المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الوهابية ! السائل: ترددت كلمة الوهابية في كلام أخونا الشيخ أبو أحمد - جامع تراث العلامة الألباني في المنهج والأحداث الكبرى - جـ ٢

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌التسمي بالسلفية

- ‌هل نستطيع أن نستغني عن التسميبالسلفية ونتسمى بأهل السنة والجماعة

- ‌التسمي بالسلفية

- ‌أيهما أولى استعمالا: لفظأهل السنة أم لفظ السلف

- ‌التسمي بالسلفية

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌تهم وشبهات: التسمي بالسلفيةتفريق للأمة

- ‌تهم وشبهات: التسمي بالسلفية بدعة

- ‌تهم وشبهات: التسمي بالسلفيةتزكية للنفس فلا تجوز

- ‌ضعف المسلمينوالحل للخروج منه

- ‌المستقبل للإسلام

- ‌حض الإسلام على استثمارالأرض وزرعها

- ‌التكالب على الدنيا يورث الذل

- ‌الانشغال بالدنيا عن الدين سبب الهلاك

- ‌العودة إلى الدين هو الطريقللخلافة الإسلامية

- ‌باب منه

- ‌سبب ضعف المسلمين

- ‌الحل للخروج من ضعف المسلمينوإقامة دولة الإسلام

- ‌أسباب الوَهَن وسبيل النهوض بالأمة

- ‌الطريق الرشيد نحو بناءالكيان الإسلامي

- ‌السبيل إلى تغيير واقع الأمة السيء

- ‌بماذا تبرأ ذمة المسلم الذيلا يستطيع أن يُغَيِّر واقعه

- ‌وسائل النهوض بالعالم الإسلامي

- ‌حول حديث: (يوشك أن تداعىعليكم الأمم

- ‌متى الوصول

- ‌نصيحة .. حول متى الوصول

- ‌تهم وشبهات حول الدعوةالسلفية والرد عليها

- ‌اتهام السلفيةبأنها دعوة تفريق

- ‌اتهام:التسمي بالسلفية تفريق للأمة

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌اتهام: تطبيق السنن يسبب الفرقة

- ‌شبهة: الوقت ليس وقت اختلاف، بل توحُّدلمحاربة الشيوعيين والعلمانيين

- ‌تهم وشبهات .. الدعوة إلى العقيدةتفريق للناس

- ‌التفريق ليس مذمومًا لذاته

- ‌السلفية والوهابية

- ‌الوهابية

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌اتهام السلفيين بأنهملا يعتنون إلا بالقشور

- ‌اتهام السلفيين بأنهم لا يعتنون إلا بالقشوروأنهم نسوا المعركة الكبرى مع أعداء الإسلام

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌القشر واللب

- ‌تهم: السلفيون لا يُقَدِّمونحلولاً لمشاكل الأمة

- ‌هل في الإسلام قشور

- ‌اتهام السلفيين بأنهملا يهتمون إلا بالعقيدة والعلم

- ‌تهم وشبهات: السلفيون يعطونالعقيدة أكثر من حجمها

- ‌تهم وشبهات: الدعوة السلفية تعتنيبالجانب العلمي وتتحزب له ويصحبذلك ضعف في التعبد

- ‌تهم وشبهات: السلفيونلا يهتمون إلا بالعقيدة

- ‌شبهة: أن الدعوة السلفيةطريقها طويل لا ينتهي

- ‌تهم وشبهات: ماذا فعل منهجكم؟ومتى الوصول

- ‌تهم وشبهات: الطريق السلفي لإقامةدولة إسلامية طويل يحتاجإلى سنوات بل قرون

- ‌دفع شبهات عن الدعوة السلفيةأنهم سلكوا الطريق الخاطئ وأضاعواالوقت فيما لا فائدة فيه

- ‌اتهام السلفيين بأنهمغير مُنَظَّمين

- ‌الرد على اتهام السلفيينبأنهم غير مُنَظَّمين

- ‌باب منه

- ‌اتهام الدعوة السلفيةبأنها دعوة رجعية

- ‌اتهام: الدعوة السلفيةبأنها دعوة رجعية

- ‌اتهام الدعوة السلفيةبالتشديد على الناس

- ‌اتهام: السلفية والتشديد على الناس

- ‌من هم السلف:

