الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تهم وشبهات: التسمي بالسلفية بدعة
السؤال الأول: يزعم بعض المنتسبين للعمل ويقول: بأن السلفية ليس لها أصل وكذلك يقول بأن الذي يتلفظ ويقول بأني سلفي فهذه الكلمة بدعة، فنود من شيخنا الرد على هؤلاء ..
الشيخ: أنا أعتقد أن الذي يقول هذه المقولة هو أولاً يُنكر حقيقة لغوية؛ لأن كلمة السلف معروفة في لغة العرب وفي لغة الشرع فأقول من الناحية اللغوية فالأمر لا يحتاج إلى بيان، يكفي أنها لفظة عربية النصوص اللغوية مشحونة بالتلفظ بها، لكننا مما نراه أهم من ذلك هو لفت نظر ذلك المُنْكر والمُدّعي بأن هذه اللفظة بدعة أن نُذَكِّره ببعض ما جاء في بعض الأحاديث النبوية مما صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في مرض موته للسيدة فاطمة رضي الله تعالى عنها قال لها: وإنكِ أول أهلي لحوقاً بي ونعم السلف أنا لكِ، إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعزيها به عليه السلام فيقول لها إنه سيموت قبلها وأنها ستلحق به عمّا قريب، وقد كان ذلك كما هو معلوم في التاريخ، فقد ماتت رضي الله تعالى عنها بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنحو ستة أشهر، فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحدث عن نفسه بأنه نعم السلف لابنته فاطمة حيث يتقدمها وفاة وموتاً، فهو عليه الصلاة والسلام هو سلفنا في هذه الدعوة ولا شك، وأما استعمال العلماء لكلمة السلف فأكثر مما أن يمكن أن يتحدث الإنسان أو أن يحصي ذلك، وحسب المسلم البصير في دينه أن يتذكر ما ينشده علماء السلف والمتّبعين للسلف الصالح حينما يقولون في احتجاجهم في
محاربة كل بدعة حدثت من بعدهم ألا وهو قولهم:
وكل خير في اتباع من سلف
…
وكل شر في ابتداع من خلف
لذلك أنا أقول إن الذي يُنكر هذه اللفظة من الناحية الشرعية وينكرها أيضاً من الناحية النسبية، فلا يجوز للمسلم أن يقول أنا سلفي كأنه يقول لا يجوز أن يقول المسلم أنا متبع للسلف الصالح فيما كانوا عليه من عقيدة ومن عبادة ومن سلوك، ولا شك أن مثل هذا الإنكار لو أنه كان يعي ما يقول لكن نجد له عذراً في أنه لا يعي ما يقول، لو كان يعي ما يقول فمعنى ذلك أنه التبرؤ عن الإسلام الصحيح الذي كان عليه سلفنا الصالح، وأُذكر على ضوء هذا الحديث الذي قلناه آنفاً وهو في صحيح مسلم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم للسيدة فاطمة: ونعم السلف أنا لكِ.
أنا أُذَكِّر هؤلاء الذين ينكرون هذه النسبة بأن التبرؤ من السلف معناه التبرؤ ممن جاء بدعوة السلف، معناه التبرؤ من النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه هو على رأس السلف الصالح، ومما يشير إلى هذه الحقيقة الحديث المعروف في الصحيحين وفي غيرهما بل أعتقد ببحثي الخاص أنه حديث متواتر صحة ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم .. » ولا شك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو على رأس هذا القرن، وقد جاءت أيضاً إشارة إلى أنه كذلك حيث بعث في أول القرن الأول، فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم على رأس السلف الصالح فكيف يُعقل لمن يدري ما يتكلم وما يقول أن الانتساب إلى السلف، وأن هذه اللفظة لفظة السلف هذه بدعة في الإسلام .. ! أنا أعتقد أن هؤلاء هم في غفلة ساهون لغة وشرعاً، فإن السلف الصالح لا يمكن لمسلم أن يتبرأ من الانتساب إليهم، بينما لو تبرأ من أي نسبة أخرى لم يمكن لأحد من أهل العلم أن يُنسب إلى كفر فيما إذا تبرأ من غير السلف، أما إذا تبرأ أن ينتسب إلى السلف فلا شك أنه يكون غير مسلم؛ لأنه تبرأ من النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو على رأس السلف.
