المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على - جلال الدين السيوطي عصره وحياته وآثاره وجهوده في الدرس اللغوي

[طاهر سليمان حمودة]

فهرس الكتاب

- ‌[هوية الكتاب]

- ‌تصدير

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول عصر السيوطي وحياته، وآثاره

- ‌الفصل الأول

- ‌الحياة السياسية والاجتماعية

- ‌الخلافة:

- ‌ نظم الحكم

- ‌القضاء:

- ‌الحياة الاجتماعية

- ‌بناء المجتمع:

- ‌أرباب القلم:

- ‌التجار:

- ‌الصناع وأرباب الحرف:

- ‌العوام

- ‌أهل الذمة:

- ‌الفلاحون:

- ‌ الأعراب

- ‌الأقليات الأجنبية:

- ‌الحياة في المدن:

- ‌القلق الاقتصادي:

- ‌المجاعات والأوبئة:

- ‌التصوف والمجتمع:

- ‌الفصل الثاني

- ‌الحياة الثقافية

- ‌ دور العلم

- ‌1 - المدارس:

- ‌المدرسة الصلاحية

- ‌مدرسة السلطان حسن

- ‌مدرسة صرغنمش:

- ‌خزائن الكتب:

- ‌2 - الخوانق والربط والزوايا:

- ‌خانقاه سعيد السعداء

- ‌خانقاه شيخو

- ‌الخانقاه البيبرسية

- ‌3 - الجوامع:

- ‌ جامع عمرو

- ‌جامع ابن طولون

- ‌الجامع الأزهر:

- ‌[نتائج نشاط الحركة العلمية]

- ‌1 - وفود الطلاب إلى معاهد العلم:

- ‌2 - كثرة العلماء والأدباء:

- ‌3 - نشاط الحركة التأليفية:

- ‌[منهج التاليف فى العصر]

- ‌1 - الاتجاه الموسوعي:

- ‌2 - ظاهرة التقليد:

- ‌3 - ظاهرة المتون والشروح:

- ‌4 - الاكمالات والتذييلات:

- ‌5 - تنظيم العلوم واستقرار المصطلحات:

- ‌6 - العناية بتاريخ مصر:

- ‌الحياة الأدبية

- ‌ الخطبة

- ‌الرسائل

- ‌المقامة:

- ‌الفصل الثالث

- ‌حياته وثقافته وآثاره

- ‌مولده ونسبه:

- ‌ والده

- ‌‌‌نشأتهوحياته العلمية والعملية

- ‌نشأته

- ‌دراسته:

- ‌شيوخه:

- ‌1 - ابن حجر العسقلاني:

- ‌2 - علم الدين البلقيني:

- ‌3 - شرف الدين يحيى المناوي:

- ‌4 - تقي الدين الشّمنيّ الحنفي:

- ‌5 - محيي الدين الكافيجي:

- ‌6 - سيف الدين الحنفي:

- ‌مراحل حياته

- ‌العزلة الأخيرة:

- ‌وفاته:

- ‌قبر السيوطي:

- ‌صفة المقام:

- ‌مكانه في المجتمع

- ‌السيوطي بين أنصاره وخصومه:

- ‌دعوى الاجتهاد:

- ‌خلقه وشخصيته:

- ‌منهجه في التفكير وأصول هذا المنهج

- ‌فكرة المبعوثية:

- ‌السيوطي وعلوم الحديث

- ‌السيوطي والتصوف:

- ‌السيوطي الفقيه:

- ‌السيوطي والأدب:

- ‌السيوطي الشاعر:

- ‌آثار السيوطي

- ‌الباب الثاني جهوده اللغوية

- ‌تقديم:

- ‌الفصل الأول

- ‌فقه اللغة أو: «الدراسات اللغوية غير النحو والصرف»

- ‌تقديم:

- ‌آثاره اللغوية ومكانها من حياة الدرس اللغوي

- ‌1 - المتوكلي فيما ورد في القرآن باللغة

- ‌2 - المهذّب فيما ورد في القرآن من المعرّب:

- ‌3 - بعض الأبحاث اللغوية المتصلة بالقرآن الكريم:

- ‌4 - رسالة في أصول الكلمات:

- ‌5 - التبري من معرّة المعري:

- ‌6 - التهذيب في أسماء الذيب:

- ‌7 - فطام اللسد في أسماء الأسد:

- ‌8 - الافصاح في أسماء النكاح:

- ‌9 - الافصاح في زوائد القاموس على الصحاح:

- ‌10 - الالماع في الاتباع كحسن بسن في اللغة:

- ‌11 - حسن السير فيما في الفرس من أسماء الطير:

- ‌12 - غاية الاحسان في خلق الانسان:

- ‌13 - شرح قصيدة بانت سعاد:

- ‌14 - الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة:

- ‌15 - الشماريخ في علم التاريخ:

- ‌16 - المزهر في علوم اللغة وأنواعها:

- ‌منهج السيوطي في المزهر:

- ‌وضع أصول لنقد الرواية اللغوية

- ‌المرحلة الأولى: النقد الخارجي:

- ‌أ- رواة اللغة:

- ‌ب- الأسانيد:

- ‌المرحلة الثانية: النقد الداخلي أو نقد المتن:

- ‌مفهوم اللغة عند السيوطي

- ‌الألفاظ

- ‌المعنى أو الدلالة اللغوية

- ‌الأضداد:

- ‌ضبط اللغة

- ‌نشأة اللغة

- ‌الصلة بين اللفظ والمعنى

- ‌الوضع اللغوي

- ‌المعاجم اللغوية

- ‌اثبات الأسماء بالقياس

- ‌الفصل الثاني

- ‌النحو

- ‌آثاره النحوية

- ‌1 - الأخبار المروية في سبب وضع علم العربية:

- ‌2 - الأشباه والنظائر في النحو:

- ‌3 - الاقتراح في علم أصول النحو:

- ‌4 - الفريدة:

- ‌5 - المطالع السعيدة في شرح الفريدة:

- ‌6 - شرح ألفية ابن مالك

- ‌7 - جمع الجوامع وشرحه همع الهوامع:

- ‌8 - النكت على الألفية لابن مالك، والكافية والشافية لابن الحاجب، وشذور الذهب ونزهة الطرف لابن هشام:

- ‌9 - الفتح القريب على مغني اللبيب:

- ‌10 - شرح شواهد المغني:

- ‌11 - الشمعة المضية في علم العربية:

- ‌12 - الموشح في علم النحو:

- ‌ الفتاوى النحوية

- ‌رسائل الحاوي:

- ‌1 - فجر الثمد في إعراب أكمل الحمد

- ‌2 - ألوية النصر في «خصيصى» بالقصر

- ‌3 - الزّند الوري في الجوانب عن السؤال السكندري

- ‌4 - رفع السنة في نصب الزّنة

- ‌بقية الآثار:

- ‌السيوطي وعلم أصول النحو

- ‌مذهبه النحوي

- ‌خاتمة

- ‌ثبت المصادر والمراجع

- ‌أولا: أسماء مؤلفات السيوطي

- ‌ثانيا: المصادر العربية والمترجمة (لغير السيوطي)

- ‌ثالثا: المصادر الأجنبية

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد فهذا البحث الذي قصدت به دراسة «السيوطي اللغوي» يتناول شخصية هامة في تاريخ الفكر الاسلامي بعامة، والدرس اللغوي بخاصة، وقد أردت بهذا البحث الذي يتناول شخصية قدر لها أن تحيا في عصر متأخر، وفي بيئة متميزة ورثت البيئات الاسلامية المتقدمة أن أعرض صورة لما آل إليه أمر الدرس اللغوي بعد تدرج طويل مرّ به في أحقاب متتالية، والدرس اللغوي متصل أشد الاتصال بسائر فروع المعرفة الانسانية، لأن اللغة هي أداة التعبير في سائر العلوم، ولأن العلوم الاسلامية من فقه وأصول وحديث وتفسير وغير ذلك تعتمد أشد الاعتماد على اللغة ويهمها ما يصل إليه البحث اللغوي من نتائج، بل إننا لا نبالغ إذا قلنا إن جميع هذه الفروع بما فيها البحث اللغوي قد امتزجت أمشاجها عند أولئك القوم وتأثر بعضها ببعض، ولا يعني ذلك اختلاطها عليهم ولكن يعني إفادة كل فرع من الآخر بالقدر الذي تقتضيه طبيعته.

