الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في تضمير خيل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والسبق بينها]
التضمير: تقليل علفها، وإدخالها بيتا كنينا وتجليلها فيه لتعرق، ويجف عرقها، فيصلب لحمها ويخف، وتقوى على الجرى. يقال: ضمّرت الفرس بتشديد الميم وأضمرته [ (1) ] .
وذكر ابن [][ (2) ] أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، كان يأمر بإضمار خيله بالحشيش اليابس شيئا بعد شيء، ويقول: ارووها من الماء، واسقوها غدوة وعشيا، وألزموها الجلال [ (3) ] ، فإنّها تلقى الماء عرقا، فتصفو ألوانها،
[ (1) ] قال الإمام العلامة أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري: والمضمار:
الموضع الّذي تضمّر فيه الخيل، وتضميرها: أن أتعلف قوتا بعد سمنها، قال أبو منصور: ويكون المضمار وقتا للأيام التي تضمر فيها الخيل للسباق أو للركض إلى العدوّ.
وتضميرها أن تشدّ عليها سروجها، وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها، فيذهب رحلها، ويشتد لحمها، وتحمل عليها غلمان خفاف يجرونها، ولا يعنفون بها، فإذا فعل ذلك بها أمن عليها البهر الشديد عند حضرها ولم يقطعها الشّدّ، قال: فذلك التضمير الّذي شاهدت العرب تفعله، يسمون ذلك مضمارا وتضميرا.
وتضمير الفرس أيضا: أن تعلفه حتى يسمن، ثم تردّه إلى القوت، وذلك في أربعين يوما، وهذه المدة تسمى المضمار. (لسان العرب) : 4/ 491.
[ (2) ] هذه الكلمة غير واضحة في (الأصلين) ولم أتبين لها توجيها.
[ (3) ] جلّ الدابة: الّذي تلبسه لتصان به، والجمع جلال وأجلال، وجلال كل شيء غطاؤه، وتجليل الفرس أن تلبسه الجلّ.
وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم جلّل فرسا له سبق بردا عدنيا، أي جعل البرد له جلا، وفي حديث ابن عمر:
أنه صلى الله عليه وسلم كان يجلل بدنه القباطي (لسان العرب) : 11/ 119.
وتتسع جلودها.
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أن يقودوها كل يوم مرتين، ويؤخذ منها من الجرى الشوط والشوطان، ولا تركض حتى تنطوى.
وخرّج أبو داود من حديث المعتمر، عن عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] قال: إن نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم، كان يضمّر الخيل للمسابقة بها [ (1) ] .
وخرّج الدار قطنى من حديث سليم بن أخضر ومعتمر، عن عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] ، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ضمّر الخيل وسابق بينها، وقال معتمر: كان يضمّر ويسابق [ (2) ] .
وخرّج البخاري من حديث سفيان، عن عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] [ (3) ] قال: أجرى النبي صلى الله عليه وسلم ما ضمّر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع، وأجرى ما لم يضمّر من الثنية إلى مسجد بنى زريق [قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى] [ (3) ] .
قال ابن زريق- بتقديم الزاى على الراء-: آخر بياضه [ (4) ] ابنا عامر بن زريق بن حارثة بن مالك بن غضب- بفتح الغين المعجمة- ابن جشم بن الخزرج، أخى الأوس ابني حارثة، قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى.
[ (1) ](سنن أبى داود) : 3/ 65، كتاب الجهاد، باب (67) في السّبق، حديث رقم (2576) ولفظه:
[ (2) ](سنن الدار قطنى) : 4/ 299، كتاب السبق بين الخيل، حديث رقم (1) .
[ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (البخاري) .
[ (4) ] يعنى بياض في أصل (فتح الباري) ، وقد نبّه عليه في هامشه.
قال سفيان: من الحفياء [ (1) ] إلى ثنية الوداع [ (2) ] خمسة أميال أو ستة، وبين ثنية ومسجد بنى زريق ميل. ترجم عليه باب: السبق بين الخيل [ (3) ] .
