المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أسباب الوهن وسبيل النهوض بالأمة - جامع تراث العلامة الألباني في المنهج والأحداث الكبرى - جـ ٢

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌التسمي بالسلفية

- ‌هل نستطيع أن نستغني عن التسميبالسلفية ونتسمى بأهل السنة والجماعة

- ‌التسمي بالسلفية

- ‌أيهما أولى استعمالا: لفظأهل السنة أم لفظ السلف

- ‌التسمي بالسلفية

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌تهم وشبهات: التسمي بالسلفيةتفريق للأمة

- ‌تهم وشبهات: التسمي بالسلفية بدعة

- ‌تهم وشبهات: التسمي بالسلفيةتزكية للنفس فلا تجوز

- ‌ضعف المسلمينوالحل للخروج منه

- ‌المستقبل للإسلام

- ‌حض الإسلام على استثمارالأرض وزرعها

- ‌التكالب على الدنيا يورث الذل

- ‌الانشغال بالدنيا عن الدين سبب الهلاك

- ‌العودة إلى الدين هو الطريقللخلافة الإسلامية

- ‌باب منه

- ‌سبب ضعف المسلمين

- ‌الحل للخروج من ضعف المسلمينوإقامة دولة الإسلام

- ‌أسباب الوَهَن وسبيل النهوض بالأمة

- ‌الطريق الرشيد نحو بناءالكيان الإسلامي

- ‌السبيل إلى تغيير واقع الأمة السيء

- ‌بماذا تبرأ ذمة المسلم الذيلا يستطيع أن يُغَيِّر واقعه

- ‌وسائل النهوض بالعالم الإسلامي

- ‌حول حديث: (يوشك أن تداعىعليكم الأمم

- ‌متى الوصول

- ‌نصيحة .. حول متى الوصول

- ‌تهم وشبهات حول الدعوةالسلفية والرد عليها

- ‌اتهام السلفيةبأنها دعوة تفريق

- ‌اتهام:التسمي بالسلفية تفريق للأمة

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌اتهام: تطبيق السنن يسبب الفرقة

- ‌شبهة: الوقت ليس وقت اختلاف، بل توحُّدلمحاربة الشيوعيين والعلمانيين

- ‌تهم وشبهات .. الدعوة إلى العقيدةتفريق للناس

- ‌التفريق ليس مذمومًا لذاته

- ‌السلفية والوهابية

- ‌الوهابية

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌اتهام السلفيين بأنهملا يعتنون إلا بالقشور

- ‌اتهام السلفيين بأنهم لا يعتنون إلا بالقشوروأنهم نسوا المعركة الكبرى مع أعداء الإسلام

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌القشر واللب

- ‌تهم: السلفيون لا يُقَدِّمونحلولاً لمشاكل الأمة

- ‌هل في الإسلام قشور

- ‌اتهام السلفيين بأنهملا يهتمون إلا بالعقيدة والعلم

- ‌تهم وشبهات: السلفيون يعطونالعقيدة أكثر من حجمها

- ‌تهم وشبهات: الدعوة السلفية تعتنيبالجانب العلمي وتتحزب له ويصحبذلك ضعف في التعبد

- ‌تهم وشبهات: السلفيونلا يهتمون إلا بالعقيدة

- ‌شبهة: أن الدعوة السلفيةطريقها طويل لا ينتهي

- ‌تهم وشبهات: ماذا فعل منهجكم؟ومتى الوصول

- ‌تهم وشبهات: الطريق السلفي لإقامةدولة إسلامية طويل يحتاجإلى سنوات بل قرون

- ‌دفع شبهات عن الدعوة السلفيةأنهم سلكوا الطريق الخاطئ وأضاعواالوقت فيما لا فائدة فيه

- ‌اتهام السلفيين بأنهمغير مُنَظَّمين

- ‌الرد على اتهام السلفيينبأنهم غير مُنَظَّمين

- ‌باب منه

- ‌اتهام الدعوة السلفيةبأنها دعوة رجعية

- ‌اتهام: الدعوة السلفيةبأنها دعوة رجعية

- ‌اتهام الدعوة السلفيةبالتشديد على الناس

- ‌اتهام: السلفية والتشديد على الناس

- ‌من هم السلف:

- ‌اتهام الدعوة السلفية بعدمتقدير الأئمة الأربعة

- ‌تُهم وشبهات: السلفيون لا يُقَدِّرونالأئمة الأربعة ومذاهبهم

- ‌تهم وشبهات: السلفيون يُلزِمون الأئمةبأقوال هم يفتون بخلافها

- ‌تهم وشبهات: السلفيون وعلى رأسهمالألباني ينكرون المذاهب الأربعة

- ‌اتهام الدعوة السلفيةبالتعصب والجمود

- ‌تهم: وصف السلفيين بالجمود

- ‌هل في المنهج السلفي تعصب

- ‌هل السلفيون ظاهريون

- ‌اتهام الدعوة السلفية بعدمالاهتمام بالحاكمية

- ‌اتهام: السلفية لا تعتني بالحاكمية

- ‌شبهة: ما فائدة الإصلاح مادامأن المهدي سيظهر في النهاية

- ‌شبهة: ما فائدة الإصلاح ما دامالمهدي سيخرج في النهاية

- ‌نظرات في كتبعبد الرزاق الشايجي

- ‌نظرات في كتب عبد الرزاق الشايجي

- ‌رأي العلامة الألباني في تعدُّدالجماعات والتعاون فيما بينها

- ‌كثرة الأحزاب في الساحة

- ‌حكم تعدد الجماعات الإسلامية

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌لا فرق ولا أحزاب في الإسلام

