الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دفع شبهات عن الدعوة السلفية
أنهم سلكوا الطريق الخاطئ وأضاعوا
الوقت فيما لا فائدة فيه
السائل: شيخنا الفاضل، أريد أن أجعلك على بينة على الدعوة السلفية في العراق فالدعوة السلفية هي كما تعلم أنها دعوة توحيد الله وهي دعوة الأنبياء والرسل إلى جميع الأقوام وهؤلاء الأنبياء والرسل تعرضوا من أقوامهم ما تعرضوا، ونحن اليوم نحاول أن نتمسك بهؤلاء السلف الصالح من الأنبياء والرسل ومن اهتدى بهديهم وصحابتهم، وهناك من يحاول متعمداً أن يهدم هذه المحاولات وكثيرون جداً ومن بينهم النصارى وبعض إخواننا المسلمين الذين غرتهم الحياة الدنيا فتفرقوا إلى شيع وأحزاب، ومن بينهم عندنا في العراق جماعة الإخوان المسلمين الذين يظهرون لنا أنهم الآن على عقيدة السلف ويسلكون منهج الحزبية والتحزب، ويتهموننا بأننا قد أسقطنا أو أضعفنا فرضية الجهاد لأنهم مؤمنون بحمل السلاح ضد الطغيان من حكام وما شابههم، ونحن نقول لهم بأننا على منهج التصفية والتربية الذي سمعناه من فضيلتكم على أشرطة التسجيل ونحن في خلاف معهم، فأرجوا من فضيلتكم أن توضحوا لنا ولهم هذا.
فأما الصوفية فأنت تعلم كم هم بعيدون عن عقيدتنا وهم يتهموننا أيضاً
بالتحزب وتفرقة المسلمين ويسموننا وهابيون ولا نصلي على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وينكرون علينا تسمية السلفية، ويقولون هذه التسمية هي تفرقة، وأما المقلدون من أصحاب المذاهب فيقولون إن أنتم لا زلتم بعقلكم القديم تنكرون علينا وتقولون هذه سنة وهذه بدعة، فأرجوا من فضيلتكم أن نسمع ونسمع الناس بردكم على هذه الفرق بارك الله فيك.
الشيخ: وفيك بارك، هذا السؤال يتضمن جوانب عديدة والذي ينبغي أن يعرفه كل مسلم مهما كان انتسابه ومهما كانت حزبيته أن يعرف حقائق لا ينبغي أن يكون هناك خلاف بين مسلمين على وجه الأرض لأن الله عز وجل قد نص في القرآن الكريم على أن المسلمين إذا أرادوا أن يكونوا أعزة كما كان المسلمون الأولون واجبهم الأول أن يحققوا الشرط الأساسي الذي جاء ذكره في القرآن الكريم في آيات عدة ومن أشهرها قوله تبارك وتعالى {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد: 7] فهذا شرط أن ينصر المسلمون ربنا عز وجل، وليس ذلك إلا بنصر دينه؛ لأن الله عز وجل هو القوي العزيز، فليس بحاجة لجند ينصرونه على أعدائه تبارك وتعالى.
ولذلك كان من المتفق عليه بين علماء السير قاطبة أن المقصود بهذه الآية إن تنصروا الله أي دينه -ينصركم- أي على عدوكم، هذا أمر ما أعتقد أن مسلماً يؤمن بالله واليوم الآخر حقاً يجهله، فضلاً عن أن يجادل فيه، وكذلك السنة توضح هذا الشرط الأساسي المذكور في هذه الآية في بعض الأحاديث الصحيحة التي جرت عادتنا في مثل هذه المناسبة أن نُذَكِّر بها كافة المسلمين، من ذلك قول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: «إذا بايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله،
سَلَّطَ الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم».
