الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلفية والتخصُّص، ورأي الشيخ في
التعاون بين الجماعات الإسلامية
مداخلة: ما هو موقف الدعوة السلفية من التخصُّص؟ لقد رأينا بعض الدعوات السلفية تحظى بالتعاون مع طلبة العلم من السلفيين، ممن لا يعيبون عليهم شيئاً في دينهم، لكن لأنهم يخالفون خط الدعوة في التخصص الذي ينتهجونه، والأولون يرون أن الدعوة السلفية ينبغي أن تكون شمولية، لتفي بحاجة المجتمع والعصر؟
الشيخ: نعم، التخصص أراه واجباً بلا شك، وفائدة التخصص ظاهرة جداً في العلوم الشرعية فضلاً عن العلوم الأخرى، وكثير منها قد يكون من الفروض الكفائية.
ولكن هؤلاء المتخصصون كل في مجال اختصاصه يجب أن يعملوا في دائرة عامة تجمعهم، فمثلاً: إذا كان من الواجب أن يكون في المسلمين من يتخصص في علم التاريخ، في علم الاجتماع، في الاقتصاد .. وعد ما شئت من العلوم بالأسماء المعروفة اليوم وغيرها، لكن هؤلاء المتخصصون يجب أن يكونوا على مبدأ واحد، وفكرة واحدة فيما يجب على كل منهم وجوباً عينياً، ولا يكونوا متفرقين في هذا الجانب، ولو كانوا متخصصين في تلك الجوانب.
واضح جوابي هذا؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: إذاً: نعود ونقول: ما أتصور أنا مسلماً سلفياً فاهماً لعقيدته لا يتعاون مع سلفي آخر له تخصصه ما دام أنه لا يخالفه في العقيدة التي هو يدعو الناس إليها، لكن ما أظن أن السؤال إما أنه لم يكن واضحاً أو أنا ما فهمته جيداً، فهل أنت تعني المسلمين بعامة وحينئذ يكون السؤال وجيهاً، والجواب ما سمعت، أم تعني خاصة المسلمين وهم السلفيون؟
مداخلة: لا أعني خاصة المسلمين، وللتوضيح أكثر: الخلاف خلاف حركي، يعني أنا قلت: ممن لا يعيبون شيئاً في دينهم، إذاً: هم يحترمونهم في دينهم وفي مجهودهم في العلم، لكن المسألة صارت مسألة حركية، يخشون من ظهور هذا الشخص المتخصص أن يلتف الناس حوله، فيأخذون بعلمهم، وقد يميلون معهم في التخصص العلمي في هذا الفرع من فروع الشريعة، وهذا يؤدي إلى انصراف هؤلاء الناس عن المنهج الحركي لهذه الدعوة السلفية في هذا المكان، فتكون من سياسة الدعوة أن يَقِل هذا التجمع السلفي مثلاً في هذا المكان
…
الشيخ: الآن يبدو أن السؤال يدندن حول السؤال السابق؛ لأن السلفيين ليس عندهم ما يسمى بالحركية، هذه تعابير جماعات أخرى لا يدعون إلى الإسلام بالمفهوم الصحيح، وإنما إسلام عام، وبلا شك بدأ بعض السلفيين وقد تأثروا بالآخرين، فبدؤوا يتحركون ويعملون فيما يسمى بالسياسة ونحو ذلك، لكن نحن أجبنا عن هذا أنه سابق لأوانه بالنسبة للدعوة السلفية، لكن أنا أتصور أن وجود عالم، بل علماء في السلفيين، هذا أمر واجب وأن لا يترتب منه إلا الخير لمصلحة الدعوة، فيجب أن يكون منهم علماء في كل فن، وفي كل علم، وحينئذ الخشية التي تخشى على الحركة وإن كان نحن في اعتقادنا الآن ينبغي أن لا
يكون هناك حركة كحركة الجماعات الأخرى، لكن يجب أن يكون في الجماعات السلفية في كل بلاد الإسلام، جماعات من العلماء متخصصين في كل علم، أي: مثلاً يجب أن هناك علماء متخصصون في التفسير، دعونا نحكي في العلوم الشرعية، ويفهم بعد ذلك تبعاً التخصص في العلوم الأخرى، يجب أن يكون هناك علماء متخصصون في علم التفسير ليس في العالم الإسلامي، وإنما في العالم السلفي، العالم الإسلامي أولى وأولى، ويجب أن يكون هناك علماء متخصصون في الحديث، ليس عالم واحد أو اثنين في العالم السلفي، لا، عديد.
