الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد بلغ النظام الاداري غاية الدقة، وتنوعت الدواوين التي تختص بمختلف الشئون «1» ، وكان هناك نائب السلطنة وهو المنصب الثاني بعد السلطان، وبعده يأتي الأتابك وهو قائد جيش المماليك، ثم يليه الوزير الذي كان نفوذه أقل من سابقيه.
وكان هناك نواب السلطنة بالأقاليم الكبيرة أو التي لها أهمية خاصة، وقد ناب كل منهم عن السلطان في وحدته الادارية، وكان عليهم الرجوع إلى السلطان في المسائل التي لا يستطيعون الانفراد بالبت فيها «2» .
ويأتي بعد هؤلاء فئة الولاة وكان أفرادها يختارون من بين الأمراء ليقوموا بوظيفة كوظيفة المحافظ الآن أو أكبر شأنا في الأقسام الادارية، وكان أكبر هؤلاء شأنا هو والي القاهرة الذي عهد إليه بالاشراف على العاصمة وصيانتها وحماية أهلها من عبث المفسدين واللصوص ومثيري الفتن، وكان عليه مكافحة الأمراض الاجتماعية كانتشار الخمر وتعاطي الحشيش وعبرها وكان يتخذ لذلك من الوسائل ما يراه كفيلا بتحقيق غرضه «3» .
القضاء:
حظى القضاء باهتمام رجال الدولة، كما تمتع القضاة بمكانة اجتماعية كبيرة بين الناس، وروعي في اختيارهم شروط معينة، وكان هناك قضاة المذاهب الأربعة وظل هذا النظام طيلة عصر المماليك، وكان على رأس كل فئة قاضي قضاة المذهب، وكان لقضاة القضاة مكانة عظيمة بالدولة فقد كانوا يحضرون مجالس السلطان، فضلا عن ضرورة حضورهم مبايعة السلطان الجديد، وكان للقاضي الشافعي مكانة ممتازة عن سائر القضاة وله اختصاصات تزيد على نظرائه من قضاة القضاة.
وكان هناك «قضاة العسكر» وهم الذين يختصون بشئون الجند كما كانوا
(1) السيوطي: حسن المحاضرة ج 2 ص 111.
(2)
د. سعيد عاشور: العصر المماليكي ص 354، 355.
(3)
د. سعيد عاشور: العصر المماليكي ص 356، 357.
يفصلون في المنازعات القائمة بين العسكر والمدنيين «1» .
وقد كان للقضاة دور هام في المجتمع، باعتبار المسئوليات الكبيرة الملقاة على عواتقهم ونظرا لتنوع القضايا التي ينظرونها ويفصلون فيها، فضلا عن اضطلاعهم بشئون الوصايا والأحباس وشئون اليتامى والتدريس بالمدارس «2» .
وكان لكل قاض عدد من النواب الذين يعينونه في القضاء، كما كان لكل منهم عدد معين من الشهود الذين يتعرفون أحوال الناس ويشهدون في القضايا ولهم حوانيت معلومة «3» ، وكثيرا ما تعرض النواب والشهود لنقد مرير من الناس نتيجة لتصرفاتهم المشينة في بعض الأحيان، بل إن النقد قد تجاوز هؤلاء إلى القضاة أنفسهم لإهمالهم في شئون الأوقاف والمدارس التي يلون نظارتها «4» .
وقد تعود السلاطين أنفسهم أن يعقدوا جلسات للنظر في المظالم التي تعرض عليهم، وكان مجلس السلطان يحضره قضاة القضاة الأربعة وعدد كبير من كبار رجال الدولة وكانت هيئة جلوسهم تتم وفق «بروتوكول» معروف دقيق «5» ، وغالبا ما كانت هذه الجلسات تعقد يومين من كل أسبوع.
وقد اقتصر جلوس السلاطين على مدد قصيرة- بمرور الزمن- ويبدو أنه كان من حق أي إنسان أن يتقدم بشكايته إلى السلطان مهما كان موضوع الشكوى، حتى أبطل ذلك قايتباي وأمر بألا يتقدم أحد إلى السلطان إلا بعد أن يرفع أمره إلى القضاة، فإذا لم ينصفوه فإن من حقه رفع الأمر إلى السلطان «6» .
على أنه كانت هناك وظيفة قريبة الصلة بالقضاء هي الحسبة، وكان يحدث أن تسند الحسبة والقضاء إلى شخص واحد، وكان عمل المحتسب يقوم على
(1) المصدر السابق ص 366.
(2)
نفس المصدر ص 367.
(3)
د. سعيد عاشور: المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك ص 158.
(4)
المصدر السابق ص 159.
(5)
السيوطي: حسن المحاضرة ج 2 ص 109، 110.
(6)
ابن إياس: بدائع الزهور ج 2 ص 129.
سرعة البت في المخالفات التي تتعلق بالآداب العامة ونظام الأسواق ومراعاة الأمانة في المعاملات وكان يقوم بعقاب الخارجين على النظم الموضوعة «1» وقد حاول السيوطي أن يمد نفوذه إلى القضاء وأن يجعل من نفسه قاضيا كبيرا أو رئيسا له الحق في عزل وتولية من يشاء، واستطاع أن يحصل على هذه الوظيفة التي لم تكن موجودة منذ زمن الأيوبيين عن طريق عهد من الخليفة المتوكل على الله عبد العزيز وقد كان وثيق الصلة به، وقد ثار ثائر القضاة عليهما، وحاولوا الايقاع بين الخليفة وبين السلطان وانتهى الأمر بأن رجع الخليفة عن ذلك واعتذر «2»
(1) القلقشندي: صبح الأعشى ج 4 ص 36، 37.
(2)
ابن إياس: بدائع الزهور ج 2 ص 307.