المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بعض الأسانيد من سقط أو إرسال، وإظهار كذب بعض الرواة، - جلال الدين السيوطي عصره وحياته وآثاره وجهوده في الدرس اللغوي

[طاهر سليمان حمودة]

فهرس الكتاب

- ‌[هوية الكتاب]

- ‌تصدير

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول عصر السيوطي وحياته، وآثاره

- ‌الفصل الأول

- ‌الحياة السياسية والاجتماعية

- ‌الخلافة:

- ‌ نظم الحكم

- ‌القضاء:

- ‌الحياة الاجتماعية

- ‌بناء المجتمع:

- ‌أرباب القلم:

- ‌التجار:

- ‌الصناع وأرباب الحرف:

- ‌العوام

- ‌أهل الذمة:

- ‌الفلاحون:

- ‌ الأعراب

- ‌الأقليات الأجنبية:

- ‌الحياة في المدن:

- ‌القلق الاقتصادي:

- ‌المجاعات والأوبئة:

- ‌التصوف والمجتمع:

- ‌الفصل الثاني

- ‌الحياة الثقافية

- ‌ دور العلم

- ‌1 - المدارس:

- ‌المدرسة الصلاحية

- ‌مدرسة السلطان حسن

- ‌مدرسة صرغنمش:

- ‌خزائن الكتب:

- ‌2 - الخوانق والربط والزوايا:

- ‌خانقاه سعيد السعداء

- ‌خانقاه شيخو

- ‌الخانقاه البيبرسية

- ‌3 - الجوامع:

- ‌ جامع عمرو

- ‌جامع ابن طولون

- ‌الجامع الأزهر:

- ‌[نتائج نشاط الحركة العلمية]

- ‌1 - وفود الطلاب إلى معاهد العلم:

- ‌2 - كثرة العلماء والأدباء:

- ‌3 - نشاط الحركة التأليفية:

- ‌[منهج التاليف فى العصر]

- ‌1 - الاتجاه الموسوعي:

- ‌2 - ظاهرة التقليد:

- ‌3 - ظاهرة المتون والشروح:

- ‌4 - الاكمالات والتذييلات:

- ‌5 - تنظيم العلوم واستقرار المصطلحات:

- ‌6 - العناية بتاريخ مصر:

- ‌الحياة الأدبية

- ‌ الخطبة

- ‌الرسائل

- ‌المقامة:

- ‌الفصل الثالث

- ‌حياته وثقافته وآثاره

- ‌مولده ونسبه:

- ‌ والده

- ‌‌‌نشأتهوحياته العلمية والعملية

- ‌نشأته

- ‌دراسته:

- ‌شيوخه:

- ‌1 - ابن حجر العسقلاني:

- ‌2 - علم الدين البلقيني:

- ‌3 - شرف الدين يحيى المناوي:

- ‌4 - تقي الدين الشّمنيّ الحنفي:

- ‌5 - محيي الدين الكافيجي:

- ‌6 - سيف الدين الحنفي:

- ‌مراحل حياته

- ‌العزلة الأخيرة:

- ‌وفاته:

- ‌قبر السيوطي:

- ‌صفة المقام:

- ‌مكانه في المجتمع

- ‌السيوطي بين أنصاره وخصومه:

- ‌دعوى الاجتهاد:

- ‌خلقه وشخصيته:

- ‌منهجه في التفكير وأصول هذا المنهج

- ‌فكرة المبعوثية:

- ‌السيوطي وعلوم الحديث

- ‌السيوطي والتصوف:

- ‌السيوطي الفقيه:

- ‌السيوطي والأدب:

- ‌السيوطي الشاعر:

- ‌آثار السيوطي

- ‌الباب الثاني جهوده اللغوية

- ‌تقديم:

- ‌الفصل الأول

- ‌فقه اللغة أو: «الدراسات اللغوية غير النحو والصرف»

- ‌تقديم:

- ‌آثاره اللغوية ومكانها من حياة الدرس اللغوي

- ‌1 - المتوكلي فيما ورد في القرآن باللغة

- ‌2 - المهذّب فيما ورد في القرآن من المعرّب:

- ‌3 - بعض الأبحاث اللغوية المتصلة بالقرآن الكريم:

- ‌4 - رسالة في أصول الكلمات:

- ‌5 - التبري من معرّة المعري:

- ‌6 - التهذيب في أسماء الذيب:

- ‌7 - فطام اللسد في أسماء الأسد:

- ‌8 - الافصاح في أسماء النكاح:

- ‌9 - الافصاح في زوائد القاموس على الصحاح:

- ‌10 - الالماع في الاتباع كحسن بسن في اللغة:

- ‌11 - حسن السير فيما في الفرس من أسماء الطير:

- ‌12 - غاية الاحسان في خلق الانسان:

- ‌13 - شرح قصيدة بانت سعاد:

- ‌14 - الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة:

- ‌15 - الشماريخ في علم التاريخ:

- ‌16 - المزهر في علوم اللغة وأنواعها:

- ‌منهج السيوطي في المزهر:

- ‌وضع أصول لنقد الرواية اللغوية

- ‌المرحلة الأولى: النقد الخارجي:

- ‌أ- رواة اللغة:

- ‌ب- الأسانيد:

- ‌المرحلة الثانية: النقد الداخلي أو نقد المتن:

- ‌مفهوم اللغة عند السيوطي

- ‌الألفاظ

- ‌المعنى أو الدلالة اللغوية

- ‌الأضداد:

- ‌ضبط اللغة

- ‌نشأة اللغة

- ‌الصلة بين اللفظ والمعنى

- ‌الوضع اللغوي

- ‌المعاجم اللغوية

- ‌اثبات الأسماء بالقياس

- ‌الفصل الثاني

- ‌النحو

- ‌آثاره النحوية

- ‌1 - الأخبار المروية في سبب وضع علم العربية:

- ‌2 - الأشباه والنظائر في النحو:

- ‌3 - الاقتراح في علم أصول النحو:

- ‌4 - الفريدة:

- ‌5 - المطالع السعيدة في شرح الفريدة:

- ‌6 - شرح ألفية ابن مالك

- ‌7 - جمع الجوامع وشرحه همع الهوامع:

- ‌8 - النكت على الألفية لابن مالك، والكافية والشافية لابن الحاجب، وشذور الذهب ونزهة الطرف لابن هشام:

- ‌9 - الفتح القريب على مغني اللبيب:

- ‌10 - شرح شواهد المغني:

- ‌11 - الشمعة المضية في علم العربية:

- ‌12 - الموشح في علم النحو:

- ‌ الفتاوى النحوية

- ‌رسائل الحاوي:

- ‌1 - فجر الثمد في إعراب أكمل الحمد

- ‌2 - ألوية النصر في «خصيصى» بالقصر

- ‌3 - الزّند الوري في الجوانب عن السؤال السكندري

- ‌4 - رفع السنة في نصب الزّنة

- ‌بقية الآثار:

- ‌السيوطي وعلم أصول النحو

- ‌مذهبه النحوي

- ‌خاتمة

- ‌ثبت المصادر والمراجع

- ‌أولا: أسماء مؤلفات السيوطي

- ‌ثانيا: المصادر العربية والمترجمة (لغير السيوطي)

- ‌ثالثا: المصادر الأجنبية

الفصل: بعض الأسانيد من سقط أو إرسال، وإظهار كذب بعض الرواة،

بعض الأسانيد من سقط أو إرسال، وإظهار كذب بعض الرواة، وقد قال نقاد الرواية من المحدثين:«إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين» «1» ، أي سنه وسن من كتب عنه، وقد تبين لبعض نقاد الحديث زيف بعض الرواة بحساب التواريخ، ولذلك نبهوا على ضرورة العناية بمعرفة مواليد ووفيات رجالهم «2» .

وكما بحث رجال الحديث تواريخ رواتهم فإن السيوطي الذي يطبق منهجهم على اللغة قد تناول هذا الموضوع إتماما منه لعمله السابق الخاص برجال اللغة حتى يكون بذلك قد تناول هؤلاء الرجال من جميع الجوانب التي يتناولها أهل الحديث في بحث أحوال رواتهم، وعلى ذلك الأساس أفرد فصلا لبحث «المواليد والوفيات» «3» ، من رجال اللغة سرد فيه أسماء خمسة وسبعين من أئمة اللغة والنحو، واقتصر على بيان ميلاد كل منهم ووفاته، أو وفاته فقط إن لم يكن ميلاده معروفا أو متفقا عليه، وقد ابتدأ بأبي

الأسود الدؤلي (69 هـ)، وانتهى بالفيروزآبادي صاحب القاموس (816 هـ).