- ‌اتهام الدعوة السلفية بعدمتقدير الأئمة الأربعة

- ‌تُهم وشبهات: السلفيون لا يُقَدِّرونالأئمة الأربعة ومذاهبهم

- ‌تهم وشبهات: السلفيون يُلزِمون الأئمةبأقوال هم يفتون بخلافها

- ‌تهم وشبهات: السلفيون وعلى رأسهمالألباني ينكرون المذاهب الأربعة

- ‌اتهام الدعوة السلفيةبالتعصب والجمود

- ‌تهم: وصف السلفيين بالجمود

- ‌هل في المنهج السلفي تعصب

- ‌هل السلفيون ظاهريون

- ‌اتهام الدعوة السلفية بعدمالاهتمام بالحاكمية

- ‌اتهام: السلفية لا تعتني بالحاكمية

- ‌شبهة: ما فائدة الإصلاح مادامأن المهدي سيظهر في النهاية

- ‌شبهة: ما فائدة الإصلاح ما دامالمهدي سيخرج في النهاية

- ‌نظرات في كتبعبد الرزاق الشايجي

- ‌نظرات في كتب عبد الرزاق الشايجي

- ‌رأي العلامة الألباني في تعدُّدالجماعات والتعاون فيما بينها

- ‌كثرة الأحزاب في الساحة

- ‌حكم تعدد الجماعات الإسلامية

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌لا فرق ولا أحزاب في الإسلام

- ‌هل الجماعات الإسلامية هي الطريقالوحيد لعودة الإسلام

- ‌الفِرَق والجماعات الموجودة في الساحة

- ‌هل الجماعات الإسلامية تُعَدُّ من الفرق

- ‌نصيحة لمن ينتمي إلى الجماعات المعاصرة

- ‌الطريق إلى توحيد الكلمةبين الجماعات الإسلامية

- ‌التعاون بين الجماعات

- ‌اتحاد الدُّعاة والجماعات

- ‌التعاون مع الجماعات الإسلامية

- ‌حلقة تضم العلماء لحل الخلافات

- ‌كيف نربط بين الحركات الإسلامية

- ‌نبذ الفرقة وكيفية توحيد المسلمين

- ‌هل الجماعات الحالية مُكَمِّلة لبعضها

- ‌السلفية والتخصُّص، ورأي الشيخ فيالتعاون بين الجماعات الإسلامية

- ‌حكم اجتماع الجماعات والتلاقي بينها

- ‌هل هناك مانع من التعاونمع الأحزاب السياسية

- ‌الفصل من الجماعات

- ‌رأي الشيخ في الجماعات الإسلامية

- ‌رأي الألباني في كتاب الجماعاتالإسلامية لسليم الهلالي حفظه الله

الفصل: ‌ ‌الوهابية ! السائل: ترددت كلمة الوهابية في كلام أخونا الشيخ أبو أحمد

‌الوهابية

!

السائل: ترددت كلمة الوهابية في كلام أخونا الشيخ أبو أحمد جزاه الله خير، فحبذا لو تُوضَّح فإنها كلمة يعتريها كثير من كلام، والناس ما بيعرفوها على حقيقتها هل هي فعلاً كما ذكر أو أيش المقصود بالوهابية ونسبة لأيش حتى تتضح الصورة وجزاكم الله خيراً؟

الشيخ: حسن سؤال طيب الواقع أن هذه اللفظة الوهابية هي خطأ لغة وخطأ عرفاً، أما اللغة فالوهابية نسبةً إلى الوهَّاب، والوهَّاب اسم من أسماء الله وهاب، والذين ينتسبون إلى هذا الوهاب فهم الوهابيون، فهذه النسبة إذا أخذناها من الناحية العربية هي نسبة تشريف، فلان وهابي يعني منسوب إلى الوهاب، وهو الله تبارك وتعالى، والوهابيون هون منسوبون لمن ينسب بهذه النسبة، فالمقصود بكلمة الوهابيين كما لا يخفى على الجميع هم النجديون والنجديون ليس فيهم من ينتمي إلى هذا الاسم مع أنه خلاف ما يستعمل هو اسم تشريف وهابي وليس اسم ذم وتقبيح، لكن من حكمة الله عز وجل ليظهر خطأ المفترين على المسلمين ينسبون هؤلاء الناس النجديين إلى كونهم وهابيين بزعم أن هذه النسبة إلى إمام لهم.

