الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث رقم (79)
- الإرواء (3/ 294) رقم (817):
قال المستدرك: الشيخ الألباني رحمه الله ذكر حديث جابر: "لَيْسَ فِي الْحِليِّ زَكَاةٌ" ثم قال: باطل، ثم ذكر تحت هذا الحديث، أحاديث وجوب زكاة الحلي، وصححها، وهي محل البحث والاستدراك.
قال: أحاديث زكاة الحلي ضعفها الأئمة المتقدمون:
قال الترمذي: لا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء. قال ابن حزم: ما احتج به على إيجاب الزكاة في الحلي آثار واهية، ولا وجه للاشتغال بها.
وقال ابن عبد البر: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في زكاة الذهب شيء.
وقال الحافظ عمر بن بدر الموصلي (1): لا يصح في هذا الباب شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الإِمام الشافعي. وقال بعض الناس: في الحلي زكاة، وروى فيه شيئًا ضعيفًا.
الراجح عندي: الحديث صحيح كما سيأتي.
الحديث رواه أبو داود (1563)، والنسائي (5/ 38)، والبيهقي في السنن (4/ 140) كلهم من طريق خالد بن الحارث عن حسين بن ذكوان المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أَن امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ أتَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم،
(1) في كتاب المستدرك: أبو عمر المصلي، وهذا تحريف، وإنما هو أبو حفص الموصلي.
وَبِنْتٌ لَهَا، فِي يَدِ ابْنَتِهَا مسكَتَانِ غَليِظَتَانِ مِنْ ذَهَبِ، فَقَالَ:"أتؤَدِّينَ زَكَاةَ هَذَا؟ ". قَالَتْ: لَا. قَالَ: "أيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللهُ عز وجل بِهِماَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟ ". قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: هُمَا لله وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.
قال النسائي: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت حسينًا قال: حدثني عمرو بن شعيب قال: جاءت امرأة ومعها بنت لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يد ابنتها مسكتان نحوه مرسل.
قال النسائي: خالد أثبت من المعتمر، وهو في السنن الكبرى (2259)، وليس فيه قوله الأخير، ونقل عنه هذا المزي في التحفة (6/ 309)، وفيه زيادة: حديث معتمر أولى بالصواب، ونقل غيره عنه هذه الزيادة، وخالفهما عبد الوهاب ابن عطاء، فقد رواه من طريقه الدارقطني (2/ 107)، والبيهقي (4/ 139) عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة رضي الله عنه قالت: لا بأس بلبس الحلي إذا أعطي زكاته، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه كان يكتب إلي خازنه سالم أن يخرج زكاة حلي بناته كل سنة.
وعبد الوهاب قال في التقريب: صدوق، ربما أخطأ، فروايته شاذة، وأما ما نقل من ترجيح النسائي رواية معتمر مع كون خالد أثبت منه فلا يتفق مع القواعد الحديثية، ولذا فالظاهر عدم ثبوت هذه الجملة عنه كما في سننه، وأما المستدرِك فكان له شأن آخر حيث قال: ولهذا الإسناد ثلاث علل:
العلة الأولى: تفرد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال البيهقي: هذا يتفرد به عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقال أبو عبيد: هذا الحديث لا نعلمه يروى إلا من وجه واحد بإسناد قد تكلم الناس فيه قديمًا وحديثًا.
قلت: معلوم أن الناس تكلموا في هذا الإسناد، وأن الذي تحصل من كلامهم
أنه إسناد حسن، فكان ماذا؟!.
وأما التفرد فقد سبق الجواب عنه غير مرة، وقد رد ابن التركماني على البيهقي بقوله: قد ذكر في باب الطلاق قبل النكاح عن ابن راهويه أنه إذا كان الراوي عنه ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر، وذكر عن جماعة من الحفاظ أنهم يحتجون بحديثه، فلا يضر تفرده بالحديث، قال يحيى القطان: إذا روى عنه الثقات فهو يحتج به، وقال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وابن راهويه وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين، فأخفى المستدرك هذا الرد، ولم يذكره!!!.
