الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في ذكر ناقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
خرج البخاري في آخر كتاب الكفالة، في باب: جوار أبى بكر رضى اللَّه عنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعقده [ (1) ] ، وفي كتاب الهجرة من حديث عقيل، قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة رضى اللَّه عنها قالت:
لم أعقل أبويّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمرّ علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، فذكر الحديث حتى قال: فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبى بكر رضى اللَّه عنه في نحر الظهيرة، قال قائل لأبى بكر: هذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم متقنّعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: فداء له أبى وأمى، واللَّه ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر، قالت: فجاء فاستأذن، فأذن له، فقال لأبى بكر: أخرج من عندك، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: إنما هم أهلك، بأبي أنت يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: فإنه قد أذن لي في الخروج، فقال أبو بكر: الصحابة، بأبي أنت يا رسول اللَّه، فقال: نعم، قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول اللَّه إحدى راحلتي هاتين، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بالثمن، قالت عائشة فجهزناها.
وذكر حديث الهجرة بطوله [ (2) ] .
[ (1) ](فتح الباري) : 4/ 599- 600، كتاب الكفالة، باب (4) جوار أبى بكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعقده، حديث رقم (2297) .
[ (2) ] هذا الحديث مبثوث في (صحيح البخاري) بسياقات ومن طرق مختلفة، في: فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.
وفي المساجد، باب المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس، وفي البيوع، باب إذا اشترى متاعا أو دابة فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض الثمن، وفي الإجارة، باب استئجار المشركين عند الضرورة، أو إذا لم يوجد أهل الإسلام، وباب إذا استأجر أجيرا ليعمل له بعد ثلاثة أيام. أو
وخرّج البخاري من حديث زهير، أخبرنا حميد عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان للنّبيّ صلى الله عليه وسلم ناقة،
ومن حديث أبى خالد الأحمر، عند حميد عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كانت ناقة [لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تسمى العضباء، وكانت لا تسبق، فجاء أعرابى على قعود له فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا: سبقت العضباء! فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن حقا على اللَّه أن لا يرفع شيء من الدنيا إلا وضعه. ذكره في الرقاق [ (1) ] .
وذكره في الجهاد من حديث أبى إسحاق عن حميد قال: سمعت أنسا رضى اللَّه عنه قال: كانت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم يقال لها العضباء.
ومن حديث زهير، عن حميد عن أنس رضى اللَّه عنه قال: كانت للنّبيّ صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى العضباء لا تسبق. قال حميد: أو لا تكاد تسبق، فجاء أعرابى على قعود [ (2) ] فسبقها، فشق [ذلك] على المسلمين حتى عرفه، فقال صلى الله عليه وسلم: حق
[ () ] بعد شهر، أو بعد سنة جاز، وفي الكفالة، باب جوار أبى بكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعقده، وفي المغازي، باب غزوة الرجيع، ورعل، وذكوان، وبئر معونة، وفي اللباس، باب التصنع.
[ (1) ](فتح الباري) : 11/ 414، كتاب الرقاق، باب (38) التواضع، حديث رقم (6501)، وما بين الحاصرتين من قوله: لرسول اللَّه
…
سقط في (خ) واستدركناه من (ج) .
وفي الحديث إشارة إلى الحث على عدم الترفع، والحث على التواضع، والإعلام بأن أمور الدنيا ناقصة غير كاملة.
قال ابن بطال: فيه هوان الدنيا على اللَّه، والتنبيه على ترك المباهاة، والمفاخرة، وأن كل شيء هان على اللَّه فهو في محل الضعة، فحق على كل ذي عقل أن يزهد فيه، ويقل منافسته في طلبه.
وقال الطبري: في التواضع مصلحة الدين والدنيا، فإن الناس لو استعملوه في الدنيا لزالت بينهم الشحناء، ولاستراحوا من تعب المباهاة والمفاخرة.
قال الحافظ ابن حجر: وفيه أيضا حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، تواضعه، لكونه رضى أن أعرابيا يسابقه.
[ (2) ] القعود، بفتح القاف: ما استحق الركوب من الإبل، وقال الخليل: القعودة من الإبل ما يقعده الراعي لحمل متاعه، والهاء فيه للمبالغة. (فتح الباري) .
على اللَّه أن لا يرفع شيء من الدنيا إلا وضعه. طوّله موسى عن حماد عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه عنه [ (1) ] . [عن النبي صلى الله عليه وسلم][ (2) ] .
وخرجه الدار قطنى من حديث معن بن عيسى، حدثنا مالك عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: كانت ناقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم القصواء لا تدفع في سباق إلا سبقت، قال سعيد بن المسيب: فجاء رجل فسابقها فسبقها، فوجد الناس من ذلك أن سبقت ناقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الناس لم يرفعوا شيئا في الدنيا إلا وضعه اللَّه عز وجل [ (3) ] .
