الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في ذكر من كان يأخذ بزمام راحلة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم]
[قال] الواقدي: حدثني يعقوب بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن أبى صعصعة، عن الحارث بن عبد اللَّه بن كعب، عن أم عمارة قالت:
شهدت عمرة القضية مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكنت قد شهدت الحديبيّة، فكأني انظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين انتهى إلى البيت وهو على راحلته، وابن رواحة آخذ بزمام راحلته، وقد صفّ له المسلمون حين دنا من الركن حتى انتهى إليه، فاستلم الركن بمحجنه مضطبعا [ (1) ] بثوبه على راحلته، والمسلمون يطوفون معه، وقد اضطبعوا بثيابهم، وعبد اللَّه بن رواحة يقول:
خلّوا بنى الكفار عن سبيله
…
إني شهدت أنه رسوله
حقا وكل الخير في سبيله
…
نحن [قتلناكم][ (2) ] على تأويله
[كما ضربناكم على تنزيله][ (3) ]
…
ضربا يزيل الهام [ (4) ] عن [مقيله][ (5) ]
ويذهل الخليل عن خليله
فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه: يا ابن رواحة!
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
[ (1) ] الاضطباع: هو أن يأخذ الإزار أو البرد فيجعل وسطه تحت إبطه الأيمن، ويلقى طرفيه على كتفه الأيسر. (النهاية) .
[ (2) ] في (خ) : «حملناكم» .
[ (3) ] هذا الصدر من (المغازي) .
[ (4) ] الهام: جمع هامة، وهو الرأس.
[ (5) ] المقيل: مستعار من موضع القائلة، ويريد الأعناق.
يا عمر إني أسمع، فأسكت عمر رضى اللَّه عنه [ (1) ] .
وقال في فتح مكة: فلما انتهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، فرآها ومعه المسلمون، تقدم على راحلته، فاستلم الركن. بمحجنه [و][ (2) ] كبرّ، فكبّر المسلمون لتكبيره، فرجّعوا التكبير حتى ارتجّت مكة تكبيرا، حتى جعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليشير إليهم أن اسكتوا، والمشركون فوق الجبال ينظرون، ثم طاف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالبيت، [على راحلته آخذ][ (2) ] بزمامها [محمد بن مسلمة][ (2) ] وحول البيت ثلاثمائة صنم وستون صنما مرصّصة بالرّصاص، وكان هبل أعظمها، وهو وجاه الكعبة على بابها، وإساف ونائلة حيث ينحرون ويذبحون الذبائح،
فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلما مرّ بصنم منهم يشير بقضيب في يده ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [ (3) ] فيقع الصنم لوجهه [ (4) ] .
[قال: حدثني] ابن أبى سيرة، عن حسين بن عبد اللَّه عن عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: ما يزيد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [على] أن يشير بالقضيب إلى الصنم فيقع لوجهه، فطاف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سبعا على راحلته يستلم الركن الأسود بمحجنه في كل طواف، فلما فرغ من سعيه نزل عن راحلته، وجاء معمر بن عبد اللَّه بن نضلة فأخرج راحلته [ (5) ] .
ولما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق مرجعه من تبوك، مكر به أناس من
[ (1) ](مغازي الواقدي) : 2/ 735- 736.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المغازي) .
[ (3) ] الإسراء: 81.
[ (4) ](مغازي الواقدي) : 2/ 831- 832.
[ (5) ](المرجع السابق) : 2/ 832.
المنافقين، وأتمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق، فلما بلغ عليه السلام تلك العقبة، أرادوا أن يسلكوها معه، فأخبر خبرهم، فقال للناس: اسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم وأوسع،
فسلك الناس بطن الوادي، وسلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم العقبة، وأمر عمّار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان [أن] يسوق من خلفه، فبينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسير في العقبة، إذ سمع حسّ القوم قد غشوه، فغضب صلى الله عليه وسلم، وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع حذيفة إليهم [وقد رأوا غضب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم][ (1) ] فجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجن في يده، وظنّ القوم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد أطلع على مكرهم، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فساق به،
فلما خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من العقبة ونزل الناس فقال: يا حذيفة! هل عرفت أحدا من الركب الذين رددتهم؟ قال: يا رسول اللَّه، عرفت راحلة فلان وفلان، وكان القوم متلثّمين فلم أبصرهم من أجل ظلمة الليل،
وكانوا قد أنفروا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فسقط بعض متاع رحله، فكان حمزة بن عمرو الأسلمي يقول: فنوّر لي في أصابعى الخمس [فأضاءت، حتى كفى لجمع][ (2) ] ما سقط [من] السوط والحبل وأشباههما، حتى ما بقي من المتاع شيء إلا جمعناه، وكان [لحق بالنبيّ][ (3) ] صلى الله عليه وسلم في العقبة.
وروى أبو داود عن أم الحسين الأحسنية قالت: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة بن زيد وبلال، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي
[ (1) ] زيادة للسياق من (المغازي) .
[ (2) ] في (المغازي) : «فأضئن حتى كنا نجمع» .
[ (3) ] في (المغازي) : «لحق النبيّ» .
صلى اللَّه عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحرّ حتى رمى جمرة العقبة [ (1) ] .
وذكر أبو عمر يوسف بن عبد البر أن الأسلع بن شريك الأعرجي التميمي خادم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان صاحب راحلته [ (2) ] .
[ (1) ](سنن أبى داود) : 2/ 416- 417، كتاب [مناسك الحج] ، باب (35) ، في المحرم يظلّل، حديث رقم (1834) ، وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الحج، باب (51) استحباب رمى جمرة العقبة يوم النحر ركبا، وبيان
قوله صلى الله عليه وسلم: «لتأخذوا مناسككم» ، حديث رقم (311) ، (312) بسياقة أتم من سياقة أبى داود، ومن سياقة النسائي في (السنن) : كتاب المناسك، باب (220) الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم، حديث رقم (3060) .
وفي هذا الحديث من الفقه: جواز تسميتها حجة الوداع. وفيه جواز الرمي ركبا. وفيه جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره. وعن ابن عمر رضى اللَّه عنه أنه أبصر رجلا على بعيره وهو محرم، قد استظل بينه وبين الشمس فقال: أصح لمن أحرمت له. رواه البيهقي بإسناد صحيح.
وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من محرم يضحى للشمس حتى تغرب إلا غربت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه. رواه البيهقي وضعّفه،
واحتج الجمهور بحديث أم الحصين هذا المذكور في مسلم، ولأنه لا يسمى لبسا، وأما حديث جابر فضعيف كما ذكرنا، مع أنه ليس فيه نهى، وكذا فعل عمر رضى اللَّه عنه، وقول ابن عمر ليس فيه نهى، ولو كان، فحديث أم الحصين مقدم عليه.
(شرح النووي على صحيح مسلم) : 10/ 51- 52 مختصرا.
ولمزيد بيان في هذا الموضوع: راجع (معالم السنن للخطّابى) شرح على (سنن أبى داود) : 2/ 416- 417.
[ (2) ] ترجمته في: (الاستيعاب) : 1/ 139، ترجمة رقم (148) (الإصابة) : 1/ 58- 60، ترجمة رقم (122) ، (123)، (عيون الأثر) : 2/ 311 ذكر خدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقال ابن سيد الناس:
أسلع بن شريك صاحب راحلته صلى الله عليه وسلم.