الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القشر واللب
مجلس تحت عنوان: ثلاث مسائل مهمةً الأولى: حفظ القشر للباب، الثانية: حكم الاجتهاد في العقيدة، الثالثة: الرد على بعض شبه المكفرين.
تم تسجيل هذا المجلس في اليوم الثالث من ربيع الثاني 1416 هـ، الموافق لليوم الأول من الشهر التاسع 1995 م.
الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
إننا في زمان قليل علماؤه كثير خطباؤه، ومن هؤلاء بعض الذين ينتمون إلى بعض الأحزاب الإسلامية ويدعون أنهم من الدعاة إلى الإسلام، وفي سبيل دعوتهم هذه قد يستجيزون استعمال عبارات لا تليق استعمالها وإطلاقها على الشرع وأحكامه.
من ذلك أن بعضهم يقسمون الأحكام الشرعية والمسائل الفقهية إلى قسمين اثنين ويعبرون عنهما بقولهم: أن قسماً منها لب، والقسم الآخر قشر.
الذي أريد أن أذكر به بين يدي الدخول في المسألة هو بمقدمة وجيزة وهي: أنه أولاً: لا يجوز للمسلم أن يقسم الإسلام إلى تعبيرين غير مشروعين أن نقول: الإسلام قشر ولب، وأن على المسلمين أن يهتموا باللب دون القشر، هذا التقسيم
ما أنزل الله به من سلطان، بل هو ضرب للإسلام من حيث يشعرون أو لا يشعرون.
نعم! الإسلام فيه أحكام مختلفة كما تعلمون من الفرض إلى الأمر الندب، هذه حقائق مشروعة، لكن المندوب الذي هو من العبادات أدناها منزلةً وفضيلةً عند الله مع ذلك لا يجوز تسميتها بالقشر؛ ذلك لأن المقصود بهذه التسمية هو: الحط من قيمة هذا الذي يسمونه بالقشر، ولنقل نحن: المندوب أو المستحب.
وكلنا يعلم أن الله عز وجل ببالغ حكمته حينما شرع الإسلام على مراتب كما ذكرنا آنفاً من الفرض إلى الندب لم يكن ذلك إلا بحكمة بالغة، ولعل مما يوضح هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام:«أول ما يحاسب العبد يوم القيامة الصلاة، فإن تمت فقد أفلح وأنجح وإن نقصت، قال الله عز وجل» وهنا الشاهد: «انظروا هل لعبدي من تطوع فتتم له به فريضته» الشاهد هنا: «انظروا هل لعبدي من تطوع» التطوع هو التنفل، يعني: ما ليس بفرض «هل له من تطوع فتتمون به فريضته» أي: إن المسلم وهو مطبوع على .. كما قال عليه الصلاة والسلام: «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» فلا بد من الإنسان أن يقع في بعض العصيان، هكذا طبع الله بني الإنسان، خلافاً الملائكة الذين وصفهم بقوله تبارك وتعالى في القرآن:{لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
أما الإنسان فقد طبعوا على خلاف ذلك، حتى قال عليه الصلاة والسلام:«لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم» أي: طبيعة الإنسان أن يقع في المعصية ولكن ليس من رغبات الشارع الحكيم أن يقنع هذا الإنسان بالمعصية، وإنما إن وقع فيها أن يتابعها بالإنابة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى والاستغفار والتوبة.
فإذاً: إذا كان من طبيعة الإنسان أن يعصي الرحمن وأن ذلك مما لا بد منه؛ لذلك أنه قد يخل بالعبادة من صلاة مثلاً، وهذا الإخلال قد يكون تارةً كماً، وتارةً يكون كيفاً، وأظنكم تعلمون معي ما الفرق بين الكم والكيف، أما الكم فكلنا يعلم أن الله عز وجل فرض على كل مسلم بالغ مكلف خمس صلوات في كل يوم وليلة، فقد يهمل صلاةً أو أكثر فهذا قصر في الكم، وقد يكون حريصاً على المحافظة على الصلوات الخمس كما هو مشاهد والحمد لله من كثير من الناس لكن لجهلهم بالشرع أو بالسنة فهم يقعون في النقص في الكيف وليس في الكم، فهم محافظون على الصلوات الخمس تماماً ولكن قد تكون صلاتهم هذه ناقصةً، وقد يكون النقص في ركن من الأركان، أو في واجب من الواجبات، أو في سنة أو مستحبة من المستحبات، فهذا كله نقص في الكيف، وهذا قل ما ينجوا منه مصلٍ إلا من شاء الله وقليل ما هم.
كثير من الناس يصلون مع محافظتهم على الصلوات الخمس لا يطمئنون في الصلاة، يسارعون فيها، وقد قال عليه الصلاة والسلام:«لا تجزئ صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده» هذا صلى ولكنه ما صلى، كما جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«كان ذات يوم في المسجد حينما دخل رجل فأخذ يصلي وبعد أن صلى أقبل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله! قال: وعليك السلام! ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع الرجل وصلى، وبعد الصلاة أقبل أيضاً على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: السلام عليك يا رسول الله! قال: وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل» وهكذا في المرة الثالثة في هذه المرة كما يقال: اسقط في يد الرجل، وعرف أنه لا يحسن يصلي فاعترف بذلك وقال: «والله يا رسول الله لا أحسن غيرها فعلمني، قال عليه السلام: إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله، ثم استقبل القبلة، ثم أذن ثم أقم ثم كبر، ثم اقرأ ما
تيسر من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تطمئن قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها، فإذا أنت فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وإن أنت أنقصت منها فقد أنقصت من صلاتك».
