الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به، فقد بلغنا أنَّه إنَّما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له «الرحمن» وإِنَّا - والله - لا نؤمن بالرحمن أبداً، فقد أعذرنا إليك يا محمد أَما الله لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تُهلكنا، وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة وهي بنات الله. وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً.
فلما قالوا ذلك قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم - وهو ابن عمته عاتكة ابنة عبد المطَّلب - فقال: يا محمد، عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منه، ثم سألوك لأنفسهم أُموراً ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل ذلك، ثم سألوك أنْ تُعجِّل لهم ما تُخوِّفهم به من العذاب؛ فالله لا أؤمن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سُلَّماً، ثم ترقى به وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معك بصحيفة منشورة ومعك أربعةٌ من الملائكة يشهدون لك أنَّك كما تقول، وايْمُ الله لو فعلتَ ذلك لظننتُ أنِّي لا أُصدقك. ثم انصرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزيناً أسفاً لما فاتَه ممَّا كان طمع فيه من قومه حين دَعوه، ولمَا رأى من مباعدتهم إيَّاه. وهكذا رواه زياد بن عبد الله البَكَّائي عن ابن إسحاق عن بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكر مثله سواء؛ كذا في التفسير لابن كثير والبداية.
دعوته صلى الله عليه وسلم لأبي الحَيْسم وفتية من بني عبد الأشهل
وأخرج أبو نُعيم عن محمود بن لبيد أخي بني الأشهل قال: لمَّا قدم
أبو الحَيْسم أنس بن رافع مكة - ومعه فتيةٌ من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن مُعاذ يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج - سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم، فأتاهم فجلس إليهم فقال لهم:«هل لكم إلى خير مما جئتم له؟» فقالوا: ما ذاك؟ قال: «أنا رسول الله بعثني الله إلى العباد أدعوهم إلى الله أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، ونزَّل عليَّ الكتاب» . ثم ذكر الإِسلام، وتلا عليهم القرآن. فقال إياس بن معاذ - وكان غلاماً حَدَثاً -: أيْ قوم، هذا - والله - خير مما جئتم له. فأخذ أبو الحيسم أنس بن رافع حفنة من البطحاء وضرب بها وجه إياس بن معاذ، وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا، فصمت إياس وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرفوا إلى المدينة، فكانت وقعة «بُعاث» بين الأوس والخزرج، ثم لم يبث إياس بن معاذ أنْ هَلَك. قال محمود بن لبيد: فأخبرني مَنْ حضره من قومي عند موته: أنَّهم لم يزالوا يسمعونه يهلِّل الله، ويكبِّره، ويسبِّحه، حتى مات، فما يشكُّون أنْ قد مات مسلماً، لقد كان استشعر الإِسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع؛ كذا في كنز العمال. وأخرجه أيضاً أحمد والطبراني، ورجاله ثقات، كما قال الهيثمي. وأسنده أيضاً ابن إسحاق في المغازي عن محمود بن لبيد بنحوه، رواه جماعة عن ابن إسحاق وهو من صحيح حديثه كما قال في