الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تهم وشبهات: السلفيون يعطون
العقيدة أكثر من حجمها
..
مداخلة: بارك الله فيك يا شيخنا! في عندي سؤال ثمة له علاقة، يعني: هو منهجي أيضاً في تتمة البحث لكن ما هو في الجانب الفقهي، لكن في الجانب العقائدي .. من المعلوم أن الدعوة السلفية كذلك فيما تدعو إليه كما تدعو إلى تحكيم الكتاب والسنة في فهم السلف الصالح في المسائل العملية والعبادات وغيرها، فهي كذلك تدعو إلى تحكيم الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح وما عرف بالعقيدة السلفية وتعلمها والحرص عليها؛ لأن البداءة بالإيمان بالله تبارك وتعالى واليوم الآخر هي من مهمات الإسلام.
الشيخ: حق.
مداخلة: ولكن هناك شبهات ثلاث هي في الحقيقة تدور حول نقطة واحدة فلذلك أنا أذكر الشبهات الثلاث وهي يعني: حرصاً على الوقت أجمعها الثلاث شبهات ثم بعد ذلك يكون الرد على ما شئتم.
فيقولون الشبهة الأولى: يقال: أنه لازم من دراسة العقيدة ما يصح به الإيمان وهذا من الممكن تعلمه في دقائق معدودة.
الشبهة الثانية: يقولون: إن دراسة العقيدة على وجه التفصيل ولا سيما في أبواب الردود على الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم يدخلوا الناس فيما لم
يوجب الله عز وجل عليهم معرفته ويعرضهم للافتتان في دينهم كما أن تدريس العقيدة مفصلة يوقع الناس في الحيرة والتذبذب.
الشبهة الثالثة: اتهام العلماء السلفيين بأنهم يدندنون حول مسائل الشرك والتوحيد دون أن يدخلوا في بحث ما تحتاج إليه الأمة من تحكيم الشريعة ومصارعة الطواغيت وإنكار المنكر، ومن غير أن ينقلوا الدعوة إلى واقع عملي تطبيقي.
يعني: هي ثلاث شبهات لكن في الحقيقة كلها مؤداها عدم دراسة العقيدة وعدم الحرص على ..
الشيخ: نعم، أما الشبهة الأولى: فهي كأخرياتها وكأخواتها شنشنة نعرفها من أخزم.
الذي يقول: أن العقيدة يمكن تلقيها في دقائق، نسأل هذا القائل: ما هي هذه العقيدة التي يمكن أن يتلقاها المسلم في دقائق؟ هل يعني هو أن يتلقى العقيدة مجملاً في دقائق أم تفصيلياً في دقائق؟ إن قال: مجملاً، نحن نقول: يمكن هذا إجمالاً، كما هو في حديث الإيمان:«أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه» إلى آخره.
أما إن قال: أيضاً يمكن تلقي العقيدة تفصيلياً في دقائق فنحن سنقول له: أولاً: هل تعني العرب أم تعني العجم؟ فمن قوله أعني العرب أليس كذلك - أنت شاعر بالمشكلة انصب حالك يعني: مدافعاً عنهم أو معبراً عن شبهتهم - فسنقول له: جزاك الله خير فإن كنت تقصد العرب فقط فهذه أول خطيئة؛ لأنك تعلم أن الإسلام لم يرسل إلى العرب خاصة وإنما أرسل إلى الناس كافة، ثم نقول: ثانياً: هل تعني العرب الأقحاح الذين يفهمون اللغة العربية لغة القرآن الكريم دون أن يتعلموا؟ فإن قال: نعم، نقول أيضاً: جهلت؛ لأن العرب دخلتهم
العجمة وأصبح من يعيش في عقر البلاد العربية لا يستطيع أن يفهم القرآن وهو نزل بلغة العرب إلا بدارسة مقدمات لغوية وعلوم يسمونها اصطلاحاً بعلوم الآلة ونحو ذلك.
