الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في ذكر حمى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
خرّج البخاري من حديث ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عقبة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن الصعب بن جثامة قال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لا حمى إلا للَّه ولرسوله [ (1) ] .
قال البخاري: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى البقيع، وأن عمر رضى اللَّه عنه حمى السرف والرَّبَذَة. ذكره في كتاب الشرب [ (2) ] .
وخرجه أبو داود بمثله [ (3) ]، وفي لفظ آخر له: أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى البقيع،
[ (1) ](فتح الباري) : 5/ 56، كتاب المساقاة، باب (11) لا حمى إلا للَّه ولرسوله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (2370)، (فتح الباري) : 6/ 180، كتاب الجهاد والسير، باب (146) أهل الدار يبيتون، فيصاب الولدان الذراري، حديث رقم (3012) .
[ (2) ] راجع التعليق السابق.
[ (3) ](سنن أبى داود) : 3/ 460- 461، كتاب الخراج والإمارة، باب (39) في الأرض يحميها الإمام أو الرجل، حديث رقم (3083) .
قال الخطابي:
قوله: «لا حمى إلا للَّه ولرسوله» ،
يريد: لا حمى إلا على معنى ما أباحه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وعلى الوجه الّذي حماه، وفيه إبطال ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من ذلك، وكان الرجل العزيز منهم إذا انتجع بلدا مخصبا، أوفى بكلب على جبل، أو على نشر [مكان مرتفع] من الأرض، ثم استعوى الكلب ووقف له يسمع منتهى صوته بالعواء، فحيث انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه، ومنع الناس منه.
فأما ما حماه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لمهازيل إبل الصدقة ولضعفي الخيل كالنقيع [وهو مكان معروف مستنقع للمياه ينبت فيه الكلأ] ، وقد يقال إنه مكان ليس بحد واسع يضيق بمثله على المسلمين المرعى فهو مباح، وللأئمة أن يفعلوا ذلك على النظر، ما لم يضيق منه على العامة المرعى، وهذا الكلام الّذي سقته معنى كلام الشافعيّ في بعض كتبه. (معالم السنن) .
وأخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في (الأموال) : 271، باب حمى الأرض ذات الكلإ والماء، حديث رقم (728) .
وقال: لا حمى إلا للَّه عز وجل [ (1) ]، وخرجه النسائي ولفظه: لا حمى إلا للَّه ولرسوله [ (2) ] .
وقال الواقدي: حدثني ابن أبى سبرة عن شعيب بن شداد قال: لما مرّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالبقيع منصرفه من المريسيع، ورأى سعة وكلأ، وغدرا كثيرة [ (3) ] تتناخس [ (4) ] ، وخبّر بمراءته [ (5) ] وبراءته [ (6) ] فسأل عن الماء، فقيل يا رسول اللَّه! إذا صفنا [ (7) ] قلّت المياه وذهبت الغدر، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبى بلتعة أن يحفر بئرا، وأمر بالنقيع أن يحمى واستعمل عليه بلال بن الحارث المزني، فقال بلال: يا رسول اللَّه، وكم أحمى منه؟ قال:
أقم رجلا صيتا إذا طلع الفجر على هذا الجبل، يعنى مقملا، فحيث انتهى صوته فاحمه لخيل المسلمين وإبلهم التي يغزون عليها، قال بلال: يا رسول اللَّه! أفرأيت ما كان من سوائم المسلمين؟ فقال: لا تدخلها، قلت: يا رسول اللَّه! أرأيت المرأة والرجل الضعيف يكون له الماشية اليسيرة، وهو يضعف عن التحول؟ قال: دعه يرعى [ (8) ] .
[ () ] قال أبو عبيد: وتأويل الحمى المنهي عنه فيما نرى- واللَّه أعلم-: أن تحمى الأشياء التي جعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الناس فيها شركاء، وهي الماء، والكلأ، والنار.
[ (1) ](سنن أبى داود) : 3/ 461- 462، كتاب الخراج والإمارة، باب (39) في الأرض يحميها الإمام أو الرجل، حديث رقم (3084) .
[ (2) ] قال المنذري: وأخرجه النسائي في (الكبرى) ، ولم يذكر النقيع.
[ (3) ] الغدر: جمع غدير، وهو القطعة من الماء يغادرها السيل.
[ (4) ] تتناخس: أي يصب بعضها ببعض.
[ (5) ] مرأت الأرض مراءة أي حسن هواؤها، وكلأ مريء: غير وخيم.
[ (6) ] براءة: مصدر من بريء بمعنى خلا، أي لا صاحب له.