وإمام النجديين وفي جانب من الشريعة وليس في كل الشريعة إنما هو محمد بن عبد الوهاب، وليس الوهاب لأن الوهاب هو الله تبارك وتعالى، عبد الوهاب هو والد محمد الذي جدد لهم دعوة التوحيد، فلو نُسب منتسب ما إلى عبد

ص: 192

الوهاب لم تكن النسبة إليه وهابي فهي خطأ مزدوج لأن الذي جدد لهم دعوة التوحيد هو محمد بن عبد الوهاب، وليس والده عبد الوهاب، ثم النسبة إلى عبد الوهاب ليس وهابياً وإنما هو ممكن يقال عبدلي أو نحو ذلك فهذا خطأ من حيث التعبير اللغوي، ومن حيث كما قلنا من حيث الواقع، فليس هناك من ينتمي إلى هذا الاسم الوهابية إطلاقاً، بينما الفرق الموجودة قديماً وحديثاً كلها حينما تنسب إلى نسبة تعترف بهذه النسبة كالشيعة والزيدية والإباضية ونحو ذلك، ولكن لا يوجد على وجه الأرض الإسلامية أبداً رجل يقول أنا وهابي، والسبب ما ذكرناه آنفاً من ناحيتين: ناحية اللغة العربية، والناحية الواقعية، لكن هذه الكلمة مع الأسف شاعت وأذيعت بين عامة المسلمين في زمن أواخر دولة الأتراك وقصدوا بذلك تنفير المسلمين جميعاً عن الدعوة التي سميت بالدعوة الوهابية، علماً أن هذه الدعوة الوهابية ليس فيها إلا الدعوة إلى توحيد الله عز وجل بالمعنى الجامع لكلمة التوحيد، وهذا في الواقع مما يمتاز به النجديون على كل الجماعات والطوائف والفرق الإسلامية في كل بلاد الدنيا منذ أن جاء محمد بن عبد الوهاب حتى هذه الساعة، ذلك لأنهم يفهمون التوحيد بالمعنى الأعم والأشمل والصحيح، بينما كثير من المسلمين الآخرين يفهمونه بمعنى ضيق جداً، ذلك أن التوحيد الذي أنزل الله عز وجل به الكتب وبعث به الرسل يعني أموراً ثلاثة الأمر الأول: إنما هو توحيد الربوبية، ومعنى ذلك أنه لا رب إلا الله، وأن الله هو الذي تفرد بخلق السموات والأرض، كما هو معروف بإجماع كل من يؤمن بالله على اختلاف كل الملل، لكن الفرق بين الدعوة الإسلامية الحقة والتي جاءت بهذا التوحيد الذي أحيى معناه

الصحيح محمد بن عبد الوهاب هنا تختلف الدعوة الإسلامية هذه الحقة عن اليهودية والنصرانية فهي بالإضافة إلى أنها توجب على كل مسلم أن يعتقد بأنه لا خالق إلا الله، فهي

ص: 193

توجب عليه في الوقت نفسه أن لا تعبد مع هذا الخالق سواه، ولذلك فعلماء المسلمين متفقون جميعاً أن معنى لا إله إلا الله لا يساوي لا رب إلا الله وإنما هذه الكلمة الطيبة لا إله إلا الله، تعني معنى أوسع من معنى لا رب إلا الله، ذلك أنها تعني لا معبود بحق في الوجود إلا الله تبارك وتعالى فهذه الكلمة الطيبة التي هي مفتاح الجنة كما جاء في بعض الآثار، وبها ينجو المسلم من الخلود في النار كما تواترت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمعت بين التوحيدين توحيد الربوبية، أي: لا خالق مع الله، لا رب مع الله سواه، وتوحيد الإلوهية، ويعبر عن هذا التوحيد أحياناً بتوحيد العبادة أي أن يُعْبَد الله وحده لا شريك له، فإذا فسر مفسر ما هذه الكلمة الطيبة لا إله إلا الله بمعنى لا رب إلا الله لم يكن موحداً، هذه نقطة الفصل بين المسلمين حقاً وبين الآخرين، المسلم يوحد الله عز وجل في ذاته، ويوحده في عبادته، بينما الاخرون من اليهود والنصارى يوحدونه في ذاته إلا من ضل منهم ضلالاً بعيداً، ولكنهم يعبدون معه سواه، لهذا يجب على المسلمين جميعاً أن يعرفوا أولاً هذا المعنى الحقيقي لكلمة لا إله إلا الله، وأنها لا تعني لا رب إلا الله فقط، وإنما تعني إضافة على ذلك أنه لا معبود مع الله أيضاً بحق، وكلمة بحق هي احتراز من إنكار أن هناك معبودات في الأرض قديماً وحديثاً يعبد من دون الله تبارك وتعالى، فلا يجوز أن يقال لا معبود إلا الله لأن المعبودات كثيرة وكثيرة جداً، لكن إنما يصح التفسير بقيد (بحق) لا معبود بحق في الوجود إلا الله تبارك وتعالى، وإلا قد عُبِدَت اللات والعزى وعبدت الطواغيت حتى الآن فكيف يستطيع المسلم أن يقول لا معبود إلا الله، لأن

