المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب منه السائل: شيخنا! ما هي حقيقة الدعوة السلفية؛ لأن كثيراً - جامع تراث العلامة الألباني في المنهج والأحداث الكبرى - جـ ٢

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌التسمي بالسلفية

- ‌هل نستطيع أن نستغني عن التسميبالسلفية ونتسمى بأهل السنة والجماعة

- ‌التسمي بالسلفية

- ‌أيهما أولى استعمالا: لفظأهل السنة أم لفظ السلف

- ‌التسمي بالسلفية

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌تهم وشبهات: التسمي بالسلفيةتفريق للأمة

- ‌تهم وشبهات: التسمي بالسلفية بدعة

- ‌تهم وشبهات: التسمي بالسلفيةتزكية للنفس فلا تجوز

- ‌ضعف المسلمينوالحل للخروج منه

- ‌المستقبل للإسلام

- ‌حض الإسلام على استثمارالأرض وزرعها

- ‌التكالب على الدنيا يورث الذل

- ‌الانشغال بالدنيا عن الدين سبب الهلاك

- ‌العودة إلى الدين هو الطريقللخلافة الإسلامية

- ‌باب منه

- ‌سبب ضعف المسلمين

- ‌الحل للخروج من ضعف المسلمينوإقامة دولة الإسلام

- ‌أسباب الوَهَن وسبيل النهوض بالأمة

- ‌الطريق الرشيد نحو بناءالكيان الإسلامي

- ‌السبيل إلى تغيير واقع الأمة السيء

- ‌بماذا تبرأ ذمة المسلم الذيلا يستطيع أن يُغَيِّر واقعه

- ‌وسائل النهوض بالعالم الإسلامي

- ‌حول حديث: (يوشك أن تداعىعليكم الأمم

- ‌متى الوصول

- ‌نصيحة .. حول متى الوصول

- ‌تهم وشبهات حول الدعوةالسلفية والرد عليها

- ‌اتهام السلفيةبأنها دعوة تفريق

- ‌اتهام:التسمي بالسلفية تفريق للأمة

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌اتهام: تطبيق السنن يسبب الفرقة

- ‌شبهة: الوقت ليس وقت اختلاف، بل توحُّدلمحاربة الشيوعيين والعلمانيين

- ‌تهم وشبهات .. الدعوة إلى العقيدةتفريق للناس

- ‌التفريق ليس مذمومًا لذاته

- ‌السلفية والوهابية

- ‌الوهابية

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌اتهام السلفيين بأنهملا يعتنون إلا بالقشور

- ‌اتهام السلفيين بأنهم لا يعتنون إلا بالقشوروأنهم نسوا المعركة الكبرى مع أعداء الإسلام

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌القشر واللب

- ‌تهم: السلفيون لا يُقَدِّمونحلولاً لمشاكل الأمة

- ‌هل في الإسلام قشور

- ‌اتهام السلفيين بأنهملا يهتمون إلا بالعقيدة والعلم

- ‌تهم وشبهات: السلفيون يعطونالعقيدة أكثر من حجمها

- ‌تهم وشبهات: الدعوة السلفية تعتنيبالجانب العلمي وتتحزب له ويصحبذلك ضعف في التعبد

- ‌تهم وشبهات: السلفيونلا يهتمون إلا بالعقيدة

- ‌شبهة: أن الدعوة السلفيةطريقها طويل لا ينتهي

- ‌تهم وشبهات: ماذا فعل منهجكم؟ومتى الوصول

- ‌تهم وشبهات: الطريق السلفي لإقامةدولة إسلامية طويل يحتاجإلى سنوات بل قرون

- ‌دفع شبهات عن الدعوة السلفيةأنهم سلكوا الطريق الخاطئ وأضاعواالوقت فيما لا فائدة فيه