- ‌هل الجماعات الإسلامية هي الطريقالوحيد لعودة الإسلام

- ‌الفِرَق والجماعات الموجودة في الساحة

- ‌هل الجماعات الإسلامية تُعَدُّ من الفرق

- ‌نصيحة لمن ينتمي إلى الجماعات المعاصرة

- ‌الطريق إلى توحيد الكلمةبين الجماعات الإسلامية

- ‌التعاون بين الجماعات

- ‌اتحاد الدُّعاة والجماعات

- ‌التعاون مع الجماعات الإسلامية

- ‌حلقة تضم العلماء لحل الخلافات

- ‌كيف نربط بين الحركات الإسلامية

- ‌نبذ الفرقة وكيفية توحيد المسلمين

- ‌هل الجماعات الحالية مُكَمِّلة لبعضها

- ‌السلفية والتخصُّص، ورأي الشيخ فيالتعاون بين الجماعات الإسلامية

- ‌حكم اجتماع الجماعات والتلاقي بينها

- ‌هل هناك مانع من التعاونمع الأحزاب السياسية

- ‌الفصل من الجماعات

- ‌رأي الشيخ في الجماعات الإسلامية

- ‌رأي الألباني في كتاب الجماعاتالإسلامية لسليم الهلالي حفظه الله

الفصل: ‌أسباب الوهن وسبيل النهوض بالأمة

‌أسباب الوَهَن وسبيل النهوض بالأمة

مداخلة: ماذا لو كانت نصيحة متعلقة بالاجتماع والمؤتمر الذي اجتمعنا نحن مع الإخوة بسببه وهو عنوانه: واقع الأمة الإسلامية أسباب الوهن وسبيل النهوض، وجزاكم الله خيراً.

الشيخ: نسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لمعرفة الحق ولاتباعه.

وجواباً على ما سألت، أقول: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71].

ص: 84

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وبعد: فإنه مما لا يخفى عليكم جمعياً أن ما عليه المسلمون اليوم من واقع الأمر السيئ في هذا العصر الذي نعيشه هو بلا شك أسوأ ما أصاب المسلمين في كل عصورهم المتأخرة مما لا يحتاج أحد إلى أن يوصف له؛ لأنه يحياه ويعايشه، فكلنا يعلم انتشار أنواع الفسق والفجور في العالم الإسلامي وقليل ممن لا يزالون يعتصمون بكلمة الحق وباتباع الكتاب والسنة، أما الأكثرون فكما قال رب العالمين:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 187] وكما قال في الآية الأخرى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106].

فواقع الأمة اليوم مما تحدث عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن نرى ما رأينا، بل وقبل أن يرى ما رآه أجدادنا من قبل من الفرقة والتحزب والتفرق في الدين خلافاً لقول رب العالمين:{وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31 - 32]، وكما قال رب العالمين في الآية الأخرى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153].

وقد بَيَّن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه السبل في الحديث الصحيح الذي صَوَّر تفرُّق المسلمين وخروجاً من الكثيرين منهم عن الخط المستقيم فيما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: «خط لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً خَطًّا على الأرض مستقيماً، ثم خط حوله خطوطاً قصيرة، ثم تلا قوله تبارك وتعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]،

ص: 85

ثم قال عليه السلام وقد مر بأصبعه الشريفة على الخط المستقيم: هذا صراط الله، وأشار إلى الخطوط القصيرة التي على جانبي الطريق بقوله عليه الصلاة والسلام: هذه طرق وعلى كل طريق منها شيطان يدعو الناس إليه».

فقد بَيَّن صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث أن الطريق الموصل إلى الله عز وجل إنما هو طريق واحد وليس كما يقول بعض الصوفية، أو على الأقل بعض المتصوفة، قالوا أو زعموا: إن الطرق الموصلة إلى الله عز وجل هي بعدد أنفاس الخلائق، هذا كانوا يقولونه قديماً، أما اليوم فقد تعددت الطرق إلى تعدد الجماعات والأحزاب:{كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53] مع أن هؤلاء المسلمين اليوم جميعاً يعلمون قول الله عز وجل: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31 - 32]، ويعلمون أيضاً قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: ما هي يا رسول الله؟ قال: هي الجماعة» هذه هي الرواية المشهورة والصحيحة، والرواية الأخرى وهي مفسِّرة للأولى، قال:«هي التي تكون على ما أنا عليه وأصحابي» فقوله عليه الصلاة والسلام في هذه الرواية الثانية وهي رواية حسنة كما بينت ذلك في بعض كتبي، فقوله عليه السلام:«ما أنا عليه وأصحابي» يحدد منهج الفرقة الواحدة والطائفة المنصورة الناجية وهي التي تأخذ بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.

