المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌خاتمة وبعد، فلقد عنيت في هذا البحث ببيان دور السيوطي في - جلال الدين السيوطي عصره وحياته وآثاره وجهوده في الدرس اللغوي

[طاهر سليمان حمودة]

فهرس الكتاب

- ‌[هوية الكتاب]

- ‌تصدير

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول عصر السيوطي وحياته، وآثاره

- ‌الفصل الأول

- ‌الحياة السياسية والاجتماعية

- ‌الخلافة:

- ‌ نظم الحكم

- ‌القضاء:

- ‌الحياة الاجتماعية

- ‌بناء المجتمع:

- ‌أرباب القلم:

- ‌التجار:

- ‌الصناع وأرباب الحرف:

- ‌العوام

- ‌أهل الذمة:

- ‌الفلاحون:

- ‌ الأعراب

- ‌الأقليات الأجنبية:

- ‌الحياة في المدن:

- ‌القلق الاقتصادي:

- ‌المجاعات والأوبئة:

- ‌التصوف والمجتمع:

- ‌الفصل الثاني

- ‌الحياة الثقافية

- ‌ دور العلم

- ‌1 - المدارس:

- ‌المدرسة الصلاحية

- ‌مدرسة السلطان حسن

- ‌مدرسة صرغنمش:

- ‌خزائن الكتب:

- ‌2 - الخوانق والربط والزوايا:

- ‌خانقاه سعيد السعداء

- ‌خانقاه شيخو

- ‌الخانقاه البيبرسية

- ‌3 - الجوامع:

- ‌ جامع عمرو

- ‌جامع ابن طولون

- ‌الجامع الأزهر:

- ‌[نتائج نشاط الحركة العلمية]

- ‌1 - وفود الطلاب إلى معاهد العلم:

- ‌2 - كثرة العلماء والأدباء:

- ‌3 - نشاط الحركة التأليفية:

- ‌[منهج التاليف فى العصر]

- ‌1 - الاتجاه الموسوعي:

- ‌2 - ظاهرة التقليد:

- ‌3 - ظاهرة المتون والشروح:

- ‌4 - الاكمالات والتذييلات:

- ‌5 - تنظيم العلوم واستقرار المصطلحات:

- ‌6 - العناية بتاريخ مصر:

- ‌الحياة الأدبية

- ‌ الخطبة

- ‌الرسائل

- ‌المقامة:

- ‌الفصل الثالث

- ‌حياته وثقافته وآثاره

- ‌مولده ونسبه:

- ‌ والده

- ‌‌‌نشأتهوحياته العلمية والعملية

- ‌نشأته

- ‌دراسته:

- ‌شيوخه:

- ‌1 - ابن حجر العسقلاني:

- ‌2 - علم الدين البلقيني:

- ‌3 - شرف الدين يحيى المناوي:

- ‌4 - تقي الدين الشّمنيّ الحنفي:

- ‌5 - محيي الدين الكافيجي:

- ‌6 - سيف الدين الحنفي:

- ‌مراحل حياته

- ‌العزلة الأخيرة:

- ‌وفاته:

- ‌قبر السيوطي:

- ‌صفة المقام:

- ‌مكانه في المجتمع

- ‌السيوطي بين أنصاره وخصومه:

- ‌دعوى الاجتهاد:

- ‌خلقه وشخصيته:

- ‌منهجه في التفكير وأصول هذا المنهج

- ‌فكرة المبعوثية:

- ‌السيوطي وعلوم الحديث

- ‌السيوطي والتصوف:

- ‌السيوطي الفقيه:

- ‌السيوطي والأدب:

- ‌السيوطي الشاعر:

- ‌آثار السيوطي

- ‌الباب الثاني جهوده اللغوية

- ‌تقديم:

- ‌الفصل الأول

- ‌فقه اللغة أو: «الدراسات اللغوية غير النحو والصرف»

- ‌تقديم:

- ‌آثاره اللغوية ومكانها من حياة الدرس اللغوي

- ‌1 - المتوكلي فيما ورد في القرآن باللغة

- ‌2 - المهذّب فيما ورد في القرآن من المعرّب:

