الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يشد بالشيء فيجذب ثم جعل كل ما جر شيئا سببا، أصل الاعتكاف:
الملازمة
…
إلى آخره» «1» .
ونلاحظ على رسالة السيوطي السابقة أنه لم يذكر فيها المصادر التي نقل عنها على عكس منهجه الذي نعرفه عنه، ولعله أراد بذلك الاشارة إلى ما بذله من جهد في تحديد الدلالات الأولى للكلمات وهو ما لم يحظ باهتمام كبير من اللغويين من قبله حيث إن المعاجم قليلا ما تشير إلى هذا التطور الدلالي، وإنما تذكر جميع المدلولات دون مراعاة تدرجها.
5 - التبري من معرّة المعري:
وهي منظومة للسيوطي في أسماء الكلب، لها نسختان خطيتان بدار الكتب المصرية إحداهما في مجموعة برقم 1657 أدب، والأخرى في مجموعة برقم 32 معارف عامة، وقد طبعت في كتاب تعريف القدماء بأبي العلاء «2» ، وقد رجعت إليها مطبوعة. وترجع تسمية هذه المنظومة بهذا الاسم إلى ما رواه السيوطي في مقدمتها من أن أبا العلاء المعري «دخل يوما على الشريف المرتضى فعثر برجل فقال الرجل: من هذا الكلب؟ فقال أبو العلاء: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما، قلت وقد تتبعت كتب اللغة فحصلتها ونظمتها في أرجوزة وسميتها «التبري من معرة المعري» «3» .
وقد ابتدأ السيوطي نظمه بحمد الله والصلاة على نبيه وحكى نفس القصة ثم أخذ في نظم أسماء الكلب، وجميع أبيات المنظومة سبعة وثلاثون بيتا، استغرق نظم المقدمة ثمانية أبيات ونظم الخاتمة بيتين وبقية النظم في الأسماء التي أحصاها.
وهذه المنظومة تدل على اهتمام السيوطي بألفاظ اللغة وقدرته على الجمع والاستيعاب، وهي تدخل في مبحث هام من مباحث العربية هو الترادف،
(1) رسالة في أصول الكلمات ص 14.
(2)
تعريف القدماء بأبي العلاء ص 429 - 433 (نشر الدار القومية 1385 هـ).
(3)
المصدر السابق ص 429.
ويبدو أن السيوطي من اللغويين الذين يؤيدون وقوع الترادف في اللغة، وإن لم يعبر صراحة عن رأيه في منظومته فإن تسميته لما أورده «بأسماء الكلب» تدل على ما نذهب إليه لأنه لو كان من مانعي الترادف لأطلق عليه اسما واحدا واعتبر الباقي صفات، والجدير بالذكر أنه قد عرض للترادف بالتفصيل في كتابه المزهر، بيد أني لا أكاد أقف له على رأي صريح ينسبه إلى نفسه نستطيع أن نحدد به موقفه من الترادف في صراحة ووضوح.
وقد بدأ مبحث الترادف بتعريفه نقلا عن الرازي بأنه «الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد» «1» ، ثم تحدث عن إنكار الترادف ومن ذهب إلى أن كل ما يظن من المترادفات فهو من المتباينات التي تتباين بالصفات كما في الانسان والبشر فالأول موضوع له باعتبار النسيان أو باعتبار المؤانسة، والآخر باعتبار أنه بادي البشرة «2» ، وممن أنكر الترادف في اللغة ابن فارس وقد أشار إليه السيوطي ونقل عنه ذلك، كما أنكره الفارسي، وقد لخص السيوطي أقوال الأصوليين في الترادف، ثم اختتم مبحثه بالاشارة إلى المؤلفات التي وضعت فيه ومن تناوله بالتأليف وأهمهم الفيروزآبادي الذي ألف كتابا سماه «الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف» ، وابن خالويه من قبل الذي ألف في أسماء الأسد وأسماء الحية، ثم أورد أمثلة للمترادف فأورد أسماء العسل نقلا عن الفيروزآبادي وغيره «3» ، ثم مثل لأسماء السيف وغير ذلك من الأمثلة.
ومن ثم فإن السيوطي من الذين يقولون بوقوع الترادف في اللغة برغم أنه لم يوضح مذهبه بقول صريح وإنما تناول الموضوع بمنهجه المعتاد، فبعض اللغويين يقول بالترادف مطلقا ويجعل ما قيل في أسماء السيف من المهنّد والحسام والقضيب والمشرفي وغيرها من المترادفات، وآخرون ينكرون الترادف ويرون أن للسيف اسما واحدا وجميع ما عدا ذلك صفات، ويتوسط قوم بين الفريقين فيقولون بالترادف مع وجود الصفات، وذلك لاختلاف الوضع اللغوي بين
(1) المزهر ج 1 ص 402.
(2)
المصدر السابق ج 1 ص 403.
(3)
المزهر ج 1 ص 407 - 408.