كذلك علماء متخصصون في الفقه، علماء متخصصون في اللغة، في .. في .. إلى آخره.
بعد ذلك يأتي التخصص في العلوم التي نحن في حاجة إليها اليوم في العصر الحاضر، والتي لا يمكن أن تقوم قائمة الدولة المسلمة والدولة المنشودة قريباً أم بعيداً، إلا وقد جمعت كل العلماء في كل الاختصاصات، فكما قلت في أول الكلام: كل هؤلاء يتعاونون في تحقيق المجتمع الإسلامي، وإيجاد الدولة المسلمة؛ فإذا كان هؤلاء يمشون في نظام الإسلام.
بقي هناك دعوى أن عرقلة الحركة هذه المزعومة، هذا أبداً لا يرد، بل يكون قوة للحركة حينما يأتي زمانها، أن يوجد فيهم علماء متخصصون في كل علم، وفي كل علم علماء، لكن الظاهر أن صورة السؤال مع الأسف الشديد أنه قد يكون هناك أفراد من العلماء يرون هؤلاء الدعاة الحركيين بزعمهم، أن هناك تكتل فعلاً حول هذا العالم، فيعرقل حركتهم.
هذا صحيح، لكن هذا جاء بسبب فقر هذه الحركة، أي: يجب أن يكون كما نقول نحن الآن بصراحة في الإخوان المسلمين أو في غيرهم، يكاد أن يمضي
عليهم قرن من الزمان ما أوجدت هذه الدعوة عالماً منهم، ما أوجدت فيهم عالماً يشار إليه بالبنان، سواء في التفسير أو في الحديث أو في الفقه، وإن وجد فهو ملصق بهم منتسب إليهم، وليس نابعاً منهم، وهذا فرق كبير جداً، ويجب أن تتنبهوا له، ونحن حينما نناقش الإخوان المسلمين وأمثالهم، أنه ليس عندكم عقيدة موحدة، وليس عندكم دعوة سلفية.
يقول لك: لا، نحن معكم فيما يتعلق بالعقيدة مثلاً وبالصفات، وهذا صحيح بالنسبة لكثير من الأفراد منهم، لكن يجب أن نتنبه للحقيقة فنقول لهم: هذه العقيدة التي شاركتمونا فيها وهي الحق، من أين جاءتكم؟ هل نبعت من دعوتكم؟ هل هي من بركة منهاجكم في الدعوة؟ أم هذه أخذتموها من غيركم؟
إذاً: لا فضل لكم في هذا، الفضل لغيركم الذين أوصلوكم إلى أن تفهموا هذه العقيدة، وتكونوا معهم فيها، وعليهم في غيرها، وبذلك تفرق المسلمون، ولذلك الحقيقة أقول: إذا كان هناك جماعة من إخواننا السلفيين يخشون من أن يكون هناك عالم يتكتل الناس حوله، فلا يريدون أن يتعاونوا معه؛ لأنهم يتكتلون؛ لأن هذا ينافي حركتهم، فهذا في الواقع نذير شر؛ لأنهم لا يريدون أن يكون بينهم علماء، وهذا واقع الأحزاب الأخرى، الأحزاب الأخرى لا توجد فيهم علماء لهذه المشكلة نفسها.
فنسأل الله عز وجل أن يلهمنا رشدنا، وأن يوفقنا لكل خير.
مداخلة: يا شيخ توضيح بالنسبة لهذا السؤال، هو بصراحة يوجد في مصر بعض الإخوة الدعاة السلفيين الذين عندهم حظ من العلم في كثير من العلوم الشرعية، مثلاً في العقيدة عندهم قسم، وفي التفسير، وفي اللغة، وفي كذا .. ولكن لم يتخصص تخصصاً ويبرع مثلاً الواحد منهم في علم من العلوم ويظهر
في ذلك، وهناك بعض الإخوة بدلاً من أن يتخصص في الحديث أو في كذا .. كذا، كما لعلكم تعرفون ذلك، فيحصل الذي حدث والذي رأيناه وسمعنا عنه، وأن بعض هؤلاء الإخوة المتخصصون عابوا على غير المتخصصين، وحصل كذلك العكس.
