المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المعنى أو الدلالة اللغوية - جلال الدين السيوطي عصره وحياته وآثاره وجهوده في الدرس اللغوي

[طاهر سليمان حمودة]

فهرس الكتاب

- ‌[هوية الكتاب]

- ‌تصدير

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول عصر السيوطي وحياته، وآثاره

- ‌الفصل الأول

- ‌الحياة السياسية والاجتماعية

- ‌الخلافة:

- ‌ نظم الحكم

- ‌القضاء:

- ‌الحياة الاجتماعية

- ‌بناء المجتمع:

- ‌أرباب القلم:

- ‌التجار:

- ‌الصناع وأرباب الحرف:

- ‌العوام

- ‌أهل الذمة:

- ‌الفلاحون:

- ‌ الأعراب

- ‌الأقليات الأجنبية:

- ‌الحياة في المدن:

- ‌القلق الاقتصادي:

- ‌المجاعات والأوبئة:

- ‌التصوف والمجتمع:

- ‌الفصل الثاني

- ‌الحياة الثقافية

- ‌ دور العلم

- ‌1 - المدارس:

- ‌المدرسة الصلاحية

- ‌مدرسة السلطان حسن

- ‌مدرسة صرغنمش:

- ‌خزائن الكتب:

- ‌2 - الخوانق والربط والزوايا:

- ‌خانقاه سعيد السعداء

- ‌خانقاه شيخو

- ‌الخانقاه البيبرسية

- ‌3 - الجوامع:

- ‌ جامع عمرو

- ‌جامع ابن طولون

- ‌الجامع الأزهر:

- ‌[نتائج نشاط الحركة العلمية]

- ‌1 - وفود الطلاب إلى معاهد العلم:

- ‌2 - كثرة العلماء والأدباء:

- ‌3 - نشاط الحركة التأليفية:

- ‌[منهج التاليف فى العصر]

- ‌1 - الاتجاه الموسوعي:

- ‌2 - ظاهرة التقليد:

- ‌3 - ظاهرة المتون والشروح:

- ‌4 - الاكمالات والتذييلات:

- ‌5 - تنظيم العلوم واستقرار المصطلحات:

- ‌6 - العناية بتاريخ مصر:

- ‌الحياة الأدبية

- ‌ الخطبة

- ‌الرسائل

- ‌المقامة:

- ‌الفصل الثالث

- ‌حياته وثقافته وآثاره

- ‌مولده ونسبه:

- ‌ والده

- ‌‌‌نشأتهوحياته العلمية والعملية

- ‌نشأته

- ‌دراسته:

- ‌شيوخه:

- ‌1 - ابن حجر العسقلاني:

- ‌2 - علم الدين البلقيني:

- ‌3 - شرف الدين يحيى المناوي:

- ‌4 - تقي الدين الشّمنيّ الحنفي:

- ‌5 - محيي الدين الكافيجي:

- ‌6 - سيف الدين الحنفي:

- ‌مراحل حياته

- ‌العزلة الأخيرة:

- ‌وفاته:

- ‌قبر السيوطي:

- ‌صفة المقام:

- ‌مكانه في المجتمع

- ‌السيوطي بين أنصاره وخصومه:

- ‌دعوى الاجتهاد:

- ‌خلقه وشخصيته:

- ‌منهجه في التفكير وأصول هذا المنهج

- ‌فكرة المبعوثية:

- ‌السيوطي وعلوم الحديث

- ‌السيوطي والتصوف:

- ‌السيوطي الفقيه:

- ‌السيوطي والأدب:

- ‌السيوطي الشاعر:

- ‌آثار السيوطي

- ‌الباب الثاني جهوده اللغوية

- ‌تقديم:

- ‌الفصل الأول

- ‌فقه اللغة أو: «الدراسات اللغوية غير النحو والصرف»

- ‌تقديم:

- ‌آثاره اللغوية ومكانها من حياة الدرس اللغوي

- ‌1 - المتوكلي فيما ورد في القرآن باللغة

- ‌2 - المهذّب فيما ورد في القرآن من المعرّب:

- ‌3 - بعض الأبحاث اللغوية المتصلة بالقرآن الكريم:

- ‌4 - رسالة في أصول الكلمات:

- ‌5 - التبري من معرّة المعري:

- ‌6 - التهذيب في أسماء الذيب:

- ‌7 - فطام اللسد في أسماء الأسد:

- ‌8 - الافصاح في أسماء النكاح:

- ‌9 - الافصاح في زوائد القاموس على الصحاح:

- ‌10 - الالماع في الاتباع كحسن بسن في اللغة:

- ‌11 - حسن السير فيما في الفرس من أسماء الطير:

- ‌12 - غاية الاحسان في خلق الانسان:

- ‌13 - شرح قصيدة بانت سعاد:

- ‌14 - الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة:

- ‌15 - الشماريخ في علم التاريخ:

- ‌16 - المزهر في علوم اللغة وأنواعها:

- ‌منهج السيوطي في المزهر:

- ‌وضع أصول لنقد الرواية اللغوية

- ‌المرحلة الأولى: النقد الخارجي:

- ‌أ- رواة اللغة:

- ‌ب- الأسانيد:

- ‌المرحلة الثانية: النقد الداخلي أو نقد المتن:

- ‌مفهوم اللغة عند السيوطي

- ‌الألفاظ

- ‌المعنى أو الدلالة اللغوية

- ‌الأضداد:

- ‌ضبط اللغة

- ‌نشأة اللغة

- ‌الصلة بين اللفظ والمعنى

- ‌الوضع اللغوي

- ‌المعاجم اللغوية

- ‌اثبات الأسماء بالقياس

- ‌الفصل الثاني

- ‌النحو

- ‌آثاره النحوية

- ‌1 - الأخبار المروية في سبب وضع علم العربية:

- ‌2 - الأشباه والنظائر في النحو:

- ‌3 - الاقتراح في علم أصول النحو:

- ‌4 - الفريدة:

- ‌5 - المطالع السعيدة في شرح الفريدة:

- ‌6 - شرح ألفية ابن مالك

- ‌7 - جمع الجوامع وشرحه همع الهوامع:

- ‌8 - النكت على الألفية لابن مالك، والكافية والشافية لابن الحاجب، وشذور الذهب ونزهة الطرف لابن هشام:

- ‌9 - الفتح القريب على مغني اللبيب:

- ‌10 - شرح شواهد المغني:

- ‌11 - الشمعة المضية في علم العربية:

- ‌12 - الموشح في علم النحو:

- ‌ الفتاوى النحوية

- ‌رسائل الحاوي:

- ‌1 - فجر الثمد في إعراب أكمل الحمد

- ‌2 - ألوية النصر في «خصيصى» بالقصر

- ‌3 - الزّند الوري في الجوانب عن السؤال السكندري

- ‌4 - رفع السنة في نصب الزّنة

- ‌بقية الآثار:

- ‌السيوطي وعلم أصول النحو

- ‌مذهبه النحوي

- ‌خاتمة

- ‌ثبت المصادر والمراجع

- ‌أولا: أسماء مؤلفات السيوطي

- ‌ثانيا: المصادر العربية والمترجمة (لغير السيوطي)

- ‌ثالثا: المصادر الأجنبية

الفصل: ‌المعنى أو الدلالة اللغوية

‌المعنى أو الدلالة اللغوية

بعد أن عرضت لمفهوم السيوطي للغة وتطبيقه هذا المفهوم في دراسة الألفاظ نحاول هنا بيان تطبيقه لهذا المفهوم فيما يتصل بالمعنى، وقد تناول السيوطي اللغة من حيث المعنى في ثلاثة عشر نوعا سبق لنا تناول بعضها وبقي جانب آخر نحاول تناوله في هذا المبحث.

وقضية المعنى وتحديده قد شغلت المفكرين من اللغويين وغيرهم منذ عصور بعيدة في كثير من اللغات، ولعل من أوفى ما يتعلق بالمعنى اللغوي من حيث تحديده ودراسته ما أنتجته بيئة الأصوليين.

وفي العصر الحديث عرفت دراسة المعنى باسم علم الدلالة Semantics ، وهو فرع من فروع علم اللغة يعد كما يقولون:«غاية الدراسات الصوتية والفونولوجية والنحوية والقاموسية» «1» ، ودرس هؤلاء التطور الدلالي وعوامله، وظهرت مناهج لدراسة المعنى اتجهت أخيرا إلى محاولة إدراك الظروف الخارجية التي تعين على تغير المعنى، بيد أنه من الانصاف أن نؤكد القول بأن كثيرا مما توصل إليه علم الدلالة «لم يصل بعد في دقته وضبطه وعمومه إلى المستوى الذي يستحق فيه اسم القوانين» «2» .