وخرّج في باب غاية السباق [ (4) ] للخيل المضمرة، من حديث أبى إسحاق عن موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] [ (5) ] قال:
سابق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين الخيل التي قد أضمرت [ (6) ] ، فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع، فقلت لموسى: فكم [ (7) ][كان][ (8) ] بين ذلك؟ قال:
ستة أميال أو سبعة أميال، وسابق بين الخيل التي لم تضمّر، فأرسلها من ثنية الوداع فكان أمدها مسجد بنى زريق، قلت: فكم بين ذلك؟
[ (1) ] حفياء: بالفتح ثم السكون، وياء، وألف ممدودة: موضع قرب المدينة أجرى منه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الخيل في السباق، قال الحازمي: ورواه غيره بالفتح والقصر. وقال البخاري: قال سفيان: بين الحفياء إلى الثنية خمسة أميال أو ستة، وقال ابن عقبة: ستة أو سبعة، وقد ضبطه بعضهم بالضم والقصر، وهو خطأ، كذا قال عياض. (معجم البلدان) : 2/ 319، موضع رقم (3825) .
[ (2) ] ثنية الوداع: بفتح الواو، وهو اسم من التوديع عند الرحيل: وهي ثنية مشرفة على المدينة يطؤها من يريد مكة، واختلف في تسميتها بذلك، فقيل: لأنها موضع وداع المسافرين من المدينة إلى مكة، وقيل: لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودع بها بعض من خلّفه بالمدينة في آخر خرجاته، وقيل: في بعض سراياه المبعوثة عنه. وقيل: الوداع اسم واد بالمدينة، والصحيح أنه اسم قديم جاهلى، سمى لتوديع المسافرين. (المرجع السابق) : 100، موضع رقم (2846) .
[ (3) ](فتح الباري) : 6/ 88، كتاب الجهاد والسير، باب (56) السبق بين الخيل، حديث رقم (2868) .
[ (4) ] في (الأصلين) : السبق، وما أثبتناه من (البخاري) .
[ (5) ] زيادة للسياق من (البخاري) .
[ (6) ] في (الأصلين) : «أضمرت» ، وما أثبتناه من (البخاري) .
[ (7) ] في (الأصلين) : «وكم» .
[ (8) ] زيادة للسياق من (البخاري) .
قال: ميل أو نحوه، وكان ابن عمر ممن سابق فيها [ (1) ] . وخرجه في باب:
إضمار [ (2) ] الخيل للسبق، من حديث الليث عن نافع بنحوه [ (3) ] .
وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، من حديث جويرية عن نافع [ (4) ] ، وأخرجه من حديث مالك عن نافع، فذكره البخاري في كتاب الصلاة [ (5) ] ،
[ (1) ](فتح الباري) : 6/ 89، كتاب الجهاد والسير، باب (58) غاية السباق للخيل المضمّرة، حديث رقم (2870) ، وفي الحديث مشروعية المسابقة، وأنه ليس من العبث، بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة، وهي دائرة بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث على ذلك.
قال القرطبي: لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب، وعلى الأقدام، وكذا الترامي بالسهام، واستعمال الأسلحة، لما في ذلك من التدريب على الحرب. وفيه جواز إضمار الخيل.
ولا يخفى اختصاص استحبابها بالخيل المعدة للغزو. وفيه مشروعية الإعلام بالابتداء والانتهاء عند المسابقة، وفيه نسبة الفعل إلى الآمر به، لأن قوله:«سابق» ، أي أمر أو أباح.
وفيه جواز إضافة المسجد إلى قوم مخصوصين، وهي إضافة تمييز لا إضافة ملك. وفيه جواز.
معاملة البهائم عند الحاجة بما يكون تعذيبا لها في غير الحاجة، كالإجاعة، والإجراء. وفيه تنزيل الخلق منازلهم، لأنه صلى الله عليه وسلم غاير بين منزلة المضمّر وغير المضمّر، ولو خلط بينهما لأتعب غير المضمّر.
