الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخصص السيوطي الكتاب الأول للعمد وهي المرفوعات والمنصوبات بالنواسخ، والثاني للفضلات، والثالث للمجرورات والمجزومات وما يتبعها، والرابع للعوامل، والخامس للتوابع، والسادس للأبنية، والسابع للتصاريف، واختتم الألفية بخاتمه في الخط، ونلاحظ أن هذا الترتيب هو نفس ما وضعه السيوطي في كتابه جمع الجوامع الذي شرحه بهمع الهوامع.
وقد اقتضى هذا الترتيب من السيوطي ألا يتبع نفس ترتيب ألفية ابن مالك، بيد أنه تناول نفس الأبواب التي تناولها ابن مالك في منظومته مع اختلاف يسير في تسمية بعضها، وزيادة فصول قليلة.
وقد أراد السيوطي بمنظومته أن يستدرك ما فات ابن مالك أو أن يفصل ما أجمله فهو يزيد على ما أوضحه ابن مالك في حديثه عن أقسام الكلمة إلى اسم وفعل وحرف
يقول:
فان على معنى بها قد دلت
…
واقترنت بأحد الأزمنة
فعل وإلا فهي اسم والتي
…
بغيرها حرف وسم بالفضلة
وليس السيوطي سابقا بهذا فكثير من شروح الألفية التي سبقته قد نصت عليه، ولكن منظومة ابن مالك لم تنص على هذا المعنى.
والحق أن هذه المنظومة تدل على شخصية السيوطي النحوية وقد عنى هذه الزيادات والاستدراكات أو التغييرات التي قام بها عناية تامة واعية، وقد نبه على ذلك في شرحه الذي وضعه لهذه الألفية، كما نبه عليه في كتابه «النكت» ، وإكمالا للقول في ألفية السيوطي يحسن أن نعرف بشرحها الذي وضعه لها وعنوانه:
5 - المطالع السعيدة في شرح الفريدة:
(مخطوط ضخم الحجم بالخزانة التيمورية برقم 581 نحو، بدار الكتب المصرية).
بدأ السيوطي شرحه بحمد الله والصلاة على نبيه ثم بين أنه تعليق على ألفيته المسماة بالفريدة ووصفه بأنه «كثير الفوائد العديدة وجم الفرائد المفيدة» «1» ، ثم
(1) المطالع السعيدة ورقة 1 ص 2.
أورد البيتين اللذين افتتح بهما ألفيته وهما:
أقول بعد الحمد والسلام
…
على النبي أفصح الأنام
النحو خير ما به المرء عني
…
إذ ليس علم عنه حقا يغتني
ثم أتبعهما بشرح مستفيض للبيت الأخير تناول في هذا الشرح ثلاثة موضوعات أولها في فضل النحو والحث على تعلمه فأورد جملة من الآثار في ذلك، ثم تحدث عن نشأة النحو وأول من نسب إليه وضع النحو، وقد نقل كثيرا من الروايات وذكرها بأسانيدها، وكثير منها هي نفس النقول التي أوردها في رسالته السابقة عن سبب وضع علم العربية، ثم تحدث عن الحاجة إلى تعلم النحو، وأن المفسر يشترط أن يكون مجيدا لعلم النحو وكذلك المحدث والفقيه والأصولي والبلاغي والأديب، واستشهد على ذلك بجملة من النقول، وعقب عليها بقوله: وبهذا الذي بيناه عرف تقدير قولي: «إذ ليس علم عنه حقا يغتني» ، وقد استغرقت هذه الموضوعات التي تعد مقدمة لشرحه النحوي نحو عشر صفحات تميز أسلوبه فيها بالوضوح والسلاسة، وتميزت نقوله بالتعبير المصيب المناسب.
وأخذ السيوطي يورد أبيات الألفية مجزأة، وأتبعها بالشرح والبيان، والحق أن أسلوبه في شرحه أسلوب سهل شديد الوضوح ليس فيه جفاف أساليب بعض النحاة، مع عناية بالحصر والتفصيل والاستدراك على السابقين، وتنسيق الأقوال المختلفة، وقد نص في شرحه على ما سبق ذكره من تلخيصه جميع ما في ألفية ابن مالك في ستمائة بيت وزاد عليها بأربعمائة بيت:«فيها من القواعد والفوائد والزوائد ما لا يستغني طالب النحو عنه، فبذلك فاقت ألفية ابن مالك، وفاقتها أيضا بالتنبيه على قيود أهمل ابن مالك ذكرها، وبكونها أوضح عبارة من عبارة الألفية» «1» .
والواقع أن السيوطي ليس مدعيا فيما يذهب إليه، فقد زادت ألفيته تفصيل بعض ما أغفله ابن مالك، كما أن نظمه أقرب إلى الفهم من نظم ابن مالك.
(1) المطالع السعيدة ورقة 5 ص 10.
والشرح- بطبيعة الحال- يتبع الأصل المنظوم في تقسيمه إلى مقدمات وسبعة كتب، وقد جنح السيوطي إلى هذا التقسيم تيمنا بالحديث:«إن الله وتر يحب الوتر، أما ترى السّماوات سبعا والأيام سبعا والطواف سبعا» «1» ، وسنراه يكرر نفس التقسيم في كتابه جمع الجوامع الذي شرحه بهمع الهوامع.
