الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كثرة الأحزاب في الساحة
مداخلة أخرى: السؤال الأول يعني يسأل بعض الناس عن كثرة الأحزاب الإسلامية الموجودة على الساحة، وهل هي تصب في بوتقة واحدة؟ وما حكمها الشرعي؟
الشيخ: مع الأسف الجواب لا، الأحزاب الموجودة اليوم أو الجماعات القائمة على الأرض الإسلامية تتعدد مناهجها وتختلف نظمها اختلافاً كبيراً، وحسبكم حينما تسمعون جمع الحزب أحزاب، حينما تسمعون لفظة الأحزاب، وتضطرون أن تسألوا مثل هذا السؤال الذي فيه هذه اللفظة لفظة الأحزاب، حسبكم أن تلاحظوا معي هذه اللفظة لتعلموا أن ذلك ليس على منهج الإسلام الذي قال ربنا عز وجل في القرآن، من جهة قال:{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31 - 32]، وقال في آية أخرى منبهاً أن حزباً واحداً هو الذي يكون الحزب الناجح والحزب الفالح، أعني بذلك قوله تبارك وتعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]، فالأحزاب كثيرة والسبل عديدة.
فالآية الأولى كالآية الأخرى يلتقيان في ذم التعدد الحزبي والتعدد الطرقي، ويبين في كل منهما ربنا عز وجل بصراحة ما بعدها صراحة أن الطريق الموصل إلى الله عز وجل إنما هو طريق واحدة أو طريق واحد، ولقد زاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كغالب
عادته مع كثير من آيات ربه، لقد زاد بياناً تلك الآية والآية الأخرى بمثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان جالساً بين أصحابه، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم جالساً بين أصحابه جلسته المعروفة الدالة على تواضعه، كان جالساً على الأرض، فخط عليها خطاً مستقيماً، وخط حول هذا الخط المستقيم خطوطاً قصيرة، خط مستقيم وعلى جانبي الخط المستقيم خطوط قصيرة، ثم قرأ الآية الثانية فقال:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]، ثم قال وهو يمر إصبعه الشريفة على الخط المستقيم: هذا صراط الله وهذه طرق وعلى كل رأس طريق منها شيطان يدعو الناس إليه.
أما الحديث الآخر الذي في ظني لا يخلو واحد منكم إلا وقد قرأه أو طرق سمعه مراراً وتكراراً، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: هي الجماعة» ، وفي رواية أخرى المفسرة للرواية الأولى، «قال: هي التي تكون على ما أنا عليه وأصحابي».
فهذا الحديث أيضاً يؤكد أن النجاة لا تكون بالتفرق والتحزب إلى أحزاب وشيع وطرق شتى، وإنما بالانتماء إلى طريق واحدة وبسلوك طريقاً واحداً ألا وهو طريق محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي ظني أن هذه حقيقة لا يماري ولا يجادل فيها من كان أوتي شيئاً من العلم ولو كان قليلاً؛ لأننا لم نذكر إلا كلاماً لله عز وجل أو حديثاً صحيحاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأي شيء بعد ذلك إنما يكون مما لا قيمة له إطلاقاً، لمثل قوله تبارك وتعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]، ومثل قوله عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ
فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].
فإذا كنا قد رجعنا إلى الكتاب والسنة في الإجابة عن ذلك السؤال المتعلق بتعدد الأحزاب والجماعات، وكان الكتاب والسنة صريحين في ذم التحزب وفي ذم التفرق، فلا شك حينذاك أنه لا يبقى هناك إلا طريق واحدة وإلا حزب واحد وهو الذي أثنى الله عز وجل عليه في آية معروفة في القرآن الكريم:{فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56].
ولكن من الواجب أن يعرف كل مسلم راغب أن يكون من هذا الحزب الذي شهد الله عز وجل له بالفلاح، وذلك يعني الفلاح في الدنيا والآخرة معاً، من كان حريصاً على أن يكون من ذلك الحزب فلا يمكنه أن يحقق ذلك في نفسه إلا إذا عرف علامة هذا الحزب ونظامه ومنهجه، إذا كان الطريق الموصل إلى تحقيق هذا الحزب واحداً فلا بد أيضاً كذلك أن يكون المنهج واحداً، فإذا تعددت المناهج لتلك الجماعات أو الطوائف أو الأحزاب فلا شك أن التعدد لهذه المناهج فرع لتعدد الأحزاب والجماعات، وما بني على خطأ أو ضلال لا شك أنه يكون كذلك ضلالاً، وكما قيل قديماً: وهل يستقيم الظل والعود أعوج.
أقول: قد يتساءل البعض: فما هي علامة الفرقة الناجية التي جعلها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بصريح ذلك الحديث وبتفسيره للآية جعلها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بصريح ذلك الحديث وبتفسيره للآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 153]، وخط خطاً واحداً وخط من حوله تلك الخطوط العريضة الكثيرة القصيرة، ما علامة هذا السبيل وهذا الطريق الذي يكون صاحبه من الفرقة الناجية؟
الجواب كما سمعتم في الحديث: حينما قال عليه الصلاة والسلام أن من بين
تلك الفرق الثلاثة والسبعين فقط فرقة واحدة ناجية، ووصفها: بأنها التي تكون على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وما كان عليه أصحابه.
