الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحياة الاجتماعية
نريد أن نلمس هنا بعض جوانب الحياة داخل البلاد ونتبين أهم العلائم التي تميز ذلك المجتمع عن غيره، والمعالم التي تحدد لنا صورة واضحة للبيئة التي عاش فيها السيوطي، ونستطيع استجلاء ذلك من خلال تعرضنا لبعض الجوانب الهامة في حياة المجتمع.
بناء المجتمع:
والمجتمع في عصر المماليك مجتمع طبقي تتضح فيه الفروق بين الطبقات، وتتزيل كل طبقة عن الأخرى بمجموعة من الخصائص والمظاهر.
وأكثر فئات المجتمع تميزا عن غيرها هي فئة المماليك التي كانت تمثل طبقة عسكرية ممتازة تستأثر بالحكم وبشئون الحرب، ولهم من أصلهم ونشأتهم وأسلوبهم في الحياة وبعدهم عن أهل البلاد سياج يحيط بهم ويميزهم عن غيرهم.
ولم يكن هؤلاء من أصل واحد، بل كانوا مجتلبين من شتى البلاد، وقد بالغ كثير من السلاطين في شراء المماليك واعدادهم، واهتموا بتربيتهم اهتماما كبيرا ولم يضنوا عليهم بتوفير المعيشة الفاخرة، وعند ما يشب المملوك ويخرج من الطباق يقرر له راتب شهري «جامكية» ويتدرج في الترقي وربما أتيح له أن يصبح من أمراء المماليك وكبار رجال الدولة، وربما يستطيع بعد ذلك الوصول إلى السلطنة.
وقد تمتع المماليك بحظ كبير من الثراء عن طريق الأموال والاقطاعات الكبيرة التي تصلهم من الدولة «1» ، وظلت القاعدة في الإقطاع أن يئول إلى السلطان
(1) د. سعيد عاشور: المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك ص 19.
بانتهاء مدة الاقطاع أو بسبب وفاة المقطع أو عزله أو إخلاله ببعض الشروط، وقد كان لهذه الطائفة مكانة كبيرة في المجتمع، وتمتع أمراؤهم بنفوذ عظيم في البلاد، بل كثيرا ما كان بعضهم يطغى نفوذه على نفوذ السلطان وكثيرا ما نجد بعضهم يتصرفون في حكم البلاد وجباية الأموال لأنفسهم في حرية مطلقة كالسلطان سواء بسواء.
ولم يحاول المماليك الزواج من أهل البلاد والاختلاط بهم بل غالبا ما كانوا يختارون أزواجهم وجواريهم من بنات جنسهم اللائي جلبن معهم «1» ، ولم يحدث الخروج على هذا العرف إلا في حالات قليلة.
على أن أسس تربية المماليك واعدادهم التي روعي فيها اختيار السبل التي تضمن طاعتهم وولاءهم وتخلقهم بالآداب الحسنة وتمسكهم بالدين لم تلبث أن تطرق إليها الخلل في جوانب عديدة كان لها أثرها في فقد المماليك روح النظام والطاعة، واتضح ذلك جليا في الفترة التي نهتم بها وهي آخر عصر المماليك، ففضلا عن الثورات والفتن السياسية وما فيها نجد لهم حركات افسادية تهدف إلى النهب والسلب أو الحصول على نفقة من الدولة أو تعجلا لنفقة متأخرة أو ما شابه ذلك، وهناك عديد من الأمثلة التي ذكرها ابن اياس المؤرخ المعاصر لهذه الفترة، فمن ذلك ثورة المماليك الجلبان في عام 878 هـ حيث هاجموا بولاق ونهبوا ما فيها وقصدوا «شونة» الأمبريشبك الدوادار ونهبوها، وقد استمرت الفتنة أياما هرب خلالها بعض الأمراء خوفا على أنفسهم من النهب «2» ، وتكرر حادث مشابه في العام التالي «3» ، ثم نجد فتنة تثور بين بعضهم وبين بعض حتى يقع القتال في صفوفهم «4» ، واضطراب آخر يحاول فيه المماليك قتل مقدمهم «5» «6» ،
(1) المصدر السابق ص 23.
(2)
ابن إياس: بدائع الزهور ج 2 ص 149.
(3)
المصدر السابق ج 2 ص 151.
(4)
المصدر السابق ج 2 ص 183.
(5)
المصدر السابق ج 2 ص 314.
(6)
نفس المصدر ج 2 ص 215.