ولما كان اللغويون المحدثون يفصلون في بحث اللغة بين الظواهر المتعلقة بالأصوات وبين الظواهر المتعلقة بالمعنى، بالإضافة إلى الظواهر البنيوية والتركيبية على نحو ما هو معروف في مستويات الدرس اللغوي الحديث، ولما كان القدماء لا يحددون البحث في اللغة هذا التحديد القاطع فقد حدث عندهم

(1) د. محمود السعران: علم اللغة ص 285.

(2)

د. علي عبد الواحد وافي: علم اللغة ص 20.

ص: 281

خلط في بعض الأحيان بين موضوعات هذه المستويات بالرغم من إدراكهم للفروق بين هذه الأفرع الدراسية، وقد اقترب السيوطي من هذا التقسيم حين تناول الأبحاث المتصلة باللفظ في أقسام محددة، والمتصلة بالمعنى في أقسام أخرى ونبه على هذا التقسيم، بيد أننا وجدناه في بعض الأحيان يتناول ما يتصل بالدلالة في مباحث الألفاظ، ونراه هنا يورد بعض الأقسام التي كان من واجبه أن يضمها إلى مباحث الألفاظ، لا سيما تلك الأقسام التي تتعلق بالأصوات، فقد عد من الأنواع التي تبحث اللغة من حيث

المعنى الابدال والقلب في حين أنهما مبحثان يتصلان بصوتية اللغة أي بألفاظها، كذلك تناول تحت اسم المعنى البحث في خصائص اللغة وفيه ما يدخل في المعنى، وما هو خارج عنه وقد أشرنا إلى تناوله لبعض المباحث التي كانت ألصق بالمعنى في قسم الألفاظ فيما سبق.

تحدث السيوطي عن «خصائص اللغة» «1» ، وهو حديث عام يشمل كثيرا من ظواهر العربية ويصفها وصفا دقيقا، ويعرض خصائصها التي تميزت بها، وهي خصائص صوتية ودلالية وإعرابية وصرفية وأسلوبية وتركيبية، وقد نقل هذه الخصائص عن الصاحبي لابن فارس فأورد عدة أبواب منها ما سماه ابن فارس بسنن العرب في كلامها، ونقل عن غيره بعض الأمثلة للمحاذاة في الألفاظ أو ما يسمى بالازدواج كقولهم الغدايا والعشايا فإذا أفردوا لم يقولوا الغدايا، وكذلك هنأني ومرأني إذا أفردوا قالوا: أمرأني، فالمزاوجة في الكلام هي سب بعض التغيير الذي يطرأ في بعض الألفاظ.

كما نقل بعض الخصائص عن ديوان الأدب للفارابي وأضاف إليها حديث الزمخشري عن الكنى باعتبارها مما اختص به العرب.

وفي «الابدال» «2» ، وقد بينا أن صلته باللفظ أكثر من صلته بالمعنى إذ لا يعدو أن يكون ظاهرة صوتية تعتري الألفاظ فيرد اللفظ منطوقا بحرفين متقاربين

(1) المزهر ج 1 ص 321.

(2)

المزهر ج 1 ص 460.

ص: 282

كقولهم مدحه ومدهه، وجذوت وجثوت، وفرس رفّل ورفّن للذي طال ذنبه ..

إلى غير ذلك، وقد ألف فيه أبو الطيب اللغوي وابن السكيت، وقد ذهب أبو الطيب إلى أن الابدال لغات مختلفة لمعان متفقة تتقارب اللفظتان في لغتين لمعنى واحد، واستدل على ذلك بأن القبيلة الواحدة لا تتكلم بكلمة طورا مهموزة وطورا غير مهموزة ولا بالصاد مرة وبالسين أخرى وهلم جرا على حين أن غيره من اللغويين لا يرى منشأ الابدال في اختلاف القبائل، وإنما قد يقع في القبيلة الواحدة، وهناك من الحروف ما يتعاقب في بعض الألفاظ مثل الراء واللام، وسواء أكان الأمر هذا أم ذاك فإن هذه الألفاظ من اللغة الصحيحة التي يتعاورها الجميع ولا يخطأ أحد في استعمالها لأنهم قرروا اختلاف اللغات مع كونها حجة، ومن ثم فقد أورد السيوطي عددا كبيرا من أمثلة الابدال بين الحروف، وقد نقل جلها عن كتاب الابدال لابن السكيت، ثم نقل ما يشير إلى أن بعض اللغويين قد حاول أن يصل إلى بعض القوانين التي تحكم ظاهرة الابدال، ثم أشار إلى الخلاف بين اللغويين والنحويين إزاء هذه الظاهرة حيث يعمم اللغويون الابدال في معظم الحروف بينما يقصر النحويون الابدال على حروف «طال يوم أنجدته» .