حينئذ نتوصل إلى القول بأن هذا العالم الذي يريد أن يعلم الناس العقيدة التي جاءت في الكتاب والسنة، هل هو يعيش في جو يشبه الجو الأول السلفي الأول .. الذي يمثل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه، أم هو يعيش في أجواء من التفرق الفكري والتفسخ الأخلاقي والسلوكي، أظن أيضاً سيكون جوابه إن شاء الله على الحق أنه يقول: لا، هو يعيش الآن في جو يختلف كل الاختلاف عن الجو السابق.
إذاً: هذا الذي يقول: أنه يمكن فهم العقيدة وعلى الوجه التفصيلي الذي جاء في الكتاب والسنة في دقائق فإنما هو يعيش في خيال، ثم نحن نجعله تحت أمر واقع، أعطني نرى العقيدة في دقائق هبني أنا رجل بدوي آت من الصحراء أريد أن أتعلم العقيدة الإسلامية ما فيها؟
مداخلة: هو يربط .. قائل هذا القول يربط بين العقيدة وبين ما تصح به العقيدة، فيقول: إن الإنسان حينما يطالب بالإسلام إنما يؤمر بمعرفة الله عز وجل معرفة عامة وبأن يشهد أن لا إله إلا الله ويؤمن بما عرف به النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإيمان أو كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ..
الشيخ: هذا يعود إلى كلامي السابق إجمالاً ..
مداخلة: نعم.
الشيخ: طيب! لكن هو لا يؤمن معنا بأنه يجب بعد ذلك أن يتعلم الإسلام تفصيلياً على اعتبار أن العلم ينقسم إلى قسمين: علم عيني وعلم كفائي، وهذا ما
أظن أحد ينكره، الآن هو يتكلم عن الرجل .. انظر الآن ضلال هؤلاء الناس الذين يعيشوا في الأحلام يتصورون أولاً: أن مجتمعنا هو مجتمع الرسول عليه السلام، ثانياً: يتصور كل مسلم مسلم ابن مسلم ابن مسلم والله أعلم أين ينتهي، يتصور أنه اليوم أسلم، يا أخي هناك فرق بين الذي دخل في الإسلام حديثاً وبين الذي يعيش في مجتمع إسلامي فهذا يختلف عن الأول تماماً، رجل كافر يريد أن يسلم ماذا سنقول له؟ قل: أشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، أصبح مسلم بشهادة الحديث الصحيح:«فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» .
ولا يتعلم لا العقيدة بتفاصيلها ولا العبادة بتفاصيلها ما أظن يصل الجهل إلى الاعتراف بمثل هذا الإسلام المجمل، لا بد أن يقول: لا، يجب عليك فيما بعد أن مثلاً: يتعلم كيفية الطهارة .. كيفية الصلاة .. كيفية الصيام مثلاً إذا جاء شهر رمضان إلى آخره، هذه التفاصيل لا بد أن يتعلمها ليتم إسلامه.
ترى! الإيمان أليس كذلك .. هذا الإيمان المجمل الذي نقلته عنهم .. أليس هو: «وبكتبه وبرسله» إجمالاً ترى! إذا جاء التفصيل ماذا يقولون عنه؟ يجب الإيمان إذا جاءه التفصيل .. يجب الإيمان به أم لا؟
مداخلة: لا شك أنه يجب الإيمان به إذا جاءه التفصيل.
الشيخ: وهكذا، يعني: هل يتصور أنهم يقولون: لا؟ !
مداخلة: هم لا يقولون لا مثل ما ذكرت هنا يا شيخ، لكنهم وقعوا في الجزء الذي ذكرته أنهم وقعوا في الجهل المطبق حيث أنهم
…
الشيخ: نعم، هذا هو، ولذلك فنحن يجب أن نكون وهم أن يكونوا معنا في الواقع، واقعنا الآن والحقيقة هذا الذي يجعل دعوتنا ليست بالسهلة، الناس اليوم
يفهمون أنه ممكن الإنسان يعرف الإسلام كله في جلسة واحدة؛ لأنهم يأتوك بالمثال الأعرابي: «هل علي غيرهن، قال: لا، إلا أن تطوع» يا أخي! ذاك إسلام لم يكمل، جاء من البدو يريد أن يسلم، لكن ما زال الإسلام ينزل بأحكامه بجهاده بكذا بكذا إلى آخره.