(فتح الباري) : 6/ 90- 91.
[ (2) ] في (الأصلين) : «مضمار» .
[ (3) ](فتح الباري) : 6/ 88- 89، كتاب الجهاد والسير، باب (57) إضمار الخيل للسّبق، حديث رقم (2869) .
[ (4) ](فتح الباري) : 13/ 376، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (16) ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحضّ على اتفاق أهل العلم، وما اجتمع عليه الحرمان مكة والمدينة وما كان بهما من مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار، ومصلى النبي صلى الله عليه وسلم والمنبر والقبر، حديث رقم (7336) .
[ (5) ](فتح الباري) : 1/ 678، كتاب الصلاة، باب (41) هل يقال مسجد بنى فلان؟ حديث رقم (420) ، ويستفاد منه جواز إضافة المساجد إلى بانيها أو المصلى فيها، ويلتحق به جواز إضافة أعمال البر إلى أربابها، والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي فيما رواه ابن أبى شيبة عنه أنه كان يكره أن يقول مسجد بنى فلان، ويقول مصلى بنى فلان، لقوله تعالى: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ [الجن: 18] . وجوابه أن الإضافة في مثل هذا إضافة تمييز لا ملك. مختصرا من (فتح الباري) : 1/ 678.
وذكره مسلم في الإمارة [ (1) ] من طرق عديدة، عن نافع عن ابن عمر بمعنى حديث مالك عن نافع [ (2) ] .
وخرجه الترمذي من حديث سفيان عن عبيد اللَّه عن نافع، وقال:
حديث حسن صحيح غريب من حديث الثوري [ (3) ] .
وخرج أبو داود من حديث أحمد بن حنبل قال: أخبرنا عقبة بن خالد عن عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل، وفضّل [ (4) ] القرّح [ (5) ] في الغاية [ (6) ] . قال الدار قطنى [ (7) ] : تفرد بهذه الألفاظ عقبة السكونيّ عن عبيد اللَّه.
وقال ابن عبد البر: لم يقل ذلك في هذا الحديث أحد غير عقبة بن خالد، وقد وجدت له أصلا فيما رواه أبو سلمة التبوكي قال: أخبرنا
[ (1) ] في (خ) : «في الجهاد» ، وصوبناه من (صحيح مسلم) .
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 13/ 17- 19، كتاب الإمارة، باب (25) المسابقة بين الخيل وتضميرها، حديث رقم (95) ، والحديث الّذي يليه بدون رقم، من طرق مختلفة، وزاد في حديث أيوب من رواية حماد وابن عليّة، قال عبد اللَّه:«فجئت سابقا فطفّف بى الفرس المسجد» ، أي علا، ووثب إلى المسجد، وكان جداره قصيرا، وهذا بعد مجاوزته الغاية، لأن الغاية هي هذا المسجد، وهو مسجد بنى زريق، واللَّه تعالى أعلم (مسلم بشرح النووي) .
[ (3) ](سنن الترمذي) : 4/ 177- 178، كتاب الجهاد، باب (22) ما جاء في الرّهان والسبق، حديث رقم (1699)، وزاد فيه ابن عمر: «وكنت فيمن أجرى، فوثب بى فرسي جدارا. قال أبو عيسى:
وفي الباب عن أبى هريرة، وجابر، وعائشة، وأنس، وهذا حديث صحيح حسن غريب من حديث الثوري.
[ (4) ] في (الأصلين) : «وفرّق» وصوبناه من (سنن أبى داود) .
[ (5) ] القرّح- بضم القاف وفتح الراء المشددة-: جمع قارح، وهو من الخيل الّذي دخل في السنة الخامسة.
[ (6) ](سنن أبى داود) : 3/ 65، كتاب الجهاد، باب (67) في السبق، حديث رقم (2577) .
[ (7) ](سنن الدار قطنى) : 4/ 299، كتاب السبق بين الخيل، حديث رقم (1) .