- ‌اتهام السلفيين بأنهمغير مُنَظَّمين

- ‌الرد على اتهام السلفيينبأنهم غير مُنَظَّمين

- ‌باب منه

- ‌اتهام الدعوة السلفيةبأنها دعوة رجعية

- ‌اتهام: الدعوة السلفيةبأنها دعوة رجعية

- ‌اتهام الدعوة السلفيةبالتشديد على الناس

- ‌اتهام: السلفية والتشديد على الناس

- ‌من هم السلف:

- ‌اتهام الدعوة السلفية بعدمتقدير الأئمة الأربعة

- ‌تُهم وشبهات: السلفيون لا يُقَدِّرونالأئمة الأربعة ومذاهبهم

- ‌تهم وشبهات: السلفيون يُلزِمون الأئمةبأقوال هم يفتون بخلافها

- ‌تهم وشبهات: السلفيون وعلى رأسهمالألباني ينكرون المذاهب الأربعة

- ‌اتهام الدعوة السلفيةبالتعصب والجمود

- ‌تهم: وصف السلفيين بالجمود

- ‌هل في المنهج السلفي تعصب

- ‌هل السلفيون ظاهريون

- ‌اتهام الدعوة السلفية بعدمالاهتمام بالحاكمية

- ‌اتهام: السلفية لا تعتني بالحاكمية

- ‌شبهة: ما فائدة الإصلاح مادامأن المهدي سيظهر في النهاية

- ‌شبهة: ما فائدة الإصلاح ما دامالمهدي سيخرج في النهاية

- ‌نظرات في كتبعبد الرزاق الشايجي

- ‌نظرات في كتب عبد الرزاق الشايجي

- ‌رأي العلامة الألباني في تعدُّدالجماعات والتعاون فيما بينها

- ‌كثرة الأحزاب في الساحة

- ‌حكم تعدد الجماعات الإسلامية

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌لا فرق ولا أحزاب في الإسلام

- ‌هل الجماعات الإسلامية هي الطريقالوحيد لعودة الإسلام

- ‌الفِرَق والجماعات الموجودة في الساحة

- ‌هل الجماعات الإسلامية تُعَدُّ من الفرق

- ‌نصيحة لمن ينتمي إلى الجماعات المعاصرة

- ‌الطريق إلى توحيد الكلمةبين الجماعات الإسلامية

- ‌التعاون بين الجماعات

- ‌اتحاد الدُّعاة والجماعات

- ‌التعاون مع الجماعات الإسلامية

- ‌حلقة تضم العلماء لحل الخلافات

- ‌كيف نربط بين الحركات الإسلامية

- ‌نبذ الفرقة وكيفية توحيد المسلمين

- ‌هل الجماعات الحالية مُكَمِّلة لبعضها

- ‌السلفية والتخصُّص، ورأي الشيخ فيالتعاون بين الجماعات الإسلامية

- ‌حكم اجتماع الجماعات والتلاقي بينها

- ‌هل هناك مانع من التعاونمع الأحزاب السياسية

- ‌الفصل من الجماعات

- ‌رأي الشيخ في الجماعات الإسلامية

- ‌رأي الألباني في كتاب الجماعاتالإسلامية لسليم الهلالي حفظه الله

الفصل: ‌ ‌باب منه السائل: شيخنا! ما هي حقيقة الدعوة السلفية؛ لأن كثيراً

‌باب منه

السائل: شيخنا! ما هي حقيقة الدعوة السلفية؛ لأن كثيراً من الناس يطيرون هذه المقالة أنهم لا يهتمون إلا بالجزئيات الفرعية، كمثل القبض بعد الركوع، أو النزول باليدين، أو بالركبتين أو القنوت بالفجر من عدمه، ويتركون الرد على الشيوعيين والعلمانيين والمذاهب الهدامة، فيقولون إن معركة السلفيين إنما هي المسلمين بخلاف غيرهم، كمعركتهم مع أعداء المسلمين؟