ويتصل ببحث الابدال ما تناوله السيوطي باسم «ما ورد بوجهين بحيث يؤمن فيه التصحيف» «1» ، كالذي ورد بالباء والتاء أو بالباء والثاء أو بالتاء والثاء إلى آخره، وقد مثل له بأمثلة تحيط بصنوف هذا الابدال فمما ورد بالباء والتاء قولهم: رجل صلب وصلت بمعنى واحد، وبالباء والثاء البرى والثرى: التراب إلى غير ذلك من أمثلة.

ويتصل به كذلك «ما ورد بوجهين بحيث إذا قرأه الألثغ لا يعاب» «2» ، كالذي ورد بالراء والغين أو بالراء واللام، أو بالزاي والذال، أو بالسين والثاء

إلى آخره، ومعظم أمثلته يتردد ناقلوها في كونها لغة أو لثغة، فهي قد

(1) المزهر ج 1 ص 537 النوع السابع والثلاثون.

(2)

المزهر ج 1 ص 460.

ص: 283

صح نقلها عن العرب وسمعت منهم، ولكن التردد ناتج عن عدم التمكن من بحث حال القائل، فمن أمثلته اللهث لغة في اللحت أو لثغة، وفلان من جنتك ومن جنسك أي من أصلك لغة أو لثغة وهكذا، وقد اجتهد السيوطي في كلا النوعين في ذكر عدد كبير من الأمثلة وكأن مراده استقصاؤها.

ويتناول موضوع «القلب» «1» ، الذي نراه ألصق بمباحث الصوت واللفظ منه بمباحث المعنى، فينقل عن ابن فارس أنه من سنن العرب كقولهم جذب وجبذ ثم نقل كثيرا من الأمثلة عن الجمهرة لابن دريد مثل ربض ورضب، وصاعقة وصاقعة وسحاب مكفهر ومكرهف، وطريق طامس وطاسم وهلم جرا، كما نقل عن غير الجمهرة أمثلة يستزيد بها على ما سبق نقله، ويختتم حديثه عن القلب بما يشبه القانون الذي حاول النحاة وضعه لمعرفة المقلوب من غيره، فينقل عن السخاوي في شرح المفصل أنهم:«إذا قلبوا لم يجعلوا للفرع مصدرا لئلا يلتبس بالأصل، بل يقتصر على مصدر الأصل ليكون شاهدا للأصالة نحو يئس يأسا، وأيس مقلوب منه ولا مصدر له، فإذا وجد المصدران حكم النحاة بأن كل واحد من الفعلين أصل وليس بمقلوب عن الآخر نحو جبذ وجذب، وأهل اللغة يقولون إن كل ذلك مقلوب» «2» . وما يذهب إليه اللغويون من القول بأن جميع ذلك مقلوب هو ما تسنده الملاحظات الصوتية الحديثة في علم الأصوات اللغوية فيما يعرف بتفاعل أصوات الكلمة «3» .

ومما يتصل باللفظ أكثر من اتصاله بالمعنى وتناوله السيوطي في مباحث المعنى «النحت» ، وقد تناوله مقدرا على ما يبدو ما قدره بعض المحدثين- فيما بعد- الذين جعلوه قسما من أقسام الاشتقاق فتلك صلته بالمعنى.

وقد عرض هذا المبحث ناقلا عن الصاحبي باب النحت ثم أشار إلى ما ألفه الظهير العماني الفارسي في النحت وأورد نقولا أخرى بها أمثلة وحديث عن النحت، ويتضح من هذه النقول أن أكثر المتوسعين في القول بالنحت ابن

(1) المصدر السابق ج 1 ص 476.

(2)

المزهر ج 1 ص 481.

