الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب منه
الشيخ: أن بعض الجماعات الإسلامية اليوم ليس فقط لا يقيمون وزناً [للقواعد] الشرعية الهامة، بل يزيدون على ذلك قولاً وهو أنهم يقولون: هذه قشور، ويجب أن نشتغل باللباب، هذه في الحقيقة من أكبر المصائب التي حلت في كثير من الشباب في العصر الحاضر، لأنه لو كان هذا التمييز أو هذا التفريق بين القشر واللب لو كان شرعاً لتطلب علماء في الشرع ليميزوا بين الأمرين ويصنفوهما كما فعل الفقهاء حينما ميزوا الفرض عن السنة، هذا عند عموم الفقهاء والحنفية خاصة، ميزوا بين الفرض والواجب، فهذا التمييز بين الفرض والسنة بلا شك يحتاج إلى علم بالشريعة بكتابها وبسنة نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، فكان يمكن بالنسبة للعلماء لو كان حقاً أن في الإسلام قشوراً إضافة على اللب فمن الذي يستطيع أن يميز بين القشر واللب؟ هم العلماء، فمن الذي يقول: يجب أن لا نشتغل اليوم بالقشور وعلينا باللب؟ هم الجهال، هم القشور، لذلك يترتب من وراء هذا هدم الإسلام، لأننا سنقول: أنت تقول: الشيء الفلاني قشر، فما أدراك لعله لب، ثم ما تسميه لباً ما يدريك لعله قشر، وكل من الصنفين المعارضين للب والقشر كلاهما اليوم واقع، فكثير من المسائل الاعتقادية حينما تثار يثورون، ويقولون: دعونا الآن من المسائل الخلافية، وأي مسألة ليست من المسائل الخلافية، فإذاً: ما فائدة تفصيل هذا؟
إذا تحدثنا عن اللب قالوا: دعونا من هذا، هذا يفرق الصف ويفرق
الجماعات، وإذا تحدثنا فيما يسمونه بالقشر قالوا: هذه قشور لا نريدها في هذا الزمان، مع أن الله عز وجل كما كان حكيماً في خلقه لكل ما خلق كذلك كان حكيماً في كل ما شرع، فحينما خلق البشر خلق الذكر والأنثى، وحينما خلق كثيراً إن لم نقل: كل، يعني: لست متخصصاً في الزراعة، لما خلق الفواكة وخلق الحبوب خلق لها قشراً ولباً، هل كان هذا الخلق من الله تبارك وتعالى عبثاً؟
حاشاه، فإذا كان قد جعل في الشرع على حد تعبير أولئك الناس لباً وقشراً ما كان هذا الخلق أيضاً عبثاً، وإنما لحكمة، وكما أن الحكمة في الخلق الأول أي: في الفواكه والحبوب ونحو ذلك واضحة جداً، فلولا القشر لفسد اللب، فكذلك تماماً في الشرع.
ولذلك مشيراً إلى هذه الحقيقة جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم منها في الحديث القدسي: «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به» .. وهكذا، وفي الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام:«أول ما يحاسب العبد يوم القيامة الصلاة، فإن تمت فقد أفلح وأنجح، وإن نقص فقد خاب وخسر» في حديث آخر قال عليه السلام: «وإن نقصت قال الله عز وجل لملائكته: انظروا هل لعبدي من تطوع فتتم له به فريضته» إذاً: التطوع لا يجوز للمسلم أن يستغني عنه، هذا التطوع الذي يسميه أولئك الناس بالقشر، لأن في ذلك خسارة للب وإضاعة له.
ونحن إذا تذكرنا أن الإنسان {خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلَاّ الْمُصَلِّينَ} ، لكن هؤلاء المصلين كما جاء في الحديث الآخر الصحيح لا تخلو صلاتهم من نقص إما كماً وإما كيفاً، إما بأن يضيع شيئاً من فرائضها أن يؤديها في أوقاتها، وإما أن يحافظ عليها ويؤديها في أوقاتها، ولكن ينقص
من كيفيتها، فكلا النقصين لا يخلو منه البشر عامة، أما الأفراد منهم فيختلفون.
إذا كان -وأرجو أن أكون دقيقاً في قولي- إذا كان ولم أقل إن كان، إذاكان يوجد في هؤلاء البشر من يحافظ على أداء الصلوات في أوقاتها ولا يضيع صلاة من صلواتها مطلقاً فلا يخلوا منهم جميعاً أن يضيعوا شيئاً من صفاتها وكيفياتها، إذا كان الأمر كذلك يأتي هنا قوله عليه الصلاة والسلام:«إن الرجل ليصلي الصلاة وما يكتب له منها إلا عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها نصفها» أين ذهب النصف الثاني؟ وراء الزرع ووراء الضرع ووراء التجارة وراء الهندسة وراء وراء .... إلخ، وهذا لابد منه لأنه بشر، وربنا عز وجل حينما وصف المؤمنين كان من أول صفاتهم أن قال:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1 - 2].
فمن منا يستطيع أن يحكم على نفسه اليوم بأنه في صلاته يحصل الأجر كاملاً بالمائة مائة، لا أحد، من منا يستطيع أن يقول عن نفسه اليوم: إنه خاشع في صلاته، خاشع صفة لازمة، أما خاشع بمعنى خشع فهذا لا يخلو إن شاء الله فرد منا، أن يخشع في صلاة ما وفي يوم ما، أما أن يكون صفة لازمة له فهو خاشع في صلاته هذا كما كانوا يقولون قديماً: أندر من الكبريت الأحمر، فإذا كان هذه طبيعة الإنسان بعامة أن صلاته تكون ناقصة فبما يستدرك هذا النقص؟
بصلوات نوافل ولا شك أن هذه الصلوات ستكون كالفرائض، أي: فيها نقص، لكن ما يكون فيها من كمال يضم إلى النقص الذي حصل في الفرض، ومن هنا يتبين لكم أهمية قوله عليه السلام حينما يقول الملائكة:«انظروا هل لعبدي من تطوع فتتموا له به فريضته» إذاً: المقصود من هذا أخيراً هو أنه يجب على المسلم ألا يكون دأبه دأب ذلك الأعرابي الذي قال: والله يا رسول الله لا
أزيد عليهن ولا أنقص. ذلك لأن ذلك الأعرابي أولاً كان على الفطرة، وثانياً: شهد له الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: أفلح الرجل إن صدق، دخل الجنة إن صدق. أما نحن اليوم فليس عندنا مثل هذه الشهادة ليقال فينا كما قيل لذلك الأعرابي، أو كما قيل لحاطب بن بلتعة:«وما يدريك لعل الله عز وجل قال لأهل بدر: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم» لسنا نحن هناك، ولذلك فعلينا أن نهتم على حد تعبير أولئك وأعوذ بالله من تعبيرهم ولا أقول: من أولئك، يجب أن نهتم باللباب والقشور، لأن القشرة لم يشرع أبداً كما أنه لم يخلق عبثاً، إنما للمحافظة على اللب {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37].
(الهدى والنور /480/ 45: 00: 00)