الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين ابن سعود وبين المندوب السامي السير برسي كوكس وعقد مؤتمر لوزان ومؤتمر العقير، اما مؤتمر العقير فانتهى إلى خمسة أيام وأما مؤتمر لوزان فاستمر بضعة أشهر.
ذكر مؤتمر العقير
وما حصل فيه وذلك بأنه لما كان في خامس ربيع الثاني من هذه السنة نصبت الخيام للمؤتمر وذلك على كثيب إلى جنوب القصر في العقير، فجعل قسم الخيام وهي البيضاء الهرمية المزركشة من الداخل بالآيات والرسوم إلى الجانب الشرقي لوفد العراق للإنجليز، والقسم الأكبر وكثره من بيوت الشعر إلى الجانب الغربي لأهل نجد من المرافقين لعظمة السلطان عبد العزيز، وكان سرادق عظمته مقابل سرادق الاجتماع سرادق الطعام ووراءه المطبخ، وإلى جانبه قافلة من الجمال وقد أناخت بأحمالها.
وكانت شمس العقير فاترة لا تجفف هواء العقير وهواءه رطب كثيف ثقيل لا يصلح مزاج من جاء مزاجه معكر ليصلح مجاري السياسة بينه وبين جيرانه.
وكان السلطان عبد العزيز قد علم في الطريق من الحساء بقدوم فهد بن هزال شيخ العمارات مع المفوض السامي السير برسي كوكس فغاظه ذلك لأنه لم يجيء العقير لحل مشاكل العشائر، وقد كان فوق ذلك ناقمًا على الشيخ فهد لأنه أنزل عرب شمر الذين فروا من الجبل في أثناء الحصار لحائل فكتب إليه يذكره بأنهم من رعاياه وأن عرب عنزه والعمارات منها هم أبناء عم ابن سعود وأنهم لا يودون أعداءه ولا يساعدونهم عليه بل أنت يا فهد وعشائرك من رعايانا ولك علينا حق الحماية، هذا إذا كنت من المخلصين، ولكن فهد بن هذال يفضل على ما يظهر الحماية الانجليزية، وقد جاء محتميًا بالمندوب السامي ليسترضي السلطان عبد العزيز، وكان عبد العزيز يقول نحن دعونا السير برسي كوكس إلى العقير للنظر في أمرين، أحدهما الشريف وأولاده؛ والثاني الأتراك الطامعون الآن بالموصل، أما مسألة العمارات والظفير محلها لا يستوجب مجيئنا إلى هذا المكان، ولكن السير برسي
كوكس اغتنم هذه الفرصة ليعيد البحث في اتفاق المحمرة ويحدد الحدود بين نجد والكويت وبين العراق ونجد، فجاء ومعه فريق من السياسيين والأخصائيين وكتبة السر والخدم.
فلما كان في اليوم السابع من ربيع الأول مساء وصل اليخت الذي أقلهم من البحرين فأمر السلطان عبد العزيز بإرسال الخيل إلى الرصيف ونزل هو وحاشيته يلاقون الوفود ويستقبلونهم، ثم عادوا بعد نصف ساعة إلى المخيم فترجلوا أمام سرادق الاجتماع الذي أنير بأنار اللوكس، وبعد أن استقروا بالمجلس اعتذر المندوب السامي عن بطئه في السفر فقبل السلطان العذر وشرع يفصح عما كان يتقد في صدره، فجاءت الكلمة الأولى قنبلة زعزعت المكان وهي: أنا لا أخشى إلا الرجل الذي لا شرف له ولا دين، ثم قال لا ندري يا حضرة المندوب ما خفي المقاصد ولكننا نرجو منها الخير ومما نعلم علم اليقين أن العشائر خصوصًا عشائر العراق لا ترتاح إلى حكومة قوية بل لا تبغيها لأن الحكومة إذا كانت قوية تضربهم وتؤدبهم، أما إذا كانت ضعيفة فتسترضيهم كما هي الحال اليوم أن العشائر يا خضرة المندوب لا يفهمون إلا بالسيف، فهم إذا عاملتهم بالحسنى يتحكمون بالحكومة؛ اشهروا السيف يرتدعوا يتأدبوا، أغمدوا السيف ينهبوا ويقتلوا ويتقاضوكم فوق ذلك المشاهرات.
