المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌منهج السيوطي في المزهر: - جلال الدين السيوطي عصره وحياته وآثاره وجهوده في الدرس اللغوي

[طاهر سليمان حمودة]

فهرس الكتاب

- ‌[هوية الكتاب]

- ‌تصدير

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول عصر السيوطي وحياته، وآثاره

- ‌الفصل الأول

- ‌الحياة السياسية والاجتماعية

- ‌الخلافة:

- ‌ نظم الحكم

- ‌القضاء:

- ‌الحياة الاجتماعية

- ‌بناء المجتمع:

- ‌أرباب القلم:

- ‌التجار:

- ‌الصناع وأرباب الحرف:

- ‌العوام

- ‌أهل الذمة:

- ‌الفلاحون:

- ‌ الأعراب

- ‌الأقليات الأجنبية:

- ‌الحياة في المدن:

- ‌القلق الاقتصادي:

- ‌المجاعات والأوبئة:

- ‌التصوف والمجتمع:

- ‌الفصل الثاني

- ‌الحياة الثقافية

- ‌ دور العلم

- ‌1 - المدارس:

- ‌المدرسة الصلاحية

- ‌مدرسة السلطان حسن

- ‌مدرسة صرغنمش:

- ‌خزائن الكتب:

- ‌2 - الخوانق والربط والزوايا:

- ‌خانقاه سعيد السعداء

- ‌خانقاه شيخو

- ‌الخانقاه البيبرسية

- ‌3 - الجوامع:

- ‌ جامع عمرو

- ‌جامع ابن طولون

- ‌الجامع الأزهر:

- ‌[نتائج نشاط الحركة العلمية]

- ‌1 - وفود الطلاب إلى معاهد العلم:

- ‌2 - كثرة العلماء والأدباء:

- ‌3 - نشاط الحركة التأليفية:

- ‌[منهج التاليف فى العصر]

- ‌1 - الاتجاه الموسوعي:

- ‌2 - ظاهرة التقليد:

- ‌3 - ظاهرة المتون والشروح:

- ‌4 - الاكمالات والتذييلات:

- ‌5 - تنظيم العلوم واستقرار المصطلحات:

- ‌6 - العناية بتاريخ مصر:

- ‌الحياة الأدبية

- ‌ الخطبة

- ‌الرسائل

- ‌المقامة:

- ‌الفصل الثالث

- ‌حياته وثقافته وآثاره

- ‌مولده ونسبه:

- ‌ والده

- ‌‌‌نشأتهوحياته العلمية والعملية

- ‌نشأته

- ‌دراسته:

- ‌شيوخه:

- ‌1 - ابن حجر العسقلاني:

- ‌2 - علم الدين البلقيني:

- ‌3 - شرف الدين يحيى المناوي:

- ‌4 - تقي الدين الشّمنيّ الحنفي:

- ‌5 - محيي الدين الكافيجي:

- ‌6 - سيف الدين الحنفي:

- ‌مراحل حياته

- ‌العزلة الأخيرة:

- ‌وفاته:

- ‌قبر السيوطي:

- ‌صفة المقام:

- ‌مكانه في المجتمع

- ‌السيوطي بين أنصاره وخصومه:

- ‌دعوى الاجتهاد:

- ‌خلقه وشخصيته:

- ‌منهجه في التفكير وأصول هذا المنهج

- ‌فكرة المبعوثية:

- ‌السيوطي وعلوم الحديث

- ‌السيوطي والتصوف:

- ‌السيوطي الفقيه:

- ‌السيوطي والأدب:

- ‌السيوطي الشاعر:

- ‌آثار السيوطي

- ‌الباب الثاني جهوده اللغوية

- ‌تقديم:

- ‌الفصل الأول

- ‌فقه اللغة أو: «الدراسات اللغوية غير النحو والصرف»

- ‌تقديم:

- ‌آثاره اللغوية ومكانها من حياة الدرس اللغوي

- ‌1 - المتوكلي فيما ورد في القرآن باللغة

- ‌2 - المهذّب فيما ورد في القرآن من المعرّب:

- ‌3 - بعض الأبحاث اللغوية المتصلة بالقرآن الكريم:

- ‌4 - رسالة في أصول الكلمات:

- ‌5 - التبري من معرّة المعري:

- ‌6 - التهذيب في أسماء الذيب:

- ‌7 - فطام اللسد في أسماء الأسد:

- ‌8 - الافصاح في أسماء النكاح:

- ‌9 - الافصاح في زوائد القاموس على الصحاح:

- ‌10 - الالماع في الاتباع كحسن بسن في اللغة:

- ‌11 - حسن السير فيما في الفرس من أسماء الطير:

- ‌12 - غاية الاحسان في خلق الانسان:

- ‌13 - شرح قصيدة بانت سعاد:

- ‌14 - الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة:

- ‌15 - الشماريخ في علم التاريخ:

- ‌16 - المزهر في علوم اللغة وأنواعها:

- ‌منهج السيوطي في المزهر:

- ‌وضع أصول لنقد الرواية اللغوية

- ‌المرحلة الأولى: النقد الخارجي:

- ‌أ- رواة اللغة:

- ‌ب- الأسانيد:

- ‌المرحلة الثانية: النقد الداخلي أو نقد المتن:

- ‌مفهوم اللغة عند السيوطي

- ‌الألفاظ

- ‌المعنى أو الدلالة اللغوية

- ‌الأضداد:

- ‌ضبط اللغة

- ‌نشأة اللغة

- ‌الصلة بين اللفظ والمعنى

- ‌الوضع اللغوي

- ‌المعاجم اللغوية

- ‌اثبات الأسماء بالقياس

- ‌الفصل الثاني

- ‌النحو

- ‌آثاره النحوية

- ‌1 - الأخبار المروية في سبب وضع علم العربية:

- ‌2 - الأشباه والنظائر في النحو:

- ‌3 - الاقتراح في علم أصول النحو:

- ‌4 - الفريدة:

- ‌5 - المطالع السعيدة في شرح الفريدة:

- ‌6 - شرح ألفية ابن مالك

- ‌7 - جمع الجوامع وشرحه همع الهوامع:

- ‌8 - النكت على الألفية لابن مالك، والكافية والشافية لابن الحاجب، وشذور الذهب ونزهة الطرف لابن هشام:

- ‌9 - الفتح القريب على مغني اللبيب:

- ‌10 - شرح شواهد المغني:

- ‌11 - الشمعة المضية في علم العربية:

- ‌12 - الموشح في علم النحو:

- ‌ الفتاوى النحوية

- ‌رسائل الحاوي:

- ‌1 - فجر الثمد في إعراب أكمل الحمد

- ‌2 - ألوية النصر في «خصيصى» بالقصر

- ‌3 - الزّند الوري في الجوانب عن السؤال السكندري

- ‌4 - رفع السنة في نصب الزّنة

- ‌بقية الآثار:

- ‌السيوطي وعلم أصول النحو

- ‌مذهبه النحوي

- ‌خاتمة

- ‌ثبت المصادر والمراجع

- ‌أولا: أسماء مؤلفات السيوطي

- ‌ثانيا: المصادر العربية والمترجمة (لغير السيوطي)

- ‌ثالثا: المصادر الأجنبية

الفصل: ‌منهج السيوطي في المزهر:

طرق سبيله قبل طارق» «1» .

وبالرغم من أن جميع الأبحاث التي تناولها السيوطي درست عند العرب من قبله وتناولها اللغويون أو الأصوليون، فإن أحدهم لم يتصدّ لدراسة هذا الفن كله، ولم يستوعب أحدهم نظريات العلم ويتناولها بحديث جامع منظم الأبواب، بل تكلم هذا في ناحية أو بعض النواحي وذاك في أخرى، فلم يجتمع شتات هذا الفن ولم يلتئم شمله.

وقد حاول السيوطي في كتابه أن يجمع هذا الشتات، وقد امتاز عن سابقيه من اللغويين باهتمامه الكبير بأبحاث الأصوليين السابقين في دراسة اللغة، وهذا يدل على بعد نظره ودقة منهجه فبحث الأصوليين للغة أدق وأوفى من بحث اللغويين أنفسهم، وكانت كتب اللغويين تغفل في أحيان كثيرة جهود الأصوليين، فجاء كتاب السيوطي جامعا لأبحاث الفريقين يلائم بين أجزاء الشمل، ويقيم مما تفرق أبوابا ومباحث لها كيانها المستقل ثم ينتهي به الأمر إلى أن يجعل من هذه المباحث علما له كيانه المستقل، وهذا بغير شك جهد عظيم وابتكار لا ينكر، وجرأة على ما أحجم عنه السابقون، وقد نجح في عمله نجاحا يغبط عليه وسيتضح لنا بعد مصداق ما قدمنا.

