الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقديم:
بعد أن عرضنا للحديث عن عصر السيوطي وحياته وثقافته وتعرفنا على شخصيته وعقليته ومنهجه، وعرفنا بآثاره، نريد أن ننتقل هنا إلى دراسة الجانب اللغوي لديه وأريد بالجانب اللغوي جميع ما يتصل بالدراسة اللغوية التي تصنف الآن إلى مستويات دراسية خمسة هي المستوى الصوتي والصرفي والنحوي والمعجمي والدلالي وأقصد من التعرض لها ودراستها استيضاح جهود السيوطي وبيان أثره في هذه الدراسات، وأسلوبه في تناولها، ومميزاته الشخصية التي تميزه في هذا الميدان من ميادين المعرفة الانسانية عن غيره من اللغويين، فهل كان للسيوطي أثر في هذه الدراسات؟ وهل كان له مميزات خاصة تفرد بها عن غيره، وما قيمته بالنسبة لتاريخ هذه الدراسات عند العرب؟، ذلك ما نحاول في هذا الباب أن نحدد معالمه وأن نقطع فيه برأي.
على أن السيوطي بالرغم من تنوع الميادين التي طرقها فإنه قد برّز في ثلاثة منها كما ذكرنا من قبل هي الحديث والفقه والعربية والمقصود بها النحو بما يشمل في معناه العام من الأبحاث الصرفية، وقد حكى عنه الشعراني بلوغه درجة الاجتهاد المطلق في هذه العلوم الثلاثة «1» ، كما حكى عنه قوله عن نفسه فيما يخص الاجتهاد في العربية إنه «لم يكن بعد ابن هشام من يصلح أن يوصف به غيري» «2» ، وقد حدد آلات الاجتهاد ومؤهلاته بقوله: «وأما الاجتهاد في العربية فهو أن يحيط بنصوص أئمة الفن من سيبويه إلى زمانه هذا، ويحفظ غالب شعر العرب الذين يحتج بأشعارهم في العربية، ولا يضر خفاء بعض ذلك عليه، وليس المراد حفظه عن ظهر قلب، وإنما المراد أن يكون له اطلاع على دواوينهم
(1) ذيل الطبقات ورقة 6 ص 12.
(2)
المصدر السابقة ورقة 8 ص 16.
بحيث يعرف محل الاستدلال بذلك من الكتب، ويكون مع ذلك محيطا بقواعد النحاة التي بنوا تصرفاتهم عليها غير القواعد المذكورة في واضحات الكتب، فإن تلك كالأصول لهذه القواعد، وهذا لا يعرفه الآن إلا متبحر في الفن» «1» .
والحق أن صلة السيوطي باللغة ودراستها جد مبكرة فقد كانت أول إجازة علمية حصل عليها في حياته بتدريس العربية، وقد تتلمذ كما رأينا على يد أشهر رجال عصره في النحو وهم الكافيجي والشمني وسيف الدين الحنفي، وقد أتاحت له ظروفه أن يقف على كثير من الكتب التي لم تكن في متناول غيره من خزانة محمود التي كانت تحت نظره، وقد وضح صلته بالدرس اللغوي قائلا:
وقد حاول أن يسلك مسلك اللغويين القدماء في إملاء اللغة كما يملي الحديث في مجالس، ولكنه لم يجد من يحمل ذلك عنه «3» .
وتدل آثاره في الدراسات اللغوية على أنه لم يكن مبالغا في أقواله السابقة، فكثرة ما جاء بها من أفكار وأخبار وترتيبها وتنسيقها يستلزم مجهودا ضخما وإحاطة واسعة ودراية بالغة بهذه الفنون.
(1) نفس المصدر ورقة 9، 10 ص 18، 19.
(2)
مقدمة الأشباه والنظائر ص 3.
(3)
المزهر ج 2 ص 314.
وإذا كان السيوطي قد تناول في أبحاثه المتنوعة كثيرا من المباحث التي تدرس في المستويات الصوتية والمعجمية والدلالية، كما أنه خلف عددا ضخما من المصنفات النحوية التي تضمّ أبحاث الصرف فليس أمامنا غير أن نعرض لكلتا الناحيتين من دراساته، ولذلك رأيت أن أجعل الفصل الأول لبحث جهوده في المستويات اللغوية التي تتصل بالأصوات والمعاجم والدلالة والقضايا اللغوية العامة، وأن أخصّص الفصل الثاني لتناول ما يتصل بجهوده النحوية بما تشمله بالطبع من أبحاث صرفية، أي ما يتصل بدراسة التراكيب والصيغ، وقد رأيت أن يكون عنوان الفصل الأول الخاص بالجانب غير النحوي «فقه اللغة» وأعني به جميع مستويات الدرس اللغوي يضاف إليها القضايا العامة، وجعلت عنوان الفصل الثاني:«النحو» وعنيت به مدلوله الواسع الذي يشمل الصرف.