هذا ما نقوله بالنسبة لهذه الكلمة، لكني أتساءل في نفسي هذا الذي أُشير إليه بأنه أنكر هذه النسبة أو بدّع هذه الكلمة ترى ألا ينتسب هو إلى مذهب من المذاهب سواء كان هذا المذهب متعلقاً في العقيدة أو كان متعلقاً بالفقه؟ يغلب على ظني أنه لا بد أن يكون منتسباً إلى مذهب من هذه المذاهب التي تتعلق إما بالعقيدة أو الفقه، فإما أن يكون ماتريدياً وإما أن يكون أشعرياً وإما أن يكون من أهل الحديث وكما يعبّرون اليوم من أهل السنة والجماعة، وإما أن يكون خارجياً أو معتزلياً أو أو ..
إلى آخرهم، ليس لنا الآن علاقة بالمذاهب الأخرى التي لا تدخل في مسمى أهل السنة والجماعة، فقد عرفنا في اصطلاح المتأخرين أن المقصود بأهل السنة والجماعة أول ما يتبادر أو أول ما يقصدون بهذه الجملة هم الأشاعرة والماتريدية، ثم قد يدخلون في أهل السنة والجماعة أهل الحديث، وقد لا يدخلونهم، فعلى كل حال الذي ينكر هذه النسبة فإلى ما هو ينتسب، لا بد من أن ينتسب إلى اصطلاح من هذه الاصطلاحات، إما أن يقول أنا من أهل السنة والجماعة وإما أن يقول أنا من الأشاعرة أو الماتريدية، وهذا أسوأ وأسوأ بكثير؛ لأن الذي ينتسب إلى المذهب الأشعري ينتسب إلى شخص غير معصوم، والذي ينتسب إلى الماتريدي كذلك ينتسب إلى شخص غير معصوم، وقل كذلك بالنسبة للمذاهب الفقهية الأربعة فضلاً عن المذاهب الأخرى الخارجة عن مذهب أهل السنة والجماعة، فكل هذه الانتسابات تنتسب إلى أفراد هم غير معصومين بلا شك، فكل هذه الانتسابات تنتسب إلى أفراد وإن كانوا من العلماء أصابوا أم أخطؤوا فهم أفراد ليسوا بمعصومين، فليت شعري هل أنكروا مثل هذه الانتسابات، لو أنهم أنكروها لأصابوا؛ لأنها انتسابات إلى أفراد غير معصومين، وليس الأمر كذلك بالنسبة لمن ينتسب إلى السلف الصالح فإنما ينتسب إلى العصمة، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ذكر من علامات الفرقة الناجية أنها التي تتمسك على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما كان عليه أصحابه، فهؤلاء هم السلف، فمن
تمسك بهم كان يقيناً على هدى من ربهم، ومن انتسب إليهم فهذه النسبة تشرّف المنتسب إليها وتيسر له سبيل أن يكون من الفرقة الناجية وليس كذلك من ينتسب إلى أي نسبة أخرى؛ لأنها لا تعدو أحد أمرين: إما انتساب إلى شخص غير معصوم، أو إلى أشخاص يتّبعون منهج هذا الشخص الذي هو غير معصوم، فلا عصمة هنا بينما العصمة قائمة بالنسبة لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين أمرنا بأن نتمسك
بسنته عليه السلام وسنة أصحابه من بعده، لذلك أعتقد أن الشخص المُرْمَى إليه ينبغي أن يتراجع فوراً عن أن يتلفظ بمثل هذه الكلمة.
وأنا كنت سمعت شريطاً لبعض الدعاة المعاصرين اليوم وأظنه على منهج الكتاب والسنة ولكنه لم يؤت فقهاً في الكتاب والسنة، فسمعت في الشريط أمراً غريباً أن من يصر على الانتساب هذه النسبة أنه يستتاب فإن تاب وإلا قُتل، واحتج بعبارة نقلها عن ابن تيمية رحمه الله، وتلك العبارة في واد وفهمه هو أو فتواه في واد آخر.
الشاهد نحن إنما نُصِرّ ونُلِح أن يكون فهمنا للكتاب والسنة على منهج السلف الصالح لكي نكون في عصمة من أن نميل يميناً أو يساراً وأن ننحرف بفهم لنا شخصي ليس هناك ما يدل عليه من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا ما يحضرني جواباً عن هذا السؤال، وأسأل الله عز وجل أن يهدي به من كان شارداً عنه.
(الهدى والنور / 699/ 05: 01: 00)