فإذاً الآية والحديث وما يشابههما من نصوص أخرى كلها تلتقي على أن المسلمين سوف يظلون في ضعفهم وفي ذلهم ما لم يأخذوا بالشرط الذي اشترطه الله عز وجل لينصرهم الله على أعدائهم وهو أن يعودوا إلى دينهم، وكما يقال التاريخ يعيد نفسه فالمسلمون الأولون الذين كانوا مع الرسول عليه السلام ما نصرهم الله عز وجل إلا بسبب تمسكهم بهذا الشرط المذكور في هذه الآية وفي الحديث، لكن الشيء الذي يجهله كثير من الجماعات الإسلامية التي سميت بعضها آنفا هو أنهم يظنون أن الرجوع إلى الدين إنما هو الكلام الذي ليس فيه معنى صحيح فمجرد أن يكون المسلمون يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يظنون أن هذا يكفي ليستحقوا المشروط من الله عز وجل ألا وهو نصرهم على أعدائهم، بينما الحقيقة التي يجب التنبيه عليها أن الله عز وجل حينما ذكر في القرآن الكريم في الآية المعروفة {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19]، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] فالدين الذي ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق ذكره هو الدين الذي ارتضاه ربنا عز وجل للمسلمين دينا وشريعة في العهد الأول وهو الذي أكمله الله عز وجل وامتن بذلك على عباده في الآية المعروفة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] هذا الدين إذا فهم فهما صحيحا كان هو العلاج لرفع هذا الذل الذي ران مع الأسف الشديد على كل المسلمين لا نستثني منهم حكومة ولا شعباً والسبب أنهم انحرفوا عن هذا الدين الذي هو العلاج الذي ذكره الرسول عليه السلام في الحديث السابق «حتى ترجعوا إلى دينكم» ، ومما لا شك فيه أن الذي أشرت إليه أن الأصل في الإسلام هو التوحيد لا شك في
ذلك، لكن هذا من البداهة بمكان أنه لا
يكفي لأن الإسلام شامل لكل أمور الحياة ويعالجها معالجة كاملة، فلو فرضنا شعبا من الشعوب الإسلامية حققوا التوحيد ووقفوا عنده، ذلك لا يعني أنهم يستحقون نصر الله بل عليهم أن يحيطوا بالدين أولا معرفة ثم تطبيقاً كما قال تعالى {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 105] ولكن أساس كل هذه الأعمال هو التوحيد الخالص وإلا ذهب عمل المسلم هباء منثورا كما قال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] هذا الخطاب للأمة المسلمة في شخص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإلا فمحال أن يقع نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في شيء من الشرك، وإنما الخطاب إلى كل فرد من أفراد الأمة {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وكما قال في حق المشركين {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]، ومما لا شك فيه مع الأسف الشديد أن أكثر المسلمين اليوم هم بعيدون كل البعد عن التوحيد الصحيح، ولسنا بحاجة للخوض في هذه القضية فيكفينا أن نذكر أمرين اثنين:
الأمر الأول يعرفه كثير من المثقفين الإسلاميين المثقفين ثقافة إسلامية صحيحة ألا وهو ابتعاد المنتسبين إلى التصوف عن التوحيد الصحيح حينما لا يؤمنون بأن هناك خالق ومخلوق وإنما هم يعتقدون بما يسمى بوحدة الوجود، أي: أن الخالق والمخلوق شيء واحد، ولذلك يصرح بعض ولاتهم بأن شهادة لا إله إلا الله شهادة التوحيد العامة، أما توحيد الخاصة فهو لا هو، إلا هو ولذلك اختصروا أفضل الذكر بشهادة الأحاديث الصحيحة لا إله إلا الله أفضل الذكر لا إله إلا الله ألغو هذه الأفضلية إطلاقاً، وحصروها بوحدة الوجود «لا هو إلا هو» ، ثم اختصروا هذا المختصر إلى أن قالوا «هو هو» ولا شيء سواه، إذاً هذا هو الإلحاد في دين الله باسم الإسلام، فهذا يشمل ولاة الصوفية حقاً.