(3)

د. علي عبد الواحد وافي: علم اللغة ص 272.

ص: 284

فارس الذي يعد أكثر الزائد عن الثلاثي من المنحوت كقولهم للرجل الشديد ضبطر من ضبط وضبر.

بيد أن ابن فارس بالرغم من ذلك لم يؤثر عنه القول بقياسية النحت موافقا في ذلك مذهب جمهور اللغويين والنحاة الذين يقفون عند الوارد عن العرب ولا يجيزون القياس في غيره.

وقد أورد ابن فارس كثيرا من الأمثلة لما زاد على ثلاثة أصول وقال فيه بالنحت في كتابه معجم المقاييس، وبالرغم من ذلك فقد اكتفى السيوطي بما نقله عنه من كتاب الصاحبي مؤثرا ذكر ما شاع في بيئة اللغويين من عدم التوسع في القول بالنحت والتمثيل له بأمثلة إن كثرت فهي لا تزيد على ستين مثالا، بينما أورد ابن فارس في مقاييس اللغة نحو ثلاثمائة مثال «1» .

ويتناول السيوطي ظواهر اللغة المتصلة بالمعنى ويتحدث عن كل منها في مبحث مستقل فيتحدث عن «الاشتقاق» «2» ، ويتضح من نقوله التي أوردها عن ابن فارس أحد معاني الاشتقاق المتمثلة في كونه ظاهرة لغوية مؤداها أن هناك صلة في المعنى بين الألفاظ المشتركة في الحروف وهيئة التركيب فالجن مشتق من الاجتنان، وهذه الفكرة هي التي بنى عليها ابن فارس معجم المقاييس حيث يورد أصلا أو أصلين للمادة اللغوية ثم يرد إلى هذين الأصلين جميع المشتقات من هذه المادة ويبين المناسبة في المعنى بين المشتق والأصل وهو ما يسميه بالفرع والأصل، ويعد ابن فارس هذا الاشتقاق غير قياسي.

والمعنى الثاني للاشتقاق هو ما تناوله ابن جني في مقدمة الخصائص أيضا حيث حاول أن يرد الكلمات المشتركة في مادة واحدة دون مراعاة لهيئتها إلى أصل واحد، ولم يطبقه ابن جني إلا في أمثلة محدودة لا يمكن طردها في سائر مواد اللغة ولذلك فهو غير معتمد عند اللغويين.

(1) ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، انظر دراسات في فقه اللغة لصبحي الصالح ص 277.

(2)

المزهر ج 1 ص 345، النوع الثالث والعشرون.

ص: 285

والمعنى الثالث للاشتقاق هو «أخذ صيغة من أخرى مع اتفاقهما معنى ومادة أصلية وهيئة تركيب لها ليدل بالثانية على معنى الأصل بزيادة مفيدة لأجلها اختلفا حروفا أو هيئة، كضارب من ضرب وحذر» بكسر الذال «من حذر» «1» .

وقد نقل السيوطي ما حاوله صاحب شرح التسهيل من الوصول إلى بعض القوانين التي تحكم الاشتقاق بمعناه الأخير، فالتغييرات بين الأصل المشتق منه والفرع المشتق خمسة عشر، وهناك وجوه يرجح بها رد الكلمة إلى أصل دون أصل إذا ترددت بينهما، ثم هناك ملاحظات أخرى تتصل باشتقاق الأعلام والأصل في الاشتقاق وغير ذلك فضلا عن الخلاف حول تقسيم الكلام إلى مشتق وغير مشتق وذهاب الجمهور إلى صحة هذا التقسيم.

والواقع أن البحث في الاشتقاق بأنواعه المختلفة إنما هو بحث في الدلالة اللغوية المعبر عنها بالأصوات، وتقدير لمناسبة الأصوات للمعاني، فالزيادة في الصوت أي اللفظ يقابلها زيادة في المعنى، وقد فهم اللغويون القدماء ذلك وقدروه وراعوه في مباحثهم.

ويتصل بالتطور الدلالي الذي يلحق معنى الكلم ما بحثه السيوطي في ثلاثة أنواع هي الحقيقة والمجاز، والخاص والعام، والمطلق والمقيد.

وبحث الحقيقة والمجاز من الموضوعات التي عني بها الأصوليون واللغويون والبلاغيون بيد أن السيوطي قد اعتمد فيه على أقوال اللغويين والأصوليين فحسب، وكان اعتماده أكثر على الأصوليين.