- ‌3 - بعض الأبحاث اللغوية المتصلة بالقرآن الكريم:

- ‌4 - رسالة في أصول الكلمات:

- ‌5 - التبري من معرّة المعري:

- ‌6 - التهذيب في أسماء الذيب:

- ‌7 - فطام اللسد في أسماء الأسد:

- ‌8 - الافصاح في أسماء النكاح:

- ‌9 - الافصاح في زوائد القاموس على الصحاح:

- ‌10 - الالماع في الاتباع كحسن بسن في اللغة:

- ‌11 - حسن السير فيما في الفرس من أسماء الطير:

- ‌12 - غاية الاحسان في خلق الانسان:

- ‌13 - شرح قصيدة بانت سعاد:

- ‌14 - الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة:

- ‌15 - الشماريخ في علم التاريخ:

- ‌16 - المزهر في علوم اللغة وأنواعها:

- ‌منهج السيوطي في المزهر:

- ‌وضع أصول لنقد الرواية اللغوية

- ‌المرحلة الأولى: النقد الخارجي:

- ‌أ- رواة اللغة:

- ‌ب- الأسانيد:

- ‌المرحلة الثانية: النقد الداخلي أو نقد المتن:

- ‌مفهوم اللغة عند السيوطي

- ‌الألفاظ

- ‌المعنى أو الدلالة اللغوية

- ‌الأضداد:

- ‌ضبط اللغة

- ‌نشأة اللغة

- ‌الصلة بين اللفظ والمعنى

- ‌الوضع اللغوي

- ‌المعاجم اللغوية

- ‌اثبات الأسماء بالقياس

- ‌الفصل الثاني

- ‌النحو

- ‌آثاره النحوية

- ‌1 - الأخبار المروية في سبب وضع علم العربية:

- ‌2 - الأشباه والنظائر في النحو:

- ‌3 - الاقتراح في علم أصول النحو:

- ‌4 - الفريدة:

- ‌5 - المطالع السعيدة في شرح الفريدة:

- ‌6 - شرح ألفية ابن مالك

- ‌7 - جمع الجوامع وشرحه همع الهوامع:

- ‌8 - النكت على الألفية لابن مالك، والكافية والشافية لابن الحاجب، وشذور الذهب ونزهة الطرف لابن هشام:

- ‌9 - الفتح القريب على مغني اللبيب:

- ‌10 - شرح شواهد المغني:

- ‌11 - الشمعة المضية في علم العربية:

- ‌12 - الموشح في علم النحو:

- ‌ الفتاوى النحوية

- ‌رسائل الحاوي:

- ‌1 - فجر الثمد في إعراب أكمل الحمد

- ‌2 - ألوية النصر في «خصيصى» بالقصر

- ‌3 - الزّند الوري في الجوانب عن السؤال السكندري

- ‌4 - رفع السنة في نصب الزّنة

- ‌بقية الآثار:

- ‌السيوطي وعلم أصول النحو

- ‌مذهبه النحوي

- ‌خاتمة

- ‌ثبت المصادر والمراجع

- ‌أولا: أسماء مؤلفات السيوطي

- ‌ثانيا: المصادر العربية والمترجمة (لغير السيوطي)

