الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعاجم اللغوية
عنى السيوطي بالحديث عن جمع اللغة، وعرض في هذا الحديث بدراسة لأهم المعاجم اللغوية، بحيث تعد دراسته أقدم دراسة للمعاجم العربية، وقد اعتمد عليها بعض من تناول الموضوع من بعده «1» .
وقد بدأ السيوطي بالحديث عن كتاب العين فهو أول معجم لغوي، وقد أورد انتقادات اللغويين له، وإنكار نسبته إلى الخليل لما تخلله من خلل أو تصحيف، وقد قام السيوطي كما حكى عن نفسه بمطالعة كتاب العين فرأى «وجه التخطئة فيما خطئ فيه غالبه من جهة التصريف والاشتقاق كذكر حرف مزيد في مادة أصلية أو مادة ثلاثية في مادة رباعية ونحو ذلك، وبعضه ادّعى فيه التصحيف، وأما أنه يخطأ في لفظة من حيث اللغة بأن يقال: هذه اللفظة كذب أو لا تعرف فمعاذ الله، لم يقع ذلك» «2» .
ونحن هنا نلحظ اهتمام السيوطي نظرا لطبيعته النقلية الحديثية بناحية الثبوت الصحيح للغة، ومن هنا فهو يوثق كتاب العين من هذه الناحية، وهذه النظرة هي التي تحكم دراسته لجمع اللغة، وقد تحدث عن كتاب العين وترتيبه، واهتم بالحديث عن رواته ومن تحمله عن الخليل، ثم خلص بعد ذلك إلى تناول معجم الجمهرة لابن دريد وقد نسج صاحبه على منوال العين، وقد نقل السيوطي بعض مقدمة الكتاب التي يبين فيها صاحبه هدفه من مؤلفه، ثم أورد انتقاد ابن جني لكتاب الجمهرة لاضطرابه من حيث أبنية التصريف، ونبه السيوطي على أن مقصود ابن جني أن الاضطراب «من حيث أبنية التصريف وذكر الموادّ في غير محالّها كما تقدم في العين» «3» ، وهو بذلك يريد أن يدفع توهم
(1) د. حسين نصار: المعجم العربي نشأته وتطوره ص 4.
(2)
المزهر ج 1 ص 86.
(3)
المزهر ج 1 ص 93.
الاضطراب من حيث وثاقة المادة اللغوية، ولذلك نجده يدافع عن ابن دريد ويرد على هجوم الأزهري الذي رماه بافتعال اللغة قائلا: «معاذ الله هو بريء مما رمى به، ومن طالع الجمهرة رأى تحرّيه في روايته
…
ولا يقبل فيه طعن نفطويه لأنه كان بينهما منافرة عظيمة .... وقد تقرر في علم الحديث أن كلام الأقران في بعضهم لا يقدح» «1» .
والسيوطي بذلك يصب عنايته على وثاقة المادة اللغوية وصحتها، وقد جره ذلك إلى الحديث عن نسخ الجمهرة، وذكر أنه ظفر بنسخة منها قرئت على ابن خالويه بروايته لها عن ابن دريد، والسيوطي بذلك قد وقف على نسخة صحيحة من الجمهرة «2». ثم أشار السيوطي إلى كتب اللغة: ما كان عاما في أنواع اللغة وما كان خاصا في نوع منها كالأجناس للأصمعي والنوادر واللغات لأبي زيد، والنوادر للكسائي والتهذيب للأزهري والمجمل لابن فارس، وقد ذكر عددا كبيرا من هذه الكتب، ثم ذكر أن أول من التزم الصحيح من اللغة مقتصرا عليه هو الجوهري في كتابه الصحاح وقد ذكر السيوطي أنه في اللغة يقابل الصحيح في الحديث للبخاري «3» ، وقد تحدث السيوطي عن هذا الكتاب وما قيل فيه، وما وضع عليه من الحواشي، ثم ذكر أن ابن فارس معاصر الجوهري قد اقتصر أيضا على الصحيح في المجمل «4» ، ثم ذكر أن أعظم ما ألف في اللغة بعد عصر الصحاح كتاب المحكم لابن سيدة يتلوه كتاب العباب للصغاني، يليهما القاموس «5» للفيروزآبادي وقد نقل السيوطي بعض مقدمة القاموس.
وقد عرض السيوطي بذلك- على طريقته- للمعاجم اللغوية وتدرجها التاريخي حتى عصره، وقد حاول أن يجمع في حديثه بين الترتيب الموضوعي
(1) المصدر السابق ج 1 ص 93، 94.
(2)
نفس المصدر ج 1 ص 95.
(3)
المزهر ج 1 ص 97.
(4)
المزهر ج 1 ص 99.
(5)
المزهر ج 1 ص 100.
والترتيب الزمني كما أنه كان يعني العناية الكبرى بوثاقة المادة اللغوية وصحتها نظرا لطبيعة منهجه النقلي الحديثي الذي يصب عنايته على النقول وصحة الأسانيد، وهذه النظرة إلى اللغة إنما أتتها من كونها لغة يعتمد عليها في تفسير القرآن والحديث واستنباط الأحكام الشرعية، ونظرا لصلتها الوثيقة بالدين بصفة عامة، مما جعل القوم يهتمون بالحديث عن صحتها وثبوتها ووثاقاتها.