لكن مقابل هذا اشتراكا يلتقي مع هذه الانحراف الجلي الخطير هناك انحراف في جماهير المذاهب الإسلامية الموجودة اليوم ولكن أكثر الناس لا يعلمون أنهم يلتقون في عقيدة لهم مع هذا الانحراف الخطير ألا وهو قول من يسمون بالماتريدية والأشعرية، فضلاً عن المعتزلة القدامى والشيعة الموجودة اليوم، حيث إنهم يلتقون مع الشيعة القدامى فيما سأذكره من الانحراف في العقيدة وعلى وجه الأرض اليوم طائفة من الخوارج الذي أرادوا أن يتميزوا وأن يخرجوا أنفسهم من الانتماء إلى الخوارج ألا وهم الطائفة المعروفة بإلاباضية، كل هذه الجماعات وكل هذه المذاهب تلتقي مع الصوفية بالقول بوحدة الوجود، ولكن بعبارة براقة يظهرون التنزيه وهم في الحقيقة مُعَطِّلون منكرون لوجود الله تبارك وتعالى، أعني بهذا أن هؤلاء المسلمين ونسمع أثر عقيدتهم من مجالس عادية ألا وهو قولهم الله موجود في كل مكان، الله موجود في كل مكان، الله موجود في كل الوجود هذا معناه القول بوحدة الوجود؛ لأن العالم بكتاب الله وبحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلم كما جاء في حديث عمران ابن الحصين في «صحيح البخاري»:«كان الله ولا شيء معه» ، كان الله ولا شيء معه، إذا كان الله ولا خلق، ولا شيء، لا كرسي، لا أرض، لا شمس، لا قمر، ثم خلق السموات والأرض، فحينما يقول هؤلاء بأن الله في كل مكان فمعنى ذلك إما أن يعطلوا أن هناك خالقا وهناك مخلوقاً، فهذا هو التعطيل الذي كان يقع فيه المؤولة الذين يُؤَوِّلون آيات الصفات، وينكرون وجود الله تبارك وتعالى فوق المخلوقات كلها، فسماهم السلف المعطلة، أي أنهم يعطلون وجود الله حينما يقولون الله في كل مكان، فإما أن يقولوا بأنه لا خالق ولا مخلوق وإنما هو شيء واحد فيعود رأيهم إلى القول بوحدة الوجود، لكن ليس بصراحتهم المعهودة.
وإما أن يقولوا بضلالة النصارى وبأعم منها، حيث أن النصارى قالوا بالأقانيم الثلاثة الأب
والابن وروح القدس، وأن الله عز وجل حَالٌّ في عيسى الذي ولد من بطن مريم، ولكن هؤلاء الذين يحصرون الله في كل مكان هم أضلّ من النصارى الذين حصروا الله عز وجل في ثلاثة أقانيم، ومن ضلالة كبير الصوفية المصرح بوحدة الوجود ألا وهو المسمى بمحيي الدين ابن عربي، والذي كان بعض المشايخ في دمشق يقول محيي الدين خطأ والصواب ممحي الدين، فهو ليس محيي للدين إنما هو ممحي الدين، فصرح هذا الرجل فقال: إنما كفرت النصارى لأنهم حصروا الله في ثلاثة أشياء أما نحن يعني نفسه فقد عممناه في كل الوجود، ولذلك قالوا لا هو إلا هو، ثم قالوا هو هو، فلا شيء، إذ القول بأن الله عز وجل في كل مكان المخالف لنصوص السنة والقران يلتقي تماما مع القول بوحدة الوجود، ولازم هذا القول إنكار الخالق سبحانه وتعالى، كما تقوله الدهرية والشيوعية وأمثالهم.
ولذلك يعجبني كلمة قرأتها في التاريخ الإسلامي وبخاصة ما كان متعلقاً منه (بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي كان له الفضل في نشر التوحيد الصحيح من عصره إلى هذا العصر وله الفضل الأكبر في انتشار عقيدة التوحيد في العصر الحاضر)، (بعد أن أحيا هذا التوحيد محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله في البلاد النجدية ثم سار غيرها إلى كثير من البلاد الإسلامية، فقد كان أكثر علماء ذلك الزمان ضد دعوة ابن تيمية رحمه الله كدعوة في الرجوع للكتاب والسنة بعامة وضد التوحيد الصحيح بخاصة، ولذلك فكانوا دائماً يقدمون الشكاوى إلى الأمراء وإلى الحكام في زمانه، ولذلك كما تعلمون سُجِنَ في القلعة في دمشق، وسجن في مصر، وهكذا، فيعجبني المناقشة التي ذكروها في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بينه وبين المشايخ الذين شكوه إلى الأمير أمير دمشق يومئذ فجمعهم مع شيخ الإسلام ابن تيمية، وجرى النقاش بين يدي الأمير في
مسألة الرحمن على العرش استوى، فالعلماء يقولون بما ذكرنا آنفا أن الله عز وجل في كل مكان، وشيخ الإسلام يقول بقول السلف الصالح بأن الله عز وجل فوق المخلوقين كلها، فكان ذلك الأمير مع أنه ليس مشهورا بالعلم كان ذكياً، فقال في حق أولئك العلماء:«هؤلاء قوم أضاعوا ربهم» أي: حينما يقولون الله في كل مكان وليس على العرش استوى فهم أضاعوا ربهم.