- ‌ثالثا: المصادر الأجنبية

الفصل: ‌ ‌خاتمة وبعد، فلقد عنيت في هذا البحث ببيان دور السيوطي في

‌خاتمة

وبعد، فلقد عنيت في هذا البحث ببيان دور السيوطي في حياة الدرس اللغوي، ومكانه في تاريخ هذا الدرس، وأثره فيه، وقد فرض ذلك عليّ أن أتناول بالدراسة شخصيته وحياته ومنهجه الفكري وأصول هذا المنهج، وقد أردت أن أقيم هذه الدراسة على أساس من دراسة البيئة المصرية بعامة وبيئة القاهرة بخاصة في الفترة التي عاش فيها السيوطي، ومن هنا بدأت بتحديد الاطار السياسي والاجتماعي لهذه البيئة ونبهت إلى أهم الظواهر الاجتماعية التي تركت أثرها في حياة المجتمع وحياة أفراده وعقولهم كمظاهر نشاطها في هذه الفترة، ووصفت وصفا دقيقا نظم الدراسة ومثلت لأنواع المراكز العلمية بعد تقسيمها تقسيما دقيقا، ونبهت إلى عوامل نشاط هذه الحركة وبواعثها، ثم أشرت إلى جملة من الملاحظات الهامة التي لاحظتها فيما يتصل بالتأليف والمؤلفات، وقد بينتها بالتفصيل لأنها تفسر لنا ألوان مؤلفات السيوطي التي حاول فيها أن يجاري أشكال التأليف المتنوعة في عصره، كما تأثر بطابعها، وأهم ملاحظاتي على التأليف اتجاه جانب كبير من المؤلفات اتجاها موسوعيا فرضته ظروف البيئة السياسية والاجتماعية نتيجة الاحساس بقيامها على صيانة التراث وحفظه، وتقديرها ما منيت به من خسارة على أيدي الغزاة من المغول، ثم شيوع التقليد في المؤلفات وظاهرة المتون والشروح والمنظومات التعليمية والاكمالات والتذييلات.

وبالرغم من أن النواحي الشكلية في التأليف قد حظيت بعناية بالغة فان ذلك لم يقض على العناية بالقيمة العلمية وان كان قد أثر فيها بطبيعة الحال.

على أن هذا العصر يتميز إلى حد كبير بنضج العلوم واستقرار المصطلحات العلمية وتنسيق الأفكار والموضوعات وترتيبها، وقد تعاقبت جهود شتى خلال

ص: 371

هذه الفترة نلحظ لديها العناية التامة بالتنسيق والتنظيم، ولا ينفي ذلك درايتها التامة بالنواحي العلمية والموضوعية، وما أسهمت به في تدرج حياة العلوم المختلفة.

وقد ظهرت العناية بالناحية الشكلية في الأدب بصورة جلية في حرص الشعراء والكتاب على البديع وإسرافهم في استخدام المحسنات اللفظية على حساب المعنى في كثير من الأحيان، وقد نبهت على أساليب التعبير في الشعر والنثر، والأنواع الأدبية النثرية التي وجدت أمثلة لها في انتاج السيوطي العلمي والأدبي فهو صورة لهذا العصر تشرب بثقافته، وامتزجت نفسه بروحه، فتأثر به بطريقة ما ثم أثر فيه.

وقد تناولت حياة السيوطي بالدراسة، وكان قصدي تحديد المراحل المتميزة في حياته، وهي أربع مراحل تبدأ الأولى بولادته وتستمر فترة حفظه القرآن ودراسته بعض المختصرات والكتب المتعارف عليها في البيئة المصرية آنذاك في الفقه والنحو وغيرهما ثم تلقيه بعض العلوم وتنتهي بحصوله على إجازة بتدريس العربية حين كان في السابعة عشرة من عمره، والثانية تبدأ منذ ذلك الحين الذي أمكنه فيه أن يتخذ طريقه في الحياة العملية مع استمراره في الطلب والدرس إلى حين بلوغه السابعة والعشرين وحصوله على إجازة بالتدريس والافتاء وتصديره، ومنذ ذلك التاريخ تألق نجم السيوطي بالحياة العامة بالقاهرة، وتميزت حياته العلمية والعملية بحركة غير عادية ونشاط واسع، وقد تولى خلالها عددا من الوظائف، وفي المرحلة الثالثة يتجه الرجل إلى الهدوء وحب العزلة مع عكوف على البحث والانتاج، وعدم انقطاع عن المشاركة في الحياة العامة، وتتمثل هذه الفترة في المدة التي قضاها شيخا للبيبرسية كبرى الخوانق في عصره، والمرحلة الأخيرة في حياته تتسم بالعزلة التامة والانقطاع إلى العبادة والتأليف وتبدأ من عام (906 هـ) وتستمر خمسة أعوام إلى أن وافاه أجله، وقد نبهت في عرضي لمراحل حياته وتحديدها على بعض الأوهام التي

وقعت للمترجمين له من القدماء والمحدثين.

