأصل، وقد صرح به رئيس الوفد بعد إطرائه جلالة
الملك حسين حيث قال اسمحوا لي أن أصرح لحضراتكم بأنه إذا لم تتخلى حكومة
نجد عن الجوف ووادي سرحان بأجمعه وعن الأراضي الحجازية التي احتلتها يعني تربة والخرمة وخيبر وغيرها، وتجعل تحديد الحدود بين الحجاز ونجد على أن يكون الحد الفاصل هو الصحراء القاحلة، فلا يمكن أن يحصل بيننا اتفاق، فتكلم رئيس المؤتمر الكولونيل نوكس قائلًا: لا يحق لوفد العراق أو وفد شرقي الأردن أن يتكلم عن الحجاز فتوقفت المفاوضات بين نجد وشرقي الأردن كما قد توقفت سابقًا بين نجد والعراق، فانفض هذا المجلس وما كانت المفاوضات التي حصلت لتغير الحال أو تلطفها فعاد وفد العراق يحمل قرارته وفيها أنه لا يمكن لحكومة العراق أن تسلم شمر نجد حالًا، وأنها غير مسئولة عن المنهوبات التي سيق تاريخها، وقد قدمت حكومة نجد لائحة بالمنهوبات التي نهبت بعد توقيع معاهدة العقير، وفيها أسماء المعتدين والمعتدى عليهم، فبلغ عدد من قتل من رعايا نجد سبعة وعشرين رجلًا، وعدد ما نهب من الإبل 460 وقيمة ما سلب من المال 500 ليرة و 4000 ريال، ما عدا 350 حملًا من الدهن، و 100 حمل من البن.
وكذلك أيضًا قرر وفد العراق أن حكومته لا تقبل بمبدأ إخراج العشائر الملتجئين إليها لأن ذلك يولد ارتباكات في الحدود العراقية مع سوريا وتركيا وإيران وأهم ما يكون مسألة العشائر، فإذا كانت حكومة العراق لا تسكن الحركات العدائية التي تقوم بها تلك العشائر المجرمة فالوفد لا يمضي معاهدة.
أما وفد شرقي الأردن فقد صمم على متطلباته ولم يتنازل عن شيء منها، وقد اقترح رئيس الوفود استفتاء الأهالي في القريات، فقبل الوفد النجدي بذلك على شرط أن يعمل بهذا المبدأ في الأماكن المتنازع عليها بين نجد والحجاز، أي في تربة والخرمة، فلم يقبل الوفد الأردني بذلك بل طلب أن يكون الجوف ووادي سرحان منطقة حياد بين القطرين فرفض الوفد النجدي وأرفض المؤتمر وتأجل أيضًا إلى شعبان ليتمكن الرئيس من مفاوضة السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن.
وقد كان يأمل في سعة الوقت أن يغير الحسين الشريف رأيه فيرسل مندوبه في المؤتمر، نعم قد غير رأيه الشريف فعين نجله الأمير زيدًا ممثلًا للحجاز ولكنه لم يحضر، وبينما كان وفد العراق قد عاد للمرة الثانية يستشير حكومته قادمًا للمرة الثالثة إلى الكويت خرج فيصل الدويش وقد فرغ صبر عربانه غازيًا في أطراف العراق، فعندها غضبت الحكومة وأمرت وفدها بالرجوع إلى بغداد فلم يعقد لذلك اجتماع ثالث.
ولما كتب بعض الأدباء إلى حضرة صاحب الجلالة عبد العزيز ساعيًا في الوفاق بين البلدين وعقد معاهدة نجدية عراقية أوسع نطاقًا مما سبقها في العقير وفي المحمرة بعث عبد العزيز إليه بهذا الجواب: أما ما ذكرته عن اتفاق مع حكومة العراق فكنت أرغب به من صميم قلبي ولكن حكومة العراق لا تزال تعمل ضدنا في تأليف العصابات من مجرمي العشائر لمهاجمة رعايانا الآمنين وقطع الطرق على القوافل، يعلم الله أن جل مقصدي هو أن أعيش بسلام مع جيراني وأن نتحد كلنا على ما فيه خير العرب، ولكن الأشراف لا يروقهم ذلك فحسبنا الله.
وبعث أيضًا جلالة الملك كتابًا من القصيم في 14 رمضان في هذه السنة يقول: قد جئنا القصيم بأمور لا بد منها، منها: الاستعداد للطوارئ قد عينا عبد العزيز بن مساعد الجلوي أميرًا في حائل وجعلنا المنطقة الشمالية بما فيها القصيم والجوف وخيبر تحت إمارته وزودناها بالتعليمات الكاملة والقوة الكافية والصلاحية الواسعة وبدلنا أمير الجوف، فعينا مكانه عبد الله بن محمد بن عقيل، وأصحبناه بما