في هذا الحديث نحن ننبه لأمر هام طالما غفل عنه كل الدعاة الإسلاميين الموجودين اليوم حتى وبعضهم مع هذا المنهج الصحيح وهو الكتاب والسنة، في هؤلاء من لا يتنبه لهذا الذي ذكره الرسول عليه السلام في الحديث عطفاً على قوله:«ما أنا عليه» ، ما اقتصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قوله في وصف الفرقة الناجية: ما أنا عليه، ولو أنه اقتصر على هذا لكان كافياً؛ لأن ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الهدى والنور، كما تسمعون في خطبة الحاجة:«وخير الهدى هدى محمد» صلى الله عليه وآله وسلم، إذاً لماذا ذكر عليه الصلاة والسلام وعطف على قوله:«ما أنا عليه» فقال: «وأصحابي» ؟
هذا العطف مما يعطف عليه كثير من الدعاة، ولو كانوا معنا على منهج الكتاب والسنة؛ فلذلك فقد جريت على الدندنة والتطواف دائماً وأبداً حول هذه الجملة المعطوفة:«وأصحابي» لأهميتها، أهميتها من ناحيتين: الأولى: من حيث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أوتي جوامع الكلم، وأنه لا ينطق كما قال تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4]، فإذا كان لا يتكلم إلا بالوحي، وهذا طبعاً فيما يتعلق بالأحكام الدينية، وإذا كان قد أوتي جوامع الكلم، فلماذا لم يقتصر على قوله:«ما أنا عليه» بل زاد وعطف على هذا فقال: «وأصحابي» ، علماً أن الصحابة ما جاءوا بدين من عند أنفسهم وإنما أخلصوا في اتباعهم لنبيهم صلى الله عليه وآله وسلم؟
السبب في ذلك هام جداً: وهو أن ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي يسمى بالسنة، السنة التي جاء ذكرها في أكثر من حديث واحد، من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في حديث الرهط الذين سألوا نساء النبي عن عبادته عن صيامه
وقيامه وإتيانه لنسائه، والقصة معروفة، ولا أريد أن أطيل أكثر مما يقتضيه الوقت جواباً عن هذا السؤال، وإلا فهذا الحديث وحده يستحق محاضرة كاملة لا أقل من ساعة من الزمن، حسبي فيه أو منه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في آخر الحديث المعروف بحديث الرهط بعد أن ذكر قوله عليه السلام:«أما إني أخشاكم لله، وأتقاكم لله، أما إني أصوم وأفطر، وأقوم الليل وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» ، سنته صلى الله عليه وآله وسلم لا تعني المعنى الاصطلاحي عند الفقهاء الذي يعني بالسنة ما ليس بفريضة، لا يعني الرسول عليه السلام في أي حديث ذكر فيه لفظة السنة معنى السنة المصطلحة عليها في فروع الفقه، حيث يقولون مثلاً: فرائض الصلاة، سنن الصلاة، ويعرفون السنة: ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، ليس هذا المعنى هو المقصود في مثل قوله عليه الصلاة والسلام:«فمن رغب عن سنتي فليس مني» ، وإنما المقصود به: المنهج والنظام والطريق الذي سار عليه الرسول عليه السلام منذ بدئه بالدعوة إلى الله إلى آخر رمق من حياته، هذا النظام وهذا المنطلق وهذا الطريق الذي سار عليه الرسول عليه السلام هو المقصود بالسنة فيما إذا ذكر في حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن الواضح أن السنة بهذا المعنى المقصود من حديث الرسول عليه السلام يعني الإسلام كلاً لا يتجزأ، سواء بفرائضه أو بسننه أو بمستحباته أو مندوباته أو مباحاته، سواء في أسلوب الدعوة أو في جوهر الدعوة، هذا هو معنى السنة:«فمن رغب عن سنتي فليس مني» .
من ذلك حديث العرباض بن سارية الذي أيضاً أظن أنكم جميعاً قرأتموه أو سمعتموه على الأقل، وهو الذي قال فيه العرباض بن سارية: «وعظنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: أوصنا يا رسول الله، قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن ولي عبد حبشي، وإنه من يعش
منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي .. » إلى آخر الحديث، وهو معروف إن شاء الله، فهل يعني رسولنا صلوات الله وسلامه عليه في هذا الحديث:«فعليكم بسنتي» يعني مثلاً: السنن القبلية والبعدية في الصلوات الخمس وغير ذلك؟
الجواب: لا، هذا جزء مما يعنيه عليه السلام بلفظة السنة كلما ذكرها في حديث من أحاديثه عليه السلام، جزء والكل كما ذكرنا، المنهج والطريق الذي سار عليه الرسول عليه السلام.
(الهدى والنور /686/ 04: 03: 00)
(الهدى والنور /686/ 51: 17: 00)