أقول: حديثنا المذكور آنفاً قبل حديث المسيء صلاته الذي فيه أن ذلك الرجل أعاد الصلاة ثلاث مرات وهو لا يحسنها فقال معترفاً بأنه لا يحسن غيرها فعلمني فقال له عليه السلام كما سمعتم، الشاهد: الحديث الذي قبله وهو قوله عليه السلام: «أول ما يحاسب العبد يوم القيامة الصلاة فإن تمت فقد أفلح وأنجح، وإن نقصت قال الله عز وجل لملائكته: انظروا هل لعبدي من تطوع فتتم له به فريضته» .
الشاهد من هذا الحديث: أن الأحكام الشرعية فيها ما لا بد منه، وفيها ما يخير الإنسان فيه، لكن هذا القسم الثاني يعتبر رديفاً احتياطياً للقسم الأول، فالقسم الأول كما شرحت آنفاً إذا وقع فيه نقص كماً أو كيفاً تدارك الأمر ملائكة الله يوم القيامة من التطوع الذي هو ليس بفرض، إذاً: لا يصح أن نقسم الإسلام إلى لب وقشر، وبخاصة إذا قصدنا بهذا التعبير الركيك المرفوض أن القشر لا يعنى به وإنما هو اللب.
ذلك لأن الله عز وجل كما نشاهد في ما خلق الله عز وجل من الثمار والخضار ونحو ذلك قد جعل لكثير منها قشراً ولباً وما كان هذا القشر قد خلق عبثاً وإنما للمحافظة على اللب، فهذا تقريباً للأحكام الشرعية التي فيها ما هو فرض وفيها ما هو مستحب، فيسمي بعض المعاصرين اليوم ما هو فرض بأنه لب وما هو ليس بفرض بأنه قشر، وليتهم يعنون أنه يعنى بهذا القشر لكنهم يلمحون بأنه ما
ينبغي إلا الاعتناء باللب فقط.
وهنا يقعون في مشكلة أخرى حينما قسموا الإسلام إلى لب وقشر فهم يضيعون اللب أيضاً مع القشر، ليس فقط من الناحية التي أشرت إليها بأن الله عز وجل خلق القشر للمحافظة على اللب بل من ناحية أخرى تتعلق بالعلم بالشريعة فهم لا يستطيعون بسبب جهلهم خاصة بالكتاب والسنة لا يستطيعون أن يفرقوا على حد تعبيرهم بينما هو لب عندهم وما هو قشر فيهملون كثيراً من اللب باسم قولهم إنه من القشر.
فإذاً: هم قد ضيعوا اللب والقشر معاً.
أعود الآن إلى المسألة التي أردت التنصيص والتنبيه عليها وهي: أنه إذا دخل الداخل وكان الجالسون يظنون به أنه من أولئك الذين يستحقون الإجلال والإكبار والتعظيم ولو في حدود الشرع فهم يبادرون إلى تقبيل يد هذا الشخص الجليل، أنا أريد أن أذكر الآن بأمرين اثنين:
أولاً: ما حكم هذا التقبيل؟ وثانياً: هل هذا التقبيل هو الذي سنتحدث عنه أم هو شيء آخر؟
الحقيقة أنه شيء آخر: نحن بما علمنا من الأحاديث النبوية والآثار السلفية أن تقبيل اليد كان أمراً معروفاً في عهد السلف الصالح من عامة الناس إلى أكابر الناس؛ ولذلك فما نستطيع أن ننكر جواز التقبيل يد العالم الفاضل، ولكن هنا لا بد من التذكير بأمرين اثنين:
أحدهما: أنه لا ينبغي أن نجعل هذا التقبيل ليد العالم الفاضل سنة مستمرة مطردة؛ لأن هذا خلاف السنة، السنة كما قال أحد الصحابة ولعله أبو ذر رضي الله تعالى عنه قال:«ما لقينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا وصافحنا» المصافحة هي سنة
تلاقي المسلم مع أخيه المسلم بعد السلام، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة تحض على المصافحة كمثل قوله عليه الصلاة والسلام:«ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا تحآتت عنهما ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجر في الخريف» .
المصافحة: هي السنة الرتيبة، أما تقبيل اليد فأنا أسميها من باب تفشيش الخلف، يعني: رجل يحب هذا الرجل العالم فقد سمح له الشارع بتقبيل يده، أما أن يجعلها ديدنه كلما لقيه قبل يده فهذا لم يكن من عمل السلف إطلاقاً، لكن أكثر من هذا - وهنا بيت القصيد كما يقال، وبذلك تنتهي هذه الكلمة - أنه لا ينبغي بعد التقبيل أن نضعها على جبهة وهذا الذي نشاهده دائماً مع الأسف الشديد، يعني: يقبل هكذا ثم يضعه على الجبهة هذا يشبه السجود، وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لمعاذ بن جبل حينما قدم من الشام وقد سافر من المدينة إلى الشام ثم رأى هناك النصارى كيف يعظمون قسيسيهم ورهبانهم فلما وقع بصره على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم أن يسجد له فقال له عليه السلام:«مه يا معاذ! قال يا رسول الله! إني أتيت الشام فرأيت النصارى يسجدون لقسيسيهم ورهبانهم فوجدتك أنت أحق بالسجود منهم، فقال عليه الصلاة والسلام: لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها» يوجد حديث آخر لكن لا يصلح السجود إلا لله؛ لهذا فما ينبغي ونذكر إخواننا الطيبين بأمرين اثنين:
أحدهما أهم من الآخر، الأهم: أن لا تفعلوا هكذا.
الأمر الثاني: ألا تتخذوا تقبيل يد العالم عادةً وسنة، وإنما على سبيل الندرة، وهذا ما أردت التذكير به والذكرى تنفع المؤمنين.
(الهدى والنور /820/ 09: 01: 00)