وقد ألقيت الضوء على صلته بالمجتمع ومكانه فيه لما وجدت له من آثار

ص: 372

وفتاوى تناول فيها مجتمعه بالنقد والعلاج وترك بها أثرا واضحا في حياة المجتمع، وقد جرت عليه مكانته العلمية والاجتماعية خصومات عنيفة لمست أثرها في كثير من كتاباته، وقد ألقيت الضوء عليها لما لها من صلة بتحديد شخصيته وخلقه، ثم تناولت بالدراسة شخصه وخلقه وأمانته العلمية، وكان ذلك مقدمة لما قصدت إليه من دراسة منهجه في التفكير وأصول هذا المنهج، وقد تبين لي أن الرجل بالرغم من تعدد جوانبه العلمية فان بعض العلوم قد طبعت عقليته ووجهتها، وأولها علوم الحديث التي استنفذت جلّ اهتمامه، وترك فيها أكبر قدر من آثاره، وعايشها أطول مدة من حياته حيث مكث بالشيخونية مدرسا للحديث مدة طويلة، وقد كان لعلوم الحديث أثرها في غلبة المنهج النقلي على طريقته في التأليف والبحث في معظم ميادين المعرفة فهو حريص على ذكر من ينقل عنه وعلى ذكر أسماء المصادر التي يستمد منها نقوله مع تحرج شديد وأمانة بالغة يدركها من يتتبع هذه النقول، وهو في تلخيصه أيضا حريص على أن يلتزم ألفاظ المنقول عنهم إلى أكبر حد.

والجانب الثاني الذي أثر في السيوطي هو سلوكه مسلك التصوف علما وعملا، وقد عرف الصوفية بتساهل في قبول الرواية، وكأن منهجه كان يتنازعه مؤثران أحدهما ينظر إلى الرواية والنقول نظرة علمية جادة، والآخر يميل إلى قبولها والاستئناس بها وبذلك نستطيع تفسير جانب من النقول التي تساهل في قبولها.

والعلم الثالث الذي ترك أثرا في منهجه هو الفقه، الذي بلغ فيه درجة الاجتهاد المطلق، والفقه يطبع عقل صاحبه بالطابع العملي الذي يلمس الواقع ويحس به، ويحاول إدراك حاجات الناس في الحياة ويبحث لهم عن حكم الله تعالى فيما يستجد من أحداث، وعلى الفقيه أن يعمل عقله وفكره في النصوص والأدلة في محاولة استنباط الحكم والوقوف عليه، فهو كما قالوا:«معقول من منقول» .

وقد تركت هذه العلوم أثرها في منهج السيوطي وطبعت عقليته بطابع يغلب عليه المنهج النقلي الذي يعنى أولا بالنقد الخارجي للنقول من حيث ثبوتها

ص: 373

وصحتها ثم يعنى بعد ذلك بترتيبها وتنسيقها، ثم يكون اهتمامه الأخير بنقدها والتعليق عليها ومخالفتها أو موافقتها، ثم إنه قد يتساهل في إيراد بعض الأخبار والروايات الضعيفة مع نصه على درجتها من الصحة والحسن والضعف، وفي بعض الأحيان يغفل حكمه عليها من حيث الوثوق.

على أن منهج السيوطي الذي غلب عليه في معظم دراساته يمكن أن نصفه باجمال بأنه يقوم على محاولة استقصاء أكبر قدر من النقول التي بحثت الموضوع من قبل واختيار أخصرها وأوفاها، ثم جمعها وترتيبها ترتيبا يراعي التاريخية والموضوعية في كثير من الأحيان، وقد لا يلتزم بهما في بعض الأحيان، ثم يتبع نقوله بكثير من الأمثلة التي يجتهد في جمعها ويراها موافقة لما ساق من نقول، وقد يصرح باختياره لبعض الأقوال، وقد يسرد موضوعا بأكمله دون أن يصرح بمذهبه أو رأيه، وفي بعض الأحيان نجد له آراء مبتكرة، فان كان يميل إلى ترجيح أحد الآراء التي نقلها أو إلى اختياره اجتهد في ذكر النقول التي تسند مذهبه.