هذه حقيقة يشهدها المؤمن بالله ورسوله حقاً بأن الذين يقولون بأن الله عز وجل ليس له صفة العلو على المخلوقات، وإنما هو في كل مكان، أنهم أضاعوا ربهم، لأنهم إذا سئلوا أين الله قالوا هو في كل مكان مع أن الجارية التي هي جارية وعبدة لسيدها نظراً لكونها كانت تعيش في جو ممتلئ بالتوحيد الصحيح فلما امتحنها الرسول عليه السلام وسأله بقوله المعروف:«أين الله» ، قالت:«في السماء» ، أما العلماء فقد أضاعوا ربهم، وجهلوا أنه إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، إلى آيات كثيرة تؤدي إلى هذا المعنى.
لهذا يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله بأن المجسم يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً المعطل هو الذي ينفي الصفات الإلهية، والتي منها الرحمن على العرش استوى.
إذاً الذين يقولون اليوم من المذاهب التي سبق أن ذكرناها الماتريدية والأشاعرة، فضلاً عن الشيعة، فضلا عن الخوارج، ومنهم إلاباضية، كل هؤلاء يلتقون في أن ينفوا عن الله عز وجل صفة العلو، ويقولوا الله في كل مكان، إذا هذا ينافي التوحيد لأنه يرجع إما إلى إنكار وجود الله عز وجل مطلقاً، وإما إلى الزيادة على النصارى في جعل الله عز وجل حالًّا في خلقه تعالى ربنا عز وجل عما يقوله الظالمون علواً كبيراً.
فإذاً لا بد لكل مسلم يريد أن ينهض بالمسلمين قبل كل شيء أن يفهم التوحيد الصحيح، ثم لا نُبالي ماذا يقولون يسموننا وهابية، يسموننا مثلا رجعية، هذا ما يهمنا ربنا عز وجل أدَّبنا في شخص نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم حينما {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت: 43]، فنحن نعلم من القران ومن السنة أن للكفار حينما بعث إليهم الرسول عليه السلام قالوا أنه ساحر، أنه شاعر، أنه كذاب، فمهما قيل فينا نحن الذين وجدنا في هذا العصر وامتن الله علينا بالتمسك بالإسلام الصحيح، مهما قيل فينا من كلمات فهي أهون بكثير من ما قيل للرسول عليه السلام من ناحية ماذا؟ أولاً: شخصه أعلى وأسمى من كل مخلوق عند الله عز وجل، ثم ما قيل في حقه إنه كذاب وساحر لم يقل فينا، قالوا وهابي، ما هو معنى وهابي؟ رحم الله من قال:
إن كان تابع أحمد متوهبا
…
فأنا المقر بأنني وهابي
فمن جهل هؤلاء ينبزوننا بلقب الوهابية قدحاً، وهو في الحقيقة ينقلب فينا لغةً وواقع مدحاً؛ لأن الوهابي هو المنسوب إلى الله؛ لأن الله الوهاب لو قيل فلان ولي الله هذا مدح ولا قدح، هذا مدح، لكن الله عز وجل طمس على قلوبهم فهم لا يحسون بما يقولون، يزعمون بأن كلمة وهابي نسبة للنجدي الذي جاء بدعوة التوحيد، وبتحطيم القبور المبنية عليها خلافاً للسنة المحمدية، إنه إن اسمه عبد الوهاب، هو الحقيقة اسمه محمد ابن عبد الوهاب كما تعلمون جميعا لكنهم إذا انتبهوا أنهم لو قالوا نسبة إلى محمد عبد الوهاب محمدي فهذه تزكية، لكن ما دروا أنهم وقعوا في تزكية أكبر من الأولى حيث نسبونا إلى الوهاب وهو الله تبارك وتعالى، لذلك قد قال ذلك الشاعر في العصر الحاضر قياسا على قول الإمام الشافعي أظن الذي قال:
إن كان رفضاً حب آل محمد
…
فليشهد الثقلان أني رفضي
على هذا المثال قال ذلك الرجل العالم العاقل إن كان تابع أحمد متوهباً فأنا المقر بأنني وهابي، فإذا ما ينبغي لأي مسلم هداه الله عز وجل لإتباع الحق أن يتأثر فيما قد يقال فيه إذا كان الله قال لنبيه {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت: 43]، إذاً ما يقال لنا إلا ما قد قيل للصالحين من قبلنا، فهم قدوتنا كما قلت في مطلع سؤالك المهم: أن التوحيد هو أساس الإسلام.
