الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلته، فهكذا تخرجون من بلادنا. ثم استشاط غضباً، وأقسم بالشمس لأقتلَّنكم غداً. فقال المغيرة: ستعلم. ثم قال رستم للمغيرة: قد أمرت لكم بكسوة ولأميركم بألف دينار وكسوة ومركوب وتنصرفون عنا. فقال المغيرة أبعدَ أن أوهنَّا مُلْككم وضعَّفنا عزَّكم؟ ولنا مدة نحو بلادكم ونأخذ الجزية منكم عن يد وأنتم صاغرون وستصيرون لنا عبيداً علىء رَغْمِكم. فلما قال ذلك استشاط غضباً - انتهى في البداية.
وأخرجه الطبري عن ابن الرُّفَيْل عن أبيه وعن أبي عثمان النَّهدي وغيرهما - فذكر دعوة زُهْرة والمغيرة ورِبْعي وحذيفة رضي الله عنهم بطوله بمعنى ما تقدم.
بعث سعد طائفة من أصحابه إلى كسرى للدعوة قبل الوقعة
وأخرج ابن جرير عن حسين بن عبد الرحمن قال: قال أبو وائل: جاء سعد رضي الله عنه حتى نزل القادسية ومعه الناس قال: لا أدري لعلَّنا لا نزيد على سبعة آلاف أو ثمانية آلاف والمشركون ثلاثون ألفاً - كذا في هذه الرواية؛ وذكر في البداية عن سَيْف وغيره أنهم كانوا ثمانين ألفاً. وفي رواية: كان رُستم في مائة ألف وعشرين ألف يتبعها ثمانون ألفاً، وكان معه ثلاثة وثلاثون فيلاً منها فيل أبيض كان لسابور فهو أعظمها وأقدمها، وكانت الفيلة تألفه. انتهى؛ ونحو ذلك. فقالوا: لا يَدَ لكم ولا قوة ولا سلاح ما جاء بكم؟ إرجعوا. قال قلنا:
ما نحن براجعين. فكانوا يضحكون من نبلنا ويقولون: «دُوك دُوك» ويشبهونها بالمغازل. فلمَّا أبينا عليهم أن نرجع قالوا: إبعثوا إلينا رجلاً من عقلائكم يبين لنا ما جاء بكم؟ فقال المغيرة بن شعبة: أن، فعبر إليهم فقعد مع رُستم على السرير، فنخروا وصاحوا. فقال: إِنَّ هذا لم يزدني رفعة ولم ينقص صاحبكم. فقال رستم: صدقتَ، ما جاء بكم؟ فقال: إنا كنا قوماً في شر وضلالة فبعث الله إلينا نبياً فهدانا الله به ورزقنا على يديه، فكان فيما رزقنا حبّةٌ تنبت في هذا البلد، فلما يكلناها وأطعمناها أهلينا قالوا: لا صبر لنا عنها، أنزلونا هذه الأرض حتى نأكل من هذه الحبّة. فقال رستم: إذاً نقتلكم. قال: إن قتلتمونا دخلنا الجنة وإن قتلناكم دخلتم النار وأدَّيتم الجزية. قال: فلما قال وأدّيتم الجزية نخروا وصاحوا، وقالوا: لا صلح بيننا وبينكم. فقال المغيرة؛ تعبرون إلينا أو نعبر إليكم؟ فاستأخر المسلمون حتى عبروا فحملوا عليهم فهزموهم؛ كذا في البداية. وأخرجه الحاكم من طريق حصين بن عبد الرحمن عن أبي وائل قال: شهدت القادسية فانطلق المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فذكره مختصراً.
وأخرج الحاكم أيضاً عن معاوية بن قُرَّة رضي الله عنه قال: لما كان يوم القادسية بُعث بالمغيرة بن شعبة رضي الله عنه إلى صاحب فارس. فقال: إبعثوا معي عشرة. فبعثوا فشدَّ عليه ثيابه ثم أخذ حَجَفة ثم انطلق حتى أتَوه، فقال: ألقوا لي ترساً فجلس عليه، فقال العِلْج: إنكم - معاشر العرب - قد
عرفت الذي حملكم على المجيء إلينا، أنتم قوم لا تجدون في بلادكم من الطعام ما تشبعون منه، فخذوا نعطيكم من الطعام حاجتكم، فإنَّا قوم مجوس وإِنَّا نكره قتلكم، إنكم تنجِّسون علينا أرضنا. فقال المغيرة: والله ما ذاك جاء بنا، ولكنّا كنا قوماً نعبد الحجارة والأوثان، فإذا رأينا حجراً أحسن من حجر ألقيناه وأخذنا غيره، ولا نعرف ربّاً حتى بعث الله إلينا رسولاً من أنفسنا فدعانا إلى الإِسلام، فاتَّبعناه ولم نجيء للطعام، إنَّا أُمرنا بقتال عدوّنا ممَّن ترك الإِسلام، ولم نجيء للطعام لكنا جئنا لنقتل مقاتلتكم ونسبي ذراريكم. وأما ما ذكرت من الطعام فإنا لعمري ما نجد من الطعام ما نشبع منه، وربما لم نجد ريّاً من الماء أحياناً، فجئنا إلى أرضكم هذه فوجدنا فيها طعاماً كثيراً وماءً كثيراً، فوالله لا نبرحها حتى تكون لنا أو لكم؛ فقال العِلْج بالفارسية: صدق. قال وأنت تُفقأ عينك غداً ففقئت عينه من الغد، أصابته نُشَّابة - غريب. قال الحاكم: صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه، وقال الذهبي: صحيح، وأخرجه الطبراني عن معاوية رضي الله عنه مثله. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.