والسيوطي عالم متعدد الجوانب لم يدع فرعا من فروع المعرفة دون أن يطرقه ويترك لنا فيه آثارا تزيد أو تنقص بمقدار عنايته بذلك الفرع، وقد ترك اهتمامه المتعدد بشتى ألوان البحث أثرا بالغا في تفكيره وطبع عقليته بطابع متميز، كما أن حياته في عصر متأخر وفي البيئة المصرية التي تميزت في عهد المماليك بمميزات خاصة حضارية وثقافية، كل أولئك قد ظهر أثره في إنتاجه وآثاره، لذلك رأيت لزاما علي لكي أستجلي معالم شخصيته وفكره وطابعه العقلي أن أبدأ أولا

ص: 5

باستجلاء الصورة العامة لذلك العصر، فمن الخطأ البين أن نحكم على السيوطي بموازين عصرنا اللاحق له ومفاهيمه، كما أنه من الخطأ أيضا أن نقيمه من منظور العصور السابقة، ذلك أن صورة العصر تفسر لنا كثيرا مما نجده عنده.

والسيوطي- في حقيقة الأمر- يعطي أصدق صورة للعلوم الإسلامية بصفة عامة في نهاية تدرجها، كما أننا نلحظ في كتاباته العديدة صورة حية للمجتمع الذي يعيش فيه ويتفاعل معه، وكون الرجل فقيها يحيا في مجتمع مسلم ويرى نفسه من مجتهدي مذهبه أو من المجتهدين على الاطلاق قد حتم عليه أن يكون على صلة وثيقة بالمجتمع وحاجاته العلمية وما ينتابه من أحداث يحتاج فيها الناس إلى حكم الله فيلجئون إليه، وقد طبقت فتاواه البلاد الاسلامية جميعا، وكان لها أثر في حياة المجتمع على عهده.

ويتصل بما قدمنا من تحديد جوانبه العقلية ما نلاحظه في رسائله وكتاباته العديدة التي لم يدع فيها خاطرا يمر به إلا دونه ونبه عليه أو وضع فيه مؤلفا، وكثير من

الموضوعات التي قد نعتبرها تافهة ترك فيها آثارا.

على أن فحص هذه الكثرة الكاثرة من الآثار يبين لنا إلى حد بعيد غلبة الطابع النقلي على منهج الرجل في جميع دراساته، ولكن ذلك لا ينفي الجهود التي بذلها في الترتيب والتنسيق والجمع، ولا ينفي بعض ابتكاراته الهامة، كما أنه يصور في أحيان كثيرة عقليته الواعية ودرايته بما يتعرض له من موضوعات.

وأهم الصعاب التي واجهتها في هذا البحث ما يتصل بآثاره التي لم يطبع جانب كبير منها ولم يصلنا جانب آخر، كما أن هذه الآثار ما بين مختصر ومطول ومتن وشرح ومنظوم وموشح ومقامة، فضلا عن تعدد ما يتناول منها موضوعا واحدا بحيث يخشى المرء من التباس الأمر عليه، كما أن بعض رسائله الصغيرة قد ضمنها في ثنايا كتبه الكبيرة إما تضمينا متميزا أو ممزوجا.

والنقطة الثانية أن الرجل قد غلب عليه الطابع النقلي الذي استلزم مني أن أبحث في دوافع سلوكه هذا المنهج، وأن أنظر في جملة من المصادر التي نقل عنها لكي أحدد منهجه في النقل وأصف أمانته.

ص: 6

كل أولئك قد جعلني أسير في البحث على النسق الذي رأيته موفيا بما قصدت إليه من أغراض فجعلته في بابين يحوي أولهما ثلاثة فصول يتناول كل فصل جملة من الموضوعات المترابطة ويحوي الثاني فصلين أحدهما في فقه اللغة والثاني في النحو.

أردت في الباب الأول «عصره وحياته وآثاره» أن أخلص إلى الحديث عن منهجه في التفكير موضحا أصول هذا المنهج، وأن أدرس آثاره بصفة عامة، وقد اقتضى ذلك أن أبدأ بالحديث عن عصره، والحديث عن العصر يستلزم من الدارس أن يوضح إطاره السياسي والاجتماعي، فالحياة العقلية ترتبط بالاطارين السياسي والاجتماعي ارتباطا وثيقا، تتأثر بهما وتؤثر فيهما، ولا يمكننا تفسير بعض الظواهر الثقافية إلا إذا رددناها إلى المؤثرات السياسية والاجتماعية الملابسة لها.