ولكن لابد من أن أُكَرر ما قلت آنفاً أنه لا ينبغي للمسلمين الذين هداهم الله عز وجل إلى النهج السليم أن يقفوا فقط عند التوحيد دراسة وعقيدة، بل عليهم أن يعنوا بدراسة الإسلام من كل جوانبه وبذلك تصلح حياتهم حينما يطبقون العمل على العلم كما قال عز وجل {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3].
أما الإخوان المسلمون الذين يصيحون بأعلى أصواتهم والجهاد في سبيل الله أسمى أمانينا أو كما يقولون، فنحن نقول لهم لقد مضى على دعوتكم قرابة قرن من الزمن وأنتم لا تزالون في مكانكم، كما نقول نحن في سوريا هناك تعبير عسكري «مكانك راوح» ، يعني الضابط ضابط سرية لما يأمر الجيش بالسير يقول إلى الأمام سِر، فيمشوا على النظام العسكري، ثم لما يريد أن يأمرهم بالوقوف يقول لهم مكانك قف، لكن لما يريد ألا يقفوا جامدين إنما متحركين فيقول مكانك راوح، فهم لا يتقدمون ولا يتأخرون، هذا مثل الإخوان المسلمين، ذلك لأنهم لا جاهدوا ولا تعلموا وعملوا، فهم متخلفون جهاداً، مخالفين لدعواهم، وعلماً وعملاً، لأنهم لا علم عندهم، وحسبهم أنهم ينكرون على من يدعوا إلى اتباع الكتاب والسنة، ويسمون ذلك دعوى إلى تفريق المسلمين.
وأنا أقول كلمة صريحة فعلاً: إن دعوتنا وهي دعوة الإسلام من حق هي تفرق؛ لأن القرآن يفرق، ذلك لأنه يفرق بين الحق والباطل، دعوتنا تفرق بين الحق والباطل، بالتالي دعوتنا والتي هي دعوة الحق تفرق بين المحق وبين المبطل، وهكذا فعل الرسول عليه السلام حينما جاء بدعوته كما يخبرنا التاريخ بأن الأب حارب ابنه والابن حارب أباه، كل ذلك في سبيل التمسك بالإسلام الحق، فإذاً لا غرابة بأن تكون دعوة الحق في زماننا هذا كما كانت في الزمن الأول وفي الأزمان كلها مفرقة بين الحق والباطل وبين المحق والمبطل، يتغافل هؤلاء الناس عن نصوص الكتاب والسنة التي تقول {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 187] {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} [يوسف: 38] وتأتي السنة كما هي عادتها دائما وأبدا فتفصل للمسلمين ما أُجمل أو اختصر في القرآن الكريم، فما من أحد من هؤلاء وبخاصة من كان منهم ينتمي إلى أهل السنة إلا وهو يشاركنا في الإيمان ببعض الأحاديث الصحيحة، وفي علمه بها، ولكنهم يتجاهلونها ولا يتجاوبون معها، من ذلك مثلاً حديث الفرق:«افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحده» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال في الرواية المشهورة: «هي الجماعة» ، وفي الرواية المفسرة لها قال:«هي التي تكون على ما أنا عليه وأصحابي» ، إذا المسلمون في هذا الخبر الصحيح سيتفرقون، والواقع يؤكد هذا الخبر، وليس بحاجة أن الخبر الصحيح يُؤكَّد بالواقع، لأنه قد يقع فيما يأتي من المستقبل لكنه وقع بعد وفاة الرسول عليه السلام بقليل من السنين حيث بدأ التفرق وبدأ التحزب إلى آخره.
