الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحياة الأدبية
لست هنا بصدد دراسة الحياة الأدبية دراسة متعمقة فذلك أمر يطول شأنه ويحتاج إلى بحث مستقل، وإنما مقصودنا أن نعرض لهذه الحياة عرضا نستجلي به صورتها العامة والشكل الذي كانت عليه في عصر السيوطي، ونتعرف على الأنواع الأدبية من الشعر والنثر في ذلك الحين، وتجنبا للاطالة فإننا نكتفي بعرض سريع نتبين فيه الملامح العامة للنشاط الأدبي.
وقد حرم الشعر والشعراء في هذه الفترة الحفاوة التي وجدها أسلافهم القدماء، ذلك أن رجال الدولة وكبراءها كانوا من الأتراك الذين لا تهتز أعطافهم للأشعار العربية على الرغم من أن لغة الدولة العربية ولغة العلم هي العربية كذلك.
لذلك لا نجد من الشعراء من اتصل بالدولة أو بالسلاطين، وإنما اندس هؤلاء بين الناس وتناولوا حرفهم.
وقد كان شعر هذه الفترة تقليدا لا استقلال فيه في أحيان كثيرة، وكان الشعراء يتتبعون في أشعارهم آثار أسلافهم الأولين مصيبين حينا ومخطئين أحيانا.
ويمكن تقسيم شعر هذه الفترة إلى قسمين أولهما: شعر المناسبات وهو ما يخاطب به الحاكم والجماعة، والآخر الشعر الذاتي وهو ما يعبر به الشاعر عن مشاعره الذاتية بغض النظر عن الجماعة «1» .
وفي الأول نجد العناية باللفظ ولكنها عناية متغالية تجلب على الشعر التكلف
(1) د. عبد اللطيف حمزة: الأدب المصري من قيام الدولة الأيوبية إلى مجيء الحملة الفرنسية ص 107.
والصنعة والتقيد بالشكل في صوره المتعددة التي حرص عليها الشعراء، وفي الثاني نجد الميل إلى البساطة والتحلل من قيود الصنعة اللفظية إلا ما كان منها بغير تكلف.
وهناك مذهبان في التعبير أولهما المذهب البديعي المتأثر بمذهب الكتاب، وقد كان للقاضي الفاضل أثر في إضفاء ألوان جديدة عليه حرص عليها الشعراء والكتاب من بعده بيد أنهم أسرفوا في حرصهم على المحسنات اللفظية، ولقيت العناية اللفظية بجميع ألوانها الاهتمام الأول لديهم على حساب المعاني «1» ، وكان الشعراء يعمدون إلى المذهب البديعي في شعر المناسبات أو في قصائد المديح النبوي التقليدية.
أما المذهب الآخر وهو مذهب المعاني فيظهر بوضوح في الشعر الشعبي ويتمثل في احتفال بالأفكار وعناية تامة بتصوير العواطف والمشاعر التي ينفعل بها الناس انفعالا صادقا بريئا من التكلف. «2»
وهناك بعض ظواهر يمكن ملاحظتها على الشعر والشعراء في ذلك العصر أولها قصائد المديح النبوي العديدة التي أنشأها شعراء العصر المملوكي معارضين بها بردة البوصيري فقل أن نجد شاعرا منهم لم يعارضها، بالاضافة إلى القصائد التي أنشئت في المديح النبوي في غير معارضة للبردة، والملاحظة الثانية هي أن كثيرا من علماء العصر وفقهائه كانوا ينظمون الشعر في أغراض كثيرة وأشهر هؤلاء ابن حجر ثم السيوطي، وثالثها شيوع الشعر التعليمي في دوائر العلماء والطلاب وسنشير إليه عند الحديث عن شعر السيوطي. وقد شهدت الفترة التي عاشها السيوطي عددا كبيرا من الشعراء وقد ذكر ابن اياس أنه كان بالقاهرة سبعة من الشعراء اجتمعوا في عصر واحد وكل منهم لقب بشهاب الدين، فكان يقال لهم السبعة الشهب وهم الشهاب ابن حجر وابن الشاب التائب، وابن أبي السعود، وابن مبارك شاه الدمشقي، وابن صالح، والشهاب
(1) أفاض الرافعي في دراسة الصناعات اللفظية في هذا العصر في الجزء الثالث من تاريخ آداب العرب ص 370 - 466.
(2)
د. عبد اللطيف حمزة: الأدب المصري ص 108.
الحجازي، والشهاب المنصوري، فلما مات الستة رثاهم الشهاب المنصوري بقوله:
خلت سماء المعاني من سنا الشهب
…
فالآن أظلم أفق الشعر والأدب
تقطب العيش وجها بعد رحلة من
…
تجاذبوا بالمعاني مركز القطب «1»
وأشهر هؤلاء جميعا الشهاب المنصوري الذي توفي عام 887 هـ وكان جيد الشعر.
والحق أن هذه الأوصاف تنطبق إلى حد كبير على العصر الذي نستوضح ملامحه، ولكن ينبغي التحفظ في إطلاق الأحكام، إذ إن العصر لم يعدم كثيرا من الشعر الجيد والشعراء الذين أجادوا في كثير من أشعارهم على الرغم من أن شاعرا منهم لم يخل شعره من الإسفاف والانحدار في بعض الأحيان، ومن تكلف الصنعة في أحيان أكثر، وذلك هو السبب في تعميم وصف الانحدار على العصر وشعرائه.
أما النثر فله أنواع عديدة وصور متنوعة، ويمكن أن يندرج النثر بدوره من ناحية أسلوبه وطريقة التعبير فيه في قسمين رئيسيين أولهما: قسم تلقى فيه العناية
(1) ابن إياس: بدائع الزهور ج 2 ص 126.
(2)
جورجي زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية ج 3 ص 126.