وذكر في البداية عن سَيْف أنَّ سعداً رضي الله عنه كان قد بعث طائفة من أصحابه إلى كسرى يدعونه إلى الله قبل الوقعة، فاستأذنوا على كسرى فأذن لهم، وخرج أهل البلد ينظرون إلى أشكالهم وأرديتُهم على عواتقهم، وسياطهم بأيديهم، والنِّعال في أرجلهم، وخيولهم الضعيفة، وخبطِها الأرض بأرجلها؛ وجعلوا يتعجَّبون منها غاية العجب؛ كيف مثل هؤلاء يقهَرون جيوشهم مع كثرة عَدَدها وعُدَدها. ولما استأذنوا على الملك يَزْدَجِرد أذن لهم وأجلسهم بين يديه - وكان مكبِّرا قليل الأدب - ثم جعل يسألهم عن ملابسهم هذه ما اسمها، عن الأردية والنِّعال والسِّياط. ثم كلَّما قالوا له شيئاً من ذلك تفاءل،
فرد الله فأله عى رأسه. ثم قال لهم: ما الذي أقدمكم هذه البلاد؟ أظننتم أنّا لما تشاغلنا بأنفسنا اجترأتم علينا فقال له النعمان بن مقرن رضي الله عنه: إِن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولاً يدلنا على الخير ويأمرنا به، ويعرِّفنا الشر وينهانا عنه، ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة. فلم يَدْعُ إلى ذلك قبيلة إلا وصاروا فرقتين: فرقة تقاربه، وفرقة تباعده؛ ولا يدخل معه في دينه إلا الخواص، فمكث كذلك ما شاء الله أن يمكث. ثم أُمر أن ينهد إلى من خالفه من العرب ويبدأ بهم، ففعل فدخلوا معه جميعاً على وجهين: مكروه عليه فاغتبط، وطائع إياه فازداد؛ فعرفنا جميعاً فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق، وأمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإِنصاف، فنحن ندعوكم إِلى ديننا، وهو دين الإِسلام، حسَّن الحَسَن وقبَّح القبيح كله. فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شر منه الجزاء، فإن أبيتم فالمناجزة. وإِن أجبتم إِلى ديننا، خلَّفنا فيكم كتاب الله، وأَقمناكم عليه على أن تحكموا بأحكامه، ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم، وإن أتيتمونا بالجِزَى قبلنا ومنعناكم، وإِلا قاتلناكم.
قال: فتكلم يزدجرد، فقال: إنِّي لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عدداً ولا أسوأ ذات بَيْن منكم؛ وقد كنَّا نوكل بكم قرى الضواحي ليكفوناكم، لا تغزوكم فارس ولا تطمعون أن تقوموا لهم، فإن كان عددكم كثر فلا يغرَّنكم منا، وإن كان الجهد دعاكم؛ فرضنا لكم قوتاً إلى خِصبكم، وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم، وملَّكنا عليكم ملكاً يرفق بكم. فأسكت القوم، فقام المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فقال: أيها الملك؛ إنَّ هؤلاء رؤوس
العرب ووجوههم، وهم أشرافٌ يستحيُون من الأشراف، وإنما يكرم الأشرافَ الأشرافُ، ويعظِّم حقوق الأشرافِ الأشرافُ، وليس كل ما أُرسلوا له جمعوه لك، ولا كل ما تكلَّمت به أجابوك عليه، وقد أحسنوا ولا يحسن بمثلهم إلا ذلك فجاوبني، فأكون أنا الذي أبلِّغك ويشهدون على ذلك. إنَّك قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالماً. فأمَّا ما ذكرت من سوء الحال فما كان أسوأ حالاً منا، وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع. كنا نأكل الخنافس والجِعلان، والعقارب والحيات، ونرى ذلك طعامنا. وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإِبل وأشعار الغنم؛ ديننا أن يقتل بعضنا بعضاً، وأن يبغي بعضنا على بعض، وإِنْ كان أحدنا ليدفن إبنته وهي حيّة كراهية أن تأكل من طعامه. وكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرت لك. فبعث الله إلينا رجلاً معروفاً نعرف نسبه، ونعرف وجهه ومولده، فأرضه خير أرضنا، وحسبه خير أحسابنا، وبيته خير بيوتنا، وقبيلته خير قبائلنا، وهو نفسه كان خيرَنا في الحال التي كان فيها أصدَقَنا وأحلَمنا. فدعانا إلى أمر فلم يجبه أحد أول من تِرْبٍ كان له وكان الخليفة من بعده. فقال وقلنا، وصدَّق وكذَّبنا، وزاد ونقصنا، فلم يقل شيئاً إلا كان، فقذف الله في قلوبنا التصديق له وأتباعه؛ فصار فيما بيننا وبين رب العالمين. فما قال لنا فهو قول الله، وما أمرنا فهو أمر الله. فقال لنا إنَّ ربَّكم يقول: أنا الله وحدي لا شريك لي، كنت
إذ لم يكن شيء وكلُّ شيء هالك إلا وجهي، وأنا خلقت كلَّ شيء، وإِليَّ يصير كلُّ شيء، وإنَّ رحمتي أدركتكم. فبعثت إليكم هذا الرجل لأدلَّكم على السبيل التي أُنجيكم بها بعد الموت من عذابي، ولأحلكم داري دار السلام. فنشهد عليه أنَّه جاء بالحق من عند الحق. وقال: من تابعكم على هذا فله ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أبَى فأعرضوا عليه الجِزْية ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم، ومن أبى فقاتلوه؛ فأنا الحكم بينكم، فمن قَتل منكم أدخلته جنتي، من بقي منكم أعقبته النصر