فإذاً: لما يتجاهل هؤلاء الناس هذا الخبر الصحيح أن المسلمين سيتفرقون، وأن على المسلم الذي يريد أن يكون من الفرقة الناجية أن يعمل بما كان عليه
الرسول عليه السلام والصحابة، كذلك بهذا المعنى حديث آخر وهو أيضا معروف لدى المسلمين أهل السنة والجماعة زعموا، أعني به حديث العرباض ابن سارية رضي الله تعالى عنه قال:«وعظنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: أوصنا يا رسول الله، قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن ولي عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» وفي الحديث الآخر: «وكل ضلالة في النار» .
إذاً الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يحذرنا من المحدثات من الأمور، ونحن اليوم حينما نحذر المسلمين من مخالفة سيد المرسلين، وفي ارتكاب البدعة التي عَمَّت وطَمَّت بلاد الإسلام، يقولون لنا: تُفَرِّقون بين المسلمين، الحقيقة أن هؤلاء يريدون أن يعالجوا ذل المسلمين ليس على مذهب سيد المرسلين الذي وصف الداء والدواء في حديث العينة:«إذا تبايعتم بالعينة» ، هذا داء «وأخذتم أذناب البقر» داء «ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله» داء الجزاء: «سلط الله عليكم ذُلاً» العلاج «لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم» .
فمعنى الرجوع إلى الدين أمر عظيم جداً يغفل عنه هؤلاء الحزبيين أو المذهبيين أو الصوفيين أو غيرهم، الرجوع إلى الدين يتطلب من علماء المسلمين أمرين اثنين عظيمين جداً، أحدهما: دراسة الإسلام دراسة صحيحة لأن بيننا وبين الدين الذي أنزله الله على قلب محمد عليه الصلاة والسلام أربعة عشر قرناً، وقد دخل فيه ما لم يكن منه، سواء ما كان من عقائد، أو ما كان من الأحكام والفقه، أو ما كان من سلوك دخل من هذه الأمور كلها ما لم يكن مشروعا في العهد
الأول.
فإذاً لا بد للعلماء من أن يأخذوا الغرابيل، وأن يُصَفُّوا هذا الإسلام من ما فيه من دخيل، كما جاء عن بعض علماء الحديث حينما قيل له إنَّ فلاناً الزنديق حينما ألقي عليه القبض، ورأى أن أمامه القتل أراد أن يروي غيظ قلبه، فقال أنا لا أموت إلا وقد وضعت على نبيكم خمسة آلاف حديث، فقال ذلك العالم المحدث: كذب عدو الله، كيف وفلان وفلان من المحدثين قد أخذوا الغرابيل وهم يصفون هذه الأحاديث، يخرجون منها الأحاديث الصحيحة.
هكذا يجب على علماء المسلمين في هذا الزمان أن يغربلوا الإسلام من ما دخل فيه من كل الجوانب التي أشرت إليها في العقيدة، في الأحكام، في السلوك، في الأخلاق، ونحو ذلك.