وهنا نكتة لا بد لي من ذكرها بمناسبة قوله عليه السلام: «وأصحابي» لأنه من الواضح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو اقتصر على قوله ما أنا عليه لكان جوابه وافياً كافياً،

ص: 86

ولكنه لحكمة بالغة زاد على ذلك وعطف فقال: «وأصحابي» والحكمة هي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا جميعاً على هدى من ربهم؛ لأنهم تلقوا الوحي النازل على قلب نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم غضاً طرياً كما أنزله الله عز وجل قبل أن يتسلط على مفاهيمه وعلى دلالاته العجمة أو الهوى الذي ران على قلوب بعض الذين جاءوا من بعد السلف الصالح من الآراء والأفكار المباينة والمخالفة لما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

لهذا ذكرهم وعطفهم على ما كان عليه صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه يعلم علم اليقين أن أصحابه سيكون له متبعين تمام الاتباع، وكذلك أثنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على القرون الذين يأتون من بعد أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم ومجموع تلك القرون هي كما قال عليه السلام في الحديث الصحيح، بل الحديث المتواتر في نقدي وفي علمي وتتبعي ألا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«خير الناس قرني» وبعض الناس يروونه بلفظ: «خير القرون قرني» فأرى من الواجب عليَّ أن أُذَكِّر والذكرى تنفع المؤمنين أن لفظ الحديث الصحيح: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» فهؤلاء القرون الثلاثة هم الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالخيرية وهم المقصودون بالآية الكريمة وهي قول الله عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].

فقوله تبارك وتعالى في هذه الآية الكريمة: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] منه اقتبس نبينا صلى الله عليه وآله وسلم قوله سابقاً: «وأصحابي» فالنكتة في هذا الحديث كالنكتة في هذه الآية الكريمة، وفي ذلك دلالة واضحة على أن المسلمين جميعاً في هذه العصور المتأخرة أنه لا يجوز لهم أن يخالفوا سبيل المؤمنين .. سبيل المؤمنين الأولين؛ لأنهم كانوا على هدى من ربهم.

ص: 87

ولذلك أيضاً ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه من المفضلين على أصحابه الآخرين ألا وهم الخلفاء الراشدون المهديون كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» هكذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع سنته في هذا الحديث سنة الخلفاء الراشدين بتلك النكتة التي أشرنا إليها في الآية، وفي حديث الفرقة الناجية.

وفي كل هذه النصوص الثلاثة منهاج يوجب على المسلمين في العصر الحاضر أن يلتزموه وألَّا يكونوا بعيدين عنه كما هو شأن كثير ممن يشاركنا في الدعوة إلى الكتاب والسنة ولكنهم يخالفوننا في منهجنا في رجوعنا إلى فهم الكتاب والسنة إلى فهم هؤلاء السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم، ذلك مما يجب على كل مسلم أن يَتَّخِذه منهجاً له لكي لا ينحرف عن ما كان عليه سبيل المؤمنين.

فلا يكفي اليوم أن نقول: نحن على الكتاب والسنة، ثم يختلفون في فهم الكتاب والسنة، فالرجوع إلى السلف الصالح هو ضمان وصيانة من أن يقع المسلمون اليوم في مثل ما وقع المسلمون الذين جاءوا بعد السلف فاختلفوا اختلافاً كثيراً؛ ذلك لأنهم قد كانوا لم تتوفر لديهم أولاً نصوص السنة التي تتولى بيان القرآن الكريم كما قال رب العالمين:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] هذا هو السبب الأول الذي كان من أسباب الخلاف الذي وقع بين المتقدمين حتى بين بعض الأئمة المجتهدين من العلماء والزهاد

ص: 88

والصالحين.

ولكن هناك أسباب أخرى وهي تسلط الأهواء والآراء الخاصة ببعض الناس ولو كانوا على شيء من العلم بل والزهد والصلاح؛ ولذلك فنحن نقول: إنه لا ضمان لكي لا يقع المسلمون في مخالفة الكتاب والسنة إلا بالرجوع إلى ما كان عليه سلفنا الصالح فأنا أعتقد أن من واقع الأمة الإسلامية اليوم هو اختلافهم في تفسيرهم لبعض نصوص الكتاب والسنة بسبب اعتمادهم على غير هذا المنهج الذي نسميه بالمنهج السلفي، هذا ما ينبغي أن نعرفه في واقع الأمة الإسلامية اليوم لكي يتمكنوا من العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح والذي اقترن بهم أن الله عز وجل أعزهم ومَكَّن لهم في الأرض كما هو معلوم في التاريخ الإسلامي الأمجد.

هذا ما يحضرني الآن جواباً عن هذه القطعة من السؤال، وهو واقع الأمة الإسلامية.

وقبل أن أنتقل إلى التحدث عن أسباب الوهن أريد أن أسمع من بعضكم على الأقل لكي أطمئن هل وصلكم كلامي وصوتي واضحاً بَيِّناً إن شاء الله حتى أتابع الكلام والجواب.

مداخلة: واضح جداً يا شيخنا.

الشيخ: بَشَّرك الله الخير، وأنا أتابع إن شاء الله فأقول: أما أسباب الوهن فهي عند العلماء كثيرة وكثيرة جداً:

وقد يعلمون كلهم أو على الأقل بعضهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمعها في جملة واحدة في الحديث الثابت الصحيح عنه صلى الله عليه وآله وسلم وهو قوله: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال:

ص: 89

لا، بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله الرهبة من صدور عدوكم وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت» وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فليس يخفى على كل مسلم عاقل أن حب الدنيا رأس كل خطيئة، وأنه سبب كل معصية وبلية، كيف لا! وهو الذي يحمل الناس على الشح بالمال والنفس التي تجاهدها بالإنفاق بالمال العزيز لديها وبالنفس التي هي أعز من المال؛ ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم:«اتقوا الشح فإن الشُحَّ أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم» كما ورد في كثير من كتب السنة، ومنها صحيح الإمام مسلم.