فنحن الآن لا يجب علينا، بل لا يجوز لنا أن نرجع القهقرى، نحن يجب أن نتبنى هذا الإسلام جملة وتفصيلاً فإذا ما وقع المسلم في مثل هذا الجو المختلف فيه أشد الاختلاف وكما ذكرنا آنفاً مع الدكتور ثلاثة وسبعين فرقة لا ينجوا منها إلا فرقة واحدة:«قالوا: من يا رسول الله! قال: هي التي على ما أنا عليه وأصحابي» نحن الآن ألسنا يجب علينا وعليهم هؤلاء السائلين الشاكين المرتابين
…
أليس من الواجب عليهم أن يحرصوا أن يكونوا من الفرقة الناجية؟ لا شك أنه سيكون جوابهم نعم.
يا أخي! أنت لست الآن في زمن الرسول تأتي وتجلس مع الرسول وتسمع الحكم منه مباشرةً بينك وبين الرسول أربعة عشر قرناً وفي أمامك وفي طريقك عثرات وعثرات، سيأتيك حديث بل ستأتيك آية لو كنت بين يدي الرسول يكفيك المؤنة إذا أشكل عليك معناها مثل ما وقع بالنسبة لبعض الصحابة حينما أشكل عليهم آية:{وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] تذكرون الآية والحديث؟ قالوا: «إذاً: أينا ليس ذاك الرجل الذي ظلم نفسه؟ قال: ليس ذاك، ألم تقرؤوا قول الله تبارك وتعالى: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]» فأزال الرسول عليه السلام هذه الشبهة من أذهانهم، فأنت أيها المسلم في القرن الرابع عشر في أول الخامس عشر لست في صحبة الرسول حتى إذا أشكل عليك يأتي يعطيك الجواب وتسلم تسليماً، أمامك هذه
المسافات الطويلة، تريد أن تعرف هذا الحديث صحيح أو غير صحيح؟ تريد أن تعرف هذا الحكم هل أخذ من الكتاب أم من السنة أم الإجماع الذي يصير فيه خلاف تارةً في تصحيحه وفي تضعيفه، أم من القياس، ثم هذا القياس هل هو قياس جلي أم هو قياس خفي، الآن وضعنا غير ذاك الوضع يا مساكين وأن الجهل بهذا العلم .. يستسهلوا الأمر ويقول لك: ممكن العقيدة يتعلمها في دقائق معدودة.
ولذلك فنحن حقيقة يجب أن نمضي قدماً في طريقنا الشاق الطويل المديد وأنا أقول في بعض الكلمات عندما أذكر قوله عليه السلام حينما كان جالساً بين أصحابه فتلا قوله تعالى وخط على أرض خطاً مستقيماً: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] جاء الحديث مصوراً في بعض كتب الحديث بأن الخط المستقيم طويل والخطوط التي حوله خطوط قصيرة .. أنا أفهم من هذا الحديث غير ما نطق به الرسول أكثر مما نطق به الرسول، أي: أفهم الشيء الذي نطق به الرسول زائد ما أشار إليه الرسول بهذا الرسم الرائع البديع الخط المستقيم هو الصراط والخطوط القصيرة هي التي على رأس .. على كل خط منها شيطان يدعو الناس إليه، هذا الشيطان وأنا سمعت هذا بأذني هاتين بعض من يزعمون أنهم يدعون إلى الإسلام ويريدون أن يقيموا دولة الإسلام على طريقة القفز إلى رأس الأهرام بخطوة واحدة.