وفي لفظ: كانت العضباء لا تسبق، فجاء أعرابى على بكر فسابق فسبقها، فشق ذلك على المسلمين فقالوا: يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم! سبقت العضباء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه حق على اللَّه أن لا يرفع شيئا من الأرض إلا وضعه [ (4) ] .
ومن حديث عبد اللَّه بن مسلمة، عن مالك عن ابن شهاب، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إن العضباء ناقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كانت لا تسبق كلما دفعت في سباق، فدفعت يوما في إبل فسبقت، فكانت على المسلمين كآبة أن سبقت، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن الناس إذا رفعوا شيئا، أو
[ (1) ](فتح الباري) : 6/ 91، كتاب الجهاد والسير، باب (59) ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (2871) ، (2872) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
قوله: «باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم» ، كذا أفرد الناقة في الترجمة، إشارة إلى أن العضباء والقصواء واحدة.
[ (3) ](سنن الدار قطنى) : 4/ 302، كتاب السبق بين الخيل، حديث رقم (12) .
[ (4) ](المرجع السابق) : حديث رقم (14) .
أرادوا رفع شيء وضعه اللَّه [ (1) ] .
ومن حديث بقية قال: حدثني شعبة قال: حدثني حميد الطويل عن أنس رضى اللَّه عنه قال: سابق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أعرابىّ فسبقه، فكان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجدوا في أنفسهم من ذلك، فقيل له في ذلك فقال: حق على اللَّه أن لا يرفع شيئا [نفسه] في الدنيا إلا وضعه [ (2) ] .
وخرجه ابن حيّان من حديث هشام عن عروة قال: أخبرنا أبى قال: لما خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى بدر خلف عثمان على ابنته وكانت مريضة، وخلف أسامة بن زيد رضى اللَّه عنهم، فبينا هم إذ سمعوا ضجة التكبير، فجاء زيد بن حارثة على ناقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الجدعاء وهو يقول: قتل فلان، وأسر فلان [ (3) ] .
وقال الواقدي: قدم زيد بن حارثة رضى اللَّه عنه على ناقة النبي صلى الله عليه وسلم القصواء، يبشر أهل المدينة فذكره [ (4) ] .
وحدثني إسحاق بن حازم، عن عبد اللَّه بن مقسم، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: لقي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد- يعنى مرجعه من بدر- ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على راحلته القصواء، فأجلسه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين يديه وسهيل بن عمرو مجنوب ويداه إلى عنقه، فلما نظر أسامة إلى سهيل قال: يا رسول اللَّه! أبو يزيد؟ قال: نعم، هذا الّذي كان يطعم بمكة الخبز [ (5) ] .
[ (1) ](المرجع السابق) : حديث رقم (15) .
[ (2) ](المرجع السابق) : حديث رقم (16) .
[ (3) ](مغازي الواقدي) : 1/ 115.
[ (4) ](مغازي الواقدي) : 1/ 155.
[ (5) ](المرجع السابق) : 1/ 118.
قال الواقدي: ولما بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة، أقبلت امرأة أبى ذر رضى اللَّه عنه، على ناقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأخبرته من أخبار الناس ثم قالت: يا رسول اللَّه، إني نذرت إن نجاني اللَّه عليها أن أنحرها، فآكل من كبدها وسنامها، فتبسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال: بئس ما جزيتيها! أن حملك اللَّه عز وجل عليها ونجاك، ثم تنحرينها، إنه لا نذر في معصية اللَّه، ولا فيما لا تملكين، إنما هي ناقة من إبلي، فارجعى إلى إبلك على بركة اللَّه [ (1) ] .
وخرّج مسلم هذا الحديث بمعناه، وفيه قصة من عدة طرق، تدور على أبى قلابة عن أبى المهلب، عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنه، وفيها:
وأصيبت امرأة من الأنصار، أصيبت العضباء، فذكره [ (1) ] .
وخرّجه أبو داود من طريق أبى قلابة أيضا وفيه: أن المرأة المأسورة امرأة أبى ذر [ (2) ] .
وخرّجه الدار قطنى من حديث سليمان، حدثنا عبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنه قال: جاءت امرأة أبى ذرّ على راحلة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم القصواء حين أغير على لقاحه حتى بلغت [ (3) ] عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت: إني نذرت إن نجاني اللَّه عليها لآكلن من كبدها وسنامها، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لبئس ما جزيتها، ليس [ (4) ] هذا
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 11/ 108- 110، كتاب النذر، باب (3) لا وفاء لنذر في معصية اللَّه، ولا فيما لا يملك العبد، حديث رقم (1641) .