لذلك خصصت الفصل الأول لتحديد الاطارين السياسي والاجتماعي لهذه الفترة، فبدأت بالحديث عن الحياة السياسية واقتضى ذلك الرجوع قليلا عبر السنين للتنبيه على حادثة هزت كيان العالم الإسلامي كله، وهي سقوط بغداد وانتقال الخلافة إلى القاهرة، وهذه الحوادث كان لها أثر بعيد في توجيه الحياة في البيئة المصرية طيلة عصر المماليك.

ثم انتقلت إلى الحديث عن السلاطين الذين عاصرهم السيوطي لما كان بينه وبينهم من صلات أثرت في توجيه حياته وفيما ترك من آثار، وانتقلت بعد ذلك إلى الحديث عن خلفاء بني العباس بمصر حياة السيوطي، لما كان له ولأبيه من قبل من حظوة عندهم جعلتهم لا يبخلون عليه بالعون والمؤازرة.

ثم أردت تحديد الاطار الاجتماعي لأتبين المكان الذي تنزله طبقة العلماء أمثال السيوطي من المجتمع، ولم تكن تتضح هذه المكانة إلا بمقارنة هذه الفئة بغيرها من فئات المجتمع ومن ثم فقد عرضت لأنواع هذه الفئات مبينا درجتها في المجتمع وفعلها فيه، كما أوضحت صورة الحياة في المدن وخصصت القاهرة بيئة السيوطي بالتفصيل الكبير، وعرضت لبعض الظواهر الاجتماعية والحيوية الهامة التي تميز بها المجتمع آنذاك وأهمها ظاهرة التصوف، وكل ذلك إنما تناولته لما للسيوطي وآثاره من صلة وثيقة به، فالرجل كما قلت صورة حية لمجتمعه

ص: 7

تمثله أصدق تمثيل، وقد نبهت أحيانا على تفاعل السيوطي مع ما عرضت من أحداث وصور سياسية واجتماعية.

وفي الفصل الثاني تناولت الحياة الثقافية وقد أردت أن أوضح الظواهر التي تميز بها التأليف في ذلك العصر، والعرف الذي اتبع في التلقي والتدريس والتأليف حتى يسهل علينا مقارنة آثار السيوطي بما وضع في عصره، وحتى يمكننا رد كثير من الظواهر التي نلحظها في منهجه إلى أصولها، وقد دفعني ذلك إلى بيان نشاط الحركة العقلية ومظاهر هذا النشاط المتمثلة في مراكز العلم بأنواعها المختلفة وفي الكثرة الكاثرة من مؤلفات العصر، وفي كثرة الطلبة والشيوخ، وقد مثلت لكل من هذه المظاهر بمثال أو ببعض الأمثلة وتقصيت عوامل نشاط الحياة الثقافية ثم صببت اهتماما أكثر في الحديث عن الملاحظات التي أمكن لي الوقوف عليها فيما يتصل بمؤلفات العصر بصفة عامة ليساعدني ذلك في الحكم على مؤلفات السيوطي التي طبعت في الغالب بما طبعت به مؤلفات العصر، وقد نبهت على تأثر السيوطي بعصره وروحه بين حين وآخر، ولما كانت الحياة الأدبية جزء لا يتجزأ من الحياة الفكرية بعامة فقد رأيت أن أختم هذا الفصل بالحديث عن هذه الحياة ومميزاتها، لما ذلك من أثر لاحظته على كتابات السيوطي بصفة عامة وعلى إنتاجه الأدبي بصفة خاصة، فأسلوبه متأثر بروح العصر في الكتابة والتي من أهم خصائصها الحرص على ضروب البديع، كما أن إنتاجه يمثل الأنواع الأدبية المتنوعة التي عرفها العصر، ويدل على حرص السيوطي على أن يسهم في جميعها.