ويعنى السيوطي في مصنفاته بالاستدراك على من قبله ممن طرق نفس الموضوعات ويحاول الاضافة إلى ما قدموا، وقد يكون ذلك سببا في التحكم أو التعسف في بعض الأحيان، كما يغفل في أحيان غير قليلة التنبيه على التعارض بين النقول التي يوردها.

ويظهر بوضوح اجتهاده العقلي في دراسته للنحو والفقه وقد قالوا ان النحو معقول من منقول كما أن الفقه معقول من منقول.

وقد حاولت أن ألقي الضوء على الجانب الأدبي عند السيوطي بغية تبين ملامح أسلوبه وخصائصه مع التعريف بالأنواع الأدبية التي ترك فيها آثارا، كما عرفت به شاعرا تبلغ مقدرته النظمية أوجها في نظم العلوم، فله منظومات في شتى ألوان المعرفة، وفي الموضوعات والمسائل الجافة.

وقد بحثت آثار السيوطي بصفة عامة ووجدت اختلاف المصادر القديمة والحديثة في تقدير عددها، وقد حصرت منها ستمائة مصنف بها جانب من

ص: 374

المطولات وبعض المنظومات، وبعضها متوسط الحجم، وبينها عدد كبير من الرسائل الصغيرة، وله بعض المقامات، بعضها لا يتجاوز بضع صفحات، وقد وقفت على جانب كبير من هذه الآثار يمثل معظم ما وصل إلينا، ويمثل نماذج لجميع الأنواع السابقة.

وبعض كتب السيوطي لا سيما المطولات ألفها في مراحل متفرقة يعاود النظر فيها بين الحين والحين ثم يصدرها بعد أعوام طويلة من بداية شروعه فيها، والجانب الأكبر منها لم يكن يستغرق وقتا طويلا، على أنه قد عرف بسرعة الكتابة والتأليف، ولم يكد يترك موضوعا دون أن يطرق أبوابه بقلمه، وقد نبهت على بعض النصوص التي زيدت على بعض كتب السيوطي، وان كان ذلك لم يضعف عندي من وثاقة نسبة هذه الآثار جميعها إليه.

وبعد أن أرسيت في الباب الأول الأسس التي يمكنني الاعتماد عليها في بيان دور السيوطي في حياة الدرس اللغوي اتجهت إلى بحث جهوده اللغوية، وبدأت بالحديث عن جهوده في فقه اللغة وقصدت به تناول الجهود التي تتصل بمستويات الدّرس اللغوي غير النحوية، ولما كنت أهدف إلى بيان مكانه بين اللغويين، ومكان دراساته في تاريخ الدرس اللغوي، فقد بدأت بإجمال الملامح الرئيسية لتدرج الدرس اللغوي وأنواع الدراسات التي سبق بها اللغويون وكانت مصدرا اعتمد عليه السيوطي، ثم تناولت بالدراسة آثاره اللغوية، ورتبتها ترتيبا موضوعيا لتعذر الترتيب التاريخي، وبعض هذه الآثار يمس عربية القرآن وهي تطلعنا على موقف السيوطي الذي يقبل وجود ألفاظ غير عربية في القرآن الكريم، بل يتوسع في إحصاء هذه الألفاظ، ويجتهد في نقل أكبر عدد منها، وهو مخالف لرأي الشافعي والطبري وأبي عبيدة وابن الطيب وابن فارس وغيرهم، وقد ناقشت فكرة عربية القرآن بين المنكرين لوجود ألفاظ أعجمية والقائلين بوجودها، ومن حاول التوفيق بين كلا المذهبين، وتبين لي أن أقرب هذه الآراء إلى الصواب رأي الموفقين بين المذهبين كأبي عبيد القاسم بن سلام وغيره، كما نبهت على أن كثيرا من الألفاظ التي نقل السيوطي نسبتها إلى لغات غير العربية