‌منهج السيوطي في المزهر:

أريد هنا أن أتناول باجمال كتاب المزهر، وأهم الجوانب التي تحدد منهج صاحبه هي مصادر الكتاب، ثم طريقته في النقل والعرض وكيفية تقسيم الكتاب، وذلك يحدد لنا معالم منهج المؤلف وينتهي بنا إلى الحديث عن منهج المحدثين ومحاولة السيوطي تطبيقه على اللغة ودراستها من خلاله وسنبين ذلك فيما بعد.

وقد عرضت من قبل لتدرج الدراسات اللغوية قبل السيوطي وبينت أنواع المصنفات التي سبقته، وأستطيع القول بأن معظم كتب اللغة السابقة سواء نتجت عن البيئة اللغوية أو عن بيئة الأصوليين فقهائهم ومتكلميهم كل أولئك

(1) المزهر ج 1 ص 1.

ص: 223

قد وقف عليه السيوطي واتضح أثره في كتابه الذي بين أيدينا، ويبلغ ما ذكره السيوطي من الكتب التي نقل عنها مائة وثلاثة وسبعين كتابا وهي جميع ما نقل عنه تقريبا لأنه- في الواقع- يمتاز بمميزة هامة وهي الأمانة الشديدة التي تجعله لا يذكر نصا إلا معزوا إلى قائله ومذكورا معه اسم الكتاب الذي نقل عنه وذلك ما جعل سبيل إحصاء الكتب واضحا، وقد كان من أهم خصائص منهجه في التأليف، وهو ما جعله يحرص في ذكر النقول على ذكر أصحابها وأسماء الكتب التي نقل عنها لأنه يعد ذلك من شكر

العلم وبركته التي ينبغي أن تكون من آداب المحدّث واللغوي وقد قال: «ولهذا لا تراني أذكر في شيء من تصانيفي حرفا إلا معزوا إلى قائله من العلماء مبينا كتابه الذي ذكر فيه» «1» .

والنقول التي شغلت حيزا كبيرا في كتابه هي النقول عن المعاجم سواء أكانت معاجم عامة أم معاجم خاصة، فقد أكثر من النقل عن الصحاح للجوهري في مواضع متفرقة وعن الجمهرة لابن دريد، والمجمل لابن فارس والمحكم لابن سيدة والغريب المصنف لأبي عبيد، وفقه اللغة للثعالبي، وديوان الأدب للفارابي وأدب الكاتب لابن قتيبة، وإصلاح المنطق لابن السكيت وتهذيبه للتبريزي، وكتاب ليس لابن خالويه، والفصيح لثعلب والتهذيب للأزهري.

ويلي هذه المصادر في حجم النقول الكتب التي عنيت كالمعاجم بالألفاظ، وضمت إليها أبحاثا لغوية أخرى كالأمالي لثعلب، وأمالي القالي والزجاجي وابن دريد، وشروح الفصيح لابن درستويه، ولابن خالويه وللبطليوسي.

أما أهم الكتب التي تناولت بعض أبحاث فقه اللغة وشغلت حيزا كبيرا بين نقول السيوطي فهي الصاحبي في فقه اللغة لابن فارس والخصائص لابن جني، يليهما الكامل للمبرد ولمع الأدلة في أصول النحو لابن الأنباري.

وسائر الكتب بعد ذلك تشغل النقول عنها حيزا أقل، ولا يفوتنا أن نذكر أن بينها كتبا هامة ككتاب سيبويه والقاموس للفيروزآبادي، ومجموعة من كتب النوادر لأبي زيد ولابن الأعرابي ولأبي عمرو الشيباني وللنجيرمي واليزيدي

(1) المزهر ج 2 ص 319.

ص: 224

ويونس وبعضها قد وصل إلينا وبعضها لم يصل.

وقد اعتمد السيوطي على مجموعة لا بأس بها من كتب الأصوليين ونقل عنها وأهمها البحر المحيط للزركشي والبرهان لإمام الحرمين، والتلخيص له أيضا، وشرح منهاج البيضاوي للتاج السبكي، وجمع الجوامع للسبكي، وشرح المحصول للقرافي، وشرح منهاج الأصول للاسنوي، والمختصر لابن الحاجب، والملخص في أصول الفقه للقاضي عبد الوهاب المالكي، والوصول إلى الأصول لابن برهان.