وفي الفصل الثالث تناول البحث «حياة السيوطي وثقافته وآثاره» وقد اتضح فيه أهمية الارتكاز على الفصلين السابقين في سبيل استجلاء كثير من جوانب الموضوع، وقد بدأت ببيان مولده ونسبه ونسبته وتحدثت عن والده، ثم عرضت بعد ذلك لنشأته ودراسته وقد اقتضى ذلك أن أترجم باختصار لأهم الأساتذة الذين أخذ عنهم وكان لهم فعل وأثر في عقله وحياته، ثم خلصت بعد ذلك إلى الحديث عن مراحل حياته، وقد أردت بهذا الموضوع أن أبين المراحل التي مرت بها حياة السيوطي العملية، وأهم البواعث والمؤثرات التي وجهت هذه الحياة

ص: 8

ولذلك فقد تحدثت في ختام هذا الموضوع عن وفاته باعتبارها نهاية هذه المراحل التي مر بها. وأردت بعد ذلك أن ألقي الضوء على بعض الموضوعات، فتناولت مكانته في المجتمع وقد أخرتها بعد عرض مراحل حياته وبعد الحديث عن وفاته لأنني حينئذ أتناول بالدراسة تجربة قد انتهت، واكتملت وأصبح من الواضح البين إمكان الحكم على جوانبها المختلفة مع الاستعانة بالحوادث التي مرت في خلال فترة الحياة، وقد بينت في حديثي منزلته الاجتماعية وصلته بالمجتمع وأهم الأحداث العامة التي خاضها

وأثره في مجتمعه. وبعد أن بينت هذا الجانب كان لزاما علي أن أتبعها بالحديث عن خصومات السيوطي التي تعرض لها والتي فرضها عليه مكانه من المجتمع وتبوؤه درجة لها قدرها، وقد عرضت بعض النماذج القولية التي هاجم بها خصومه، كما عرضت نماذج لهجومهم عليه، وحاولت استجلاء طبيعة هذه الخصومات وتلمست القول المنصف فيها، وأهم الموضوعات التي كانت مجالا لهذه الخصومات. وكان لزاما علي بعد عرض الخصومات وما تعرض له السيوطي من قدح وهجوم وما تناول به خصومه من قدح. وما قمت به من استجلاء للحقائق أن أعرض لخلقه وشخصيته نظرا لأن الخلق العلمي والأمانة إنما هما جزء لا يتجزأ من سلوك المرء العام في حياته العملية، وقد عرضت من الحوادث التي مرت به ومن أقواله وأفعاله ما يعين على وصف شخصه وخلقه وصفا دقيقا، ومن هنا خلصت إلى ما أريده من بحث منهجه في التفكير وتحديد أصول هذا المنهج معتمدا على ما سبق أن قدمته، وقد اقتضى بحث أصول منهجه في التفكير أن أتناول ثقافته، ولما كان السيوطي عالما متعدد الجوانب فقد لاحظت أن بعض العلوم قد استحوذ على الجانب الأكبر من اهتمامه وترك بذلك أثرا واضحا في عقله وفكره ومنهجه، ورأيت أن أعرض لصلة السيوطي بعلوم ثلاثة تركت أبلغ الأثر في نفسه ومنهجه، وهي الحديث لما له من أثر في طبع منهجه بالطابع النقلي وحرصه على الأمانة وشدة تحرجه في سائر دراساته، والتصوف الذي سلك فيه مسلكا علميا وعمليا لأنه يفسر لنا تساهل السيوطي في جانب كبير من المرويات التي يقبلها ولا يتعرض لها بالنقد، ثم الفقه لما يطبع به صاحبه من اتصال بالحياة وتعرف على مشكلاتها ودراسة للنص من جميع الوجوه في سبيل الاستنباط والنظر في

ص: 9

النقول نظرة عقلية واعية، ورأيت أن أختتم صلة السيوطي بهذه العلوم التي أثرت في فكره بالحديث من صلته بالأدب لما له من صلة ببيان أسلوبه التعبيري وذوقه، ولما يعكسه من تأثره بالعصر الذي يعيش فيه، ثم عرضت لصلته بالشعر وقد ابتغيت من ذلك أن أتناول موضوعا يهم البحث وهو المنظومات العلمية التي نظمها السيوطي في جميع الفنون التي تناولها بالتصنيف، ومنها منظومات لغوية ونحوية كثيرة وقد أشرت إلى بعض هذه المنظومات، ولقد دهشت من كثرة هذه المنظومات ومن قوة عارضي الرجل وقدرته العارمة على نظم أدق المسائل وأكثرها جفافا.