وإن مما يجب ذكره وبيانه بهذه المناسبة: أن استحلال المحارم المهلك يكون على وجهين اثنين:

الأول: ارتكاب المحارم مع العلم بحرمتها، وهذا أمر مشاهد فاش مع الأسف الشديد بين المسلمين اليوم بكل أشكاله وأنواعه حتى الكبائر ألا وهو الإشراك بالله عز وجل الذي يتجلى واضحاً في بعض الجماعات أو الأفراد الذين ينادون غير الله عز وجل في الشدائد ويستغيثون بغير الله وينذرون ويذبحون لغير الله فضلاً عن أن أكثرهم يحلفون بغير الله كل هذه من الشرك .. من أنواع الشرك الفاشية اليوم بين المسلمين وأكثرهم لا أقول: أكثر عامتهم، بل أقول: أكثر خاصتهم لا يدندنون حول التحذير من هذه الأنواع من الشركيات والوثنيات، هذا أكبر الكبائر كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة، الإشراك بالله عز وجل، ومنها قتل النفس بغير حق، وعقوق الوالدين، وأكل الربا وما أدراكم ما أكل الربا فقد انتشر أيضاً في هذا الزمان بسبب قيام ما يسمونه بالبنوك، وكذلك من الكبائر

ص: 90

شرب الخمر وتبرج النساء وبناء المساجد على القبور وغيرها كثير وكثير.

والقسم الآخر من المحارم المحرمة ارتكابها دون معرفة حكمها أو حرمتها؛ وذلك للجهل بها، وهذا بلا شك شر منتشر أيضاً بين كثير من المسلمين، وإما باستحلالها بطريق الاحتيال عليها على نحو احتيال اليهود على صيد السمك المذكور في القرآن كما هو معلوم مشهور، وكاحتيالهم على أكلهم الشحوم، كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح:«لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه» هذا الحديث من الأحاديث التي قَلَّما نسمعها من ألسنة الخطباء والوعاظ وهو من الأحاديث المهمة جداً جداً التي تحذر المسلمين أن يقعوا فيما وقع فيه اليهود من قبلهم وحذرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أن يقعوا في مثل ما وقعوا هم فيه في الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن! » أو قال: «فمن الناس! » .

وأقول محذراً: وهذا النوع من الارتكاب والاستحلال لما حرم الله عز وجل بأدنى الحيل قد وقع أيضاً فيه كثير من المسلمين في بعض معاملاتهم وعقودهم: من أشهر ذلك نكاح التحليل الملعون فاعله، في السنة الصحيحة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«لعن الله المحلل والمحلل له» ومع ذلك فلا يزال في المسلمين اليوم بعض المتفقهة يجيزون نكاح التحليل رغم لعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاعله كمثل ما سمعتم آنفاً.

وكذلك مما فشا في العصر الحاضر: بيع التقسيط بزيادة في الثمن على ثمن بيع النقد، وكذلك بيع العينة المنتشر في بعض البلاد الإسلامية، وآسف أن أقول

ص: 91

ولا يتسع المجال الآن لشرح ذلك كله، وإنما أردت أن أذكر الإخوان بحديث يناسب المقام ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم» ففي هذا الحديث بيان واضح لبعض الأدواء والأمراض الناتجة من حب الدنيا وهو التكالب عليها والانغماس في الأخذ بأسباب جمع المال الذي يترتب منه ما هو واقع المسلمين اليوم مما ذكره عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث عطفاً على داء التبايع بالعينة، والأخذ بأذناب البقر، والرضا بالزرع، فقال عليه الصلاة والسلام:«وتركتم الجهاد في سبيل الله عز وجل» فترك الجهاد الذي أصبح عاماً اليوم يشمل مع الأسف الشديد كل الدول العربية والإسلامية رغم كونها عندها من وسائل الجهاد والقتال ما لا تملكه الشعوب المسلمة المتحمسة للدفاع عن بلادها وعن أراضيها، بل وعن أعراضها.

كان هذا كنتيجة طبيعية سنة الله عز وجل ولن تجد لسنة تبديلاً أن يقعوا في مثل هذه المخالفات والاستحلال لما حرم الله عز وجل كان أمراً طبيعياً أن يسلط الله عليهم ذلاً، هذا الذل الذي نراه قد ران على بلاد المسلمين كافةً ولو أنهم كانوا في الظاهر أحراراً ولكنهم مع الأسف الشديد لا يستطيعون أن يتحركوا بما يأمرهم كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم كمثل ما جاء في الحديث الصحيح:«جاهدوا المشركين بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم» نحن الآن قد ألغينا الجهاد بالنفس وركنا إلى الجهاد إلى الجهاد بالأموال لوفرتها لدينا، وباللسان لسهولة ذلك علينا، أما الجهاد بالأنفس فذلك مما أصبح مع الأسف في خبر كان؛ ولذلك فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد وصف في هذا الحديث الصحيح الداء مع الدواء، حيث ذكر نماذج من الأمراض التي ستصيب المسلمين في أول هذا الحديث حديث العينة،

ص: 92

ثم بين في آخره عليه الصلاة والسلام الدواء فقال: «لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم» وهذا الدواء هو العلاج الوحيد للمسلمين إذا أرادوا أن يعود إليهم عزهم ومجدهم وأن يمكن الله لهم في الأرض كما مكن للذين من قبلهم، فقال عليه الصلاة والسلام:«بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والمجد والتمكين في الأرض، ومن عمل منهم بعمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب» .