قال المستدرك: العلة الثانية: الإرسال، وقد أعله بهذه العلة الإِمام النسائي، فقد أخرجه من طريق المعتمر بن سليمان قال: سمعت حسينًا قال: حدثني عمرو بن شعيب قال: جاءت امرأة معها
…
فذكره مرسلاً. ثم ذكر قول النسائي، ثم قال: إذا فالحديث معلول بالإرسال، والذي يظهر أن النسائي أراد أن يبين أن حديث المعتمر أولى بالصواب مع علمه بأن خالد [كذ]، أثبت في الجملة من المعتمر، أما في هذا الحديث بالذات، فالصواب فيه مع المعتمر.
قلت: إن كلامه هذا يجري على قول من يقول: فسر الماء بعد الجهد بالماء، فأين الجديد الذي أضافه، إن السؤال لا يزال مطروحًا: لماذا قدم النسائي رواية معتمر على رواية خالد -على ما نقل عنه- مع أن خالدًا أثبت عنده من المعتمر؟
فكيف إذا توبع خالد؟!
فقد تابعه محمد بن أبي عدي عند أبي عبيد في الأموال (1174)(1).
وتابعهما أبو أسامة عند البيهقي في المعرفة (6/ 141 - 142)، وابن الجوزي في التحقيق (983)، وهو ثقة ثبت، فكيف لا ترجح رواية الثلاثة على رواية المعتمر، مع أن خالدًا وحده أثبت منه كما نص عليه النسائي؟
فهل لقول من تابع النسائي وجه عند من وقف على هذه الطرق، وكان عنده أدنى معرفة بهذا العلم الشريف؟!
فلو أن هذا المستدرِك صرح بأنه مقلد للنسائي لكان أدعى لتقدير كلامه؟ وحينئذ سيطالب بأنه ليس لمقلد أن ينكر على المجتهد المخالف لإمامه.
فكيف إذا توبع حسين المعلم؟.
فقد رواه أحمد (6667)، (6901)، (6939)، وابن أبي شيبة (4/ 248)، والدارقطني (2/ 108)، والبيهقي في المعرفة (6/ 142)، كلهم من طريق حجاج ابن أرطأة.
ورواه الترمذي (637)، وابن زنجويه في الأموال (1762)، والبغوي في شرح السنة (1583) من طريق ابن لهيعة.
ورواه عبد الرزاق (7065) عن المثنى بن الصباح (حجاج، وابن لهيعة، والمثني) ثلاثتهم تابعوا حسينًا المعلم، وهم وإن كانو ضعفاء إلا أن روايتهم ترجح روايته الموصولة.
قال المستدرك: العلة الثالثة: نكارة المتن، قال أبو عبيد: لو كانت الزكاة في الحلي
(1) ورواه أبو عبيد (1179) عن ابن أبي عدي عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة موقوفًا.
فرضًا كفرض الرقة ما اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك على أن يقوله لامرأة يخصها به عند رؤيته الحلي عليها دون الناس، ولكان هذا كسائر الصدقات الشائعة المنتشرة عنه في العالم: من كتبه وسنته، ولفعلته الأئمة بعده، وقد كان الحلي من فعل الناس في آباد الدهر، فلم نسمع له ذكرا في شيء من كتب صدقاتهم.
قلت: لم يصرح أبو عبيد بنكارة متنه، وإنما تجاسر على ذلك هذا المستدرِك كعادته، وكلام أبي عبيد اجتهاد في مقابلة النص، وهو مردود اتفاقًا.
وقال الترمذي: رواه المثني بن الصباح عن عمرو بن شعيب نحو هذا (يعني بعد روايته من طريق ابن لهيعة)، والمثني بن الصباح وابن لهيعة يضعفان في الحديث، ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء.
قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 365): الترمذي إنما ضعف حديث عبد الله بن عمرو، لأنه وقع له من رواية ابن لهيعة والمثني بن الصباح عن عمرو، فضعفهما، وضعفه بههما، لا بعمرو بن شعيب، وللحديث إسناد صحيح إلى عمرو بن شعيب، ثم ساق رواية خالد بن الحارث، وقال: وهذا إسناد صحيح إلى عمرو، والترمذي إنما ضعفه لأنه لم يصل عنده إلى عمرو بن شعيب إلا بضعيفين كما ذكرناه.
قلت: والأمر على ما قال رحمه الله.