ولم يقتصر اعتماد السيوطي على هذه الكتب بصدد بحث نشأة اللغة الذي يهتم به المتكلمون والأصوليون وحسب وإنما اعتمد عليها في كثير من الأبحاث الأخرى لا سيما التي تتصل بالمعنى كالخاص والعام والمشترك والمترادف والاشتقاق والحقيقة والمجاز وغير ذلك بحيث يبدو النقل عنها متناثرا في سائر كتابه.

ونلاحظ قلة الكتب النحوية بين مصادر السيوطي فما ذكره بعضه في أصول النحو كلمع الأدلة في أصول النحو لابن الأنباري، وبعضه في الفروع وهو قليل ككتاب سيبويه وأصول ابن السراج والتسهيل ونظم الفرائد لابن مالك، وشرح التسهيل لأبي حيان، وهذا يدل في الحقيقة على تفرقته بين دراسة اللغة وبين دراسة النحو، وأن اعتماده على الكتب النحوية في المجال اللغوي غير النحوي لا يكون إلا بمقدار ما يخدم الموضوعات التي يتناولها، والحق أن التفرقة واضحة منذ القدم في أذهان اللغويين والنحاة، ومن الطبيعي ألا تكثر المصادر النحوية لكتاب في فقه اللغة أما كتب الطبقات فقد رجع السيوطي إلى عدد من الكتب التي وضعت في طبقات اللغويين والنحويين وهذه الكتب لا تفرق بين الفريقين لما أن كثيرا ممن اشتغل بأحد العلمين كان له اشتغال بالآخر، ومن هذه المصادر مراتب اللغويين لأبي الطيب اللغوي وطبقات النحويين للزبيدي، وطبقات النحويين للسيرافي، وتبعا لاهتمام الكتاب بالرواية بصفة عامة فقد اعتمد صاحبه أيضا على طبقات الشعراء لابن سلام وأكثر نسبيا من النقول عنه.

وعامة ما تبقى من المصادر بعضه كتب في التاريخ كتاريخ ابن عساكر وغيره، وبعضه في التفسير، وبعضه في فروع الفقه، وبعضه أراجيز أو أشعار أو أخبار

ص: 225

كالترقيص للأزدي والأغاني لأبي الفرج، وغالبه كتب في اللغة اختصت بموضوع واحد أو عدة موضوعات ككتب الأضداد لأبي داود ولأبي عبيد ولابن الأنباري، وشجر الدر لأبي الطيب اللغوي، وكتاب العسل للفيروزآبادي، والمقصور والممدود للأندلسي ولابن ولاد ولابن سيدة ولابن السكيت وللقالي، وقد أكثر نسبيا من النقل عن هذه الكتب الثلاثة الأخيرة، والمؤتلف والمختلف للآمدي، والفروق لأبي الطيب، وغيرها من الكتب. ولا حاجة بنا بعد ما قدمناه إلى استقصاء جميع مصادره وذكرها فقد ذكرت جانبا كبيرا منها كما حددت المعالم العامة لهذه المصادر وأنواعها.

وقد شاع لدى عامة الدارسين أن السيوطي ناقل لا غير، وملخص لأقوال الأقدمين بحيث إن المقدمين لكتابه كادوا يشوهونه بقولهم:«إن هذا الكتاب على ضخامته ليس للسيوطي فيه إلا الجمع والترتيب عدا بدوات قليلة نجدها مبعثرة في ثنايا الكتاب، وفقرات يقدم بها بين يدي الباب أو يختتمه» «1» .