وبالرغم من أن كتب الطبقات قد بينت ذلك من قبل السيوطي فإن تناول الرجال من هذه الزاوية التي تهدف إلى ضبط تواريخهم يعد أمرا جديدا فيما يخص الدرس اللغوي حاول به السيوطي أن يستكمل ما فات اللغويين من قبل حتى يتكون من مجموع هذه الأبحاث منهج متناسق متكامل في نقد الرواية اللغوية يضاهي منهج أصحاب الحديث. وإذا كنا قد بحثنا ما قام به السيوطي من دراسات تتصل برجال اللغة ورواتها فإن علينا أن نتناول القسم الثاني وهو الخاص بالأسانيد لنرى ما قام به.

‌ب- الأسانيد:

والبحث في الأسانيد يشكل الشق الآخر لمنهج نقد الرواية سواء أكان في الحديث أم في اللغة أم في غيرهما من العلوم النقلية، وجوانب البحث في

(1) مقدمة ابن الصلاح ص 190.

(2)

المصدر السابق ص 189 - 193.

(3)

المزهر ج 1 ص 461.

ص: 251

الأسانيد عديدة، منها ما يعنى باتصال السند ويتفرع عن ذلك المرسل والمجهول والمنقطع، أو ما يعنى بالترجيح بين الروايات وبيان عددها ويتفرع عن ذلك المتواتر والآحاد والأفراد، أو ما يعنى بكيفية الرواية وهو ما يعرف بطرق الأخذ والتحمل ويتفرع عن هذه بعض البحوث الأخرى.

والواقع أن البحث في الأسانيد قد حظي لدى المحدّثين بعناية بالغة، وعرفت مصطلحات متنوعة لكل قسم من الأقسام منذ وقت مبكر بحيث قسموا الحديث باعتبار الاسناد إلى صحيح وحسن وضعيف، وقسموا الأسانيد باعتبار اتصالها إلى متصل ومرفوع وموقوف ومقطوع ومنقطع ومرسل ومعضل، وباعتبار مقارنة الأحاديث بعضها ببعض نجد الشاذ والمنكر إلى غير ذلك، ثم هناك البحث في طرق الأخذ والتحمل وصيغها، وبيان من تقبل روايته ومن ترد وغير ذلك من المصطلحات.

أما في اللغة فإن الأمر لم يكن يتجاوز عرفا بين اللغويين غير مكتوب، وليس ذلك بغريب فقد وضعت أصول الفقه بعد ظهور أئمة الفقهاء وكان منهجهم عرفا يحرصون عليه وهو عرف غير مكتوب، وكذلك وضعت أصول رواية الحديث بعد فترة غير قليلة ظهر فيها كثير من أئمة الرواة الذين حرصوا على آداب خاصة في الرواية والتزموا منهجا محددا وإن لم يكن مكتوبا، واستطاع واضعو الأصول بعد ذلك أن يستخلصوا من أقوالهم وأفعالهم منهجا محددا انتهى به الأمر إلى أن أصبح مصطلحات دقيقة محددة المعالم، وطريقا بينا واضحا، وكذلك الأمر في الرواية اللغوية، كانت أصولها عرفا لدى أئمة اللغة لم يعمد أحدهم إلى بحثها ووضعها في قواعد محددة، وإنما هي أصول راعوها في التطبيق إلى حد كبير بحيث يمكن أن تستخرج الأطر النظرية من واقع مسلكهم العملي، ذلك أن القدماء بصفة عامّة تقلّ عنايتهم بالتنظير، ولذا كانت البحوث النظرية عن الرواية اللغوية ونقدها لديهم قليلة، وقد بينت من قبل ما كان لديهم فيما يتصل بالرواة قبل السيوطي، وفيما يخص الأسانيد وبحثها لا نجد إلا بعض ملاحظات متناثرة لدى ابن فارس وأخرى لدى ابن جني ولا نجد من عني بها عناية فعلية غير ابن الأنباري الذي بحث اتصال الاسناد فعقد فصلا تحدث فيه

ص: 252

عن المرسل والمجهول «1» ، والمرسل «هو الذي انقطع سنده كأن يروي ابن دريد عن أبي زيد، والمجهول هو الذي لم يعرف ناقله نحو أن يقول أبو بكر بن الأنباري حدثني رجل عن ابن الأعرابي» «1» ، وقد اشترط ابن الأنباري اتصال السند، ولذلك فهو يرفض قبول المرسل والمجهول، وبالرغم من ذلك فإن حديثه يوضح ميل غيره إلى قبوله، كما تناول المتواتر والآحاد «3» ، وتحدث عن شروط المتواتر «4» ، وشروط الآحاد «5» ، وتناول الاجازة وجواز قبولها «6» .

ونجد من الأصوليين من تناول التواتر والآحاد في اللغة، وعلى ذلك فإن البحث في الأسانيد في ميدان اللغة لم يحظ باهتمام كبير قبل السيوطي، وقد حاول من خلال الأنواع الثمانية التي تناولها في أول كتابه ووضع لها نفس مصطلحات أهل الحديث أن يستدرك ما فات البيئة اللغوية من هذه الأبحاث التي عني بها أصحاب أصول الحديث، والتي تلزم لبناء منهج متكامل لنقد الرواية اللغوية.

وأول هذه الأنواع: «الصحيح أو الثابت والمحفوظ» «7» ، وقد وضع المؤلف هذه التسمية محاكيا ما يريده المحدثون عند تناولهم الصحيح حيث يذكرون الكتب التي عنيت بصحيح الحديث وغير ذلك، ولما كان الصحيح من اللغة يمثل غالبها فإن السيوطي قد فرع هذا النوع إلى عديد من الأبحاث اللغوية التي تتناول اللغة ونشأتها والطريق إلى معرفتها، مما يبدو بعيد الصلة عن العنوان الذي وضعه لهذا الفصل إلا إذا كان اعتباره بحث ما صحّ من اللغة من وجوه متنوعة، ونأخذ عليه أيضا أنه لم يبدأ بتعريف الصحيح في اللغة كما يفعل المحدثون في تعريف الصحيح عندهم إذ إن الصحيح من اللغة في رأينا أعم من أن يشمله تعريف أهل الحديث المقيد بالشروط وقد أحس السيوطي بأنه لم يضع حدا للصحيح في اللغة عند بداية الموضوع ولذلك فقد وضع هذا الحد في ثنايا حديثه عن مأخذ اللغة فعرف الصحيح بأنه «ما اتصل سنده بنقل العدل

(1) لمع الأدلة في أصول النحو ص 90.

(3)

المصدر السابق ص 83.

(4)

نفس المصدر ص 84.

(5)

نفس المصدر ص 85.

(6)

نفس المصدر ص 92.

(7)

المزهر ج 1 ص 7.

ص: 253

الضابط عن مثله إلى منتهاه على حد الصحيح من الحديث» «1» .

وتناول في النوع الثاني «ما روي من اللغة ولم يصح ولم يثبت» ، وذكر أنه «يقابل النوع الأول الذي هو الصحيح الثابت، والسبب في عدم ثبوت هذا النوع عدم اتصال سنده لسقوط راو منه أو جهالته أو عدم الوثوق بروايته لفقد شرط القبول فيه» «2» ، وقد مثل له بعدد من الأمثلة التي نقلها عن جمهرة ابن دريد والغريب لأبي عبيد والصحاح والتهذيب وغيرها، مما يتبين منه ما قلناه من أن المنهج النقدي للرواية كان عرفا متبعا لدى اللغويين وإن لم يحظ بتنظير كاف، وقد حاول السيوطي في هذا المبحث وغيره أن يضع الأصول النظرية إلى جوار التطبيق العملي.

وحين بحث المتواتر والآحاد مسبوقا كما ذكرنا بابن الأنباري اعتمد في الجانب النظري على سابقه، ثم نقل الاشكالات على التواتر عن الرازي، والأجوبة عليها للرازي وشراحه كالأصبهاني والقرافي، وقد سبق أن أشرنا إلى بعض ما ناقشه هؤلاء حين تحدثنا عن إهمال اللغويين البحث في رواتهم جرحا وتعديلا، ودفاع السيوطي عنهم، وتجنبا للإطالة فإنني أكتفي بالاحالة إلى ما نقله السيوطي من إشكالات على التواتر والآحاد فيما يخص اللغة وروايتها والاجابة عن هذه الاشكالات «3» ، وتعد هذه المناقشات التي نقلها السيوطي عن الأصوليين من أهم ما كتب في نقد الرواية اللغوية، وقد ختم السيوطي مبحثه بذكر عدد كبير من الأمثلة «مما تواتر على ألسنة الناس من زمن العرب إلى اليوم وليس هو في القرآن» «4» . وبهذا المجهود يعد الفصل الذي عقده السيوطي أكمل البحوث اللغوية في الموضوع حيث استوفى فيه أقوال السابقين وطبقها على اللغة بالأمثلة وزاد عليها بإدلاء رأيه في بعض الأحيان.

وكان على اللغويين نتيجة اشتراط اتصال السند أن يبحثوا الأسانيد التي سقط

(1) المزهر ج 1 ص 58.

(2)

المزهر ج 1 ص 103.

(3)

المزهر ج 1 ص 115 - 120.

(4)

المصدر السابق ج 1 ص 120 - 124.

ص: 254

من رواتها راو أو أكثر، وقد تناول المحدثون من قبل هذا المبحث فذكروا أن الارسال «هو رواية الراوي عمن لم يعاصره أو لم يلقه» «1» ، ولم يفرق الخطيب البغدادي بين المرسل والمنقطع بيد أن بعض المحدثين قد فرقوا بينهما حيث جعلوا المرسل خاصا بالتابعي أي ما سقط الصحابي من إسناده «2» ، والمنقطع «الذي فيه قبل الوصول إلى التابعي راو لم يسمع من الذي فوقه» «3» ، وهو نوعان: ما لم يذكر الساقط فيه معينا ولا مبهما، وما ذكر فيه بعض الرواة بلفظ مبهم كرجل وشيخ أما ما سقط من رواته اثنان فصاعدا وهو من أنواع المنقطع فيسمونه المعضل «4» .

وقد تناول أهل المصطلح هذه الأنواع بالبحث وحدث بينهم الخلاف في قبول الأخبار التي ترد وفي إسنادها نوع من أنواع الانقطاع السابقة، وذهب أكثرهم ومنهم الخطيب إلى عدم قبول المرسل، أي كل ما به انقطاع في إسناده، ولو كان الذي أرسله ثقات التابعين أو من الصحابة أنفسهم «5» .

ومن قبل السيوطي تناول ابن الأنباري اتصال السند في بحثه للمرسل والمجهول «6» ، والجدير بالذكر أن السيوطي تحدث عن المرسل منفصلا عن حديثه عن المجهول على نحو ما يفعل أهل الحديث الذي يذكرون المجهول بصدد بحثهم فيمن تقبل روايته ومن ترد «7» ، ويبدو من بحث ابن الأنباري أن اللغويين يقفون موقفا يبدو فيه الاضطراب والتردد بالنسبة للمرسل وإن جزم ابن الأنباري بعدم قبوله، وقد تناول السيوطي هذا المبحث تحت عنوان «المرسل والمنقطع» «8» ، ونلاحظ أنه لا يفرق بين المرسل والمنقطع كما حدث عند بعض

(1) الخطيب البغدادي: الكفاية في علم الرواية ص 384.

(2)

مقدمة ابن الصلاح ص 25.

(3)

المصدر السابق ص 27.

(4)

المصدر السابق ص 28.

(5)

الكفاية في علم الرواية ص 387.

(6)

لمع الأدلة في أصول النحو ص 90.

(7)

مقدمة ابن الصلاح ص 53 ضمن مبحث من تقبل روايته ومن ترد روايته ص 49 وما بعدها، المزهر ج 1 ص 141 ضمن مبحث من تقبل روايته ومن ترد.

(8)

المزهر ج 1 ص 125.

ص: 255

المحدثين، وإنما هما عنده اسمان لمسمى واحد حيث لم ينقل غير تعريف المرسل عن ابن الأنباري ولم يعرف المنقطع، وكأنه بذلك يتبع الخطيب البغدادي وبعض

المحدّثين الذين لم يفرقوا بينهما، وقد أورد السيوطي أقوال ابن الأنباري في المرسل ثم أتبعها بكثير من الأمثلة لمراسيل الروايات عن كتب اللغة، ولم يطل في هذه الأمثلة، ولم يبد تعليقات على أقوال ابن الأنباري وكأنه بذلك يكتفي بأن يقف مثل موقف سابقه.

ثم أفرد بعد ذلك مبحثا للأفراد «1» ، كما يفرد المحدثون له في كتبهم «2» ، وقد حدّه وبين حكمه بقوله:«وهو ما انفرد به واحد من أهل اللغة، ولم ينقله أحد غيره، وحكمه القبول إن كان المتفرد به من أهل الضبط والاتقان كأبي زيد والخليل والأصمعي وأبي حاتم وأبي عبيدة وأضرابهم، وشرطه ألا يخالفه فيه من هو أكثر عددا منه» «3» .

ولا نكاد نظفر لدى اللغويين قبل السيوطي بمثل هذا التحديد للأفراد، وبيان حكمها وشرط قبولها وإنما الذي نجده هو ما ينصون عليه في كتبهم من تفرد أحد الرواة بلفظة معينة أو بعبارة من العبارات. فللسيوطي في هذا المبحث فضل السبق في تحديده وبيانه، ثم له فضل جمع ما تفرق في كتب اللغة من أمثلة ما تفرد به الرواة وذكرها مجموعة منسقة، فهو يمثل لأفراد أبي زيد ثم لأفراد الخليل ثم يونس، وهكذا. وينبغي أن نشير إلى ملاحظة هامة هي أن اعتبار الأفراد إنما يكون بالنسبة إلى رواة اللغة كأبي زيد والأصمعي والخليل وأضرابهم، وهذا يخالف ما يتفرد به بعض القائلين الذين هم حجة في اللغة، فهذا النوع الأخير هو ما تناوله ابن جني ممثلا له بما انفرد به ابن أحمر الباهلي من ألفاظ لم تسمع من غيره من العرب «4» ، وعلى هذا فإن بحث الأفراد باعتبار الاسناد لم يتناوله ابن جني.

(1) المزهر ج 1 ص 129، النوع الخامس.

(2)

مقدمة ابن الصلاح ص 41.

(3)

المزهر ج 1 ص 129.

(4)

الخصائص ج 2 ص 21 - 28.

ص: 256

وفي الفصل التالي تناول السيوطي- على طريقة أهل الحديث- بحث من تقبل روايته ومن ترد «1» ، ونلاحظ أنه تناول نفس العناصر التي يبحثها أهل الحديث في هذا الموضوع «2» .

ولما كان مسبوقا هنا ببعض الملاحظات والدراسات التي قام بها اللغويون السابقون كابن فارس وابن الأنباري وغيرهما فإنه قد جمع في هذا الفصل ما سبقه من هذه الأقوال، وضم إليها ما رآه مناسبا من الأمثلة التي استخرجها من كتب اللغة. ويعد هذا الفصل من أقيم الفصول التي كتبها السيوطي فيما يتصل بنقد الرواية اللغوية بصفة عامة فقد بين أن العدالة شرط في نقد اللغة، وأن نقل العدل الواحد يقبل ولا يشترط أن يوافقه في النقل غيره، ونجد بعد ذلك ملاحظة هامة لاحظها بعض اللغويين وأكدها وبينها السيوطي وهي التفرقة في اللغة بين ناقلها وبين قائلها، فالعدالة تشترط في الناقل ولا تشترط في القائل ولذلك اعتمد على أشعار العرب الجاهليين وهم كفار، كما أخذت اللغة عن الصبيان بل وعن المجانين ممن خلصت عربيتهم.

وقد وقف اللغويون من المجهول موقفا يماثل موقف المحدثين في عدم قبوله، والمجهول هو الذي لا يعرف ناقله، أما الذي لا يعرف قائله فيختلف عن ذلك حيث يصح قبوله إذا نقله العدل، ومن أمثلته خمسون بيتا أوردها سيبويه لا يعرف قائلوها وليست من قبيل المجهول باعتبار الناقل، وقد وقع بعض اللغويين في هذا الخلط بين المجهول ناقله وبين المجهول قائله «1» .

كما عرض السيوطي لمسألة التعديل على الابهام التي لم يقبلها كثير من أهل الحديث «2» ، حيث اشترطوا ضرورة تسمية الرواة حتى يمكن معرفتهم جرحا وتعديلا ولا يكتفي بتعديل من يروي عنهم، بيد أن التعديل على الابهام قد وقع كثيرا في كتب أئمة اللغويين كسيبويه الذي كثيرا ما يذكر: «أخبرني الثقة، أو حدثني من أثق بعربيته دون أن يسمي المنقول عنه، وكتاب سيبويه مقبول موثق عند الجمهور، وهذا يدل على ما سبق أن لاحظناه من وجود بعض

(1) المزهر ج 1 ص 141، 142.

(2)

الخطيب البغدادي: الكفاية ص 373، 374، مقدمة ابن الصلاح ص 52.

ص: 257

التساهل في الرواية اللغوية. ويذكر السيوطي أن الشك في المنقول عنه يسقط الاحتجاج بالمنقول، وكذلك جهل عدالة أحد الراويين إذا قال: أخبرني فلان وفلان.

وهكذا فقد استطاع السيوطي ترسما لخطى المحدثين واستقصاء لأقوال اللغويين السابقين أن يعرض هذا البحث عرضا واضحا وأن يمثل بالأمثلة المناسبة من اللغة، وأن ينبه على بعض الملاحظات الدقيقة التي تراعى في اللغة ولا نجدها لدى أهل الحديث.

ويتصل ببحث الأسانيد عند أهل الحديث بيان كيفية سماع الحديث وتحمله وضبطه «1» ويتفرع عنه بيان طرق نقل الحديث وتحمله، وقد بحث الخطيب هذه الطرق والصيغ فذكر أن «سمعت» هي أرفع هذه العبارات، وبين كيفية استعمال النقلة لهذه الصيغ ودلالاتها عندهم، وعرضه يبين إلى حد كبير تطور هذه العبارات إلى أن كادت تستقر مصطلحات لها حدودها المعلومة في بيئة المحدثين «2» ، وقد حصرها ابن الصلاح في ثمانية أقسام أولها السماع من لفظ الشيخ بما ينقسم إليه من إملاء أو تحديث بغير إملاء وتناول هنا صيغ التحمل مرتبة حسب التمكن في السماع، فأعلاها «سمعت» ثم «حدثنا» و «حدثني» ثم يتلو ذلك «أخبرنا» ثم يتلوه «أنبأنا» و «نبأنا» وأقل العبارات «قال فلان أو ذكر فلان» .

وفي ترتيب هذه الصيغ والاحتجاج بها بعض الخلاف بين أهل الحديث بيد أن العرف الذي يكاد يستقر عليه غالب المحدثين هو ما ذكرنا «3» .

والقسم الثاني القراءة على الشيخ أو ما يسمى بالعرض «4» ، وما يتصل به من صيغ تقال فيه «4» ، والثالث الاجازة بأنواعها «6» ، خاصة كانت أو عامة والخلاف

(1) مقدمة ابن الصلاح ص 60.

(2)

الكفاية في علم الرواية ص 282 وما بعدها.

(3)

مقدمة عين الصلاح ص 62 - 64.

(4)

مقدمة ابن الصلاح ص 65، الكفاية ص 302.

(6)

الكفاية ص 311، المقدمة لابن الصلاح ص 72.

ص: 258

حول قبولها والعمل بها، فالخطيب ممن يرون قبولها بجميع أنواعها، وقد حكى بعض الخلاف في قبولها، بينما أورد ابن الصلاح كثيرا من الأقوال في عدم قبولها من قبل كثير من علماء الحديث.

والقسم الرابع المناولة «1» ، وما يقال فيها من عبارات، والخامس المكاتبة «2» ، والسادس الاعلام من الشيخ للطلب بأن هذا الحديث أو الكتاب سمعه من فلان «3» ، والسابع الوصية «4» ، من الشيخ برواية كتاب عند موته أو سفره لشخص معين، والثامن الوجادة «5» .

وقد أفاض المحدثون منذ القدم في بحث هذه الطرق من جميع وجوهها وأحكامها في القبول أو الرد، وكل ذلك يحدد أهلية الراوي الذي يحق له أن ينقل الحديث عن غيره إلى سامعيه.

وقد حاول السيوطي أن يطبق هذا المبحث برمته على اللغة، ولم يكن قد سبق به من قبل اللغويين، فكل ما تحدثوا فيه مما يتصل بالموضوع هو مأخذ اللغة الذي تناوله ابن فارس «6» ، بيد أنه أجمل القول فيه، ثم نجد حديثا موجزا عن الاجازة عند ابن الأنباري يهدف به إلى القول بصحة قبولها والرواية بمقتضاها «7» ، ولا نكاد نظفر ببحوث نظرية لدى اللغويين عن أصول الأخذ والتحمل وصيغه ومراتب عباراته في اللغة غير ما قدمنا، بيد أن كتب اللغويين تحرص على إيراد هذه الصيغ بما يبين أنهم عرفوا منهجا في التحمل مفرقين بين أقسامه حيث تدل على ذلك عباراتهم في الرواية، أي أنهم في مجال التطبيق قد اتبعوا هذا المنهج إلى حد كبير، ولكنهم أهملوا البحث النظري في هذا الموضوع

(1) مقدمة ابن الصلاح ص 79، الكفاية ص 330.

(2)

مقدمة ابن الصلاح ص 83.

(3)

المصدر السابق ص 84.

(4)

الكفاية ص 352، المقدمة ص 85.

(5)

الكفاية ص 353، المقدمة ص 86.

(6)

الصاحبي في فقه اللغة ص 30.

(7)

لمع الأدلة في أصول النحو ص 92.

ص: 259

بينما عني به أهل الحديث عناية بالغة والسبب في ذلك يرجع أيضا إلى الفارق الطبيعي بين المنقول في اللغة وبين المنقول في الحديث، وتوفر الدواعي إلى الكذب في الحديث وعدم توفرها في اللغة إلا بقلة، واستمرار الرواية عن الفصحاء إلى زمن متأخر، واستمرار الأخذ عن الأعراب إلى زمن أكثر تأخرا وهو ما جعل أسانيد اللغة- في كثير من الأحيان- أقصر من أسانيد الأحاديث، بالاضافة إلى الأسباب التي سبق بيانها عند الحديث عن العناية ببحث الرواة جرحا وتعديلا.

وعلى أية حال فلقد أغفل اللغويون بحث طرق الأخذ والتحمل في رواية اللغة، وقد حاول السيوطي أن يستدرك هذا النقص لديهم في المبحث الذي خصصه لهذا الموضوع «1» ، وترسم فيه خطى المحدثين فقد ذكر أن هذه الطرق ستة أولها السماع من لفظ الشيخ أو العربي وقد أورد ما قاله ابن فارس عن مأخذ اللغة في هذا الموضع، ثم بين صيغ الأداء والرواية، فأعلاها «أملى» ، وقد مثل لها ببعض الأمثلة التي وردت بكتاب اللغة ككتاب القالي، ويليها «سمعت» ، ويليها «حدثني فلان وحدثنا فلان» ، ويليها «أخبرني وأخبرنا» ثم «قال لي» ثم «قال» ثم «زعم» و «عن» وقد مثل لكل صيغة ببعض ما ورد في كتب اللغة من استعمالاتها، وذكر أن الشعر يقال فيه:«أنشدنا وأنشدني» وقد يستعمل فيه «حدثنا وسمعت» . والطريق الثانية هي القراءة على الشيخ ويقول عندها: «قرأت على فلان» . وثالثها السماع على الشيخ بقراءة غيره، ويقول عندها:«قرئ على فلان وأنا أسمع» ، والرابع الاجازة وذلك في رواية الكتب والأشعار المدونة وقد نقل السيوطي قول ابن الأنباري فيها وتجويزها، وخامسها المكاتبة، وسادسها الوجادة.

وقد مثل لكل من هذه الطرق ببعض ما وقع لها في كتب اللغة من أمثلة حيث استعملت عبارات من قبل اللغويين تنم عن مراعاة لطرق الأخذ والتحمل ودراية بها، ونرى أن هذه الطرق التي أوردها السيوطي هي نفس

(1) المزهر ج 1 ص 144، معرفة طرق الأخذ والتحمل.

ص: 260

الطرق التي يذكرها المحدثون، وإن يكن ابن الصلاح قد حصرها في ثمانية فإنها ترتد في الواقع إلى ست طرق لأن المناولة فرع من الاجازة والاعلام يندرج ضمن الوصية أو الوجادة.

ونظرا لطرافة هذا البحث النظري في ميدان اللغة فإن السيوطي لم يطل- لطبيعته النقلية- في الجانب النظري لقلة ما كتب فيه من قبل، واكتفى في غالب الأحيان بذكر كل عنصر ممثلا له بعديد من الأمثلة اللغوية، وبعبارة أكثر بيانا فلقد انتزع السيوطي الهيكل العام لطرق الأخذ والتحمل من بيئة المحدثين ووضعه في اللغة قالبا أجوف ثم صب فيه الأمثلة العديدة صبا، وكان الجدير به أن يعنى بالجانب النظري أكثر من ذلك، ولكن حسبه أنه السابق إلى تناول هذا الموضوع في اللغة.

والهدف من بحث الرجال وبحث الأسانيد تمييز الصحيح من المفتعل والمصنوع، وقد عني المحدثون بالموضوع من الأحاديث ونبهوا عليها، وألفوا فيها المؤلفات، وقد ألف فيها السيوطي كتابه «اللئالئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة» وألف فيها قبله عدد من أهل الحديث، ونبه عليه ابن الصلاح في مقدمته وبين كيفية الوضع والأسباب الداعية إليه، ومثل لذلك بما وضع على لسان ابن عباس وعلى لسان أبي بن كعب عن أحاديث فضائل القرآن سورة سورة «1» .

وإذا كان الوضع قد عرف في الحديث للأسباب الداعية إليه، فإن هنالك أسبابا قد توفرت وحملت على الوضع والكذب في اللغة، ولا سيما في الشعر والأخبار، وقد حظي نقد الشعر والأخبار وتمييز صحيحها من زائفها بعناية أئمة اللغويين والعلماء منذ وقت مبكر وقد كتب ابن سلام الجمحي مقدمة قيمة في نقد الشعر وتمييز صحيحه من زائفه والتنبيه على المصنوع من الأشعار «2» ، كما أشار كثير من العلماء في كتبهم إلى ما وضع من الأشعار والأخبار، ونبهوا في

(1) مقدمة ابن الصلاح: الموضوع ص 47، 48.

(2)

طبقات فحول الشعراء لابن سلام: المقدمة.

ص: 261