الشيخ: جوابي على هذه الشبهة أنها شنشنة نعرفها من أخزم، إن هؤلاء الذين يتهموننا؛ لأننا لا نبحث، ولا ندعو إلا حول هذه المسائل التي ضربوا بها مثلاً، وهذا في حقيقته يعود إلى أمر من أمرين اثنين لا ثالث لهما، إما أن يكون الجهل بواقع الدعوة الإسلامية السلفية من جهة، والدعوة المتعلقة بأهل الدعوة إلى الدعوة السلفية من جهة أخرى، أو أن يعود الأمر إلى تجاهلهم لحقيقة الدعوة والدعاة، فهو إما جهلاً، وإما تجاهلاً بهذا الواقع الحسن، الواجب على كل مسلم أن يكون على بصيرة منه، وكما يقال في مثل هذه المناسبة، وأحلاهما مر.

أنا أقول كلمة صريحة، نحن لا نرد على الشيوعيين ولا على الدهرين؛ لأن الله عز وجل حينما أرسل نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، بل والرسل من قبله مبشرين ومنذرين، لم يعنوا العناية التي يعنى بها هؤلاء الذين ينقمون على الدعوة السلفية ما ينقمون، من عدم تعرضهم للشيوعية وأمثالها، ذلك باتباعنا لدعوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، حيث وأنه كانت دعوته في أول منطلقها:{أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، فالآن

ص: 213

هؤلاء الذين يتهموننا بهذه التهمه لا شك أنهم يعلمون أن الدعوة السلفية أول ما تبدأ إنما تبدأ بمعالجة العقيدة، وتصحيح مفهوم الناس للتوحيد بأنواعه الثلاثة التي أصبح الأطفال في مدارسهم يعرفونها على الوجه الصحيح الذي جاء في الكتاب والسنة، خيراً مما يعرفه هؤلاء الدعاة الذين يزعمون أنهم حملوا راية الرد على الشيوعيين وعلى الملاحدة.

نحن في اعتقادنا أن هؤلاء الدعاة الذين يردون على الشيوعيين وأمثالهم، أول ما يردون عليهم ما يتعلق بتوحيد الربوبية، أما ما يتبع توحيد الربوبية من توحيد الإلوهية وتوحيد الصفات، هذا التوحيد الذي لا يتم علم القائل لا إله إلا الله إلا بأن يعرف أولاً ما هو الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الإلوهية وتوحيد الأسماء والصفات، لا بد أن يعرف الفرق بين ذلك كله، ثم أن يقترن معه الإيمان الجازم به عملاً بقول الله تبارك وتعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]، فمن كان مشتغلاً دهراً طويلاً بدعوة جماهير المسلمين إلى معرفة حقيقة (لا إله إلا الله)، وأنه لا معبود في الوجود بحق إلا الله تبارك وتعالى، فكيف يصح لمن كان مؤمناً حقاً ويخشى ربه عز وجل فلا يفتري على المؤمنين، ولا يتهمهم بانشغالهم عن العقائد بالفرعيات كما يقولون.

أولئك الناس الذين يشتغلون بالرد على الشيوعيين ما يَرُدُّون انطلاقاً من دراسة الكتاب والسنة، وإنما ينطلقون من دراسة الفقه، ولا أقول مبدئياً الرأي، أي أنهم يحكمون عقولهم التي تستند إجمالاً على الإسلام، ولكنهم لم يعرفوا الإسلام على حقيقته كما أنزله الله عز وجل في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، نحن نعلم من واقع دراسة العلم أن أي طالب علم يدرس العلم على المنهج العلمي، إنما يبدأ بما هو الأهم كما قيل:

ص: 214

العلم إن طلبته كثير

والعمر عن تحصيله قصير

فقدم الأهم منه فالأهم.

