الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفِرَق والجماعات الموجودة في الساحة
مداخلة: سماحة الشيخ!
…
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
إننا نتفق ونحن نشهد الله على محبتك .. سماحة الشيخ! كثرت هذه الأيام
…
الملل والنحل والفرق والجماعات والتي
…
البعض من
…
لها والمؤيدين لها أنهم على نهج المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، بينما الحقيقة أنهم على غير نهج المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حسب
…
شخصياً
…
هذه الفرق والجماعات وخطرها على الإسلام والمسلمين خاصة الشباب منهم؛ لأنه متدين
…
لمن يروجون لهذه الفرق المنحرفة
…
والبعض من هذه الجهات يندمج تحت اسم الإخوان المسلمين ويستعملون
…
وهذا لا يخفى على سماحتكم، فما حكم
…
من هذه الفرق والجماعات في أيامنا هذه من يروج
…
ويقول: لا تقولوا
…
والبعض منهم من الدعاة ويرقبون للشباب الذين يقدمون في المحاضرات حتى ولو كان سماحتهم أو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز إذا ورد سؤال يتضمن الفرق أو الجماعات أو
…
فأصلوه فنشروه
…
سماحتكم
…
والافتراء لهؤلاء أثابكم الله بصورة عامة؟
الشيخ: أولاً: أشكر كل من كان يحبنا في الله تبارك وتعالى، وأسأل الله عز وجل أن يجعل حبنا في الله حباً صادقاً من شروطه التناصح في الله، وألا يماري بعضنا بعضاً ولا أن يسامح بعضنا بعضاً وأن يغضوا النظر عن بعض أهوائه أو أخطائه وإنما يذكر بعضنا بعضاً من باب قوله عليه الصلاة والسلام: «الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله
ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» فلا يجوز لأي جماعة أو لأي طائفة من المسلمين ألا ينكروا على بعضهم [عليهم] أن يقوموا بواجب تقديم النصيحة فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من الأسس التي قام عليها الإسلام، وهذا أمر معروف من ضروريات الدين أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من الواجبات التي يجب أن يقوم بها كل من علم شيئاً من أمور الدين وكان في ذلك على بصيرة من دينه ولا شك أن مجرد ادعاء شخص ما أو طائفة ما أنه على الكتاب والسنة فذلك لا يكفي بداهةً لأننا نطالب كل مدعٍ سواء كان فرداً أو جماعة أن يبين لنا الدليل العملي على ما يؤكد دعواه وإلا فالأمر كما قيل:
والدعاوي ما لم تقيموا عليها
…
بينات أبناؤها أدعياء
وربنا عز وجل علمنا كيف نبادل المخالفين سواء كانوا من المشركين أو كانوا من المنحرفين عن كتاب الله وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نقول لهم تارةً بلسان حالنا وتارة بلسان قالنا: {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] فنحن نرى أن كثيراً من الجماعات التي أصبحت اليوم تدعي أنها على الكتاب والسنة حينما وجدت هذه الجماعات أن العالم الإسلام جله إن لم نقل كله قد فاء واستيقظ لهذه الحقيقة أن الإسلام ليس قول الرئيس الفلاني أو الإمام الفلاني أو الأمير الفلاني وإنما هو كما قال ابن القيم الجوزية رحمه الله:
العلم قال الله قال رسوله
…
قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة
…
بين الرسول ورأي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها
…
حذراً من التعطيل والتشبيه
فالذي يقول إنه على الكتاب والسنة لا نكتفي بقوله هذا بل نريد أن يدخل
معنا العمل بالقول وإلا جاء قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2 - 3].
وإذا كان الأمر كذلك فنبينا صلوات الله وسلامه عليه قد بلغ الرسالة ونصح الأمة وبالغ في النصيحة حتى أنه عليه الصلاة والسلام تحدث وليس باجتهاد من عند نفسه وإنما هو بوحي من ربه حين قال عليه الصلاة والسلام: «تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: هي ما أنا عليه وأصحابي» وفي رواية: «هي الجماعة» أي: جماعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأصحابه الذين فارقهم عليه الصلاة والسلام وهم على سنته.