والواقع أن النظر في أقوالهم عن الحقيقة والمجاز يمكن أن يوضح لنا تقديرهم للتغير الدلالي وعوامله ومظاهره، وتقديرهم كذلك لحياة اللغة ونموها واتساعها حتى يمكن التعبير بألفاظها عن دلالات لم تكن معروفة من قبل فالرازي يذكر فيما ينقله عنه السيوطي أن سبب العدول عن الحقيقة إلى المجاز يكون لأجل اللفظ أو المعنى أو لأجلها «فالذي لأجل اللفظ أما لأجل جوهره بأن تكون الحقيقة ثقيلة على اللسان إما بثقل الوزن، أو تنافر التركيب، أو ثقل الحروف،

(1) المزهر ج 1 ص 346.

ص: 286

أو عوارضه بأن يكون المجاز صالحا لأصناف البديع دون الحقيقة، والذي لأجل المعنى إما لعظمة في المجاز أو حقارة في الحقيقة، أو لبيان في المجاز، أو للطف فيه، أما العظمة فكالمجلس، وأما الحقارة فكقضاء الحاجة بدلا عن التغوط، وأما زيادة البيان فإما لتقوية حال المذكور كالأسد للشجاع، أو للذكر وهو المجاز في التأكيد» «1» .

ثم يبين التلطف بقوله إن «التعبير بلوازم الشيء الذي هو المجاز لا يفيد العلم بالتمام فيحصل دغدغة نفسانية فكان المجاز آكد وألطف» «2» ، وقد بين أن التعبير بالحقيقة يفيد العلم بالتمام وأن التعبير بالمجاز مثير للتشوق إلى معرفة الحقيقة، ثم نقل السيوطي حديث اللغويين والأصوليين عن الحقيقة والمجاز وبين مواقفهم منها واتضح أن ابن جني من الذين يتوسعون في إطلاق المجاز على كثير من تعبيرات اللغة وعنده أن المجاز يعدل إليه عن الحقيقة «لمعان ثلاثة وهي الاتساع والتوكيد

والتشبيه فإن عدمت الثلاثة تعينت الحقيقة»، بيد أنه يعد أكثر اللغة مجازا لا حقيقة.

وينقل السيوطي عن الرازي محاولة حصر معظم وجوه المجاز في اثني عشر وجها، ثم ينقل كيفية التفرقة بين الحقيقة والمجاز.

ومن الآراء الغريبة ما نسب إلى الأسفراييني من إنكاره وقوع المجاز في اللغة، وقد تعقبه ابن برهان في الأصول فيما نقله عنه السيوطي، كما رجح إمام الحرمين والغزالي نفى هذا الرأي عن الأسفراييني، وقد نسب إلى أبي علي الفارسي إنكار المجاز وهنا علق السيوطي بأن هذا «لا يصح أيضا، فان ابن جني تلميذ الفارسي وهو أعلم الناس بمذهبه، ولم يحك عنه ذلك، بل حكى عنه ما يدل على إثباته» «3» .

ويتضح من هذا موقف السيوطي فهو من القائلين بوقوع المجاز في اللغة شأن

(1) المزهر ج 1 ص 360.

(2)

المزهر ج 1 ص 361.

(3)

المزهر ج 1 ص 366.

ص: 287

جمهور الأصوليين واللغويين، وهو الرأي الصائب، وقد اتضح من نقوله تهافت حجج المنكرين للمجاز الذين يرون أن جميع اللغة حقائق، ويتضح موقف السيوطي من الحقيقة والمجاز بصراحة فيما أجاب به على سؤال ورد إليه في «العام المراد به الخصوص» هل هو حقيقة أو مجاز؟ فأجاب بأنه مجاز قطعا «1» .

ولما كان مبني المجاز على النقل والمناسبة، ونظرا لأهميته في حياة اللغة واتساعها فلقد لجأ إليه المجمعيون في محاولة إمداد اللغة ببعض ما تحتاج إليه في عصرها الحديث من ألفاظ عن طريق النقل مع مراعاة المناسبة كما حدث في إطلاق اسم «القطار» و «البرق» وغيرهما مما كان له دلالة قديمة خاصة على بعض المخترعات الحديثة «2» .