المعبودات موجودة بكثرة ولكنها بالباطل والمعبود بحق إنما هو الله تبارك وتعالى.

كذلك بالإضافة إلى هذين النوعين من التوحيدين توحيد الربوبية وتوحيد

ص: 194

العبادة أو الألوهية هناك توحيد ثالث، به يتم التوحيد، وبه تقبل شهادة الموحد لا إله إلا الله، وإلا فهي مردودة عليه، ما هو هذا التوحيد الثالث: توحيد الله في صفاته، فكما أنه عز وجل واحد في ذاته، وواحد في ألوهيته، فهو واحد أيضاً في صفاته لذلك قال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشُّورى: 11] هذه الدعوة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعرفها السلف الصالح، والأئمة جميعاً، ولكن خلف من بعدهم خلف ليسوا فقط أضاعوا الصلاة بل وأضاعوا التوحيد لأنهم فهموا هذه الكلمة الطيبة بالمعنى الأول الضيق لا إله إلا الله: لا رب إلا الله، ونحن نرى رسائل في العصر الحاضر مؤلفة ومطبوعة وفسرت هذه الكلمة الطيبة بهذا التوحيد الوحيد فقط وهو لا إله إلا الله أي لا رب إلا الله هذا لا يجوز للمسلم أن يفهم هذه الكلمة الطيبة بهذا المعنى الضيق.

لذلك كان من آثار ذلك لما أخلوا جماهير المسلمين وبخاصة عامتهم لما أخلوا بفهم هذه الكلمة الطيبة أخلوا عملياً في تطبيقها فهم يعبدون مع الله آلهة أخرى وهم لا يشعرون، وهذه من أكبر المصائب التي حلت في المسلمين، والسبب في ذلك يعود إلى أمرين إثنين ذكرنا أنفاً أحدهما: أنهم لم يفهموا من كلمة التوحيد توحيد الله في العبادة، والأمر الآخر أنهم لم يفهموا معنى العبادة، فإذا قلت لإنسان أن تعبد مع الله آلهة أخرى، قال لك: لا أنا لا أعبد إلا الله، أنا لا أصلي إلا لله عز وجل، نقول إلى هنا نحن معك أنت لا تصلي إلا لله عز وجل ولكن ألست تدعو غير الله عند الشدة فتقول يا سيدي أحمد، يا سيدي بدوي، يا سيدي شعيب، يا كذا، يا كذا، هذا هو عبادة الله، أو هذا من عبادة الله تبارك، وتعالى والله عز وجل قد أنزل علينا كتاباً كريماً، وافتتحه بسورةٍ هي سورة الفاتحة، وفيها يقول المسلم مخاطباً ربه عز وجل في كل ركعة من صلواته {إياك نعبد وإياك نستعين} فأنت تعبد الله وحده لا شريك له، لكنك تستعين

ص: 195

بغيره، هذه الاستعانة سواءً علينا سميناها استعانة، وهي تسمية صحيحة، أو سميناها استغاثة، وهي أيضاً تسمية صحيحة، أو سميناها توسلاً، وهي تسمية خاطئة، هذه الأسماء تدل على مسمى واحد، بعض هذه الأسماء صحيح كالاستغاثة والاستعانة، وبعضها توسل، هذا تسمية الاستعانة بغير الله والتوسل بغير الله توسلاً من باب قوله عليه السلام في غير هذه المناسبة (يسمونها بغير اسمها).

