الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اتحاد الدُّعاة والجماعات
مداخلة: فضيلة الشيخ! لا يخفى عليكم داء الفرقة الذي أصاب هذه الأمة وجعلها لقمًة سائغًة لأعدائها، ونحن نرى أوروبا على ما بينها من دماء وعلى ما فيها من خلاف تتوحد وستعلن وحدتها كما ذكروا بعد عامين، ألا يمكن للمسلمين أن يتحدوا .. ألا يمكن لعلماء الأمة ودعاتها أن يوحدوا جهودهم، وأن يكونوا صفًا واحدًا ضد عدوهم وإن اختلفوا فيما بينهم في بعض الأمور الاجتهادية، ألا توجد هناك نقاط التقاء كثيرة بين علماء أهل السنة يمكن أن ينطلقوا للم شمل الأمة من جديد، وهل يوجد لديكم تصور لعمل ما يمكن بناءًا عليه أن تجتمع الأمة، وهل في الأمة حالات مشابهة وكيف تخلصت منها؟
الشيخ: مناط الأمر وجماع الأمر هنا هو أنه إذا كان الدعاة الإسلاميون حريصين حقًا على التلاقي فسبيل ذلك الرجوع إلى الكتاب والسنة، ولكن ماذا نقول؟ ! إلى اليوم يوجد في بعض الجماعات الإسلامية أو في الساحة الإسلامية من يقول: إن الدعوة إلى العمل بالكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح يفرق الأمة، ولذلك فنبغي أن نجعلها دعوة عامة، ومعنى هذا الكلام بالتعبير السوري: كل من على دينه الله يعينه! لكن نحن نقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
يحضرني الآن قصة وقعت لنا يوم كنا ندرس في الجامعة الإسلامية: دعينا إلى سهرة في مثل هذه الغرفة الوسيعة المباركة إن شاء الله، ولكن كان العدد محصورًا يعني: مع الجدران، ما في هذا الخير الكثير يومئذٍ، كنت لحكمة ظهرت
فيما بعد وهي من فضائل التمسك بالسنة، لما دخلت المجلس مررت أسلم على الحاضرين واحدًا بعد واحد، وانتهى بي المجلس إلى آخر المجلس، ثم دخل من بعدي رجل له زي علمي على الطريقة السورية والعراقية يعني: جبة وعمامة بيضاء وهو رئيس جماعة من الجماعات الإسلامية، لما دخل بدأ هو بدوره يصافح، لكن ما أحد قام له؛ لأن إخواننا كلهم على السنة، وأنا أراقب الداخل هذا في وجهه فأرى أسارير وجهه تتغير حتى جاء إلي وأنا آخر واحد، أنا هناك عند عتبة الباب، فقلت له بالتعبير السوري: يقولون عندنا يا شيخ يا أستاذ: عزيز بدون قيام، سلم علي وقلت: عزيز بدون قيام، هو ما كاد يسمع هذه الكلمة إلا انفجر غيضه الكتيم، وقال .. طبعًا جلس وهو خطيب يسقع مفوه .. بدأ يتكلم ويقول: يا أستاذ نحن الآن بحاجة إلى أن نحارب البعثيين والشيوعيين والزنادقة وهذه مسائل ثانوية ما ينبغي أن نبحث فيها وانطلق كالماء الدافق بقوة .. صبرت حتى انتهى، قلت: يا أستاذ! لكن أنت تقول أن هذه مسائل فيها خلاف ولا يجوز أن نبحث فيها من أجل أن نتكتل - وهنا الشاهد - لمحاربة العدو الذي لا نختلف في كونه عدوًا للمسلمين كالبعثيين وأمثالهم، لكن أي مسألة لم يختلف فيها المسلمون؟ ! حتى ندع الخلاف ونتحد لنحارب العدو الواحد وأنت تعلم ..
هو عنده نوع من السلفية، لكن السلفية اليوم الحقيقة كعقيدة تغزو كل الجماعات الإسلامية وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون، إلا أن من كان قد سبق عليه الانضمام الحزبي تبقى سلفيته لنفسه، ولا يكون داعيةً إليها، وهذا الشيخ المشار إليه كان من هذا النوع فهو سلفي، يعني: يعرف التوحيد وأقسام التوحيد ويؤمن بذلك ولكن لا يدعو.
فقلت له: يا أستاذ! أنت تعلم أن المسلمين اختلفوا في الركن الأول من
الإسلام وهو شهادة أن إله إلا الله، فهناك كما تعلم من لا يعرف الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية أو توحيد العبادة، وتوحيد الصفات والأسماء، بل هناك عندنا في دمشق - يومئذٍ قلت له هذا - من ألف رسالة بعنوان: لا إله إلا الله، ففسرها بالمعنى الذي كان يؤمن به المشركون، لا إله إلا الله، أي: لا رب إلا الله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] فقلت له: إذًا هذا الرجل يؤمن بلسانه لا إله إلا الله، لكن فسرها بمعنى توحيد الربوبية، فهل معنى كلامك أن نترك النقاش والبحث حتى في كلمة التوحيد؟ قال: إيه نعم، - هنا الشاهد - أي نعم يجب علينا أن نطوي البحث في كل شيء حتى في موضوع التوحيد حتى نتعاون جميعًا على مقاتلة أعداء الله، قلت: لكن يا شيخ الذين يشهدون بلسانهم بأن لا إله إلا الله هم أعداء كأولئك الأقوام بل ربما أشد؛ لأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فكيف تريد أو كيف تتصور أننا بإمكاننا أن نتعاون مع هؤلاء المخالفين لنا حتى في عقيدة التوحيد أن نحارب أولئك الأعداء الألداء كالذين سميتهم بالبعثيين أو الشيوعيين أو غيرهم.
لذلك: إذا كان في المسلمين وفي الدعاة الإسلاميين من يأبى علينا أن ندعو الدعوة التي دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أول ما دعا قومه إليها فلا يمكن أن يتحد المسلمون أبدًا ما داموا يعتقدون مثل هذه العقيدة التي هي عقيدة التفريق وليس عقيدة التجميع، ولذلك: فعلى المسلمين جميعًا أن يتعاونوا ما داموا على الخط، أما الذين أعرضوا وخرجوا عن الخط فلا نطمع بأن نلتقي معهم، من مد إلينا يده بالمشي على الكتاب والسنة وعلى ما كان عليه سلفنا الصالح فنحن نمشي معه على طول الخط، ومن أبى علينا فلا يضرنا ذلك أبدًا.
(فتاوى جدة أهل الحديث والأثر- 2/ 00: 33: 40)