هي ألفاظ عربية ولا دلالة على عجمتها لا سيما ما نسب منها إلى

ص: 375

بعض اللغات السامية، كما نبهت على عيوب منهجه النقلي الذي جعله ينسب بعض الألفاظ الواردة بالقرآن الكريم إلى بعض اللغات الأجنبية ثم لا يلبث حين يتناول «ما ورد في القرآن ببعض لغات العرب» أن ينسب هذه الألفاظ إلى بعض اللهجات العربية، وهكذا تتعارض نقوله دون أن ينبه على هذا التعارض أو يتناوله بالدراسة.

وتناولت رسالته عن أصول الكلمات وبينت أهميتها في درس التطور الدلالي، وأشرت إلى جهود القدماء والمحدثين حول فكرة التطور، واستنتجت من هذه الرسالة تنبه السيوطي لفكرة مادية اللغة في نشأتها وهي الفكرة التي تجعل الدلالات الحسية أسبق في الوجود من الدلالات المجردة.

ثم تناولت منظومة له في أسماء الكلب وبعض الآثار الأخرى المناظرة حول موضوع الترادف وقد وجهت النقد إلى صنيع السيوطي في بعض هذه الآثار ومحاولته الجمع والتقصي دون مراعاة لما تفرضه طبيعة الموضوع وواقعه، وقد كان ذلك أثرا من آثار المنهج النقلي.

ودرست «الاتباع» في اللغة بصدد بعض الآثار، ورأيت أنه قد غلب عليه طابعه النقلي فلم يصرح بموقفه ولم يذكر تعليقا واحدا، وقد بينت أنه يقر هذه النقول وأنها تعبر عن رأيه، كما عرضت لموضوع «المشترك اللفظي» ثم قارنت شرحه لقصيدة كعب بن زهير بشرح ابن هشام وقد بينت ما امتاز به شرح السيوطي من عناية بالمعنى، وسهولة الأسلوب ووضوح العبارة، ويعد أفضل شروح هذه القصيدة، وتناولت بعض الآثار الأخرى بالدراسة، وقد بلغت جملة الآثار التي عرضتها ستة عشر تمكنت من الوقوف على تسعة منها تعد أهمها، وبعض الآثار الباقية حملت ما فيها على نظائره في آثاره الأخرى أو في كتابه المزهر، بعد أن تبين لي تشابه أبحاثه حول الموضوع الواحد إذا تناوله في أماكن متفرقة من كتبه بحيث لا تكاد تختلف إلا في مقدار الاسهاب أو الايجاز.

وقد بينت قيمة أهم آثاره اللغوية وهو كتابه «المزهر» الذي جمع شتات مباحث فقه اللغة، ولم يسبق السيوطي بمؤلف جامع مثل مؤلفه، ويتميز بوقوفه على دراسات الأصوليين الهامة للغة والافادة منها، ويعد أجل الأعمال اللغوية التي

ص: 376

قام بها والتي أحجم عنها اللغويون من قبل بالرغم من غلبة الطابع النقلي عليه.

على أن أهم ما تفرد به السيوطي في البحث اللغوي هو إقامة منهج لنقد الرواية اللغوية أو التنظير الوافر له، وهو ما أغفل اللغويون من قبل إفراده بالبحث، وما تنبه إليه السيوطي نتيجة لتأثره بعلوم الحديث، وقد شرحت هذه المحاولة وقارنت الأصول التي وضعها السيوطي لنقد الرواية اللغوية بما وضع من قبل من أصول لنقد رواية الحديث عرفت باسم أصول الحديث ومصطلحه.

وبحثت مفهوم اللغة عند السيوطي، وهو المفهوم الذي حدده ابن جنى من قبل، والذي ساد عند العرب بصفة عامة، وقد بينت إدراكهم لماهية اللغة من حيث كونها أصواتا يعبر بها عن المعاني وتقديرهم لهذه الصوتية، وادراكهم لوظيفة اللغة في المجتمع، وأثر هذا المفهوم في دراساتهم.