وكان أمامي بعد ذلك الحديث عن آثاره، ورأيت أن أعرض لها بصفة عامة، وقد أبديت خلال هذا العرض الملاحظات التي لاحظتها من حيث عددها والمدة التي كان يستغرقها المؤلف، وأوقات صدورها عنه، ومن ناحية أحجامها ووثاقة نسبتها إليه، ولما كان حصر هذه المصنفات من الكثرة بمكان وقد اختلفت في تقديرها المصادر القديمة والحديثة فقد قمت بتصنيف هذه الآثار وترتيبها، ورأيت أن أجعل هذه القائمة في آخر البحث حيث إن كثيرا منها قد اعتمدت عليه وقد نبهت على ما رجعت إليه وما كتبته ولم أتمكن من الوقوف عليه، وقد تجنبت بذلك التكرار في سرد هذه الآثار.

وقد نتج عما قمت به أن استطال البحث بالباب الأول بالرغم من أن قصدي كان الايجاز أكثر من هذا، ولكن ذلك نتج عما سبق بيانه من أهمية دراسة العصر بنواحيه المختلفة وأحداثه لما لها من صلة عميقة وموجهة لحياة السيوطي، كما أنني لم أجد من الدارسين من خص هذه الفترة بدراسة وصل فيها حياة السيوطي بعصره باستثناء دراسة الأستاذ عبد الوهاب حمودة وقد عرضت لكثير من الجوانب التي أغفلها، كما أنني أردت أن أستوضح عقل الرجل وفكره في صنوف إنتاجه المتنوعة، وأن أعرض لحياته وأستجلي بعض جوانب الغموض التي اكتنفتها وأنبه على بعض الأوهام التي وقع فيها المترجمون له، ونظرا لكثرة إنتاج السيوطي وكثرة مؤلفاته فقد استطال الحديث في الباب الأول ولم يكن هناك مندوحة عن ذلك في نظري.

ص: 10

وقد خصصت الباب الثاني لجهوده اللغوية والنحوية، وقد قسمته إلى فصلين أولهما: عنونته بفقه اللغة وعنيت به جميع ما له من دراسات لغوية لا تدخل في المستوى النحوي بمعناه العامّ الذي يشمل الصرف، أي ما يتصل بمستويات الدرس اللغوي الصوتية والمعجمية والدلالية والأبحاث العامّة المتصلة باللغة، والثاني: للنحو، وفي الفصل الذي عقدته لفقه اللغة كان هدفي تحديد دور السيوطي في هذا الميدان وفي تاريخ هذه الدراسات، وكان لزاما أن أقارنه بأسلافه من اللغويين الذي اعتمد عليهم، ومن ثم فقد بدأت باجمال تاريخ الدرس اللغوي وتدرجه قبل السيوطي، وبينت أنواع الدراسات اللغوية التي سبقته وأوضحت أنه لم يظهر في فقه اللغة بمعناه الحديث كتاب قبل كتاب السيوطي «المزهر» أجمع وأوفى منه.

ولما كان للسيوطي عدد من الآثار اللغوية غير المزهر فقد بدأت بدراسة هذه الآثار، وقد آثرت ترتيبها ترتيبا موضوعيا حيث إنني قد وجدت من العسير أن أرتبها ترتيبا تاريخيا دقيقا لأنني وإن تمكنت من معرفة الأوقات التي صرح السيوطي بصدور بعضها فيها فإن هذه المعرفة لا تتيسر في سائرها، كما أن الترتيب الموضوعي يسهل عليّ تناول هذه الآثار بالدراسة دون تكرار ما يمكن تجنبه، وقد عرضت ضمن هذه الآثار اللغوية لبعض مباحث السيوطي اللغوية في كتابه الاتقان، كما أوردت كتابين أحدهما يشرح الأسماء النبوية والآخر يشرح قصيدة كعب بن زهير ليكونا مثالين لشروحه التي توضح مدى إفادته العملية من الدرس اللغوي، كما عرضت لكتاب في علم التاريخ ليكون مثالا لثقافته اللغوية التي تخللت ضروب إنتاجه المتنوعة، وقد بلغ عدد الرسائل والكتب التي سقت الحديث عنها ستة عشر، منها سبعة آثار لم أقف عليها، وقد استطعت بتتبع آثار السيوطي الحديث عن بعضها، وبعضها أمكن لي أن أتكهن بمضمون مبحثه، ولما كان كتاب المزهر أهم هذه الآثار وأكثرها بسطا فقد اقتضى أن يكون الحديث عنه متناسبا مع أهميته، وقد بدأت ببيان أهميته بالنسبة للدرس اللغوي بعامة، وما تميز به عن غيره من الكتب، ثم تناولت منهج السيوطي في مؤلفه من خلال موضوعات ثلاثة: هي مصادر الكتاب، وطريقة صاحبه في النقل والعرض، وكيفية تقسيمه، وقد وجدت من دراستي للكتاب أن أهم ما انفرد به