[ (2) ](سنن أبى داود) : 3/ 609- 612، كتاب الأيمان والنذور، باب (28) النذر فيما لا يملك، حديث رقم (3316) .
[ (3) ] كذا في (الأصلين)، وفي (سنن الدار قطنى) :«زناخت» .
[ (4) ] في (الأصلين) : «لبئس» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
نذر، إنما النذر ما ابتغى به وجه اللَّه [ (1) ] .
وخرّج من حديث موسى بن عقبة عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القصواء. وقيل إن العضباء لم تأكل بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولم تشرب حتى ماتت.
قلت: إن علماء الآثار اختلفوا في ناقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، هل هي واحدة لها ثلاثة أسماء؟ أو كان له صلى الله عليه وسلم ثلاث نياق؟
قال الواقدي: كانت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ناقته القصواء من نعم بنى قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر، ويقال: من نعم بنى الحريش بن كعب، ابتاعها أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه بأربعمائة درهم، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم منه بذلك الثمن، والثبت: أنه وهبها له فقبلها وتاجر عليها، فلم تزل عنده حتى ماتت، ويقال: ماتت في خلافة أبى بكر رضى اللَّه عنه، وكانت [تضمّر] بالنقيع، ويقال: بنقيع الخيل، وهي تسمى أيضا: الجدعاء والعضباء.
وحدثني ابن أبى ذؤيب عن يحيى بن نفيل، عن سعيد بن المسيب قال:
كان اسمها العضباء، وكان في طرف أذنها جدع [ (2) ] .
قال: حدثني معمر عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: ما العضب
[ (1) ](سنن الدار قطنى) : 4/ 162- 163 النذور، حديث رقم (12) .
[ (2) ] العضباء: اسم ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، اسم، لها، علم، وليس من العضب الّذي هو الشق في الأذن، إنما هو اسم لها سميت به، وقال الجوهري: هو لقبها، قال ابن الأثير: لم تكن مشقوقة الأذن، والأول أكثر، وقال الزمخشريّ: هو منقول من قولهم: ناقة عضباء، وهي القصيرة اليد (لسان العرب) : 1/ 609.
في الأذن؟ قال: قطع النصف فصاعدا.
قال الواقدي وغيره: القصواء، التي في أذنها قطع يسير، والعضباء، مثلها، والجدعاء، التي قطع نصفها، فهذا كما ترى، تصريح من الراويّ، أنها ناقة واحدة، لها ثلاثة أسماء، وهو أيضا، قول محمد بن إبراهيم التيمي، فقد روى عنه قال: القصواء ابتاعها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأربعمائة درهم، وهي التي هاجر عليها. قال: وإنما كانت له صلى الله عليه وسلم ناقة واحدة موصوفة بالصفات الثلاث، وإليه ذهب الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي [حيث قال:] [ (1) ] واعلم أن القصواء هي العضباء وهي الجدعاء.
وقال سعيد بن المسيب: كان في طرف أذنها جدع، والجدعاء: التي استؤصلت أذنها، والمقصوة: التي قطع بعض أذنها.
أخبرنا شيخنا ابن ناصر عن ثعلب أنه قال: هذه أسماء لناقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولم تكن جدعاء، ولا مقصوة.
قال أبو الزاهرية حدير بن كريب الحمصي: كانت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاث أنيق: الجدعاء، والقصواء، والعضباء، واختار هذا جماعة وقالوا: العضباء ابتاعها أبو بكر رضى اللَّه تعالى عنه من نعم بنى الحريش، والقصواء التي هاجر عليها إلى المدينة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكانت إذ ذاك رباعية، وكانت لا تحمله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي.
والجدعاء هي التي سبقت فشق على المسلمين،
فقال صلى الله عليه وسلم: إن حقا على اللَّه ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه [ (2) ] .
[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (2) ] سبق تخريجه.
وخرّج الدار قطنى من حديث حماد بن زيد، عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب، عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنه قال: كانت العضباء لرجل من بنى عقيل أسر، فأخذت العضباء معه، فأتى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو على حمار عليه قطيفة، فقال: يا محمد على ما تأخذونى وتأخذون العضباء وأنا مسلم؟ فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لو قلتها وأنت تلمك أمرك أفلحت كل الفلاح، ومضى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد! إني جائع فأطعمنى، وإني ظمآن فأسقنى، فقال: هذه حاجتك، ففودى برجلين، وحبس النبي صلى الله عليه وسلم العضباء لرحله، وكانت من سوابق الحاج، فأغار المشركون على سرح المدينة، وأسروا امرأة من المسلمين، قال: وكان المشركون يريحون إبلهم بأفنيتهم، فلما كان الليل نوموا، وعهدت المرأة إلى الإبل، فما كانت تأتى على ناقة منها إلا رغت، حتى أتت على العضباء، فأتت على ناقة ذلول فركبتها حتى أتت المدينة، ونذرت إن اللَّه نجاها لتنحرنها، فلما أتت المدينة عرف الناس الناقة وقالوا: العضباء ناقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: وأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر بنذرها، فقال: بئس ما جزتها، أو جزيتيها، لا نذر في معصية، ولا فيما لا يملك ابن آدم [ (1) ] .