وقد عرضت لمجموعة من مباحث السيوطي تحت عنوان «الألفاظ» ونبهت فيها على الآراء الصوتية القيمة التي عرفها العرب في درسهم للغة بصدد دراسة الفصيح والمذموم من اللغات، والعيوب الصوتية، وقد رأيت محاولة السيوطي تصنيف ألفاظ اللغة على أساسين أولهما أساس صوتي، والآخر يتصل بالرواية وأصول نقدها.

وبينت دور السيوطي في بحث المعرب والمولد من الألفاظ، ووصلته بما قام به المجمعيون في عصرنا، وأهم ما توصل إليه اللغويون القدماء في بحث المعرب ما نقله السيوطي في كيفية معرفة عجمة الاسم حيث يتصل ذلك بالخصائص الصوتية للغة العربية، فعجمة الاسم تعرف بخروجه عن أوزان الأسماء العربية نحو «ابريسم» أو أن يكون أوله نون ثم راء، أو أن يكون آخره زاي بعد دال، أو أن يجتمع فيه الصاد والجيم أو الجيم والقاف، أو أن يكون خماسيا أو رباعيا عاريا من حروف الذلاقة وهي الباء والراء واللام والميم والنون.

وقد بينت أهمية دراسته لمختلف اللغات وتداخلها في الدرس اللغوي وتفسير بعض الظواهر اللغوية.

ثم عرضت لمجموعة أخرى من مباحثه تحت عنوان «الدلالة اللغوية» وقد

ص: 377

نبهت إلى أن بعض ما عده السيوطي بحثا في اللغة من حيث المعنى، كان ألصق بمباحث اللفظ كالابدال والقلب والنحت، وقد أورد فيها آراء صوتية قيمة للغويين تشهد بصحتها الدراسات الحديثة.

وتناول الاشتقاق ببحث لخص فيه أقوال السابقين وقسمه تقسيما جامعا حاول به أن يستوعب الدراسات السابقة.

ويتصل بالتطور الدلالي بحثه في الحقيقة والمجاز والخاص والعام والمطلق والمقيد ويمتاز كتاب السيوطي باغترافه من منابع الأصوليين الذين درسوا هذه الموضوعات أدق وأوفى من درس اللغويين، وجمعه بين أقوالهم وأقوال اللغويين، وقد حاول أن يقسم ألفاظ اللغة باعتبار عموم الدلالة وخصوصها إلى خمسة أقسام، وهو تصنيف لم يسبق إليه، وهو يفيد إلى حد كبير في دراسة التغير الدلالي، فقد وضع قسما لما وضع عاما واستعمل عاما أي لما لم يحدث فيه تغير دلالي كالسماء لكل ما علا والصعيد لكل أرض مستوية، والثاني ما وضع عاما ثم خص في الاستعمال ببعض أفراده، والثالث الألفاظ التي اعتراها تغيير نحو التعميم أي ما وضع خاصا ثم استعمل عاما، والرابع ما وضع عاما واستعمل خاصا، وأفرد لبعض أفراده اسم يخصه، والخامس ما وضع خاصا واستعمل خاصا، ويدل هذا المبحث على ابتكار السيوطي في هذا التقسيم وعنايته بالتغير الدلالي، وجهده الصائب في جمع الأمثلة ووضعها في مواضعها، على أن مباحث الدلالة قد حظيت بعناية الأصوليين أكثر مما حظيت به عند اللغويين.

وقد وضع السيوطي تصنيفا مبتكرا لأبنية اللغة حاول به حصرها وضبطها في المبحث الذي سماه بالأشباه والنظائر.

والحقيقة أنني قد خلصت من هذه المباحث إلى أن عبقرية السيوطي تتجلى في الاستقصاء والتتبع الدقيق وحسن التصنيف والتقسيم والترتيب، وهو بذلك يعبر عن الروح السائدة في عصره ولكنه يبلغ مبلغا كبيرا.