ص: 11

السيوطي وأعانه عليه ثقافته الاسلامية الواسعة بعامة والحديثية بخاصة هو تطبيقه منهج المحدّثين في دراسة اللغة، وقد وضع السيوطي بذلك مهجا لنقد الرواية اللغوية حاول به مضاهاة منهج المحدّثين في نقد الحديث، وهذه محاولة مبتكرة في ميدان اللغة سبق إليها السيوطي محاولا أن يستدرك بعمله نقصا في حقل الدراسة اللغوية، وقد

حاولت أن أستوضح هذه المحاولة مقارنا ما قام به السيوطي بما عرف عند المحدثين من أصول وقواعد ومصطلحات وضعت وتقررت لدراسة الحديث ونقده سندا ومتنا والواقع أن أصول نقد الرواية اللغوية لم تحظ قبل السيوطي ببحث نظري وافر، ولم تكن سوى عرف غير مكتوب تشير إليه مناهج اللغويين العملية وشذرات مقتضبة ومتناثرة في كتب اللغويين وتراجمهم، وللسيوطي فضل إقامة هذه الأصول في إطار نظري منظم واضح المعالم، ونقد الرواية يتمثل في مرحلتين. أولاهما: النقد الخارجي وهي تبحث الرواة والأسانيد، والأخرى تتصل بالنقد الداخلي وقد رأيت أن أنفذ إلى عمل السيوطي من خلال هذا التقسيم فبدأت بالمرحلة الأولى ونظرت في دراسته لرواة اللغة ثم دراسته للأسانيد، ثم تناولت المرحلة الثانية وبحثت فيها ما قام به فيما يتصل بالنقد الداخلي، وقد قارنت صنيعه بصنيع أصحاب أصول الحديث. وكان عليّ بعد ذلك أن أنظر في الموضوعات اللغوية التي ساقها السيوطي في كتابه وأن أحاول التعرف على آرائه تجاه بعض القضايا اللغوية، وفي أحيان غير قليلة كنت أراه يسوق الحديث دون أن يدلي فيه برأي من عنده، وفي أحيان أخرى يقتضب رأيه أو يعلق بتعليقات موجزة، ولكنني كنت أحاول من خلال هذه النقول وطريقة عرضها وموضوعها أن أستوضح وجهة نظره إذا لم أجد له تصريحا بذلك، وقد عرضت لمفهومه للغة وهو يتابع فيه مفهوم ابن جني ومعظم اللغويين العرب، وأردت أن أغطي ما تبقى من مباحث الكتاب لأبين دور السيوطي فيها وآراءه، وقد رأيت أنه من العسير أن أتناول الأنواع التي عرضها في كتابه مفردا كلا منها بالدراسة فذلك ما لا يسمح به المكان فضلا عما به من تكرار لما سبق لي تناوله في بحث آثاره، ولذلك حاولت أن أجمل الحديث بقدر الامكان، ورأيت أن أتناول بقية هذه المباحث تحت ثلاثة أقسام أعرض فيها لمعظم الكتاب، فالقسم الأول للألفاظ وقد عرضت فيه لثلاثة عشر نوعا