إحدى الروايتين تفسر الأخرى، ما أنا عليه وأصحابي هو التفسير للرواية الأخرى وهي الجماعة، وكذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه العرباض بن سارية في الحديث المشهور في السنن وغيرها، قال:«وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: أوصنا يا رسول الله، قال: أوصيكم بالسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» وفي حديث جابر في صحيح مسلم وغيره والزيادة للنسائي: «وكل ضلالة في النار» .
هذا الحديث أيضاً بين أن الاختلاف سيقع بين المسلمين فيما يأتي من الزمن قريباً أو بعيداً والنجاة من ذلك إنما يكون بالتمسك لا أقول فقط كما يقوله كل الدعاة اليوم وهذا الفصل بيننا وبينهم؛ لأن الرجوع للكتاب والسنة هذه الكلمة
يقولها كل طائفة على وجه الأرض لا تزال تنتمي إلى الإسلام حتى الشيعة وحتى الرافضة لا يتبرؤون من الكتاب والسنة ولكنهم يتبرؤون من السلف الصالح وكذلك كل الطوائف والجماعات الأخرى الذين لما شعروا بما أشرت إليه آنفاً من أن موجة العصر الحاضر الرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم أو بغير فهم .. بعمل أو بغير عمل .. المهم الرجوع إلى الكتاب والسنة وإلى الإسلام، أما هذا الإسلام فيلون بألوان كثيرة وكثيرة جداً حتى قيل يوجد أشياء لم تخطر في بال أن تسمى مثلاً بعض الأناشيد التي فيها انحرافاً بعضها في معانيها وبعضها في تلاحينها سميت بالأناشيد الإسلامية، من قبل لم يكن هذا الاسم كانت هناك أناشيد صوفية وما شابه ذلك، فلما انتبه العالم كل العالم الإسلامي إلى أن الصوفية أصبحت منبوذة ولا يهتم بها المسلمون بعامة استبدلوا الأناشيد الإسلامية بالأناشيد الصوفية ترويجاً للبضاعة لا شيء هي هي نفسها ولكن كما قال عليه السلام فيما سبق من أحاديث في هذه الجلسة أنه قال:«يكون في أمتي أقوام يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها» .
الشاهد: فلا توجد طائفة تنتمي إلى الإسلام تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلوات الخمس، وتصوم رمضان، وتزكي الأموال وتحج إلى بيت الله الحرام إلا كلهم يقولون على الكتاب والسنة، أما الحكم الفصل وهو ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الحديثين السابقين حديث الفرق أن الجماعة ما أنا عليه وأصحابي وما كان عليه الخلفاء الراشدون هذا هو الحكم الفصل بين الدعاة الصادقين هو الرجوع إلى الكتاب والسنة وهم يفهمون ذلك على ما كان عليه سلفنا الصالح؛ ولذلك قال تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] لم يقل ربنا عز وجل: «ومن شاقق الرسول من بعد ما تبين له
الهدى نوله ما تولى» وإنما جاء بجملة لها أهمية جداً وهي ما نحن بصدده فيجب علينا أن لا نشاقق الرسول وألا نخالفه على ضوء اتباعنا لسبيل المؤمنين الأولين وإنما هم أهل القرون الثلاثة الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» هذه القرون الثلاثة ما كانوا عليه هو سبيل المؤمنين فلا يجوز لمن كان سابقاً في ادعائه أنه على الكتاب والسنة ومخلصاً في ذلك إلا أن يفهم الكتاب والسنة وعلى ما كان عليه سلفنا الصالح.
فلذلك فكل جماعة تدعي الانتماء إلى الكتاب والسنة فيجب أن يظهروا انتماءهم كما هم كانوا يقولون قديماً ولم نعد نسمع ذلك حديثاً كانوا يقولون: نريد الإسلام يمشي على وجه الأرض وهذه الحقيقة مهمة جداً، نحن نريدهم أيضاً أن يكون إسلامهم مطبقاً عملياً يمشي على وجه الأرض في كل ما يأتونه وما يضعونه، فنحن نرى مع الأسف الشديد أن أي جماعة من الجماعات المشار إليها في سؤال السائل لا تتبنى الإسلام منهجاً في حياتها وعلى ما ذكرنا من منهج السلف الصالح إلا من ينتمون لأسماء تؤدي إلى معنى واحد، تارةً يقال عنهم السلفيون أتباع السلف الصالح .. ليسوا أتباع الآباء والأجداد إنما أتباع السلف الصالح الذين سلف ذكرهم في حديث القرون الثلاثة، ويقال عنهم في بعض البلاد الأخرى بأنهم أهل الحديث، وفي بلاد أخرى إنهم أنصار السنة، لا نجد على وجه الأرض من جماعات يطبقون الإسلام عملياً في كل نواحي حياتهم وينهجون منهج ذلك الرجل الذي قضي عليه مع الأسف الشديد بعد أن بدأ فتبين له حقائق الدعوة السلفية فكان عنوان بعض كتبه: لا إله إلا الله منهج حياة.