ثم الشيء الثاني وهذا ما أكني الشيء الأول، أكني عنه «تصفية الإسلام» لا بد من التصفية، الشيء الثاني تربية المسلمين على هذا الإسلام المصفى، فأين الآن هذا الإسلام المصفى عند هذه الجماعات التي تعارض دعوة الحق بل وتزعم أنها تفرق وأنا أشهد أنها تفرق، فعلاً بين الحق والباطل، وبين المحق والمبطل، سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا، أما المقلِّدون فهؤلاء لا نهتم بهم كثيرا لأنهم حكموا على أنفسهم بالجهل لأنها تقليد عند العلماء جميعاً هو ألا يستمع الإسلام عقله وأن يقلد غيره وأن يسلم له تسليما، هذا نوع من الشرك الذي وقع فيه جماهير المسلمين وهم لا يشعرون، لأن الله عز وجل ذكر عن النصارى شيئاً من شركهم حين قال عز وجل {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة: 31] أن الأول الشرك في الرهبان، النوع الثاني شرك في المسيح عليه الصلاة والسلام {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا
مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] جاء في كتب الحديث والسيرة النبوية: أن عَدِيّ ابن حاتم الطائي كان من العرب القليلين الذين تثقفوا وقرؤوا وكتبوا فأوداه ذلك إلى أن آمن بالنصرانية وتدين بها، وزار النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى عنقه الصليب، فوعظه الرسول عليه السلام وذكره بالله عز وجل وبتوحيده حتى هداه الله للإسلام، وأسلم وحَسُن إسلامه، وهو الآن من مشاهير الصحابة الكرام، في بعض المجالس لما تلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية أُشكلت على عدي ابن حاتم الطائي، قال يا رسول الله بناء على فهمه للآية «ما اتخذناهم أرباباً من دون الله» كيف هذا؟ قال له عليه السلام مبينا له ألستم كنتم إذا حرموا لكم حلالا حرمتموه، وعلى العكس إذا حللوا الحرام حللتموه؟ قال: أما هذا فقد كان. قال: فذاك اتخاذهم إياهم أرباباً من دون الله.
إذاً هذا التقليد الأعمى حذرنا منه الإسلام في هذه الآية التي حكاها عن النصارى حتى لا نسير مسيرتهم ولا نتشبه بهم، وقد حذرنا الرسول عليه السلام في بعض الأحاديث عن ذلك بمبدأ عام ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» فالنصارى قلدوا والمسلمين قلدوا، كان من الواجب على المسلمين أمران اثنان تتضمنهما شهادة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لو أن إنسانا كافرا أراد أن يدخل في دين الإسلام فشهد لله عز وجل بأنه لا إله غيره، ولكن لم يؤمن بالنبي رسولا، ما تفيده شهادة التوحيد شيئاً، ولا بُد من الجمع بين الشهادتين لا إله إلا الله، محمد رسول الله فأنا أقول أن الشهادة الأولى كما تتضمن توحيد الله عز وجل في عبادته، فالشهادة الأُخرى تتضمن إفراد النبي في اتباعه، كما أن الشهادة الأولى تتضمن توحيد الله في عبادته، فَمَن عبد غير الله فقد أشرك، ولو أنه آمن بأنه هو الخالق الرازق المحيي المميت؛ لأن المشركين كانوا
يؤمنون هذا الإيمان، ولكن كانوا في الوقت نفسه يعبدون غير الله، فهذه الشهادة الطيبة لا إله إلا الله تعطينا لأنه من عبد غير الله فلم يؤمن بالله، كذلك من اتبع غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يفرده بالاتباع فما تفيده شهادته أن محمد رسول الله شيء إطلاقاً وهذا يؤكده بعض الآيات القرآنية التي منها مثلاً قوله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] فالآية الأخرى التي تقول ويسلموا تسليما.
{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] هذا التسليم للنبي الكريم إذا نقل عنه إلى غيره فهو كُفر بشهادة أن محمداً رسول الله، فهنا نستطيع أن نقول توحيدان: توحيد لله في عبادته، وتوحيد للرسول في اتباعه، فمن أَخَلَّ بأحد التوحيديين فهو لم يؤمن بالله ورسوله إيماناً صادقاً، إذاً هؤلاء المقلدون فينبغي الحقيقة ألا نعبأ بهم من جهة، وأن نشفق عليهم من جهة أخرى، لأنهم مرضى، حيث إنهم قلبوا الحقيقة القرآنية، سواء ذلك في توحيد الله وحده لا شريك له، أو في اتباعهم واستسلامهم لغير نبيهم الذي كان واجب عليهم أن يسلموا لهم تسليما كما سبق ذكره في الآية الأخيرة، ما أدري إذا كان بقي عندك شيء في سؤالك.
(الهدى والنور/543/ 41: 00: 00)