عبد الملك بن حرب بن عبد الملك بن مجاشع بن مسعود السلمي قال:
حدثني أبى وعمى عن جدي، أن ناسا من أهل البصرة ضمّروا خيولهم، فنهاهم الأمير عتبة بن مروان أن يجروها، حتى كتب إلى عمر [رضى اللَّه عنه] ، فكتب إليه عمر، أن أرسل القرّح من رأس مائة غلوة، ولا يركبها إلا أربابها، فجاء مجاشع بن مسعود سابقا [على الغراء][ (1) ] .
وخرّج الدار قطنى من حديث يزيد بن هارون وعفان بن مسلم قالا:
أخبرنا سعيد بن زيد، أخبرنا الزبير بن حريث، أخبرنا أبو لبيد لمازة بن زبار [ (2) ] قال: أرسلت الخيل زمن الحجاج، والحكم بن أيوب على البصرة، فأتينا الرهان، فلما جاءت الخيل قلنا: لو ملنا إلى أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] فسألناه: أكانوا يراهنون على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: فملنا إليه وهو في قصره بالزاوية، فقلنا: يا أبا حمزة! أكنتم تراهنون على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أو كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يراهن؟ قال نعم واللَّه، هو يراهن على فرس له يقال له: سبحة، فجاءت سابقة، فأنهش لذلك وأعجبه [ (2) ] . [قال عبد اللَّه: أنهشه يعنى أعجبه] [ (3) ] .
[ (1) ] ما بين الحاصرتين من (ج) .
وللإمام مالك في (الموطأ) : 311، ما جاء في الخيل والمسابقة بينها والنفقة في الغزو، حديث رقم (1008) ، والدارميّ في (السنن) 2/ 212، باب في السبق، وابن ماجة في (السنن) : 2/ 960، كتاب الجهاد، باب (44) السبق في الرهان، حديث رقم (2877)، والنسائي في (السنن) : 6/ 535، كتاب الخيل، باب (12) غاية السبق للتي لم تضمر، حديث رقم (3585) ، باب (13) إضمار الخيل للسبق، حديث رقم (3586) .
[ (2) ] لمازة بن زبار- بفتح الزاء والموحدة- أبو لبيد البصري، وحديثه أخرجه أحمد، والدارميّ، والبيهقي. (التعليق المغنى على الدار قطنى) .
[ (3) ](سنن الدار قطنى) : 4/ 301، حديث رقم (10)، (سنن الدارميّ) : 2/ 212- 213، باب في السبق، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[و]
قال الواقدي: عن إبراهيم بن الفضل، عن أبى العلاء عن مكحول قال: طلعت الخيل وفيها فرس للنّبيّ صلى الله عليه وسلم، فبرك على ركبتيه، وأطلع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأسه من الصف وقال: كأنه بحر.
وفي رواية: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل.، فجلس على سلع، وطلعت الخيل، فطلعت له فيها ثلاثة أفراس يتلو بعضها بعضا، يتقدمها لزاز، فلما رآه سرّ به، ثم فرسه الظرب، ثم السكب.
وعن أبى عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه عن جده [رضى اللَّه عنه] قال: سبقت على فرس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الظرب، فكساني يردا يمانيا.
قال الواقدي: وسبق أبو أسيد الساعدي- وهو مالك بن ربيعة- على فرس النبي صلى الله عليه وسلم لزاز، فأعطاه حلّة يمانية.
وذكر الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل والإبل لما مرّ بالنقيع، منصرفه من المريسيع، فسبقت القصواء الإبل، وسبق فرسه، وكان معه فرسان: لزاز و [آخر يقال له][ (1) ] الظرب، فسبق يومئذ على الظّرب، وكان الّذي سبق عليه يومئذ أبو أسيد الساعدي، والّذي سبق على ناقته بلال [ (2) ][رضى اللَّه عنه] .
[ (1) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) .
[ (2) ](مغازي الواقدي) : 2/ 426.