[ (7) ] صفنا: جاء علينا الصيف بحرارته الشديدة.
[ (8) ](مغازي الواقدي) : 2/ 425.
فلما كان زمان أبى بكر رضى اللَّه عنه، حماه على ما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حماه، ثم كان عمر رضى اللَّه عنه، فكثرت به الخيل، وكان عثمان رضى اللَّه عنه فحماه أيضا [ (1) ] .
حدثنا عمر بن شيبة، حدثنا معن، حدثنا عبد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه تعالى عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع للخيل، وحمى الرَّبَذَة للصدقة.
حدثنا هارون بن معروف، حدثنا ضمرة بن ربيعة عن رجاء بن جميل قال: إن رسول اللَّه حمى وادي النّقيع للخيل المضمرة.
وخرج الحاكم من حديث عبد الرحمن بن الحارث بن عبد اللَّه بن عباس ابن أبى ربيعة، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس عن الصعب بن جثّامة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حمى النقيع وقال: لا حمى إلا للَّه ولرسوله.
قال: وهو صحيح الإسناد [ (2) ] .
وبلال بن الحارث بن عصم بن سعيد بن قرة [بن خلاوة بن ثعلبة بن ثور][ (3) ] أبو عبد الرحمن المزني وفد سنة خمس في وفد مزينة، وكان أحد من حمل ألوية مزينة يوم الفتح، وهو في الطبقة الثالثة من المهاجرين، [وله][ (4) ] سماع من النبي صلى الله عليه وسلم ورواية عنه، روى عنه الحارث بن بلال، وعلقمة بن وقاص، وغيرهما. [وروى] له أبو داود والترمذي والنسائي
[ (1) ](مغازي الواقدي) : 2/ 425- 426.
[ (2) ](المستدرك) : 2/ 70، كتاب البيوع، حديث رقم (2358)، ثم قال: قد اتفقا على حديث يونس عن الزهري بإسناده: لا حمى إلا للَّه ولرسوله، ولم يخرجاه هكذا وهو صحيح الإسناد، وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم، وأخرجا منه آخره.
[ (3) ] زيادة للنسب من (الإصابة) .
[ (4) ] زيادة للسياق.
وابن ماجة، توفى سنة ستين عن ثمانين سنة [ (1) ] .
[والنقيع] بالنون، على عشرين فرسخا من المدينة، عرض ميل في طول بريد، وفيه شجر، وهو أخصب واد هناك، وهو غور في صدر وادي العقيق، [قال] الخطابي [ (2) ] : من قاله بالباء فقد صحف، [وقال] البكري: هو بالباء مثل بقيع الغرقد، [وذكر] في كتاب الأصيلي بالفاء بدلا من القاف بعد النون، وهو تصحيف، [ومعنى] حمى النقيع: جعله محظورا لا يقرب مرعاه [ (3) ] .
[ (1) ] له ترجمة في: (الإصابة) : 1/ 326، ترجمة رقم (734)، (الاستيعاب) : 1/ 183، ترجمة رقم (215)، (الثقات) : 3/ 28، (الجرح والتعديل) : 2/ 395، (تهذيب التهذيب) : 1/ 440، ترجمة رقم (929)، (الوافي بالوفيات) : 10/ 277، (الأعلام) : 1/ 381 (شذرات الذهب) :
1/ 65، (المصباح المضيء) : 1/ 132، (أسماء الصحابة الرواة) : 176، ترجمة رقم (216) .
[ (2) ] هو حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب، من ولد زيد بن الخطّاب، والخطّابى بفتح الخاء وتشديد الطاء نسبة إلى جده الخطاب المذكور، يكنى أبو سليمان البستيّ بضم الباء وسكون السين، نسبة إلى بست، وهي مدينة من بلاد كابل.
كان محدثا فقيها، وأديبا شاعرا لغويا، روى عنه أبو عبد اللَّه بن البيع المعروف بالحاكم النيسابورىّ وغيره، قال عنه الحافظ السمعاني: كان حجة صدوقا.
من مؤلفاته: (غريب الحديث) ، وهو غاية في الحسن والبلاغة، وله (أعلام السنن) شرح البخاري، و (معالم السنن) شرح سنن أبى داود، وكتاب (إصلاح غلط المحدثين) وغير ذلك.
ولد في رجب سنة 319 هـ في بلده بست، وتوفى فيها سنة 388 هـ، رحمه الله. مقدمة (سنن أبى داود) : 1/ 11.
[ (3) ](معجم البلدان) : 5/ 348- 349، موضع رقم (12121) .