إذاً: قوله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث: «حتى ترجعوا إلى دينكم» يفسح لي المجال للدخول في الإجابة عما جاء في آخر السؤال وهو: ما هو سبيل النهوض بهذه الأمة التي أصابها من الذل والهوان ما لم يصب الأمة من قبل هذا الزمان؟ فنقول: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما وصف الدواء في هذا الحديث بالرجوع إلى الدين إنما انطلق من مثل قوله عز وجل: {إن الله لا يُغَيِّر ما بقوم حتى يُغَيِّروا ما بأنفسهم* وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ} [الرعد: 10 - 11] وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الأنفال: 53] فما هو السبب الذي غير الله فينا نعمة القوة والعزة والتمكين في الأرض الذي كان عليه المسلمون من قبل؟ ذلك لأننا غيرنا نعمة الله عز وجل وبدلنا فأخذنا بأسباب الدنيا وتركنا الجهاد في سبيل الله عز وجل كنتيجة شرعية وكونية أن المسلم إذا لم ينصر الله عز وجل لم ينصره الله كما هو صريح قوله تبارك وتعالى: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد: 7].

هنا لا بد لي من وقفة: إذا كان الله عز وجل قد جعل على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم العلاج لهذا المرض العضال الذي أصاب المسلمين في أرضهم الإسلامية كلها مع الأسف الشديد إنما هو الرجوع إلى دينهم، والدين كما تعلمون إنما هو الإسلام وقد قال رب الأنام: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي

ص: 93

الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] .. {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3].

ويعجبني بمناسبة هذه الآية ما ذكره الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه العظيم «الاعتصام» ، ذكر عن الإمام مالك أنه قال: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم خان الرسالة وحاشاه، ثم قال: اقرءوا قول الله تبارك وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] قال رحمه الله: ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فما لم يكن يومئذٍ ديناً لا يكون اليوم ديناً.

كنا نستدل بهذا الأثر الثابت عن الإمام مالك إمام دار الهجرة أنه لا يجوز للمسلم أن يحدث في الإسلام بدعة مهما كانت يسيرة وفي الأخلاق أو العبادات وليست في العقائد .. كنا نحتج بهذا الأثر اعتماداً على هذه الآية الكريمة أن الله عز وجل أتم النعمة علينا بإتمام ديننا، ألا وهو الإسلام.

فما بالنا اليوم وقد أصبحنا بعيدين عن الإسلام ليس فقط فيما يتعلق بما يسمى بالسنن التي تخالفها البدع، بل أصبحنا بعيدين كل البعد عن الإسلام ليس في هذه الجزئيات أو في هذه الأمور التي يسميها بعضهم بأنها من الأمور الثانوية والتي ليست بجوهرية وإنما أصبحنا بعيدين عن الإسلام الذي ارتضاه الله لنا ديناً حتى في قضائنا

حتى في أفكارنا وعقائدنا، فإذا أردنا فعلاً وجادين مخلصين أن نتعاطى هذا العلاج الذي وصفه ربنا عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وهو أن نرجع إلى الدين، فبأي مفهوم نفهم هذا الدين؟

هناك أولاً مفهومان معروفان لدى كثير من العلماء الذين يعرفون الخلاف بين علماء السلف وبين علماء الخلف، هناك مذهبان:

ص: 94

مذهب ينتمي إلى السلف، ومذهب ينتمي إلى الخلف، ومذهب السلف، يقول أولئك الذين ينتمون إلى مذهب الخلف .. يقولون عن مذهب السلف بأنه أسلم، لكنهم يقولون بأن مذهب الخلف أعلم وأحكم، فيا ترى! هل نعود في عقائدنا أولاً إلى ما كان عليه سلفنا الصالح، أم نعود إلى مذهب هؤلاء الخلف الذين يُصَرِّحون بأن مذهب السلف أسلم ولكن مذهب الخلف أحكم وأعلم؟

لا شك أنه يتبين من النصوص التي ذكرناها أن واجبنا نحن في هذا الزمن الذي أحيط بنا من كل جانب أن نعود أولاً في العقائد إلى ما كان عليه سلفنا الصالح، ثم نعود فيما دون ذلك من العقائد، وأعني بذلك: الأحكام والأخلاق والسلوك، لا بد أيضاً في كل ذلك أن نرجع إلى ما كان عليه سلفنا الصالح الذي كان لا يرضى له بديلاً عن الاعتماد على الكتاب والسنة حينما يقع تنازع ما بين بعض أفراد الأمة كما قال ربنا عز وجل في القرآن الكريم:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].

اليوم مع الأسف الشديد لا نجد هذه الجماعات وهذه الأحزاب تتفق معنا على تعاطي هذا الدواء الذي لا علاج للمسلمين في الرجوع إلى عزهم ومجدهم الغابر إلا بالرجوع إلى دينهم، هذه النقطة أن الدواء هو الرجوع إلى دين الإسلام نقطة لا خلاف فيها بين كل مسلم مهما كان اتجاهه ومهما كان تحزبه وتكتله، ولكن الخلاف مع الأسف الشديد هو في فهم هذا الدين، فهناك كما ذكرنا مذهبان: مذهب السلف ومذهب الخلف، السلف ما كانوا يختلفون في الأصول .. ما كانوا يختلفون أولاً في أن المرجع عند التنازع إنما هو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهم كانوا يتحاكمون إلى هذين المصدرين ويُسَلِّمون لهما

ص: 95

تسليماً كما ذكرنا تلاوة الآية السابقة بذلك، ولكن الاختلاف قد كان بينهم بالسبب الأول الذي سبقت الإشارة إليه: وهو أن بعضهم كان لا يصله الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيجتهد فيقع في خطأ غير قاصد إليه.