القبائل المختلفة فيمكن أن يوجد مترادفان أو أكثر ثم يعد ما عدا ذلك من الصفات، وقد نقل السيوطي عن الراغب الأصفهاني ما يشير إلى ذلك في قوله:
«وينبغي أن يحمل كلام من منع على منعه في لغة واحدة، فأما في لغتين فلا ينكره عاقل» «1» .
والسيوطي بما أورده في منظومته من الذين يقبلون الترادف ويتوسعون فيه، ويرون جميع الألفاظ التي تتحد دلالاتها على ذات معينة من قبيل المترادف، دون اعتبار لما يختص به بعض الألفاظ من زيادة في المعنى عن بعضها الآخر أو من اختلاف نوعية الدلالات أو جهاتها، ولذلك أورد في منظومته كثيرا من الأسماء التي هي من قبيل الصفات وإطلاقها على الذات لا يقع إلا تجوزا من قبيل حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه، وليس لهذه الصفات شهرة في إطلاقها على المسمّيات بل هي مفتقرة إلى القرائن، ولذلك لا تعد من الأسماء، من ذلك تسميته بداعي الضمير وهانئ الضمير، وداعي الكرم، ومشيّد الذكر، ومتمم النعم «2» ، كذلك أوصاف الكلب باعتبار نسبته
جعلها من بين الأسماء التي يحفظها وهي «القلطيّ» وهو لفظ يقال للقصير من الناس والسنانير والكلاب، و «السلوقيّ» نسبة إلى سلوق قرية باليمن، والصيني نسبة إلى الصين.
وبديهي أن إطلاق إحدى هذه الصفات دون ذكر الموصوف أو وضوحه بالقرائن لا يستقيم في اللغة ولذلك فاعتبارها من الأسماء أمر غير مقبول من الذين يتوسعون في الترادف فلا يفرقون بين الاسم وصفته رغبة في استكثار ما يحفظونه.
وأصح الأقوال وأقربها هنا أوسطها وهو الرأي القائل بوجود الترادف نتيجة اختلاف اللهجات أو حين تبلغ بعض الصفات المختصة ببعض الأسماء شهرة بين الناطقين تجعلهم يدركون المسمّى دون حاجة إلى قرائن تحدد الموصوف.
وحين تعرض الأستاذ الرافعي لمبحث الترادف ذكر أن من ألفاظ المترادف
(1) المصدر السابق ج 1 ص 405.
(2)
تعريف القدماء بأبي العلاء (المنظومة) ص 432.
الأسماء التي ترجع إلى وضع القبائل المتعددة، أو الصفات التي تصرف في وضعها أفراد كل قبيلة ثم نزّلت منزلة الحقائق العرفية بعد أن فشت في الاستعمال «1» ، وإلى هنا فإن كلامه مقبول، بيد أنه مثل لذلك بما ورد من أسماء العسل وأنها ثمانون وأسماء الأسد التي بلغت ثلاثمائة وخمسين وأسماء الكلب التي بلغت سبعين
…
إلى آخر هذه الأمثلة وهذا ما لا نقبله لأن كثيرا من هذه المترادفات من قبيل الصفات التي لم تنزل في اللغة منزلة الحقائق العرفية، وإنما الدافع إلى اعتبارها من المترادفات عند اللغويين هو الرغبة في بيان اتساع الحفظ اللغوي والدراية بأكبر عدد من الألفاظ، دون التنبيه على ما يمكن أن يسمى بالمترادف وما هو من قبيل الصفات التي لا يمكن بحال أن تطلق وحدها ويفهم منها مسماها، ولقد كان المنهج النقلي المفتون أحيانا بالحفظ والاستكثار هو الدافع لهؤلاء بما فيهم السيوطي إلى أن يقوموا بمباحثهم التي يحاولون فيها إظهار حفظهم لأكبر عدد من الألفاظ.
والذين توسطوا بين إنكار الترادف مطلقا وإثباته مطلقا يراعون ما راعاه منكر والترادف من الفروق الدقيقة بين الألفاظ المختلفة الموضوعة لشيء واحد، وهو ما تبلغ فيه العربية حد الإعجاز، وقد تتبع الثعالبي هذه الفروق وبينها في كتابه فذكر- مثلا- أن الكأس لا يقال لها كأس إلا إذا كان فيها شراب، وإلا فهي قدح، ولا يقال مائدة إلا إذا كان عليها طعام وإلا فهي خوان، ولا كوز إلا إذا كانت له عروة وإلا فهو كوب «2» . وللانصاف فإن القائلين بوجود الترادف لا ينكرون هذه الفروق الدقيقة بين الألفاظ الموضوعة لشيء واحد وقد عقد لها السيوطي مبحثا سماه بالمطلق والمقيد «3» ، ولكنا نأخذ عليهم أنهم لم يضعوها في اعتبارهم عند بحث الترادف.
ونجد من الباحثين المحدثين من يؤيد المذهب المعتدل في الترادف «4» ، وهو
(1) مصطفى صادق الرافعي: تاريخ آداب العرب ج 1 ص 192.
(2)
فقه اللغة ص 321.
(3)
المزهر ج 1 ص 499.
(4)
صبحي الصالح: دراسات في فقه اللغة ص 346.