الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بماذا تبرأ ذمة المسلم الذي
لا يستطيع أن يُغَيِّر واقعه
؟
الملقي: بارك الله فيك، قلت: بماذا تبرأ ذمة المسلم في هذا العصر، إذا كان لا يمكنه مثلاً تغيير منكرٍ عظيم يكرهه ويبغضه؟ أو تغيير واقع كما تفضَّلت قبل قليل؟
الشيخ: كلٌ من المسلمين بحسبه، العالم يجب عليه ما لا يجب على غير العالم، وكما أقول في مثل هذه المناسبة إن الله عز وجل قد أكمل النعمة بكتابه وجعله دستوراً للمسلمين والمؤمنين به، من ذلك أن الله عز وجل حينما قال:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، فهو تبارك وتعالى في هذه الآية قد جعل المجتمع الإسلامي قسمين: عالم، وغير عالم، وأوجب على كل منهما ما لم يوجبه على الآخر، أوجب على القسم الآخر الذين ليسوا بعلماء أن يسألوا أهل العلم، وأوجب على هؤلاء أن يجيبوهم عما سألوهم عنه، فإذاً هناك عالم واجبه أن يُعَلِّم، وغير عالم واجبه أن يتعلم، فإذاً الواجبات تختلف باختلاف الأشخاص، فالعالم اليوم عليه أن يدعو إلى دعوة الحق وفي حدود الاستطاعة، وغير العالم عليه أن يسأل عما يهمه فيما يتعلق بنفسه وبمن كان هو راعياً عليه، كزوجة أو ولد أو نحوه، فإذا قام كل مسلم من الفريقين العالم وغير العالم بما يستطيع فالله عز وجل يقول:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، نحن مع الأسف نعيش في مأساة ألمَّت بالمسلمين لا يعرف التاريخ الإسلامي لها
مثيلاً وهو أن الكفار تداعوا على محاربة المسلمين كما أخبر النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في مثل قوله المعروف والصحيح والحمد لله: «ستداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها» ، قالوا: أومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: «لا، أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله الرهبة من قلوب عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن» ، قالوا: وما الوهن يا رسول الله، قال:«حب الدنيا، وكراهية الموت» ، فواجب العلماء إذاً أن يجاهدوا في المسلمين بتعليمهم، أما أن يجاهدوا هؤلاء الكفار الذين تداعوا من كل جانب على محاربة المسلمين فما دام أنهم ليست لهم قيادة، وليس لهم إمام يقودهم ويوجههم، فهم لا يستطيعون الآن مثل هذا الجهاد، ولكن
عليهم أن يتخذوا كل وسيلة بإمكانهم أن يتخذوها، نحن الآن كأفراد لا نستطيع أن نتسلح سلاحاً مادياً، ولو استطعنا فلا نستطيع أن نتحرك فعلاً؛ لأن هناك قيادات وهناك حكام يتبنون سياسة لا تتفق مع السياسة الشرعية مع الأسف الشديد، لكننا نستطيع أن نحقق الأمرين العظيمين اللذين ذكرتهما آنفاً وهما: التصفية، والتربية، حينما يقوم المسلمون أو دعاة المسلمون بمثل هذا الواجب في بلد ما، ويتكتلون على هذا الأساس، فأنا أعتقد أنهم يومئذٍ يصدق فيهم قوله تبارك وتعالى، يومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله تبارك وتعالى، إذاً واجب كل مسلم أن يعمل استطاعته، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
الملقي: تباعاً لهذا يا شيخ سؤال يعني يلحق بهذا.
الشيخ: نعم.
الملقي: هل نفهم من كلامك يا شيخ أنه لا تلازمُ بين إقامة التوحيد الصحيح، والعبادة الصحيحة، وبين إقامة الدولة الإسلامية؟
الشيخ: لا، لا تلازم لأن هناك بلا شك، وهذا أمر معروف، أن بعض الأزمنة قد تكون العزلة هي خير من المخالطة، فيعتزل المسلم في شعب من هذه الشعاب، ويعيش هناك وحده يعبد ربه عز وجل، ويكتفي شر الناس إليه وشره إليهم، فهذا أمر قد جاءت فيه أحاديث كثيرة وكثيرة جداً، وإن كان الأصل كما جاء في حديث ابن عمر:«المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم» ، الدولة المسلمة بلا شك هي وسيلة لإقامة حكم الله في الأرض، ولذلك نحن في مثل هذه المناسبة نقول لبعض الدعاة الإسلاميين الذين يهتمون بإقامة الدولة المسلمة، وهذا ليس في ملكهم ولا في قدرتهم ولا في طاقتهم من عجائبهم أنهم يهتمون بما لا يستطيعون القيام به، ويدعون في أنفسهم مجاهدة أنفسهم وإقامة الدولة كما قال ذلك الداعية المسلم الذي نصح جماعته بقولته تلك ثم هم لم يستنصحوا: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم؛ تقمْ لكم في أرضكم، فنحن نجد كثيراً من هؤلاء الذين يدعون مثلاً كما يقولون لتخصيص وإفراد الله عز وجل بالحكم يعبرون عن ذلك بالعبارة المعروفة: الحاكمية لله، لا شك أن الحكم لله وحده ولا شريك له في ذلك ولا في غيره، ومع ذلك فهم لا يحققون الـ لا حكم إلا لله؛ في أنفسهم وذلك في طاقتهم وفي قدرتهم، مثلاً: بعضهم لا يزال يصر على التمسك بعبادة الله على ما وجد عليه آباءه وأجداده وأحسن منه من درس مذهباً من المذاهب الأربعة المتبعة اليوم ثم حينما تأتيه السنة الصحيحة الصريحة يقول: لا هذا خلاف مذهبي، فأين الحكم بما أنزل الله، هم يطالبون غيرهم، بما هم لا يطالبون به أنفسهم، من السهل جداً أن تطبق حكم الله في دارك، في بيعك، في شرائك، بينما من الصعب جداً أن تحول هذا الحاكم الذي يحكم في كثير من أحكامه بغير ما أنزل الله، فلماذا تترك الميسر إلى المعسر، هذا يدل على أحد شيئين، إما هناك
سوء تربية وسوء توجيه، وإما أنه هناك سوء عقيدة هي التي تصرفهم
إلى الاهتمام بما لا يستطيعون تحقيقه عن الاهتمام بما هو في استطاعتهم القيام به، لهذا بارك الله فيك نحن نهتم دائماً وأبداً بالتصفية والتربية وإذا انصرف أحد الدعاة عن واحد من هذين الأمرين لم ينجح في دعوته، فإذاً على كل مسلم عالم أو غير عالم أن يعمل وأن يتق الله عز وجل في حدود استطاعته، وأن يقدم الأهم على المهم، وأن يدع الأمور التي لا فائدة منها سوى إثارة الحماس وإثارة الفتن والمشاكل التي لا بد منها يوماً ما، لكن يوم تكون هذه الإثارة خيرها أكثر من شرها، وضررها أقل من نفعها، أما اليوم فأنا أرى الاشتغال كل الاشتغال بالتصفية والتربية، وكل في حدود استطاعته، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
(الهدى والنور / 750/ 00: 00: 00)