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب له أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد» فلذلك ينبغي الرجوع من هؤلاء المسلمين إلى هذه القاعدة التي لا ينبغي أن يقع فيها اختلاف ألا وهي: فهم الكتاب والسنة على ما كان عليه السلف الصالح، فإذا التفتنا إلى هذا النظام وجعلناه لنا منهجاً وسبيلاً نتعاون على فهمه أولاً وعلى تطبيقه ثانياً، فهنا يأتي الأمر الهام والهام جداً وهو خلاصة الجواب عن هذا السؤال ألا وهو سبيل النهوض لا بد للمسلمين اليوم من أن يفهموا دينهم فهماً صحيحاً، ثم أن يُطَبِّقوه كل بحسبه تطبيقاً صحيحاً.

المحكوم غير الحاكم .. الحاكم له سلطة عليا .. المحكوم سلطته محدودة فإذا قام كل من الحاكم والمحكوم بفهم الإسلام أولاً فهماً صحيحاً، ثم بتطبيق هذا الإسلام تطبيقاً كاملاً كل بسحب ما يستطيعه كما أشرت إليه آنفاً في اعتقادي يومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله، ولكنني أرى أن كثيراً من الدعاة الإسلاميين الذي يلهجون دائماً وأبداً بدعوة الحكام إلى الحكم بما أنزل الله عز وجل، وهذه دعوة حق لا شك ولا ريب فيها؛ لقول الله عز وجل:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] وفي الآية الأخرى: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] وفي الثالثة: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45].

هذا حق أي: أن يقوم الحكام بتطبيق الإسلام في دساتيرهم وفي قوانينهم وعلى شعوبهم كلها، هذا حق واجب ولكن نحن نُذَكِّر أفراد الشعوب المسلمة

ص: 96

الذين ينادون بكلمة الحق هذه وهو الحكم بما أنزل الله أن عليهم ألا ينسوا أنفسهم كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] فلذلك على أفراد المسلمين أن يفهموا الإسلام فهماً صحيحاً ثم أن يطبِّقوه تطبيقاً كاملاً في حدود استطاعتهم على أنفسهم وعلى من لهم ولاية عليهم من رعاياهم كما قال عليه الصلاة والسلام: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية وهي مسؤولة عن رعيتها» إلى هذا المعنى من التربية للنفس يشير إليه بعض الدعاة الإسلاميين بالكلمة التي تروى عنه ألا وهي قوله: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم في أرضكم، في هذه الكلمة التي تعجبنا كثيراً ولكن لا يعجبني الذين ينتمون إلى قائل هذه الكلمة حيث أنهم لا يعنون بها ولا يهتمون بتطبيقها؛ لأن ذلك يُكَلِّفهم أمراً يتطلب جهداً جهيداً ألا وهو الرجوع إلى فهم الإسلام على الوجه الصحيح الذي سبق بيانه آنفاً اعتماداً على كتاب الله، وعلى حديث رسول الله، وعلى ما كان عليه سلفنا الصالح.

فأقول: العودة إلى هذا الدين الذي هو الدواء لما أصاب المسلمين اليوم يتطلب أمرين اثنين، طالما أُكَنِّي عنهما: بالتصفية والتربية، وأعني بالتصفية: أن يقوم علماء المسلمين الذي يتبنون هذا المنهج الصحيح من فهم الإسلام على ما كان عليه سلفنا الصالح، أن يقوم كل منهم بتصفية هذا الإسلام مما دخل فيه مما هو بريء منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب كما يقال في بعض الأمثال، وأن يدعو الناس إليه سواء ما كان متعلقاً بالعقيدة أو بالأحكام التي اختلف فيها كثيراً، أو في الأخلاق وفي السلوك، لا بد من تصفية الإسلام في كل ما يتعلق بهذا الإسلام الذي أتمه الله عز وجل علينا كما سبق في الآية وأؤكد ذلك بالحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله ويبعدكم عن النار إلا

ص: 97

وأمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه» فمن كان يريد أن يتمشى مع هذا المنهج الصحيح فهنا يرد بيان لا بد لي منه:

كثير من العلماء قديماً وحديثاً يعلمون فكرة أن السنة دخل فيها ما لم يكن منها حتى في القرن الأول حيث بدأ بعض الفرق الضالة ترفع أصواتها وتدعوا إلى مخالفة الكتاب والسنة باتباعها لأهوائها كما جاء عن أحد الخوارج حينما هداه الله عز وجل إلى السنة فقال: انظروا من أين تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيرناه حديثاً؛ ولذلك جاء عن ابن سيرين رحمه الله وهو التابعي الجليل الذي كان يكثر من الرواية عن حافظ الصحابة للسنة والحديث ألا وهو أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال: انظروا من أين تأخذون دينكم، وقد روي هذا حديثاً مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن لا يصح رفعه والصحيح أنه مقطوع موقوف على ابن سيرين رحمه الله.