كان السلطان عبد العزيز يتكلم بهذه الكلمات وهو مدير ظهره لفهد بن هذال، ثم مال بوجهه إليه؛ وقال مبتسمًا أليس كذلك يا فهد فإنا نعرف بعضنا، فضحك كل من كان في المجلس سوى شيخ العمارات فإنه كان محدقًا بنظره في السجادة، ثم رفع نظره إلى المندوب السامي كأنه يقول لا بارك الله في ساعة جئت فيها.
هذه أول جلسة من مؤتمر العقير وإن كانت غير رسمية ثم تبعها جلسات خصوصية بين السلطان والمندوب السامي، وجلسات عمومية حضرها رئيس وفد العراق صبيح بك نشئت والوكيل السياسي الميجر مور في الكويت والشيخ فهد آل هذال، وكان الكتاب والمترجمون والأخصائيون من العرب في معرفة الآبار والطرق والمراعي يؤمون خيمة المترجم أمين الريحاني من حين إلى حين وكانت خيمة صغيرة.
ثم في 8 ربيع الثاني اجتمع في الصباح حضرة السلطان عبد العزيز والمندوب السامي فخرج من هذا الجلس المندوب ومعه في جيبه تقرير طويل باللغة العربية، ولما أن وصل إلى مجلسه دعى بأمين الريحاني بعد أن استقر في مجلسه قريبًا من ثلاثين دقيقة ليترجم له تلك الرقعة التي فيها التقرير، فإذا هو يتعلق بقبيلتي العمارات والظفير كان قد قد أعده السلطان لمندوبه في مؤتمر المحمرة وهو مكتوب في صورة السؤال والجواب إذا سألوك كذا وكذا أجب كذا وكذا، واذا ألح المندوب الإنجليزي في أمر من الأمور اسأله إذا هل يتكلم بلسان حكومته أو بلسان حكومة العراق، فإذا كان بلسان حكومة العراق فالجواب هو أننا لا نتساهل بحقوقنا، وإذا كان بلسان حكومة بريطانيا فجاوب إكرامًا لحكومة بريطانيا، هذا إذا كان من الأمور الثانوية، أما إذا كان من الأمور الجوهرية فالجواب أننا لا نسلم إلا مكرهين، والحكومة البريطانية تفهم أن عاقبة الإكراه وخيمة، فلما قرأ عليه ما تقدم وترجمه كلمة كلمة لم يظهر السير برسي كوكس شيئًا من الاكتراث، وكان من هذه المحاورة قول السلطان للمترجم إذا سألوك عن العمارات قل إنها من عنزة كلها من أبناء عم ابن سعود ومن رعاياه، ولقد كانت هذه المفاجآت المزعجة التي تصدر من جلالة الملك، فأجاب السير برسي كوكس عنزة العراق يعني العمارات تفضل أن تكون من رعايا العراق، أما عنزة سورية يعني الرولة فقد تفضل أن تكون من رعايا ابن سعود وله ما يشاء ولقد كانت هذه مضحكة عجيبة كأنه يقول الذي عندنا هو لنا والذي عند غيرنا من الفرنسيين هو لك يا عبد العزيز إذا استطعت أن تستولي عليه، ثم في ربيع الثاني جلس المندوب السامي جلسة طويلة هو وعظمة السلطان، وكان المندوب قد زل زلة كبرى وذلك باستدعائه إليه عبد اللطيف باشا المنديل أحد المستشارين يومئذ لابن سعود ففاوضه مفاوضة استمرت نصف ساعة وأعطاه صورة كتابين مكتوبين بقلم الرصاص باللغة الانجليزية ليسلمها إلى السلطان، فأرسل السلطان عبد العزيز إلى أمين الريحاني يدعوه ليترجمها له، وكان ينبغي أن يكون بينهما مترجم رسمي للغة العربية واللغة الانجليزية فترجم الكتابين
والسلطان عبد العزيز يتزحزح في مجلسه ويضرب السجادة بعصاه وصورة الكتابين هو أنه يريد مجاوبة للملك فيصل بن الحسين الذي يقول في كتابه: بناء على تعهدات الحكومة البريطانية في معاهدتي وأياها أقبل الاتفاق الذي عقد في مؤتمر المحمرة، والثاني يريد أن يكتب له جلالة الملك عبد العزيز صورة الكتاب الذي كتبه إلى الملك فيصل ويعيده عما بان واحدة من التعهدات المذكورة في ذاك الكتاب تتعلق بالمادة الأخرى من المعاهدات وفيها أن أية دولة أجنبية يجب أن تشمل أيضًا حكومات