وخرّج مسلم من حديث إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أيوب عن أبى قلابة، عن أبى المهلب، عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنه قال: كانت ثقيف حلفا لبني عقيل، فأسرت بالحلف رجلين من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأسر أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رجلا من بنى عقيل، وأصابوا معه العضباء، فأتى عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق فقال: يا محمد! فأتاه فقال:: ما شأنك؟ فقال: بم أخذتني؟ وبم أخذت سابقه الحاج؟ فقال:
[ (1) ] سبق تخريجه.
إعطاء ما لذلك، أخذتك بجريرة أحمائك بثقيف، ثم انصرف عنه، فناداه فقال: يا محمد! يا محمد! - وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رفيقا رحيما- فرجع إليه فقال: ما شأنك؟ فقال: إني مسلم، قال: لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح، ثم انصرف، فناداه: يا محمد! يا محمد! فأتاه فقال:
ما شأنك؟ قال: إني جائع فأطعمنى، وظمآن فأسقنى، قال: هذه حاجتك [ففودى الرجل بعد][ (1) ] بالرجلين [ (2) ] .
[وفي رواية][ (3) ] : وأسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء، فكانت المرأة في الوثاق، وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق، فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتبركه، حتى تنهى إلى العضباء فلم ترغ- وقال وناقة منوقة- فقعدت على عجزها ثم زجرتها فانطلقت، وندروا بها فطلبوها فأعجزتهم، قال: ونذرت للَّه إن نجّاها اللَّه عليها لتنحرنّها، فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا: العضباء ناقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنها نذرت إن نجّاها اللَّه عز وجل عليها لتنحرنّها، فأتوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: سبحان اللَّه! بئس ما جزتها، نذرت للَّه إن نجّاها اللَّه عليها لتنحرنّها؟ لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد [ (4) ] .
[ (1) ] زيادة للسياق من (سنن أبى داود) .
[ (2) ](سنن أبى داود) : 3/ 609- 612، كتاب الأيمان والنذور، باب (28) في النذر فيما لا يملك، حديث رقم (3316) ، وهو جزء من حديث طويل ذكره أبو داود بطوله. بنحو حديث مسلم، وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 115، كتاب السير، باب (18) ما جاء في قتل الأسارى والفداء، حديث رقم (1568)، وقال: هذا حديث حسن صحيح
…
والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، أن للإمام أن يمنّ على من شاء من الأسارى ويقتل من شاء منهم، ويفدى من شاء.
[ (3) ] زيادة للسياق.
[ (4) ] سبق تخريجه.
وفي رواية على بن مجبر السعدي عن إسماعيل بن إبراهيم: لا وفاء في معصية اللَّه. [وخرجه] من طريق حماد بن زيد، وعبد الوهاب الثقفي كلاهما عن أيوب بهذا الإسناد نحوه [ (1) ] .
ومن حديث حماد بن زيد: وكانت العضباء لرجل من بنى عقيل، وكانت من سوابق الحاج. ومن حديثه أيضا: كانت على ناقة ذلول ممرّسة.
ومن حديث عبد الوهاب الثقفي: وهي ناقة مدربة [ (1) ] .
وخرج أبو داود من حديث حماد بن زيد وإسماعيل بن عليّة، عن أيوب بهذا الإسناد وقال في آخره: قال: فركبتها، ثم جعلت للَّه عليها إن نجّاها اللَّه لتنحرنّها، فلما قدمت المدينة عرفت الناقة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأرسل إليها، فجيء بها، وأخبر بنذرها فقال: بئس ما جزتها أو جزيتيها، إن اللَّه أنجاها عليها لتنحرنّها، لا وفاء لنذر في معصية اللَّه، ولا فيما لا يملك ابن آدم.
[قال] أبو داود: إن المرأة المأسورة امرأة أبى ذرّ رضى اللَّه عنه [ (2) ] .
[وخرج] الترمذي من [حديث] سفيان، عن الربيع بن صبيح، عن يزيد ابن أبان، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: حجّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على رحل رثّ، وعليه قطيفة لا تساوى أربعة دراهم فقال: اللَّهمّ اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة.
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 11/ 108، كتاب النذر، باب (3) لا وفاء لنذر في معصية اللَّه، ولا فيما لا يملك العبد، آخر أحاديث الباب بدون رقم.
[ (2) ] سبق تخريجه.