ولذلك قال بعض أئمة الحديث: الإسناد من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء في الدين، إذا كان الأمر كذلك باتفاق العلماء نظرياً وأعني ما أقول حينما أقول نظرياً؛ ذلك لأني أريد أن أقول حقيقة مُرَّة ألا وهي: أن هذا الإسناد لم يهتم به جماهير العلماء الاهتمام الواجب به، وإنما اهتمَّ به طائفة من علماء المسلمين وهم أئمة الحديث كالإمام أحمد بن حنبل، والإمام يحيى بن معين، وعلي بن المديني وتلامذتهم كالإمام البخاري ومسلم وغيرهم من أئمة الحديث والنقاد الذين تكلَّموا في الرُواة جرحاً وتعديلاً، هؤلاء هم الذين يجب الرجوع إليهم والاعتماد عليهم لإجراء التصفية في هذه السنة التي يجب الرجوع إليها بعد تصفيتها.

كتب السنة الآن متوفرة وذلك من تمام عناية الله عز وجل بهذه الأمة ووفاءً

ص: 98

بالحكم الذي ذكره في القرآن الكريم: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وبهذه المناسبة: لا بد لي من التذكير بأن هذه الآية الكريمة حينما تذكر {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] يتوهم بعض الناس ممن لا علم عندهم بالسُّنة، أو لا يقيمون وزناً للسنة يظنون أن الحفظ الذي ضمنه الله عز وجل في هذه الآية إنما هو خاص بالقرآن الكريم.

فأقول: نعم ربنا عز وجل ذكر الذكر في الآية فهو قد حفظ القرآن بحروفه ولكنه حفظ معانيه بسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولذلك فلا يمكن تحقيق هذا التصفية للسنة إلا من طريق علماء الحديث، وبالتالي لا يمكن فهم القرآن إلا بطريق هذه السنة المصفاة وإلا وقع المسلمون فيما وقعت فيه الفرق الخارجة عن الفرقة الناجية؛ وذلك بأن القرآن كما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: أن القرآن حَمَّال وجوه، أي: يتحمل عدة معان؛ ولذلك قال ربنا عز وجل: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وأنزلنا إليك الذكر يا محمد لتبين للناس بسنتك ما نزل إليهم من القرآن الكريم.

ففي هذه الآية ما يشير إلى أن فيها ما هو مبَيَّن، وما هو مبَيِّن فالمبيَّن هو القرآن المنزل المَكْنِي عنه بالذكر، والمبيِّن هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المخاطب بهذه الآية؛ ولذلك فلا سبيل إلى فهم القرآن إلا بالسنة والسنة الصحيحة.

ولذلك حَذَّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أمرين اثنين ليتحقق هذا البيان تحققاً صحيحاً:

الأمر الأول: حذر أمته من أن يقولوا عليه ما لم يقل، ففي الحديث المتواتر عنه:«من كَذَبَ عَليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» وفي لفظ آخر: «من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار» هذا هو الأمر الأول، حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمته من أن يتقولوا عليه شيئاً حتى تبقى السنة كما تلفظ بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كما فعلها أو

ص: 99

كما أقرها.

والأمر الآخر الذي نبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمته: هو وجوب الرجوع إلى السنة كما يرجعون إلى القرآن؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يقول: هذا كتاب الله فما وجدنا فيه حلالاً حللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ألا ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله» .

بالجمع بين هذا الأمرين اللذين نبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمكننا أن نفهم الدين الذي جعله عليه الصلاة والسلام دواءً من أدوائنا التي حلت بنا وأحاطت بنا من كل جانب، هذا هو الأمر الأول.

والأمر الآخر الذي أُكني عنه: هو التربية بعد أن يقوم العلماء بهذا الواجب من التصفية وقد بينت بذلك ما أعني بهذه الكلمة .. أقول: لا بد لهم من أن يقرنوا مع هذه التصفية تربية ذويهم ورعيتهم على هذا الإسلام المصفى، ذلك لكي لا نكون من الذين يقولون ما لا يفعلون وقد قال ربنا عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2 - 3] ولذلك جاء الوعيد الشديد في حق من لا يعمل بعلمه؛ ولذلك قلنا في الحديث السابق الذي قال فيه عليه السلام: «بشر هذه الأمة بالرفعة والسناء والمجد والتمكين في الأرض» قال عليه الصلاة والسلام: «فمن عمل عملاً للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب» فهذا الحديث يوجب علينا أننا إذا عملنا بديننا المصفى أن يكون عملنا خالصاً لوجه الله تبارك وتعالى كما قال ربنا عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5].

أريد في نهاية هذه الكلمة أن أبين أن سبيل النهوض ينبغي علينا أن نبتعد عن

ص: 100

المحرمات التي نعرفها يقيناً كبعض الأمثلة التي سبق ذكرها سابقاً من المحرمات من الشرك وقتل النفس بغير الحق والربا ونحو ذلك، لكني أريد أن أذكر الآن بالداعي الأول الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حديث التبايع بالعينة فإن هذا الداء هو مستشر في بعض البلاد وأكثر الناس كما قال رب العالمين لا يعلمون.