فقول القائل: يا رسول الله أغثني زعموا أن هذا توسل، لا هذا دعاء لغير الله، وهذا استعانة بغير الله، وهذا إشراك بتوحيد العبودية، لأن الذي ينادي غير الله خاصة في الشدائد فقد عبده من دون الله عز وجل، ومن الدليل على ذلك وهو مذكور في القرآن وفي السنة قول الله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} تدعون، ما قال تعبدون، لكن الحقيقة أن هذه الآية تعني تدعون أي تعبدون، فسواء قلت يعبدون غير الله، أو يدعون غير الله، فكلا التعبيرين يؤدي إلى حقيقة واحدة، وهي أنهم يستعينون بغير الله عز وجل، وهذا إخلال بتوحيد الإلوهية، وليس إخلالاً بتوحيد الربوبية، ولذلك من لا يعرف هذا التفصيل الذي جاء في الكتاب والسنة وجرى على ذلك سلف الأمة إلى ما قبل قرون قليلة، ثم انحرف الخط على بعض المسلمين ففهموا لا إله إلا الله بمعنى لا رب إلا الله، وهذا المعنى ما كفر به المشركون بل كانوا يؤمنون به، لكنهم كفروا بهذا المعنى الصحيح الذي جهله كثير من المسلمين ألا وهو توحيد الألوهية أو توحيد العبودية أو العبادة.

في سورة من القرآن {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} إذاً المشركون يؤمنون بتوحيد الربوبية، لا يعتقدون بأن هناك كما هو دين المجوس بأن هناك خالقاً للخير وخالقاً للشر مثلاً، وإنما يعتقدون أن الخالق هو الله وحده لا شريك له، إذاً من أين جاء شركهم؟ ولماذا قاتلوا نبيهم إذا دعاهم إلى لا إله إلا

ص: 196

الله مع ذلك يستكبرون كما قال في القرآن الكريم {إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} وقالوا {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} إذاً مفهوم لفظة الإله عند العرب في الجاهلية غير مفهوم الرب لأنهم كانوا يؤمنون بأنه لا رب إلا الله أي لا خالق ولا مربي ولا رازق إلا الله، أما الإله فهو الذي لا يخضع إلا له تبارك وتعالى، وهم كانوا يخضعون لغير الله من الأوثان والأصنام المعروفة في التاريخ، ولذلك كان من غرائب شرك المشركين قبيل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام أنهم كانوا يطوفون حول الكعبة ويقولون في تلبيتهم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكاً تملكه وما ملك، شريك تملكه وما ملك، لماذا؟ لأنهم يعتقدون أن لا خالق مع الله لكن جعلوا لله شركاء أي يعبدونهم من دون الله تبارك وتعالى، كما في الآية التي كان في مطلع كلمة الأخ محمد {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} [الزُّمر: 3] فهذه الآية صريحة بأن الهدف الأساسي عند المشركين هو الله ومع ذلك فهم يعبدون معه سواه لكن إذا سئلوا لماذا تعبدون هؤلاء قالوا {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} [الزُّمر: 3].

فهذه حقيقة مؤسفة جداً أنهم يؤمنون بأن الله واحد لا شريك له، ومع ذلك جعلوا له شركاء في ماذا جعلوا له شركاء؟ في العبادة.

ولذلك يجب أن نتنبه لأمر في ظني أن كثيراً من الناس غفلوا عنه {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أيش معنى أنداداً؟ أنداداً في الخلق، أنداداً في الرزق، أنداداً في الإحياء والإماتة؟ .. لا، وإنما أنداداً في العبادة، وهذا هو كان شرك المشركين في الجاهلية، وهذا بحث طويل، والغرض منه التنبيه إلى أن النجديين هؤلاء ينبزون بلقب الوهابية هذه نسبة كما ذكرنا خطأ، وإنما هم أرادوا أن ينسبوهم إلى محمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن عبد الوهاب رحمه الله لم يأت

