الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونظرا لأن هذه الموضوعات قد استفاضت دراستها عند الأصوليين فإننا لا نكاد نجزم بآراء مبتكرة فيها للسيوطي، بيد أن أبحاثه تتسم بما تميز به من السهولة والوضوح وعرض الموضوع عرضا يتناول جميع أطرافه مع استيعاب لأكثر الأقوال السابقة، وإعراض عن نواحي الاسهاب التي يمكن الاستغناء عنها.
4 - رسالة في أصول الكلمات:
رسالة صغيرة للسيوطي تستغرق بضع صفحات، وقد طبعت ضمن مجموعة مع كتابه السابق «المتوكلي» ، وهذه الرسالة تهم البحث في التطور الدلالي للغة فهي تهتم بالتغير الذي يلحق معنى الكلمة نفسه «كأن يخصص معناها العام فلا تطلق إلا على بعض ما كانت تطلق عليه من قبل، أو يعمم مدلولها الخاص فتطلق على معنى يشمل معناها الأصلي، ومعاني أخرى تشترك معه في بعض الصفات، أو تخرج عن معناها القديم فتطلق على معنى آخر تربطه علاقة ما، وتصبح حقيقة في هذا المعنى الجديد بعد أن كانت مجازا فيه أو تستعمل في معنى غريب كل الغرابة عن معناها الأول» «1» .
وبالرغم من أن هذا البحث لا يتتبع التطور الدلالي تتبعا مفصلا إذ إنه يقتصر على تحديد الدلالة الأولى للكلمة فإنه يعين الباحث في التطور الدلالي، وقد تناول هذا الموضوع من قبل الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن، وتعرض ابن فارس لتحديد الدلالات الأولى لبعض الكلمات في الفصل الذي عقده عن أصول أسماء قيس عليها وألحق بها غيرها حيث قال:«كان الأصمعيّ يقول: أصل «الورد» إتيان الماء، ثم صار إتيان كل شيء وردا، و «القرب» طلب الماء ثم صار يقال لكل طلب فيقال هو يقرب كذا أي يطلبه، ولا تقرب كذا، ويقولون:«رفع عقيرته» أي صوته، وأصل ذلك أن رجلا عقرت رجله فرفعها وجعل يصيح بأعلى صوته فقيل بعد ذلك لكل من رفع صوته رفع عقيرته» «2» .
(1) د. علي عبد الواحد وافي: علم اللغة ص 287.
(2)
الصاحبي في فقه اللغة ص 64.
بيد أن ابن فارس لم يفصل القول في هذا المبحث، ويتضح مما ذكره أن التطور الدلالي قد أدركه اللغويون القدماء مثل الأصمعي، ولكننا لا نكاد نجد من أفرد لهذا الموضوع بحثا مستقلا، وقد استطاع السيوطي أن يجمع في رسالته عددا كبيرا من الكلمات وأن يحدد دلالاتها الأولى.
ويتضح من سرده لهذه الكلمات وتقصي دلالاتها الأولى أنها لا تخرج عما ذكرنا من تخصيص معنى عام، أو تعميم مدلول خاص، أو خروج عن الدلالة السابقة إلى دلالة أخرى لعلاقة رابطة بين الدلالتين أو الخروج عن ذلك كله إلى معنى جديد في قليل من الأحيان.
والحق أن رد الكلمة إلى استعمالها الأول، أو ما يمكن أن نسميه بالتاريخية في دلالات الألفاظ يتصل بمادية اللغة أو الدلالات الحسية الأولى للألفاظ باعتبارها أسبق من الدلالات المجردة، وقد كانت هذه المادية موضع مشاحة بين اللغويين وقد تتبعها من القدماء الراغب الأصبهاني في مفرداته، ومن المحدثين الذين أخذوا بها الأستاذ أمين الخولي إذ يصر على هذه البدايات المحسوسة في تحديده لمعاني الألفاظ وتدرجها عبر العصور التاريخية، كما يطبق هذه الفكرة على الألفاظ التي صارت فيما بعد مصطلحات في العلوم والفنون المختلفة، والقول بهذه البداية المادية يلائم- في الحقيقة- بين حياة اللغة وبين حياة الانسان منذ كان طفلا لا تتسع مداركه لغير المعاني المحسوسة، ثم تدرجت حياته وارتقت لغته وأصبحت مداركه تتسع شيئا فشيئا للمعاني المجردة وللمعقولات.
ويبدو مما أورده السيوطي برسالته أنه قد فطن لهذه المادية أو لبعض جوانبها ولذلك حدد كثيرا من الدلالات الأولى للكلمات على هدى من هذه الفكرة فمن ذلك «أصل العبادة الخضوع والتذلل، أصل الطغيان الانقباض، أصل الفسق الخروج عن الشيء أصل التلاوة الاتباع
…
أصل الظلم وضع الشيء في غير محله، أصل الجهر الظهور ومنه المجاهرة بالمعاصي أي إظهارها، أصل البعث إثارة الشيء من محله، أصل المصر الحد،
…
أصل الصوم في اللغة الامساك، أصل اللحن في كلام العرب الطرد والابعاد، أصل القنوت القيام، أصل الصبر الحبس، أصل الصفا الحجر الأملس، أصل الحج القصد، أصل السبب الحبل