ويميل السيوطي في هذا الشرح إلى البسط والاطناب في القول فحين يشرح عبارته «كلامنا لفظ مفيد يقصد» يبدأ ببيان الدلالة اللغوية للكلام فيذكر أن الكلام يطلق على ستة أشياء هي الخط والاشارة المفهمة، وما يفهم من الحال، والتكليم، وما في النفس من المعاني، واللفظ وإن كان غير صالح للسكوت عليه، وبازاء كل عنصر من هذه العناصر يفيض في الشرح والاستشهاد بالأقوال شعرا ونثرا، ثم يحدّ الكلام في الاصطلاح ويذكر أن أحسن الحدود أنه «قول مفيد مقصود» ، ويناقش ما يتصل بهذا الحد بأسلوبه كما يستشهد بغيره «2» ، وكل ذلك يتصل بتعريف الكلام في اللغة والاصطلاح، أما تعريف الكلمة فيتناوله بعد أن يذكر قوله:«وعندنا الكلمة قول مفرد» ، ويذكر بيتين بعده نص على أنهما وهذا الشطر من زياداته على الألفية، وهنا يبدأ ببيان ما تطلق عليه «الكلمة» في اللغة والاصطلاح، ثم يشرح البيتين اللذين يحد بهما الاسم والفعل والحرف.
ولا تفتأ بين حين وآخر ترى مزج السيوطي الدرس النحوي الذي يعنى بوضع القواعد والضوابط ومناقشة الحدود والمصطلحات والعلل بما أفاده من درس اللغة والنظر في صيغها وأبنيتها ووصف ظواهرها، ومحاولة حصر بعض الفصائل اللغوية، فحين يتحدث عما يلزم البناء على الكسر يذكر من بين ذلك ما كان على وزن «فعال» وهو اسم فعل أمر كنزال ودراك، أو فعال وهو علم مؤنث كحذام وقطام، وفعال وهو نسب للمؤنث مثل يا خباث، حين يتحدث عن هذه الصيغة يذكر أن الصغاني قد ألف كتابا فيما ورد من فعال المبنى على الكسر من الأنواع الثلاثة في اللغة، وأنها بلغت مائة وثلاثين لفظة، وقد أوردها
(1) المطالع السعيدة ورقة 5 ص 10.
(2)
المطالع السعيدة ورقة 5، 6 ص 10 - 12.
السيوطي مصنفة بحسب الأقسام السابقة «1» .
وهذا الاتجاه نحو الحصر اللغوي في مثل هذه الحالات لا نكاد نجده في كتب النحو المعروفة لدينا، وهناك عديد من الأمثلة يلاحظها القارئ بالشرح تفيد وتؤكد هذا الاتجاه عنده من ذلك ما ذكره في المثنى من ألفاظ التغليب التي تصلح للتجريد ولا يصح عطف مثلها عليها كالقمرين للشمس والقمر، والعمرين لأبي بكر وعمر، والعمرين لعمرو بن جابر وبدر بن عمر
…
إلى آخر ما أورده محاولا حصره في اللغة «2» ، وحين تحدث عن الأعلام الأعجمية تطرف إلى كيفية معرفة عجمة الاسم وهو ما سبق أن عرضه بالمزهر ببحث المعرب «3» .
ويتضح في هذا الشرح تأثره بالنحاة المتأخرين لا سيما نحاة مصر الذين سبقوه بقليل فقد تأثر بأبي حيان ونقل عنه كثيرا، كما تأثر غاية التأثر بابن هشام، وله اختيارات يميل فيها إلى ما ينسب لهما، وهذا يدلنا على تأثر نحاة مصر المتأخرين بمذهب الأندلسيين، واتجاه النحو في مصر وجهة ذات طابع خاص يحس بها من ينظر في كتب هذه الطائفة من النحاة، وسنبين ذلك بعد.
وقد أفاد في شرحه بما قام به ابن هشام في مصنفاته فنراه مثلا يتبعه في تقسيم المبنى ويصرح بذلك قائلا: «اعلم أني سلكت في هذه الألفية أحسن المسالك، وأوردت فيها محاسن كل كتاب، وقد قسم ابن هشام في الشذور المبنى تقسيما غريبا لم يسبق إليه وجعله على أقسام، وقد تبعته على ذلك الباب» «4» ، بيد أن أسلوب السيوطي فيما عرضه يتميز بالوضوح والسلاسة والإيجاز وكثرة الأمثلة، على حين يكثر ابن هشام في هذا الباب من الاستطراد.
وبالرغم من كثرة النقول التي تعود السيوطي أن يوردها في مصنفاته فاننا
(1) المطالع السعيدة ورقة 10 ص 19.
(2)
المطالع السعيدة ورقة 13 ص 25.
(3)
المطالع السعيدة ورقة 18 ص 36.
(4)
المطالع السعيدة ورقة 8 ص 16، شذور الذهب ص 68 وما بعدها.