ومن حديث عائشة، أخرجه أبو داود (1565)، وابن زنجويه (1763)، والدارقطني (2/ 155 - 156)، والحاكم (1/ 389 - 395)، والبيهقي في السنن الكبير (4/ 139)، وفي المعرفة (6/ 143)، وابن الجوزي في التحقيق (986)
كلهم من طريق (1) عمرو بن الربيع بن طارق عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: دخلنا على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَرَأَى فِي يَدِي فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ، فَقَالَ:"مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ ". فَقُلْتُ: صَنَعْتُهُنَّ أتَزَيَّنُ لَكَ فِيهِنَّ. فَقَالَ: "أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ؟ ". فَقُلْتُ: لَا، أَوْ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ:"هِيَ حَسْبُكِ مِنَ النَّارِ".
وقد وقع عند الدارقطني في الإسناد: محمد بن عطاء، فقال: محمد بن عطاء هذا مجهول، فقال البيهقي في المعرفة: قال الدارقطني: ومحمد بن عطاء هذا مجهول.
قال البيهقي: هو محمد بن عمرو بن عطاء، فيما رواه أبو حاتم، ومحمد بن عمرو بن عطاء معروف.
قلت: وهو ثقة من رجال الجماعة.
قال المستدرك: ولهذا الحديث علل.
العلة الأولى: في إسناده يحيى بن أيوب الغافقي المصري، ثم ذكر كلام الأئمة فيه، ثم قال: عند التأمل نجد أن الأقوال السابقة مجتمعة تدل على أنه إلى الضعف أقرب.
قلت: هذا تأملك، أما أهل العلم فلهم شأن آخر، فقد ذكره الذهبي في السير، وقال: له غرائب ومناكير، يتجنبها أرباب الصحاح، وينقون حديثه، وهو حسن
(1) جعله المستدرِك كله من طريق أبي حاتم الرازي عنه، وليس كذلك عند من ذكرهم في التخريج.
الحديث، وذكره فيمن تكلم فيه، وهو موثق، وقال: صدوق.
وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: صدوق، ربما أخطأ.
قلت: يكفيه تزكية أنه أخرج له البخاري ومسلم وباقي الجماعة، فقد جاز القنطرة.
قال المستدرك: العلة الثانية: المخالفة لما صح عن عائشة، وذكر ما أخرجه مالك في الموطأ ص (214) عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها، لهن حلي، فلا تخرج من حليهن الزكاة.
ونقل قول البيهقي: هي لا تخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما روته عنه إلا فيما علمته منسوخا.
قلت: ومعارضة البيهقي بين الحديث الذي روته وبين ما رأته في حلي الأيتام ودعواه النسخ يدل على أنه يصححه خلافًا لهذا المعترض، وأما دعوى النسخ فلا تسلم، بل إذا تعارض ما يرويه الصحابي مع ما يراه أخذ بروايته عن النبي-صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم، والله أعلم.
ثم ذكر علة ثالثة، وهي كلام فارغ لا يستحق أن يرد عليه، فالراجح أن الإسناد حسن، والحديث صحيح من الطريقين، وله شواهد أخرى ضعيفة منها:
ما أخرجه أحمد (17556)، وابن الجارود في المنتقى (353)، وابن قانع (3/ 220)، والطبراني في الكبير ج (22) رقم (677)، والبيهقي في الكبير (4/ 145)، والخطيب في تاريخه (6/ 191 - 192) من طريق الثوري عن عمر ابن يعلي بن مرة، بعضهم قال: عن أبيه، وبعضهم قال: عن أبيه عن جده.
وعمر بن يعلى هو عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة ضعيف كما في التقريب.
ومن حديث أم سلمة، أخرجه أبو داود (1564)، والدارقطني (2/ 105)، والحاكم (1/ 390)، والبيهقي في المعرفة (6/ 142 - 143)، وابن الجوزي في التحقيق (985) من طريق ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة، وعطاء لم يسمع من أم سلمة.
ومن حديث أسماء بنت يزيد عند أحمد (27614)، والطبراني في الكبير ج (24) رقم (431)، وفيه علي بن عاصم، وشهر بن حوشب، وفيهما مقال.
وفيه أحاديث أضعف من هذه، وقد استغنيت بهذه عنها، وبالله التوفيق.
والحديث صححه ابن الجارود، والحاكم، ولم يتعقبه الذهبي، وابن القطان كما سبق، وابن الملقن في البدر المنير (5/ 565)، وقال ابن حجر في بلوغ المرام (579) عن حديث عبد الله بن عمرو: إسناده قوي، وصححه الحاكم من حديث عائشة.
***