الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التكالب على الدنيا يورث الذل
[قال الإمام]:
ذكرت في المقال السابق بعض الأحاديث الواردة في الحض على استثمار الأرض، مما لا يدع مجالا للشك في أن الإسلام شرع ذلك للمسلمين ورغَّبهم فيه أيما ترغيب.
واليوم نورد بعض الأحاديث التي قد يتبادر لبعض الأذهان الضعيفة أو القلوب المريضة أنها معارضة للأحاديث المتقدمة، وهي في الحقيقة غير منافية لها، إذا ما أُحسن فهمها، وخلت النفس من اتباع هواها!
الأول: عن أبي أمامة الباهلي قال - ورأى سكة وشيئا من آلة الحرث فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل» .
وقد وَفَّق العلماء بين هذا الحديث والأحاديث المتقدمة في المقال المشار إليه بوجهين اثنين:
أ - أن المراد بالذل ما يلزمهم من حقوق الأرض التي تطالبهم بها الولاة من خراج أو عشر، فمن أدخل نفسه في ذلك فقد عرَّضها للذل.
قال المناوي في «الفيض» : «وليس هذا ذماً للزراعة فإنها محمودة مُثَاب عليها لكثرة أكل العوافي منها، إذ لا تلازم بين ذل الدنيا وحرمان ثواب البعض» .
ولهذا قال ابن التين: «هذا من إخباره صلى الله عليه وآله وسلم بالمغيبات، لأن المشاهد الآن أن
أكثر الظلم إنما هو على أهل الحرث».
ب - أنه محمول على من شغله الحرث والزرع عن القيام بالواجبات كالحرب ونحوه، وإلى هذا ذهب البخاري حيث ترجم للحديث بقوله:
«باب ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع، أو مجاوزة الحد الذي أمر به» .
فإن من المعلوم أن الغلو في السعي وراء الكسب يلهي صاحبه عن الواجب ويحمله على التكالب على الدنيا والإخلاد إلى الأرض والإعراض عن الجهاد، كما هو مشاهد من الكثيرين من الأغنياء.
ويؤيد هذا الوجه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» .
فتأمل كيف بَيَّن هذا الحديث ما أُجمل في حديث أبي أمامة المتقدم قبله، فذكر أن تسليط الذل ليس هو لمجرد الزرع والحرث بل لما اقترن به من الإخلاد إليه والانشغال به عن الجهاد في سبيل الله، فهذا هو المراد بالحديث، وأما الزرع الذي لم يقترن به شيء من ذلك فهو المراد بالأحاديث المرغبة في الحرث فلا تعارض بينها ولا إشكال.
تنبيه: من البواعث على كتابة هذا المقال: أن مستشرقا ألمانيا زعم لأحد الطلاب المسلمين السوريين هناك أن الإسلام يحذر أهله من تعاطي أسباب استثمار الأرض واحتج بهذا الحديث، وقال: إنه في البخاري، متعاميا عن المعنى الذي ذكره البخاري نفسه في ترجمته للحديث السابق.
[ثم أورد الإمام حديث]: