الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد أشار السيوطي إلى مبحث يعد من طرائف اللغويين يتصل بدلالات الألفاظ ويعتمد على المشترك اللفظي هو «المشجر» «1» ، الذي أفرد له أبو الطيب اللغوي كتابا سماه «شجر الدر» «2» ، وقد اعتمد السيوطي في مبحثه على كتاب أبي الطيب، وقد نقل عنه ممثلا ما سماه الأول بشجرة العين بفروعها، واختتم السيوطي نقوله بقوله «ان هذا النوع يناظر من علم الحديث نوع المسلسل» «3» .
وقد تناول السيوطي عددا من المباحث المتصلة بالدلالة أشرت من بينها إلى المشترك اللفظي حين الحديث عن كتاب «حسن السير فيما في الفرس من أسماء الطير» الذي مر ذكره، كما أشرت إلى الاتباع صدد دراسة كتابه «الإلماع» وإلى الترادف صدد الحديث عن منظومة «التبري من معرة المعري» فلا حاجة بنا إلى أن نكرر ما سبق ولنعد إلى تناول بقية مباحث الدلالة التي لم يسبق الاشارة إليها.
الأضداد:
والتضاد من الملاحظات الصادقة على أكثر اللغات إن لم يكن على جميعها، وقد تناول السيوطي هذه الظاهرة في أحد فصول كتابه، ومرد التضاد في اللغة إلى أننا نفكر في كل صفة مع ما يقابلها فعند ما أقول «أبيض» ، فأنا أفكر غير واع في غير الأبيض وفي ضده أي في الأسود، وقد عبر عن هذه الحقيقة جوسست تراير الألماني بقوله: كل كلمة تلفظ تثير معناها المضاد «4» .
وأكثر اللغويين على أن الكلمة التي تستعمل بمعنيين متضادين سبق لها أن استعملت في أحدهما فقط ثم استعملت للدلالة على المعنى الآخر في عصر تال، فعرف لها الاستعمالان، فكأن الكلمة بذلك قد اعتراها تغير دلالي فيما آلت إليه.
(1) المصدر السابق ج 1 ص 454.
(2)
اسم الكتاب: شجر الدر في تداخل الكلام بالمعاني المختلفة (مطبوع).
(3)
المزهر ج 1 ص 459.
(4)
د. محمود السعران: علم اللغة 311.
والبحث في التضاد وحصر الألفاظ الدالة عليه من أقدم البحوث اللغوية عند العرب وقد ألف في الأضداد غير واحد من اللغويين القدماء، كما أدلى فيه أهل الأصول بدلوهم، وقد عقد له السيوطي كما قلناه مبحثا مستقلا «1» .
والأضداد نوع من المشترك اللفظي ولذلك أشار إليه بعض الأصوليين ضمن مبحث المشترك، وقد نقل السيوطي عنهم وعن اللغويين ما يتصل بالأضداد، وقد عد ابن فارس الأضداد من سنن العرب التي تحدث عنها فالجون للأسود والجون للأبيض، وقد نقل بعض محاولات القدماء في تصنيف الألفاظ باعتبار دلالتها على المعاني واتفاقها أو اختلافها وتقاربها أو تباعدها وهو ما تحدث عنه في كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه وسماه ابن فارس أجناس الكلام في الاتفاق والافتراق، حيث صنف الألفاظ إلى ثمانية أقسام بهذا الاعتبار، وقد أورد السيوطي عددا كبيرا من الأمثلة للتضاد نقلا عن كتب اللغة، وقد نبه السيوطي على أن ابن درستويه ممن أنكر الأضداد، ثم نقل كثيرا من الأقوال في مبحثه عن كتاب الأضداد لأبي بكر بن الأنباري.
أما وقد انتهينا من عرض مباحث الدلالة التي تناولها السيوطي فإننا نختتم بملاحظة نلاحظها على دراسة المعنى وهي أن الأصوليين قد اهتموا بهذا النوع من الدراسة وكانت عنايتهم به بالغة، وقد أفاد السيوطي من دراساتهم ومن دراسات اللغويين، وأخرى أن هؤلاء وهؤلاء كان منهجهم في دراسة اللغة أصواتا أو دلالات منهجا وصفيا يعتمد على النظر في اللغة ونصوصها وألفاظها ويدرس دلالاتها، ثم يستخرج بعد ذلك ملاحظاته أو قوانينه، ويصنف الظواهر المدروسة، وهذا هو المنهج الذي ينادي به اللغويون المحدثون، وهو المنهج الذي حاول السيوطي عن طريق نقوله وعرضها أن يبرزه.
(1) المزهر ج 1 ص 387.