إن بيع العينة هو نوع من البيوع أو المعاملات الربوية التي لا يجوز التعامل بها ومع الأسف إن بعض الناس يتعاملون بها على أنها من المعاملات الجائزة شرعاً، وبيع العينة معروفة عند العلماء وهي مشتقة من عين الشيء أو ذاته ونفسه فيأتي الرجل مثلاً إلى تاجر يبيع مثلاً سيارات فيساومه على سيارة ويشتريها منه بسعر التقسيط وليس نقداً فيشتريها منه مثلاً بعشرين، ثم يعود هذا الشاري بايعاً فيقول للتاجر: هل تشتري مني هذه السيارة فيعرف التاجر بأن الرجل يريد منه المال فيتفقان على سعر دون السعر الذي اشتراه فليكن مثلاً بأقل، بألفين أو ثلاثة - المقصود هو ضرب المثل - فيعود هذا الذي اشترى ثم باع قد سجل عليه العشرون ألف، وإنما أخذ أقل من ذلك بألفين أو أكثر، هذه المعاملة هي بيع العينة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن الصورة من الواضح جداً جداً عند من يبتعد عن اتباع الهوى أو على الأقل اتباع ما اعتاده من بيع العينة؛ ذلك لأن الصورة الحقيقة المراد من هذا البيع إنما هو أن يأخذ بأقل مما سجل عليه، لا فرق بين هذه الصورة التي سترت الربا فيها بالبيع وبين ما لو جاء إلى هذا التاجر وقال له: أعطني ثمانية عشر ألفاً وأعطيك عشرين ألفاً.

كل المسلمين والحمد لله إلى اليوم يعتقدون جازمين أن هذه معاملة ربوية لا تجوز، لماذا؟ لأنه نقد أخذ أقل مما سجل عليه، ولكن ما الفرق بين هذه الصورة وبين بيع العينة؟ البيع هنا اتخذت وسيلة لاستحلال الربا، هذا هو الذي حذرنا

ص: 101

النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الأحاديث التي سبق ذكرها وهو نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن اتباع السنن الذين من قبلنا، وذكر لنا اليهود بخاصة حينما حرم الله عز وجل عليهم الشحوم كما قال رب العالمين في القرآن الكريم:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] من هذه الطيبات المحرمة أيضاً بنص القرآن هي الشحوم، وقد جاء في الحديث السابق:«لعن الله اليهود حُرِّمَت عليهم الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله عز وجل إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه» هنا نجد أن اليهود تلاعبوا بالحكم الشرعي ألا وهو تحريم الشحوم ، ربنا عز وجل حكيم عليم بظلم اليهود ،حرم عليهم الشحوم أي: كان اليهود إذا ذبح الشاة أو الكبش السمين أكل اللحم الأحمر فقط ورمى الشحم إلى الأرض ائتماراً منه بأمر الله عز وجل، ثم لم يصبر اليهود على هذا الحكم الشرعي فاحتالوا على استحلاله فذوبوا هذا الشحم ذلك معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: فجملوها أي: ذوبوها ألقوا الشحوم في هذه القدور وأوقدوا النار من تحتها فأخذت الشحوم شكلاً آخر وهو استواء الشحم كاستواء الماء السطح مستو، أوهمهم الشيطان وسول لهم وزين لهم أن الشحم الآن خرج عن كونه شحماً وهم يعلمون أنه لا يزال في طبيعة تركيبه وطعمه ولذته لا يزال شحماً، إذاً: هم غيروا الشكل من أجل الأكل كما يقال في بعض البلاد ولكنهم في هذا التغيير استحلوا ما حرم الله ..

لم يقص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قصة استحلال اليهود لهذه الشحوم بهذه الحيلة ومع قص ربنا عز وجل قصة اليهود في احتيالهم الصيد للسمك يوم السبت بحصر السمك في الخلجان كما هو مذكور في التفاسير .. ما قص الله علينا ذلك ولا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم من أجل التأريخ فقط، وإنما كما قال:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف: 111] فالعبرة هنا في القصتين: قصتهم مع السمك، وقصتهم مع الشحم ألا نقع فيما وقعوا من الاحتيال على ما حرم الله.

ص: 102

فبيع العينة حرمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكي لا يقع المسلمون في احتيال الربا الذي صورته أن يستقرض أقل مما يُسَجَّل عليه وهو هنا أيضاً يستقرض أقل مما سُجِّل عليه ولكن من وراء بيع شكلي صورةً، كما أن اليهود غيروا الشحوم حينما أذابوها شكلاً.

وأنا حين أقول هذا أعلم بيع العينة يحرمه كثير من العلماء وكما أن بعضهم ممن لم يبلغه هذا الحديث أو لم يصح عنده؛ لأنه ليس من تخصصه يقول بجواز هذا البيع تمسكاً بلفظ البيع، ولكن أهل العلم يعلمون أن مجرد ورود لفظة البيع في معاملة ما لا يجعل تلك المعاملة بيعاً إلا إذا كان الشرع لم يحرمه، وإذا رجعنا إلى هذا الحديث وجدناه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر التبايع بالعينة أول مرض من الأمراض التي ساقها من بعده ألا وهو التكالب على الدنيا وترك الجهاد في سبيل الله عز وجل، فوجب إذاً أن نعتبر بهذا الحديث وأن لا نقع في هذا المحظور أو في هذه الأدواء التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك لكي نعود كما أرادنا ربنا عز وجل أن نكون في قوله تبارك وتعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8].

هذا ما أردت أن أقوله بمناسبة هذه الأسئلة الطيبة التي وردت من هذه الجمعية المباركة إن شاء الله جمعية القرآن والسنة، نسأل الله عز وجل أن يلهمنا وإياكم أن نفهم الإسلام فهماً صحيحاً على ضوء الكتاب والسنة، والسنة الصحيحة وعلى منهج السلف الصالح وأن يوفقنا حكاماً ومحكومين للعمل بهذا الإسلام المصفى.

أسأل الله عز وجل بأنه الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أن يتقبل دعاءنا هذا، وأن ينصرنا على أعدائنا جميعاً إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين.

(الهدى والنور / 690/ .. : 01: 00)

(الهدى والنور / 691/ 23: 01: 00)

ص: 103