هل الأهم للمسلم أن يعنى بغيره من المشركين أمثال الشيوعيين والدهريين، أم يبدأ بنفسه فيصلحها وذلك بأن يحملها على اتباع الكتاب والسنة في العقيدة قبل كل شيء، ثم في العبادات وفي الأخلاق وفي السلوك، التهمة تنعكس عليهم تماماً، ويصدق عليهم حينئذ قول من قال في قديم الأمثال:(رمتني بدائها وانسلت)، فإننا إذا سألنا هؤلاء الذين يزعمون ويتفاخرون بأنهم يردون على الشيوعيين وعلى الملاحدة والدهريين، إذا سألناهم عن التوحيد، بل عن معنى (تعلم أنه لا إله إلا الله)، لحاروا في الجواب ولم يعلموا الجواب الصحيح في ذلك، وهذا في الواقع يشمل كثيراً من الإسلاميين، الذين ينتمون إلى بعض المذاهب المتبعة منذ القديم، مع أولئك الذين يتفاخرون بردهم على الشيوعيين، توحيد الأسماء والصفات هم أبعد الناس معرفة به، ولذلك فطالما ناقشنا كثيراً منهم بما جاء في الكتاب والسنة من الآيات والأحاديث الكريمة فيما يقولونه بألسنتهم في سجودهم، ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، مع الأسف، يقولون معنا في السجود: سبحان ربي الأعلى، يكررونها في كل سجدة ثلاث مرات، وفي كل ركعات الصلاة، فإذا ما سألتهم السؤال الذي توارثناه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حينما سأل الجارية يمتحنها عن إيمانها: أين الله؟ فأجابت: في السماء.

إذا وجهنا هذه السؤال إلى هؤلاء الذين يتهمون الأبرياء بما ليس فيهم هذا السؤال: أين الله؟ دارت أعينهم في محاجرهم حيرة وضلالاً وبعضهم يزداد ضلالاً فيقول: هذا السؤال لا يجوز في الإسلام، وهم يعلمون أو لا يعلمون والله يعلم بما في قلوبهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي سن للمسلمين حقاً هذا السؤال لمعرفة الإيمان المنجي عند الله من الإيمان الذي لا ينجي، يعلمون أو لا يعلمون، لكننا بفضل

ص: 215

الله عز وجل لقد تلقينا هذا الحديث الذي فيه هذا الحديث أو هذا السؤال عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طرق أئمة أهل الحديث كالإمام مسلم في «صحيحه» ، ومن قبله الإمام مالك في «موطئه» ، ثم الإمام أحمد في «مسنده» ، وغيرهم من أئمة السنة فقد رووا حديث الجارية فهو حديث معروف، ولا أريد الخروج عن السؤال

بتمامه، لكن الشاهد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما سألها: أين الله؟ قالت: في السماء. قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فالتفت عليه الصلاة والسلام إلى سيدها وقال له: اعتقها؛ فإنها مؤمنة.

فاعتبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم جوابها بقولها أن الله في السماء دليلاً على إيمانها، فماذا نقول بإيمان هؤلاء الذين يتهمون الأبرياء، ثم يريدون أن يهدوا من أذل الله من الشيوعيين والدهريين وأمثالهم، وهم لو هدوهم لما اهتدوا إلى أكثر من أن الله موجود، أي: ما استطاعوا أن يثبتوا لهم إلا ما كان المشركون في الجاهلية الأولى وفي كل جاهلية، وفي كل عصر ومكان، يعتقدونه ألا وهو وجود الله تبارك وتعالى، أما هذا الواجب الوجود كما يقول بعض العلماء، أي هذا الله عز وجل ما الذي يليق به؟ وما يجب على كل مسلم أن يعتقده في ذات الله تبارك وتعالى؟ فهذا شيء لا يعلمونه بل يزيدون على ذلك فينكرون من يؤمن بما جاء في الكتاب والسنة.