ص: 197

بشيء جديد مطلقاً، وإنما هو من المجددين الذين ذكرهم الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح «إن الله يبعث لهذه الأمة من يجدد لها دينها على رأس كل مائة سنة» المجددون كما يذكر الإمام السيوطي وغيره لا ينبغي أن نتصور أن المجدد يكون واحداً في كل عصر، وإنما يمكن أن يكون هناك مجددون في كل عصر، مجددون كثيرون، لكن لكل منهم اختصاصه في التجديد فمجدد في التوحيد، مجدد في الحديث، مجدد في التفسير، وفي اللغة، وفي كل شيء تعلق بإحياء فرض كفاية لفهم الإسلام فهماً صحيحاً، والغرض أن محمد بن عبد الوهاب جدد التوحيد الذي لا تزال آثار الإخلال به مع الأسف الشديد في كل البلاد الإسلامية إلا هذه البلاد النجدية بفضل دعوة محمد بن عبد الوهاب، ولا أقول بفضل الدعوة الوهابية، علماً أن تلك البلاد قبل محمد بن عبد الوهاب كان شأنها شأن البلاد الأخرى وأظن أنه لا يخفى على الحاضرين جميعاً ما يوجد في مصر من مقابر الحسين مثلاً أو السيدة زينب وما يقع في تلك الأمكنة من الوثنيات والشركيات التي تنافي لا إله إلا الله من الطواف حول قبور هؤلاء الأولياء والصالحين من أهل البيت وغيرهم، والاستغاثة بهم، وطلب المدد منهم، مثل هذا يوجد في هذه البلاد، وفي سوريا، وفي أكثر البلاد الإسلامية، ما هو السبب؟ السبب تقصير علماء المسلمين ببيان دعوة التوحيد دعوة الحق التي جاءت في

الكتاب والسنة وماتت هذه الدعوة في كثير من البلاد الإسلامية ثم جددها محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فمحمد بن عبد الوهاب ليس له جهد بارز سوى هذه الناحية وكفى له بذلك فضلاً؛ لأن البلاد النجدية كانت كالبلاد المصرية والسورية ونحو ذلك من حيث انتشار الآثار الوثنية وعبادة القبور والاستغاثة بها من دون الله عز وجل، أما البلاد حتى الآن مع الأسف مع أنه بدأت الحركة الإسلامية الصحيحة في تلك البلاد تضعف رويداً رويداً، لكن لن تجد هناك يعني وثنية تذكر، حتى ولا رفع القبر من على وجه

ص: 198

الأرض، لا يوجد هذا الشيء إطلاقاً، بينما إذا طُفْتَ البلاد الإسلامية كلها فأنت واجد فيها من المخالفات الشيء الكثير، أرونا بلداً لا يوجد فيها مسجد فيه قبر مع شدة تحذير الرسول عليه السلام للمسلمين أن يتخذوا مساجد على القبور كما قال عليه السلام «لعنة الله على اليهود والنصارى، أو لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» والأحاديث في هذا كثيرة أكثر من عشرة أحاديث، ومنها ما يتعلق بالأمة الإسلامية قوله عليه السلام «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون قبور أنبياءهم مساجد» فعندكم مثلاً المقام المعروف بسيدي شعيب، وهناك مسجد يقصد للصلاة فيه من أجل أيش؟ سيدي شعيب وعندنا مقام أخر أسمه يوشع، نعم؟

مداخلة: أبو عبيدة

الشيخ: لا أقول، هنا يوشع غير أبو عبيدة أيضاً هذه في الأغوار إلى آخره، كل هذه المقامات بنيت على قبور مزعومة إن كانت هذه القبورة حقيقة لمن نسبت إليه من الصحابة أو الأنبياء فالأمر أشكل؛ لأنه مخالفة صريحة لمثل هذه الأحاديث التي تنهى عن بناء المساجد على القبور.

لماذا هذا النهي؟ ولماذا هذا اللعن الشديد في سبيل المحافظة على التوحيد؟ ذلك لأنه وجود قبر في المسجد مدعاة إلى أن يُدْعَى من دون الله تبارك وتعالى، كم وكم من أناس نراهم يقفون خاشعين متبتلين يدعون -هم صحيح أنهم يدعون الله عز وجل ولكن يتوسلون بهذا الميت، فمحمد بن عبد الوهاب خلاصة القول بناء على سؤال الأستاذ علي هنا هو مجدد لدعوة التوحيد وهذا أمر لا يمكن إنكاره أبداً؛ لأنه كما قيل:

هذه آثارنا تدل علينا

فانظرو بعدنا إلى الأثار

(الهدى والنور/195/ 12: 21: 00)

ص: 199