ص: 12

ذكر السيوطي أنها تبحث اللغة من حيث ألفاظها، والثاني للدلالة اللغوية أو المعنى وقد جمعت فيه ثلاثة عشر نوعا ذكر أنها تبحث اللغة من حيث المعنى، والثالث يتصل بضبط اللغة وأبنيتها، وقد بينت أن التقسيم الذي وضعه السيوطي لم يكن دقيقا حيث إن بعض المباحث التي وضعها تحت قسم المعاني كان من الأفضل أن توضع في مباحث الألفاظ، ثم رأيت بعد ذلك أنني لم أستوف القضايا اللغوية التي بحثها الكتاب ومن هنا رأيت أن أتناول بعض هذه القضايا محاولا تبين موقف السيوطي منها، فبحثت نشأة اللغة، وقد أخرت البحث في نشأة اللغة إلى هذا المكان على خلاف المعهود لدى الدارسين لأنه في الحقيقة بحث غير عملي بالنسبة للدرس اللغوي الحديث، بل ان بعض القدماء قد تنبه إلى عدم جدوى هذا البحث وقالوا إن ذكر هذه المسألة في الأصول فضول، كما بحثت الوضع اللغوي، وإثبات الأسماء بالقياس، والمعاجم اللغوية، والصلة بين اللفظ والمعنى، وقد قدر اللغويون العرب هذه الصلة وقد وصلت بحوثهم فيها ببحوث المحدثين، والسيوطي من مثبتي هذه الصلة وقد حاول أن يدلل عليها بعدد كبير من الأمثلة.

وفي جميع ما عرضت له حاولت الافادة من الدراسات السابقة التي اعتمد عليها السيوطي، ومن الدراسات الحديثة التي تناولت بعض هذه الموضوعات بيد أنني كنت أقدر أن هدف البحث هو بيان دور السيوطي من هذه الدراسات وموقفه من هذه القضايا لذلك لم أندفع وراء تقصي هذه المباحث وإنما حاولت أن أجعل السيوطي دائما محور الحديث كما هو مقصود البحث.

وفي الفصل الثاني أردت أن أكمل الحديث عن لغوية السيوطي، ورأيت لزاما علي أن أبحث الشق الآخر من البحث اللغوي المتمثل في النحو، ورأيت أن أبدأ ببيان الدور الذي قام به في تاريخ الدرس النحوي فعرضت لآثاره النحوية وقيمتها ومكانها من الدرس النحوي، ولما كان للسيوطي عدد كبير من الآثار النحوية فقد قصدت إلى استقصائها وعرضت بدراسة موجزة ألقيت فيها الضوء على نحو ستة عشر نوعا من هذه الآثار ما بين مطول ومختصر ومنظوم وموشح ومقالة، وسردت بقية الآثار التي ذكرت له ولم أتمكن من الوقوف عليها،

ص: 13

ومعظمها رسائل صغيرة، وما عرضت له ووقفت عليه يمثل معظم جهود السيوطي النحوية.

ثم رأيت بعد ذلك أن أطرق موضوعا يعدّ من مبتكرات السيوطي في الدرس النحوي وهو علم أصول النحو، وقد حاولت بيان الدور الذي قام به السيوطي في سبيل إرساء قواعد هذا العلم فعرضت لتدرج أصول النحو وما كتب فيه قبل السيوطي، ثم عرضت لجهود السيوطي وقارنته بما قام به ابن جني وابن الأنباري، وهما أهم من كتب في الأصول النحوية قبله، وبينت تفرد السيوطي بكثير من المباحث ودوره العظيم الذي قام به والذي يصوره كتابه «الاقتراح» الذي يعدّ أهم كتاب وأجمعه في علم أصول النحو، ولم أنس أن أنتقد صنيع أصوليي النحاة بما فيهم السيوطي، وما شاب أصولهم- في بعض الأحيان- نتيجة لحملها على أصول الفقه.

ثم اختتمت دراسة السيوطي نحويا بحديثي عن مذهبه في النحو، ولما كان السيوطي نحويا مصريا متأخرا، فقد عرضت للمدارس النحوية قبله وللمدرسة المصرية وأهم نحاتها وأهم مميزاتها، ثم بينت منهج السيوطي في النحو، ومثلت ببعض الأمثلة لاختياراته وآرائه الخاصة، وتعليلاته النحوية.

وهذه محاولة قمت بها أرجو أن أكون قد وفقت فيها، والكمال لله وحده، ومنه نستلهم الرشاد والتوفيق.

طاهر سليمان حمورة

ص: 14