قد ذكرنا ما أكثركم يعلم ذلك أننا إذا وجهنا السؤال النبوي: أين الله؟ أنكروا هذا السؤال، وبالتالي ما يحسنون الجواب، بل يكون جوابهم هو الاشتراك مع كل المؤمنين بالتوحيد الأول توحيد الربوبية يكون جوابهم؛ لأنهم لم يهدوا بالله عز وجل بكتابه وسنة نبيه لا يغنيهم شيء؛ ذلك لأن جوابهم يكون: الله في كل مكان، الله في كل الوجود، فهل يستطيع هؤلاء أن يدعوا الكفار إلى التوحيد

ص: 216

الذي أمر الله عز وجل محمد صلى الله عليه وآله وسلم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]، ونحن نعلم جميعاً أن فاقد الشيء لا يعطيه، فلو أننا فرضنا فرضاً مستحيلاً أن هؤلاء الذين يهتمون كل الاهتمام بغيرهم، وينسون أنفسهم أنهم استطاعوا أن يجعلوا الشيوعيين يؤمنون بالإسلام، لكننا لو سألنا هؤلاء الذين اهتدوا على يد من هدوهم إلى الإسلام، ما هو التوحيد الذي فهمتموه، عاد جوابي السابق: فاقد الشيء لا يعطيه.

فإذاً: هم في الواقع يخالفون مبادئ في القرآن الكريم منها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، فنقول لهؤلاء الذين ينكرون علينا ويتهموننا بما ليس فينا، هل فهمتم حق لا إله إلا الله وحق محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إن فعلتم ذلك فلا باس أن تدعو الناس إلى ما هداكم الله إليه، أما أن تظلوا دهراً طويلاً لا تفهمون كلمة التوحيد إلا بالمعنى الذي كان يفهمه أهل الجاهلية الأولى حينما يقولون: لا رب إلا الله، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25].

فإذاً: هم لا ينقمون على المسلمين أنهم يؤمنون بوجود الله، بل هم يشتركون معهم، لكن يختلفون عنهم؛ لأنهم يعبدون مع الله آلهة أخرى، ترى هل يفهم هؤلاء المتهمون للسلفيين بما ليس فيهم، هل يفهمون معنى هذا التوحيد، وهو لا إله إلا الله وأنه لا معبود بحق في الوجود إلا الله

إلى اليوم لا يعرف معنى العبادة، ما هي العبادة التي إذا توجه بها المسلم إلى غير الله عز وجل، أشرك بالله ولم ينفعه شيء ما قوله لا إله إلا الله.

أنا أعلم أن بعض الشيوخ في دمشق الشام ألفوا رسالة عنوانها: لا إله إلا الله، فلما جاء إلى تفسيرها قال: لا رب إلا الله، فماذا صنع هذا المسلم الذي يزعم أنه

ص: 217

مسلم، أنه فسر كلمة التوحيد، بمعنى توحيد الربوبية فقط، هذا التوحيد الذي كان يؤمن به المشركون، ولكنهم أعني المشركين، كانوا إذا قيل لا إله إلا الله يستكبرون، هؤلاء المشركين الذين سمعتم آنفاً إنهم إذا سئلوا: من خلق السماوات والأرض؟ قالوا: الله، هؤلاء إذاً في الوقت نفسه إذا سمعوا الرسول عليه السلام يدعوهم إلى لا إله إلا الله يستكبرون عن هذه الكلمة، ويسخرون من الداعي إليها، لماذا؟

من عجائب الأمور أن أولئك المشركين في ضلالهم، في شركهم، كانوا يعرفون معنى لا إله إلا الله حقاً، ولذلك كانوا يفرون من هذا المعنى الصحيح، ويستكبرون عن أن يقولوا لا إله إلا الله؛ لأنها تعني شيئاً آخر أكثر مما كان أولئك المشركون عليه، وهو أن يعبدوا الله، هذا المعنى الآخر أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، كانوا يستنكرون ذلك، ويقولون كما حكى القرآن الكريم:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5].