لم يدر هؤلاء الناس على هذه الحقيقة العلمية إلا في بعض الأمور الشكلية
فتراهم يصلون وكل فرد منهم لا يدري على صلاة الرسول عليه السلام ولا يهتم بها، وقد يسمي بعضهم الاهتمام بتصحيح عبادات الناس سواء كان ذلك طهارة أو صلاةً أو حجاً أو قياماً هذا من توافه الأمور ومن القشور، ونحن نريد الاهتمام باللباب هكذا يقول بعضهم ولا نعمم لكننا سمعنا هذا من كثير من أفرادهم وذلك يدلنا دلالة واضحة على أنهم لا يريدون أن يتبنوا الإسلام كلاً لا نفرق بين الله ورسوله .. لا نفرق بين رسوله وبين أصحابه كما مقتضى تلك الأدلة وإنما هم يهتدون بالجانب السياسي من الإسلام وإذا عني بهذا الجانب فقط فقد خالفوا النهج الذي كانوا يدندنون قديماً حوله نريد إسلاماً يمشي على وجه الأرض.
ويعجبني بهذه المناسبة قول بعض كبارهم حين قال كلمة أرجو أن يطبقها كل مسلم وأولهم هؤلاء الذين ينتمون إلى من قال هذه الكلمة قال: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم في أرضكم، هذه في الحقيقة في اعتقادي حكمة بالغة؛ لأن المسلمين إذا لم يصححوا عقائدهم التي محلها قلوبهم ثم لم يصححوا عباداتهم التي هي سبب تقوية الإيمان في قلوبهم كما أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المعروف من حديث النعمان بن بشير الذي أوله:«إن الحلال بين والحرام بين» إلى أن قال عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» فكلما اهتم المسلم بإصلاح ظاهره وذلك لا يكون إلا بإصلاح عباداته وفق الكتاب والسنة وبإصلاح سلوكه ومنطلقه في حياته فلا يمكن أبداً أن يقيموا دولة الإسلام في قلوبهم إلا بهذا الطريق الذي شرعه الرسول عليه السلام حين قال في حديث النعمان: «إلا وإن في الجسد مضعة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» .
فإذاً: عليهم جميعاً هذه الجماعات إن كانوا صادقين بأنهم يتبنون الكتاب والسنة .. عليهم أولاً أن يطبقوه على منهج السلف الصالح، وثانياً: أن يطبقوه في أنفسهم وفي غيرهم في حدود استطاعتهم ولا يفكروا في إقامة الدولة المسلمة التي تحتاج إلى شروط كثيرة وكثيرة جداً أولها اجتماع القلوب .. قلوب المسلمين على مذهب مستقيم وليس .... إلا كما قال رب العالمين: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] فالسبيل الذي أشار الله عز وجل في هذه الآية الكريمة هو ما كان عليه الرسول عليه السلام وأصحابه.
وقد جاء في مستدرك الحاكم وغيره من حديث ابن مسعود: «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خط ذات يوم خطاً مستقيماً على الأرض ثم خط حوله خطوطاً قصيرة ثم قرأ عليه الصلاة والسلام تلك الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]» ثم زاد عليه الصلاة والسلام تبياناً لهذه الآية كما هو مأمور به في القرآن: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] قال عليه الصلاة والسلام مشيراً إلى الخط المستقيم: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 153] ثم أشار إلى الخطوط القصيرة التي حول الخط المستقيم فقال: «هذه طرق وعلى رأس كل طريق منها شيطان يدعو الناس إليه» .
