الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجاعات والأوبئة:
ويتصل بالقلق الاقتصادي ما كان يحدث بالبلاد من مجاعات نتيجة لانخفاض النيل وقلة الأقوات، أو نتيجة لاغتصاب المماليك أقوات الناس ودوابهم لا سيما في أوقات الاعداد لبعض الحملات الحربية كما حدث في عام 890 هـ «1» .
وأخبار المجاعات والغلاء كثيرة في هذه الفترة وتعكس كثرتها صورة للاضطراب الاقتصادي بالبلاد وعدم استقرار الأمور على حال واحدة. «2»
أما عن الأوبئة فقد انتشرت عدة مرات خلال هذه الفترة، وقد حدث أن انتشر الطاعون في عهد قايتباي وحده ثلاث مرات كان أولها في عام 873 هـ «3» ، وقد تزايد أمره بالقاهرة في شعبان من ذلك العام «وعمل في الأطفال والمماليك والعبيد والجواري والغرباء عملا بليغا ذريعا» «4» ، وقد كان من الشدة بحيث «صارت الغرباء يموتون في الطرقات بعضهم على بعض» «5» .
وحدث الطاعون الثاني في عام 881 هـ أي بعد قرابة ثماني سنوات من انتشار الطاعون الأول وقد «كان طاعونا مهولا يموت فيه الانسان من يومه
…
ومات فيه من الأعيان جماعة كثيرة» «6» ، وقد عدد ابن اياس معاصر هذه الفترة جملة من الأمراء الذين لقوا حتفهم بسبب هذا الطاعون وذكر أنه قضى به «من الأمراء والخاصكية ما لا يحصى عددهم» «7» ، هذا فضلا عن نحو ألفي مملوك من مماليك السلطان عدا من مات من مماليك الطوائف الأخرى «8» .
(1) ابن إياس: بدائع الزهور ج 2 ص 232،
(2)
المصدر السابق ج 2 ص 118 غلاء عام 875 هـ، ص 194 عام 885 هـ، ص 241 عام 892 هـ.
(3)
المصدر السابق ج 2 ص 101، 105، 106.
(4)
نفس المصدر: ص 106، 107.
(5)
نفس المصدر: ج 2 ص 107.
(6)
نفس المصدر: ج 2 ص 169.
(7)
نفس المصدر ج 3 ص 170.
(8)
نفس المصدر: ج 2 ص 169.
وفي عام 897 هـ كان ثالث الأوبئة في عهد قايتباي، ويبدو أن الناس قد ألفوا هذه الأوبئة التي تنتاب البلاد والعباد بين حين وآخر، حتى اعتبروا أن مدة خمس عشرة سنة بين الوباءين فترة طويلة «1» .
وكان اعتقادهم أن حلول الطواعين إنما يكون بسبب ما أحدثوا في دينهم من الفساد، ويعبر ابن اياس عن ذلك بقوله: ان الطاعون «كان في مدة انقطاعه عن مصر كثر بها الزنا واللواط وشرب الخمر وأكل الربا وجور المماليك في حق الناس» «2» .
وكان هذا الطاعون أشد من سابقيه إذ يذكر أن من مات به بمدينة القاهرة وحدها يقدر بمائتي ألف «3» ، ويؤكد السيوطي ذلك حيث يذكر أنه «ذهب فيه من القاهرة النصف أو أشد» «4» . ولا نلبث أن نجد بعد قليل أخبار طاعون رابع حدث بعد وفاة قايتباي وفي حياة السيوطي أيضا وذلك في عام 903 هـ، وقد مات فيه «من المماليك والأطفال والعبيد والجواري جانب» «5» ، ومات فيه من هؤلاء قرابة ثمانية آلاف فضلا عن موت جماعة من الأعيان، هذا إلى جانب ما يقدر بمائتي ألف إنسان بالقاهرة، وقد مكث بالمدينة نحوا من ثلاثة أشهر «6» .
والذي يحق أن نقوله هو أن البلاد المصرية لم تكن أسوأ بكثير من غيرها في الاصابة بالأوبئة، بل كثيرا ما كانت هذه الأوبئة تنتاب كثيرا من بلاد العالم «7» ، ولكن يبدو أن إصابة البلاد المصرية وفعل الأوبئة بها كان أكثر قوة ووضوحا نظرا لكثرة السكان، ولم يكن في مقدور الناس ومستواهم آنذاك حكاما أو محكومين أن يفعلوا شيئا،
بل كان مشهورا عند كثير من علماء ذلك العصر أن الطواعين
(1) السيوطي: المقامة الطاعونية، مقامات السيوطي ص 69.
(2)
ابن إياس: بدائع الزهور ج 2 ص 273.
(3)
المصدر السابق ج 2 ص 275.
(4)
مقامات السيوطي: المقامة الطاعونية ص 70.
(5)
ابن إياس: بدائع الزهور ج 2 ص 339.
(6)
المصدر السابق: ج 2 ص 340، 341.
(7)
المقامة الطاعونية.