وفي مبحث «العام والخاص» «3» حاول السيوطي تصنيف ألفاظ اللغة بحسب عموم الدلالة أو خصوصها مقدرا تغير المعنى الذي يعتري الدلالات فينتقل بها من العموم إلى الخصوص أو من الخصوص إلى العموم، وقد قسم هذا المبحث إلى فصول خمسة وهو تقسيم لم يسبق إليه أولها ما وضع عاما واستعمل عاما كالسماء لكل ما علا والصعيد لكل أرض مستوية، وذكر أن ما يسميه اللغويون بالكليات من الألفاظ فهو من هذا القبيل.

وفي الفصل الثاني تناول ما وضع عاما ثم خصص في الاستعمال ببعض أفراده وقد مثل له بلفظ «السبت» الذي يعني في اللغة الدهر ثم خص بأحد أيام الأسبوع، وأورد عديدا من الأمثلة غير ذلك، ثم تناول من الألفاظ ما اعتراه تغيير نحو التعميم أي ما وضع في الأصل خاصا ثم استعمل عاما، فالنجعة- مثلا- أصلها طلب الغيث ثم كثر فصار كل طلب انتجاعا، والقرب طلب الماء ثم صار يقال لكل طلب، والوغى اختلاط الأصوات في الحرب، ثم كثر فصارت الحرب وغى، وهناك كثير من الأمثلة التي جمعها السيوطي من كتب

(1) الحاوي للفتاوى ج 2 ص 555، الأسئلة الوزيرية وأجوبتها.

(2)

انظر مقال المجاز والنقل وأثرهما في حياة اللغة للشيخ محمد الخضر حسين مجلة مجمع اللغة العربية ج 1 ص 291.

(3)

المزهر ج 1 ص 426 النوع التاسع والعشرون.

ص: 288

اللغة بما يبين فهمه وإدراكه لهذا النوع من التغير الدلالي.

وتناول في الفصل الرابع ما وضع عاما واستعمل خاصا، ثم أفرد لبعض أفراده اسم يخصه ومثل له بما أورده الثعالبي تحت عنوان العموم والخصوص، فالبغض عام، والفرك فيما بين الزوجين خاص، والتشهّي عام والوحم للحبلى خاص وغير ذلك.

وفي الفصل الخامس أورد ما وضع خاصا واستعمل خاصا فالتتايع التهافت ولم تسمع إلا في الشر، وأولى له: تهديد ووعيد وهلم جرا.

ويدل المبحث السابق على حسن تقسيم السيوطي، وتقديره لتغير الدلالة، وجهده الصائب في وضع الأمثلة في مواضعها الصحيحة.

وهناك جانب من الأسماء في اللغة نص اللغويون على أن مسمياتها لا بد أن تتوفر فيها شروط معينة حتى تستحق اطلاق هذه الأسماء عليها، وقد تناولها السيوطي باسم «المطلق والمقيد» «1» ، فنقل عن ابن فارس الفصل الذي عقده للأسماء التي لا تكون إلا باجتماع صفات، فالمائدة لا يقال لها مائدة حتى يكون عليها طعام وإلا فاسمها خوان والظعينة لا تكون ظعينة حتى تكون امرأة في هودج على راحلة

ونحو ذلك من الأمثلة، ونقل عن الثعالبي ما سماه بأشياء تختلف أسماؤها وأوصافها بحسب أحوالها فلا يقال كأس إلا إذا كان فيها شراب وإلا فهي زجاجة ونحو ذلك، كما نقل أمثلة أخرى من هذا القبيل.

وعلى الرغم من أن كثيرا من هذه الأمثلة يسندها الاستعمال اللغوي الفصيح الذي عول عليه هؤلاء اللغويون فإن جانبا غير قليل منها لم يستعمل مشروطا بهذه الشروط التي وضعوها، ولم يراع المتكلمون هذه القيود فيه، فالكأس تستعمل سواء أكان فيها ماء أم كانت فارغة، والظعينة تطلق على المرأة ولو فارقت هودجها، وهناك دلائل في الاستعمال الفصيح تسند ما نذهب إليه، وكان ينبغي على هؤلاء مراعاة التغير الدلالي الذي يعتري الألفاظ فينتقل بها من الخصوص إلى العموم أو العكس وألا يهملوا عامل التطور وأثره في اللغة.

(1) المزهر ج 1 ص 449.

ص: 289