وقد حاولت تبين موقفه من بعض القضايا اللغوية كالبحث في نشأة اللغة، والمناسبة بين اللفظ والمعنى، وهو من اللغويين الذين يدافعون عن وجود مناسبة

ص: 378

بين اللفظ والمعنى لكنها عندهم مناسبة غير ذاتية، وقد وجدت هذه الفكرة من المحدثين من يميل إليها، كما أشرت إلى جهده في دراسة المعاجم اللغوية وعنايته فيها بناحية الثبوت والوثاقة، كذلك دراسته لفكرة إثبات الأسماء بالقياس التي أنكرها متابعا المحققين من الأصوليين واللغويين، وفيها دلالة على اتجاههم إلى أنّ الصلة بين اللفظ والمعنى عرفية وليست عقلية.

وفي بحثي عن جهوده النحوية تبين لي أنه قد طرق بكتبه جميع أنوار الدراسات النحوية، فقد ألف في أصول النحو، كما ألف في سبب وضع علم النحو، كما كتب عددا من الكتب في الفروع النحوية، وله إلى جانب ذلك فتاوى ودراسات تطبيقية تتناول النصوص.

وليس تنوع مباحثه النحوية مقصورا على ناحية الموضوع، بل تنوعت مصنفاته من ناحية الشكل حيث حاول فيها أن يستوعب جميع الأشكال التأليفية المعروفة، فله شرح على ألفية ابن مالك، وله ألفية مستقلة وشرح عليها، ثم له متن مطول هو جمع الجوامع وشرح عليه هو همع الهوامع، وله موشح في النحو، وشرح على المغنى وشرح لشواهده، وله دراسة نقدية نحوية قيمة لبعض الكتب النحوية التي اشتهرت في عصره وهي كتابه «النكت» ، وقد تناولت بالدراسة أهم هذه الكتب، وجانب منها لا يزال مخطوطا.

والواقع أن شخصية السيوطي في الدرس النحوي أكثر وضوحا منها في فروع الدّرس اللغوي الأخرى ويتميز بأنه تنبه إلى وظيفة النحو في الحياة وأهميته في فهم النصوص القرآنية والحديثية والفقهية والأدبية، وسائر النصوص، ويتضح ذلك في فتاواه النحوية وفي بعض رسائله، على أن أهم أعمال السيوطي النحوية تتمثل في كتابه «الاقتراح» الذي تناول فيه علم أصول النحو، وتأتي أهميته من أنه لم يحظ بعناية الباحثين في النحو، فأهم المحاولات التي سبقت السيوطي في ذلك ما قام به ابن جني، وما قام به ابن الأنباري وقد بينت قيمة عمليهما، وخلصت إلى أن السيوطي قد تميز عمله عن سابقيه بالفهم الدقيق لعلم أصول النحو وموضوعه وأهدافه، وبحسن الترتيب الذي يراعى به موضوع العلم، وبزيادة بعض المباحث التي أغفلها سابقاه، ومن ثم فان علم أصول النحو لم

ص: 379

يتحدد علما مكتوبا له أصوله وحدوده في البيئة النحوية إلا بعمل السيوطي، ولم أنس أن أنتقد صنيع السيوطي ومن سبقه من أصوليي النحاة وأنبه على بعض المآخذ التي أخذتها عليهم نتيجة ربطهم أصول النحو بأصول الفقه.

ثم حاولت في ختام البحث تحديد المذهب النحوي له، وتبين لي أنه نحوي مصري تأثر بروح المدرسة المصرية التي كان أفرادها يتخيرون من أقوال النحاة ما تستقيم لهم حجته كابن مالك وأبي حيان، وللسيوطي اختيارات يرجح فيها مذهب البصريين في كثير من الأحيان، ومذهب الكوفيين في أحيان أخرى، أو يرجح آراء بعض النحاة المتأخرين تبعا لما يمليه عليه اجتهاده اللغوي، ويعد السيوطي- بحق- أفضل نحوي أنجبته مصر بعد ابن هشام.

والحمد لله رب العالمين

ص: 380