وبالرغم من صدق هذه العبارة إلى حد كبير فإن ذلك لا يغض من شأن الكتاب ولا من شأن مؤلفه فحسبه أنه المؤلف الذي تنبه إلى وجوب جمع هذه الأبحاث وضمها جميعا في مؤلف واحد، كما أن نقوله واختياراته تدل على مقدرة كبيرة على الجمع والترتيب واختيار أنسب النصوص وأخصرها وأوفاها بالغرض، ويبدو أن جنوح السيوطي إلى الاختفاء بشخصيته وراء النقول قد أتاه كما بينا من تأثير منهج المحدّثين، وطبع عقليته بالطابع النقلي الحديثي بحيث إنه حينما يريد الحديث عن فكرة معينة يبحث لها عن نقول تعبر عما يريد قوله، وكأنه بذلك لا يرى ثبوت الفكرة إلا بقوة إسنادها واتصالها بعالم من علماء السلف المشهورين، ومن هذا المنطلق نستطيع أن نعتمد على كثير من النقول التي يوردها ويختفي وراءها في تبين آرائه اللغوية وسنذكر ذلك بعد.

وإذا كان اهتمام السيوطي بالنقول إلى هذا الحد فيحسن بنا أن نتناول أسلوبه في عرض أفكاره وترتيب هذه النقول وكيفية اعتماده على المصادر.

(1) المزهر ج 1 ص أمن المقدمة.

ص: 226

والسيوطي حريص على أن يبدأ بذكر اسم المؤلف ثم اسم الكتاب عند بداية كل نص يورده، كما ينبه عند نهاية كل نص على تمامه بحيث نستطيع في يسر أن نتبين في كل مبحث من المباحث التي تعرض لها عدد النقول التي أوردها ومقاديرها.

وحينما يتناول موضوعا من موضوعات كتابه بالبحث يبدأ بتعريفه فينقل هذا التعريف عن غيره إن كان ثمة نقول تفيد ذلك، وإلا فإنه يبدأ بتحديده بألفاظ من عنده، ففي النوع الرابع مثلا عن المرسل نقل عن ابن الأنباري تحديده بأنه الذي انقطع سنده «1» ، بينما حدد بألفاظه النوع الخامس: الأفراد بقوله «وهو ما انفرد بروايته واحد من أهل اللغة ولم ينقله أحد غيره» «2» .

وبعد تحديد الموضوع يتناول السيوطي بعض أجزائه أو الملاحظات عليه من قبل اللغويين فيورد النقول للتي تشير إلى ذلك، وإن كان ثمة خلافات بين اللغويين أو الأصوليين في المبحث فهو يهتم بذكرها، وإذا لم يكن ثمة شيء من ذلك وكان المبحث في ألفاظ تحتاج إلى الأمثلة فإنه يكثر من النقول التي يمثل بها لما ذكر.

أما ترتيب هذه النقول فيتبع فيه ما تفرضه عليه طبيعة الموضوع، فهو يرتب كل موضوع وفق ما يراه ثم يورد النقول متراصة في الاطار الذي حدده لموضوعه، ولا يلتزم بالتدرج التاريخي للكتب المنقول عنها وإن بدا ذلك في بعض الأحيان، فالاعتبار الأول لطبيعة الموضوع وتخطيطه العام فإذا كانت جملة من النقول دائرة في غرض واحد من أغراض البحث فإنه غالبا ما يراعى التدرج بأن يذكر السابق فاللاحق، وإن كان هذا غير ملتزم في سائر الكتاب وإنما هو غالب عليه.

على أن الناظر لأول وهلة في الكتاب قد لا يلاحظ ما نذكره بل يرى كل باب من الأبواب مجموعة من النقول رصّ بعضها إلى جانب بعض.

(1) المزهر ج 1 ص 125.

(2)

المصدر السابق ج 1 ص 129.

ص: 227

والواقع أن هذا الترتيب يراعى فيه طبيعة ترتيب الموضوع، ثم إلى حد ما التدرج التاريخي للنقول، فإذا نظرنا إلى أول مبحث في كتابه وهو «الصحيح» وجدناه قد بدأ بتعريف اللغة، وتحت هذا الغرض أورد نقولا ثلاثة راعى فيها التدرج التاريخي فأولها نص لابن جني والثاني لامام الحرمين والثالث لابن الحاجب «1» .