فبعضهم يقول أن هذا التخصص ينعاب عليهم، ليس على التخصص في ذاته، وإنما على عدم الدعوة العامة والشمولية للناس، وإنما حصر هذا الأخ الذي أراد التخصص في عدد معين من الطلبة للدراسة أو للتدريس، وهؤلاء الذين تخصصوا وعابوا على الآخرين عدم اهتمامهم بالتخصص، وحصلت هنا النفرة الخفية
…
الشيخ: الله المستعان.
أنا أظن أجبت عن هذا.
مداخلة: أي نعم.
الشيخ: يجب أن يكون هناك تخصص ..
مداخلة: لكن التعاون بينهم ..
الشيخ: أنا قلت هذا: يجب أن يكونوا في دائرة واحدة يتعاونون، وأنا أقول الآن شيء آخر وهو: يجب أن لا يكون هناك تخصص؛ لأنه كل جانب من هذه الجوانب التخصص، وإذا صح التعبير اللا تخصص ينفع المجتمع الإسلامي، هذا غير المتخصص قد يمد المتخصص بشيء هو جاهل به، وهذا المتخصص من باب أولى يمد ذاك غير المتخصص بما يجهله، لكن الشرط الأساسي هو التعاون.
أنا قلت في زماني ولا أزال أقول: يجب على كل الجماعات الإسلامية على ما بينها من اختلاف في المنهج وأساليب الدعوة، أن يعملوا جميعاً لمصلحة الإسلام، وأن يتعاونوا جميعاً كل في حدود اختصاصه.
مثلاً: الإخوان المسلمون يدعون إلى إسلام عام، ليس هناك مانع، نحن نستغل هذه الفرصة، وندعو إلى إسلام خاص بالمفهوم الصحيح.
جماعة التبليغ مثلاً يريدون الاهتمام بنصح الناس وتذكيرهم وإيقاظهم .. بلا شك شيء طيب، آثارهم هذه الطيبة هي التي ورطتهم وشغلتهم عن ما هو الأهم من العلم والعقيدة والكتاب والسنة .. إلى آخره؛ لأنهم يقولون: كم وكم من أناس كانوا منحرفين، لا يصلون، لا كذا .. إلى آخره، وببركة الخروج في سبيل الله كما يقولون صاروا جماعات كثيرة صالحين ويصلون، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، ويجب الاعتراف بها، ولكن لو اقترن مع هذا النشاط من نفس الجماعة نشاط علمي حريص على فهم الكتاب والسنة مع دعوة الناس ونصحهم وإرشادهم، إن ما كانوا هم فيفسحون المجال لغيرهم كما قلت أنت آنفاً.
فأنا أقول: الجماعات الإسلامية إذا كانوا مخلصين فعلاً، هم يمثلون، كل جماعة تمثل اختصاصاً من الاختصاصات، أعرف قديماً في زماني كان يوجد في مصر، ما أدري لعلها موجودة أو لا، جمعية الشبان المسلمين، هل ما زالت موجودة حتى الآن؟
مداخلة: لا، لها الاسم موجود، ولكن
…
الشيخ: المهم هؤلاء كان همهم الرياضة، تمرين الشباب على الرياضة، وكرة القدم وكرة السلة .. إلى آخره، أنا أعتقد أن هذا شيء طيب وهذا شيء لا بد منه، لكن ليس على أساس تكتل رياضي يحارب التكتل الفكري والعقائدي، وإنما
على أن هذا يكمل هذا، مثلاً: جماعة الشبان المسلمين إذا أراد شاب سلفي أنه يتمرن أحسن من أن يتمرن مع جماعة من الكافرين، يتمرن مع إخوانه المسلمين وهؤلاء نفس هؤلاء الشباب الرياضيين، أحسن من أن يتلقى العلوم من صوفي، من خلفي .. إلى آخره، يتلقى العلم من سلفي .. وهكذا.
فلا بد أن نعطي للجماعات حكم الأفراد، كما أن كل فرد من أفراد المسلمين يجب أن يتعاون مع أخيه على الخير، كل في حدود إمكانياته، كذلك الجماعات الإسلامية، كل جماعة تمثل طائفة من هؤلاء الأفراد المسلمين، يجب أن يتعاونوا جميعاً، فإذا كانوا كذلك أنا لا أعد هذا تفرقاً في الدين، لكن الواقع مع الأسف الشديد ليس كذلك الأمر؛ لأنه يتدخل في الموضوع التحزب الجاهلي، فهؤلاء يتحزبون لهؤلاء، فتقع الفرقة، وحينئذ يأتي نهي رب العالمين في القرآن الكريم:{وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31 - 32].
(الهدى والنور/281/ 21: 17: 00)