نحن نجد العالم الإسلامي اليوم مع الأسف الشديد غريقاً في شرك العبادة أو شرك الإلوهية، وشرك الأسماء والصفات، فهم يقولون لا إله إلا الله، ولكنهم العالم الإسلامي اليوم الذي انشغل عنه أولئك الدعاة الإسلاميين زعموا، والذين يتهمون الدعاة السلفيين بأنهم يشتغلون بالأمور التي يسمونها التافهة كبعض الأمثلة التي جاء ذكرها في السؤال، العالم الإسلامي اليوم غرق في الجاهلية التي كان عليها المشركون، الذين بعث إليهم الرسول عليه السلام فهم لجهلهم بالإسلام، ولجهلهم بحقيقة لا إله إلا الله يظنون أن المسلمين على خير، فلذلك فهم ينصرفون عنهم إلى أولئك المشركين ولا نعيد الشيوعيين وأمثالهم؛ لأن المسلمين على خير، مع أن كثيراً من البلاد الإسلامية ليس فقط، بعض أو كثير

ص: 218

من البلاد الأعجمية بل وبعض البلاد العربية لا يزال الشرك يعمل عمله فيها، وهم يصلون ويصومون، ويشهدون أن لا إله إلا الله، فلماذا ترك أولئك الدعاة هؤلاء الإخوان المسلمين الذين هم إخوانهم بحكم قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، لماذا تركوهم في ضلالهم ليس في الأمور الثانوية بل في أصل العقيدة، وهي التوحيد؛ ذلك لأنهم لا يعرفون التوحيد، ويفهمون التوحيد كمفهوم العامة، وأن العامي الذي يصلي ويصوم إذا طاف حول القبور أو نذر لها النذور أو دعاها من دون الله تبارك وتعالى، هذا في زعم الدعاة المشار إليهم لا ينافي قوله: لا إله إلا الله، ولذلك تركوا عامة المسلمين، بل وفيهم بعض الخاصة في ضلالهم يعمهون، ثم توجهوا إلى دعوة وإرشاد وهداية مَنْ؟ الذين لا يؤمنون بالله، ولو على إيمان المشركين كالدهريين مثلاً، وتركوا الناس الذي يعيشون بينهم وهم يذكرون بشهادة أن لا إله إلا الله، عملياً يؤمنون قولاً، ويكفرون عملياً، ذلك لأن المشركين كانوا أفهم بهذه الكلمة، ولذلك قالوا:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5]، أما

هؤلاء المتأخرون أو هؤلاء الدعاة المزعومون هؤلاء لم يفهموا أن من تمام هذا التوحيد، توحيد العبادة، وأن ذلك يستلزم ألا يعبد إلا الله، لا بالتوجه إلى قبر ولي ولا بمناداته ولا بالاستغاثة به ونحو ذلك.

فلجهلهم بحقيقة الإسلام انصرفوا عما نحن متوجهون إليه بفضل الله ورحمته إلى الاشتغال بالآخرين، بدعوتهم إلى الإيمان لا يسمن ولا يغني من جوع.

لو أنهم آمنوا بدعوة هؤلاء الدعاة؛ لأن هؤلاء الدعاة أنفسهم ليسوا على معرفة بالإيمان المنجي عند الله تبارك وتعالى، هذا أولاً: وخلاصة ذلك أنها تهمة صريحة فظيعة، حينما يتجاهلون دعوة الحق، دعوة لا إله إلا الله، وبياناً لكل المسلمين

ص: 219

بحقائقها التي أجمع عليها علماء السلف، يتجاهلون هذه الحقائق، ويتهمون السلفيين أنهم لا يفعلون ولا يدعون الناس إلا إلى رفع اليدين وتحريك الإصبع، ونحو ذلك من السنن.

ثانياً: لقد قررنا أكثر من مرة تبعاً لأئمتنا سابقاً ولاحقاً أن القرآن الكريم لا يمكن فهمه إلا على ضوء السنة، بقول الله عز وجل، مخاطباً نبيه صلى الله عليه وآله وسلم:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، فنقول لهؤلاء الدعاة زعموا هل أنتم معنا؛ لأنه لا يمكن فهم الكتاب إلا من طريق السنة المحمدية في ظني أنهم سيكون جوابهم بالموافقة ولو قولاً.