ثم انتقل إلى غرض آخر من أغراض الموضوع وهو كون اللغة توقيفا أو اصطلاحا، فبدأ بنقل نص عن ابن فارس أتبعه بنقل عن ابن جني ثم تعرض بعد ذلك لآراء الأصوليين فلخصها عن المحصول لفخر الدين الرازي (606 هـ) ثم أورد نقولا بعد ذلك عن كتب في الأصول لابن برهان (520 هـ)، ثم عن إمام الحرمين فالغزالي فابن الحاجب فتاج الدين السبكي، وهكذا نرى عدم التزامه الدقيق بالتدرج التاريخي في ترتيب هذه النقول، وإن كان هذا التدرج قد التزمه في إيراد أقوال إمام الحرمين فمن بعده، وهناك بعض نقول له يراعى في ترتيبها التدرج التاريخي، فحين يتحدث عن الحكمة في وضع اللغة ينقل عن الكيا الهرّاسي (504 هـ)، ثم يتبعه بالنقل عن الفخر الرازي (606 هـ)، ويكاد لا يلتزم بهذا التدرج حين حديثه عن ثبوت اللغة بالقياس التي أفاض في بحثها الأصوليون فبدأ بالنقل عن الكيا الهراسي (504 هـ)، فابن برهان (520 هـ)، فامام الحرمين (478 هـ)، فالغزالي (505 هـ).

بيد أن السيوطي لا يلتزم بدقة في أحيان غير قليلة بالتدرج التاريخي للكتب التي نقل عنها فهو ينقل مثلا في فعّيل فعّيلى أمثلة من الجمهرة لابن دريد (310 هـ)، ثم ينقل عن ديوان الأدب للفارابي وهو متأخر عنه، ولكنه يعود فيورد أمثلة عن الصحاح للجوهري (400 هـ)، وهو سابق على الفارابي، ثم ينقل مرة أخرى عن جمهرة ابن دريد، ثم عن ابن فارس (395 هـ)، ثم عن الصحاح للجوهري، ثم عن أمالي القالي (356 هـ)، وطبيعة هذه النقول لا تحتاج إلى التزام التدرج التاريخي التزاما دقيقا فليس ذلك مما يؤخذ عليه.

والحق أن ما يجب مراعاة التدرج التاريخي فيه هو النقول التي تعرض لفكرة

(1) نفس المصدر ج 1 ص 7، 8.

ص: 228

من الأفكار أو نظرية من النظريات، أما ألفاظ اللغة فعامة كتب اللغة تروى عن رواتها الأولين، ويزيد بعضها على بعض، فلا يلزم حين النقل عنها مراعاة التدرج التاريخي مراعاة دقيقة، لأن هذه المصادر لم تحرص على هذا التدرج.

أما عن كيفية النقل فهو حريص على أن يورد القول بنصه، فإن لخصه نبه على ذلك، وأحيانا يلخص جملة أقوال فلا يذكر حينئذ اسم كتاب نقل عنه وهنا ينبه على أن ما يورده هو ملخص أقوال الأصوليين أو البلاغيين أو غيرهم بصدد موضوع من الموضوعات.

أما عن نقل ألفاظ اللغة فهو حريص على أن ينقل عن كل كتاب ما لم يرد في غيره من الأمثلة حتى تجتمع من ذلك حصيلة من الأمثلة لم يحصلها قبله غيره منفردا.

وأهم الكتب التي نقل عنها السيوطي ونستطيع أن نتبين منها منهجه في النقل الخصائص لابن جني والصاحبي لابن فارس ولمع الأدلة لابن الأنباري.

وطريقته في النقل عنها تمثل لنا طريقته في النقل عن سائر الكتب التي اهتمت ببعض أبحاث فقه اللغة، أما المعاجم وكتب اللغة التي من قبيلها فلا تحتاج نقوله عنها إلى تمثيل لأن نقله في ذلك الحين جمع لما تفرق وتنسيق لما تشعث.

وحين ينقل السيوطي عن الصاحبي لابن فارس يورد ما ينقله نصا دون أن يغير فيه وكثير من نقوله تشهد بذلك «1» ، فإذا أراد تلخيص ما يذكره ابن فارس صرح في عبارته بما يشعر بأنه يلخص ولا ينقل نصا «2» .

(1) انظر المزهر ج 1 ص 4 حيث نقل مقدمة الصاحبي، وانظر الصاحبي ص 2، انظر المزهر ج 1 ص 64 حيث نقل بابا عن الصاحبي هو «القول على لغة العرب وهل يجوز أن يحاط بها» ، انظر الصاحبي ص 18، وانظر ج 1 ص 137 من المزهر حيث ينقل في معرفة من تقبل روايته ومن ترد نصا عن ابن فارس أورده في مأخذ اللغة بالصاحبي ص 30، وهناك نقول شتى غير ذلك تدل على حرص السيوطي على إيراد نصوصه بدقة وأمانة دون تغيير.