يقولوا: والله دعوتكم الحقيقة صحيحة لكن يا أخي! طريق طويل شاق متى سنصل إلى إقامة الدولة المسلمة والمجتمع الإسلامي .. وأنا أقول: الرسول رسم هذا الخط رداً على هؤلاء يقول لهم: انظروا هذا الخط الطويل حُفَّ
بالمكاره .. انظروا هذه الخطوط القصيرة حفت بالشهوات، فهم يريدون أن يصلوا بالطرق القصيرة هذه ولن يصلوا أبداً وتجربة هذا العصر من طوائف من الجماعات الإسلامية أكبر دليل على أن على رأس كل شيطان عملياً يدعو الناس إليه فيخرجون على الخط المستقيم، ونحن علينا أن نبقى في هذا الخط المستقيم ولا يضيرنا ولا يهمنا أن الناس يقولوا: هذا خط طويل وشاق وو إلى آخره.
وبهذه المناسبة يعجبني كلام ذلك الشاعر العربي الجاهلي وأتمنى أن يكون في المسلمين من يكون تفكيرهم في الإسلام كتفكيره في جاهليته هو .. ذلك هو امرؤ القيس الذي قال:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
…
وأيقن أنا لاحقين بقيصرا
فقلت له: لا تبك عينيك إنما
…
نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا
ما علينا نحن إذا استمررنا نمشي في الصراط المستقيم وما وصلنا لإقامة الدولة المسلمة، هذا العالم الإسلامي صار له قرون يتخبط في البعد عن الكتاب والسنة فإذا نحن أخذنا الصراط المستقيم ومشينا خطوات قليلة .. متى سنصل؟ ! ليس مهم أن نصل المهم أن نمشي في الخط المستقيم، ذلك الجاهلي فهم الحقيقة الواقعية العلمية وإن كان هدفه ماذا؟ هدفه الدنيا .. هدفه الملك .. لكن يقول: نحاول ملكاً أو نموت فنعذر، ونحن هكذا مع ربنا تبارك وتعالى نحاول أن نعيد الحياة الإسلامية، وأن نقيم الدولة المسلمة بعد محاولة إعادة الحياة الإسلامية فإن وصلنا فبها وإن لم نصل فلسنا مكلفين؛ لأن الأمر كله بيد الله تبارك وتعالى، كل ما نحن مكلفين أن نمشي سوياً على صراط مستقيم.
لذلك هذه الأسئلة .. هذه الشبهات في الواقع أتت بسبب انحرافهم عن الخط المستقيم إلى خط من هذه الخطوط القصيرة التي تخرج بأصحابها عن الخط
المستقيم.
مداخلة: في نفس المسألة في الحقيقة هناك شبهة أيضاً التي تحتاج إلى ذكر لأنه يعاني منها أيضاً السلفيون ليس عندهم شائبة عنف أو من هذا النوع يعني، لكنهم يتصورون العقيدة تصور مرتبط مع كتب شيخ الإسلام ابن تيمية كالتدمرية وغيرها وردوده على الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، فيتصورون أن دراسة العقيدة هي دارسة هذه الكتب فقط فتراهم يعزفون عن دراستها ويعكفون على دراسة كتب أخرى قد تكون تؤدي بهم مع الاستمرار إلى حصول أخطاء منهجية في الحقيقة ..
الشيخ: على كل حال نحن نريد من إخواننا أنهم لا يتصورون أن كل فرد منهم يمكن أن يصير عالماً فهو عليه إذا شعر بأنه يجد في نفسه استعداداً للمضي قدماً في طلب العلم فنحن ننصحه حقيقة بأن يقرأ كتب العلماء الذين عرفوا بسلامة منهجهم عن الانحراف يميناً ويساراً والتأثر بعلم الكلام، وإذا كانوا لا يشعرون بأنفسهم شيء من ذلك فعليهم أن يأخذوا العلم سواء كان عقيدة أو كان عبادة من أقرب طريق سواء من علم العلماء الأحياء إذا كان لهم وصول إليهم، أو من الكتب التي ألفت بطريقة موجزة لا تدخل معهم في المجادلات الطويلة مع الفرق المخالفة؛ لأن الخوض في هذه المسائل قد تضر بمن لا استعداد عنده؛ لأن مناقشة المخالفين كثيراً ما تؤدي بالمناقش نفسه أحياناً أن ينحرف بعض الشيء ولو في مسألة واحدة عن الخط الذي ينبغي أن يسلكه مستقيماً.
(الهدى والنور /351/ 50: 15: 00)