ولسنا مكلفين أن نصل إلى ما في قلوبهم، حينئذ نقول لهم: وهل تعلمون أن السنة قد دخل فيها ما ليس منها؟ إن أجابوا أيضاً بالإيجاب، قلنا فهل من العلم الضروري تصفية هذه السنة، مما دخل فيها أم تصفية هذه السنة، إنما هو من توافه الأمور أيضاً، ومن الشيء الذي هو نافلة، أم هو من الواجبات الذي لا يمكن فهم القرآن إلا بهذه التصفية لهذه السنة، فإن وافقوا معنا وظني أنهم لا سبيل لهم إلا أن يوفقوا معنا، وحينئذ نقول لهم: هل فعلتم معنا شيئاً في هذا الصدد، بل هل باستطاعتكم أن تعملوا شيئاً من تصفية السنة وتمييز صحيحها من ضعيفها؟ إن قالوا نعم، قلنا لهم: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، ولسنا بحاجه إلى أن نطالبهم بالبراهين، فإن كتبهم التي يؤلفونها في الرد على الكفار بعامة في كثيراً من الأحيان نجد فيها تفاسير لآيات على خلاف ما جاء التفسير المأثور، وكثيراً ما نرى أن فيها أحاديث لا صحة لها، لا سنام ولا خطام.

نحن لا نريد أن نقول أنه يجب على كل الجماعات الإسلامية أن يعملوا وأن يقوموا جميعاً بواجب تصفية السنة مما دخل فيها، لكني أريد أن أذكر هؤلاء بمثل قوله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ

ص: 220

لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]، هم يعلمون أن الذين يقومون بتصفية العقيدة مما دخل فيها من الشركيات والوثنيات هم السلفيون هم أنصار السنة، هم أهل الحديث هم الطائفة أسماء تتعدد بسبب اختلاف البلاد والمسمى واحد، الذين يقومون بتصفية العقيدة مما دخل فيها مما ليس منها، إنما هم السلفيون الذين اتهموهم بأنهم يشتغلون بتوافه الأمور.

كذلك هم يعلمون يقيناً أن الذين يقومون بتصفية السنة مما دخل فيها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، والتي كثيراً من هذه الأحاديث كان الواضعون لها بعض الفرق التي أرادت الكيد للإسلام والمسلمين، وأرادوا صرفهم عن الدين باسم الدين، فوضعوا تلك الأحاديث الضعيفة والموضوعة فهم يعلمون حقاً أن الذين يقومون بهذه التصفية أيضاً هم السلفيون، وليس أولئك الدعاة الذين زعموا، الذين يهتمون بالرد على الشيوعيين وأمثالهم، ثم من هم الذين يهتمون بتصحيح عبادات المسلمين من صلاة وصيام وحج وعمرة، ومعرفة بالزكاة ونصبها وشروطها ونحو ذلك، لا ينهض بذلك إلا من جمع بين الكتاب والسنة الصحيحة.

لا شك أن اتهام السلفيين بما سبق من بعض الأمثلة هذا المجتمع المبارك في هذه البلاد المقدسة، فعلاً أكبر دليل على أن السلفيين بُرءاء براءة الذئب من دم ابن يعقوب من تلك التهمة؛ لأن المفروض أننا نحن والحمد لله أن نكون على كلمة سواء، أن نعرف التوحيد ونعرف الصلاة ونعرف الحج ونحو ذلك، ومع ذلك فقد تكلمنا في مجالس عديدة ليس في الطهارة وليس في رفع اليدين والقبض ونحو ذلك، وإنما تكلمنا في كثير من الأحيان في أصول تتعلق بالقواعد الإسلامية التي يجهلها أولئك الناس لعلي بهذه الكلمة أجبت عن السؤال أو بقي شيء فيه.

(الهدى والنور / 396/ 06: 04: 00)

ص: 221