(2)

انظر المزهر ج 1 ص 222، 223 حيث لخص عن ابن فارس اللغات المذمومة في بضعة سطور، وانظر الصاحبي حيث تحدث ابن فارس عن ذلك ص 24 - 27 وقد

ص: 229

وقليلا ما يختصر السيوطي دون أن تشعر عبارته بأنه قد حذف شيئا من النص، والواقع أنه في اختصاره إنما يحذف ما لا حاجة إليه أو ما يغني التمثيل له عن الكلام فيه «1» .

وقد أكثر من النقل عن الخصائص لابن جني، ونهج في نقله نهجا يدل على فهمه العميق لأقوال السابقين وحسن تلخيصها، والمعروف عن ابن جني إسهابه في أقواله وتوليده للمعاني واستطراده الكثير أثناء حديثه عن الفكرة الواحدة، ولذلك يعمد السيوطي كثيرا حين النقل عنه إلى اختصار أقواله وتلخيصها بما يشهد له بدقة الفهم واستقامته وميله إلى الوضوح والايجاز والبعد عن الاطناب حيث يغني الايجاز حتى إن بعض نقول السيوطي عن ابن جني تبدو في كتاب المزهر أكثر وضوحا منها لدى صاحبها. وفي بعض الأحيان ينقل السيوطي نصوص ابن جني بألفاظها دون أن يتصرف فيها كنقله عنه حدّ اللغة وتصريفها «2» ، والقول على أصلها: إلهام أم اصطلاح حيث نقل بابا بأكمله «3» ، وهناك أمثلة أخرى لخص فيها السيوطي أقوال ابن جني منها حديثه عن وضع اللغة: في وقت واحد أم في أوقات متلاحقة «4» ، وقد نقل عنه بابا بأكمله في المطرد والشاذ وقد تحدث ابن جني عنه تحت نفس العنوان «5» ، بيد أن السيوطي قد زاد على ابن جني ما أورده من أمثلة متنوعة نقلا عن كتب اللغة الأخرى «6» ، وقد حرص السيوطي على اداء نص ابن جني بألفاظه إلا أنه في آخر النص

استغرق حديثه أربع صفحات.

(1)

انظر المزهر ج 1 ص 255 «معرفة مختلف اللغة» حيث نقل عن ابن فارس من باب «القول في اختلاف لغات العرب» فذكر نصوص ابن فارس كاملة بيد أنه حذف جانبا ذكره ابن فارس بصدد الاختلاف بين اللهجات في الاعراب، المزهر ج 1 ص 256، الصاحبي ص 20، ثم أتم النقل بعد ذلك بنصه إلى ختام الباب، انظر الصاحبي ص 19 - 22.

(2)

المزهر ج 1 ص 7، الخصائص ج 1 ص 33.

(3)

المزهر ج 1 ص 10 - 16، الخصائص ج 1 ص 40 - 47.

(4)

المزهر ج 1 ص 55 - 57، الخصائص ج 2 ص 28 - 33.

(5)

المزهر ج 1 ص 226 - 230، الخصائص ج 1 ص 96 - 100.

(6)

المزهر ج 1 ص 230 - 233.

ص: 230

أغفل بعض فقرات لابن جني «1» ، وما أغفله تخريج لبعض الأمثلة الشاذة لا يمثل إغفالها نقصا في عرض الموضوع أو بيانه.

على أن السيوطي في تلخيصه لأقوال ابن جني لا يغير فيها وإنما ينتقي منها ما يراه مفيدا للغرض ويغفل بعضها دون الاخلال بفكرتها العامة، وخير مثال لذلك ما نقله عنه بصدد «المستعمل والمهمل» «2» ، حيث أورد نصوص ابن جني وأغفل كثيرا من الفقرات التي مثل بها المنقول عنه أو التي أوردها على سبيل الاستشكال، ولذلك فاغفال السيوطي لها لم يخل بما نقله، وقليل من عبارات السيوطي تختلف في اللفظ عن عبارات الخصائص ولكنه اختلاف لا يخلّ بالمعنى، ولعل مرده إلى اختلاف النسخة التي بين أيدينا من الخصائص عن النسخة التي نقل عنها السيوطي.