هذه الطرق القصيرة هي في الواقع تمثل تنفيذاً دقيقاً جداً وكأنما النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الرسم الحلال كان ينبئ المسلمين بما سيقع من الاختلاف والاقتصار على سلوك الطرق القصيرة؛ لأننا سمعناها بآذاننا هذه أكثر من مرة يقولون: لا شك أن هذه الدعوة التي أنتم عليها من الرجوع إلى الكتاب
…
والسنة في كل ما اختلف فيه الناس وعلى منهج السلف الصالح لا شك أن هذه الدعوة هي دعوة الحق
ولكن هذا يحتاج إلى زمن طويل فمتى نصل .. هذا سؤال غريب من مسلمين يريدون أن يحققوا الطرق التي أشار إليها الرسول عليه السلام أنها على رأس كل طريق منها شيطان يدعو الناس إليه.
فنحن نقرأ في الشعر الجاهلي كلاماً أعجب كيف يخفى معناه؛ لأنه حق وبخاصة بالنسبة لمن يمشي على الصراط المستقيم، أنا لست بشاعر ولا أحفظ الشعر إلا نادراً جداً ولكن لإعجابي بهذا النوع من الشعر وربما تساعدني ذاكرتي أن أسوقه لكم ألا وهو قول امرئ القيس:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
…
وأيقن أنا لاحقين بقصير
فقلت له لا تبك عينك إنما
…
نحاول ملكاً أو نموت فنعذر
كافر مشرك يعبد الأصنام يعزي صاحبه .. ما علينا نحن علينا أن نحاول ثم
…
على الله .. نحاول ملكاً أو نموت فنعذر، الإسلاميون الآن بعضهم يريدون أن يتسلقوا السبل كرة واحدة ويريدون أن يقيموها دولة مسلمة وهم إلى الآن ما أقاموا دولة الإسلام في قلوبهم كما أمرهم رئيسهم الأول رحمه الله.
في ختام هذه الكلمة كلمة إنصاف ما يجوز لنا أن نكتم العلم ولا أن نطعن في أشخاص قد يكونون معنا في كثير من دعوتنا وقد يخالفوننا في بعض منهجنا فالله عز وجل كما قال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة: 7 - 8].
أنا أعلم بتجربتي الخاصة في هذا الدرب الطويل الذي قضيته أكثر من نصف قرن من الزمان في العلم في الكتاب والسنة وفي مخالطة جماعات كثيرة من الجماعات الإسلامية الأخرى الذين لا يتبنون عملياً منهجنا السلفي أعرف منهم كثيرين من رؤوسهم فضلاً عمن دونهم يتبنون المنهج السلفي عقيدة وفكراً ولكن مع الأسف الشديد لا يطبقونه عملياً ولا يدعون إليه؛ لأن منهجهم قد
انحرف عن هذه الدعوة؛ لأن هذا المنهج قد قام على أساس أعبر أنا عنه بأنهم يدعون إلى تكثير الناس وتجميعهم ثم إلى تثقيفهم ثم بعد ذلك لا تكثير ولا تثقيف وقد مضى عليهم أكثر من نصف قرن من الزمان وقد انبح صوتهم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائدهم وأكثرهم إلى العصر إلا من قيض الله له مجتمعاً صالحاً كهذا المجتمع هنا أو هناك عرفوا العقيدة الصحيحة فآمنوا بها ولكن ارتضوها فقط لأنفسهم ولا يرون من صالح دعوتهم أن يدعو الناس إلها لماذا؟ لأنه يخالف أساس دعوتهم القائمة على أساس كثر ثم ثقف، أما دعوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهي على العكس من ذلك ثقف .. {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] ثم لا عليك: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29].
هذه هي دعوتنا وهذه هي طريقتنا ولا يمكن نحن نقطع بهذا جازمين أن تقوم قائمة الدولة المسلمة التي لا يختلف فيها كل الإسلاميين من وجوب تحقيقها ولكن اختلفت الوسائل والأسباب فمن أخذ بالوسائل التي جاء بها الشرع وهي قد لخصها ذلك الداعية في هذه الكلمة الجوهرية: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم في أرضكم، أي: كما قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105].
وبهذا القدر كفاية، والحمد لله رب العالمين.
(رحلة النور 06 ب/00: 12: 11)