الحجاز والشرق العربي والعراق أي أن الحكومة البريطانية تتعهد أن تحمي بلاد نجد إذا ما تعدت عليها إحدى الحكومات الثلاث، فقال السلطان عبد العزيز وهو يتميز غيظًا ومن قال للمندوب السامي أن ابن سعود يخاف الشريف وأولاده لا والله نحن في غنى عن الحمايات إذا كان المعتدي علينا من العرب، وقد ساءه قول المندوب له بقلم من الرصاص على قصاصة من الورق، ماذا يجب أن يكتب للملك فيصل أو إلى الحكومة البريطانية، فلما دخل بعض رجال السلطان عليه وما كان عنده سوى المترجم في الفسطاط أومأ إلى الداخلين أن أخرجوا فخرجوا مسارعين وعاد هو إلى بقية حديثه قائلًا: لا نخاف إلا الله، فلما أن أذن المؤذن لصلاة الظهر نهض يلبي الدعوة وهو يقول سنصلي سنصلي فلما كان في آخر النهار من ذلك اليوم رفض السلطان عبد العزيز بتاتًا أن يكتب الكتابين الذين أشار بكتابتهما المندوب السامي، فلما كان في اليوم 12 من ربيع الثاني تم الاتفاق بين من ابن سعود وبين مندوب العراق على الحدود النجدية العراقية وتقررت بقعة الحياد بين البلدين، بقعة تدعى العونية، وفي هذا التحديد تقرر أيضًا مصير العمارات والظفير الداخلتين في أرض العراق المعدودتين الآن من عشائره.
والحقيقة أن هذه التحديدات ليست من الأمور التي يعتنى بها لا سيما في مثل هذا المؤتمر الملحوظ بعين التعظيم.
ثم في 13 ربيع الثاني تم الاتفاق بين السلطان والمندوب السامي والوكيل
السياسي في الكويت الميجر مور على بقعة الحياد بين البلدين لتقي عربان الكويت وعربان نجد شر التصادم وهل يدري العربان بالمعاهدات وهل يحترمونها إذا ما أجدبت الأرض وخرجوا كلهم ينشدون الحيا، يطلبون المرعى والماء، وهذا أيضًا صلح صغير، وكان السلطان قد طلب توسيع حدود الجوف مقابل تنازله عن العمارات والظفير، ويظهر أن السير برسي وعده بذلك، وفي هذا اليوم أيضًا ورد كتاب من الملك فيصل أمير العراق وهو من بشائر المؤتمر خطه فيصل بيده إلى السلطان عبد العزيز، قال فيه: إلى أخي العزيز وأرسله مع رسوله الخاص عبد الله بن مسفر جار فهد الهذال في المخيم الأوربي، وكان مدبجًا بارق العبارات الولائية؛ وفيه ما يدل على أن جلالة الملك يرغب رغبة حقيقية في الصلح وأنه ليس بين العراق ونجد فقط، بل بين نجد والحجاز خلاف فهل ينبذ فيصل بن الحسين خطة والده، وهل يستطيع أن يوفق بينه وبين السلطان عبد العزيز ها هنا أساس الصلح الكبير والسلم الثابت في البلاد العربية، وكان جواب السلطان على كتاب فيصل ينبئ بالخير عسى أن يتوفقا إلى اجتماع شخصي خاص، ولا يخفى أن عبد العزيز راغب في ذلك ولكنه في الوقت الحاضر منحرف المزاج، وقد طالت إقامته في الحساء فهو يبغي الرجوع إلى الرياض ولا بأس بذكر الحال على وجهها وهي أنه يرجح رغبة الاجتماع بدون واسطة الحكومة البريطانية وآخر ما ترجم من المؤتمرات برقية أرسلها السير برسي كوكس إلى المستر تشرشل وزير خارجية بريطانيا يقول فيها: أن ابن سعود طلب أن تكون قريات الملح في الجوف تابعة لتلك الناحية من المملكة السعودية ويشير بالقبول، بل يقول: أكدت لعظمته أن ذلك يكون مقبولًا لدى حكومة جلالة الملك نأخذ من ابن سعود لنعطي العراق ونأخذ من شرقي الأردن لنعطي ابن سعود ونأخذ من الحجاز العقبة لنعطي شرقي الأردن وممن نأخذ لنرضي الحجاز؛ هذا ما دار في هذا المؤتمر، ثم بعد بضعة أشهر من مؤتمر العقير بل بعد أقل من ذلك عادت تلك العشائر في العراق تفسد ما أصلحه المصلحون وتثير ما سكنه المسكنون.