ويمكن أن نلاحظ اختلاف بعض العبارات فيما نقله عنه بصدد اختلاف اللغات «3» ، كما نلاحظ ما قلناه عن اختصاره لعبارات ابن جني، وهناك نقول أخرى تشهد لما أردنا بيانه.

أما كتاب لمع الأدلة لابن الأنباري فهو كتاب في أصول النحو نقل السيوطي عنه ثلاثة نقول، وسنرى اعتماده عليه كثيرا في كتابه «الاقتراح» ، وقد نقل عنه هنا في الحديث عن المتواتر والآحاد «4» ، ما تحدث عنه ابن الأنباري في الفصلين الرابع والخامس من كتابه وهما انقسام النقل «5» وشروط نقل المتواتر «6» ، ونلاحظ

(1) المزهر ج 1 ص 229، 230، الخصائص ج 1 ص 99، 100 حيث حذف من أول قول ابن جني:«فأما قول أبي الأسود: ليت شعرب البيت، إلى قوله: وإن لم يكن قبيحا ولا مأبيا في القياس» نحو أحد عشر سطرا.

(2)

المزهر ج 1 ص 240 - 242، الخصائص ص 54 - 68، أغفل السيوطي فقرة لابن جني من أول قوله ص 55 «وأنا أرى أنهم إنما يقدمون الأقوى من المتقاربين

إلى قوله: فهذا واضح كما تراه»، ثم نقل

بالنص عنه من أول: وأما ما رفض أن يستعمل، وبعد قليل نراه يترك فقرات أخرى.

(3)

المزهر ج 1 ص 257، 258 نقل عن الخصائص ج 2 ص 10 - 12.

(4)

المزهر ج 1 ص 113.

(5)

لمع الأدلة ص 83.

(6)

لمع الأدلة ص 84.

ص: 231

أنه قد حرص على إيراد ألفاظه بدقة كاملة ولم يغفل إلا عبارة يسيرة هي مثال من الأمثلة التي أوردها ابن الأنباري، كما أن نص السيوطي في كتابه يشعر بأنه قد أغفل شيئا أراد التنبيه عليه إذ أورد عبارة «ثم قال» بعد الفقرة التي أغفل من نهايتها ذلك الجزء اليسير.

وحين تحدث السيوطي عن المرسل والمنقطع في كتابه بدأ بالحديث عن المرسل نقلا عن ابن الأنباري، ولما كان الأخير قد تناول المرسل والمجهول معا فإن السيوطي قد نقل ما يخص المرسل وأغفل العبارات التي تحدث فيها ابن الأنباري عن المجهول دون أن يبتر ألفاظه أو يغير منها «1» .

وحين نقل عنه في النوع السادس «من تقبل روايته ومن ترد» أورد ما كتبه ابن الأنباري في شرط نقل الآحاد، وقد التزم السيوطي بألفاظ ابن الأنباري وعباراته بيد أنه في آخر النص أغفل بضع عبارات لم يوردها وهي في الحقيقة لا تنقص المعنى ولا تخل به، وإنما أوردها ابن الأنباري زيادة في توضيح فكرته فاستطاع السيوطي الاستغناء عنها دون أن يختل المعنى مع حرصه على عدم تغيير عبارات المنقول عنه «2» .

يتضح مما قدمناه، ومن غيره مما تتبعناه أن السيوطي كان يمتاز بالأمانة البالغة في نقوله، ويبدو حرصه الشديد على إيراد هذه النقول بألفاظها في طريقة اختصاره حيث يغفل العبارات التي لا تخل بالمعنى أو التي يرى فيها استطرادا وتشتيتا للفكرة، ويقتصر على عبارات المنقول عنه التي يرى فيها إيضاحا للفكرة التي ينقلها دون أن يغير من اللفظ ويبدّله، على أن جانبا كبيرا من هذه النقول لم يقسم باختصارها بل أورد النصوص كاملة كما هي لدى أصحابها، ومن ثم فإنه يمكن الاعتماد على نقول السيوطي في استنباط آراء السابقين ومذاهبهم، والاطمئنان إلى وثاقتها.

(1) انظر المزهر ج 1 ص 125 النوع الرابع، وانظر: لمع الأدلة: الفصل الثامن «المرسل والمجهول» ص 90، 91.

(2)

انظر المزهر ج 1 ص 138، لمع الأدلة ص 85، 86.

ص: 232