الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طُرَفهم. كذا البداية. وأخرج حديث حاطب أيضاً ابن شاهين كما في الإِصابة.
كتابه صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران
أخرج البيهقي عن يونس بن بُكَير عن سَلَمة بن عبد يسوع عن أبيه عن جده - قال يونس: وكان نصراياً فأسلم - إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل نجرن قبل أن ينزل عليه: طاسَ سليمان.
فلما أتى الأسقُفَ الكتابُ وقرأه فَظِعَ به وذعر به ذعراً شديداً، وبعث إِلى رجل من أهل نجران يقال له شُرحَبيل بن وَدَاعة - وكان من هَمْدان ولم يكن أحد يُدعى إِذا نزلت مُعْضلة قبله، لا الأيهم ولا السيد، ولا العاقب - فدفع الأسقفُّ كتابت إلى شرحبيل فقرأه. فقال الأسقف: يا أبا مريم، ما رأيك؟ فقال شرحبيل: قد علمتَ ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النّبوة، فما يُؤمن أن يكون هذا هو ذاك الرجل، ليس لي في أمر النبوة رأي، ولو كان في أمر من أمور الدنيا لأشرتُ عليك فيه برأي واجتهدت لك، فقال له الأسقف: تنحَّ
فاجلس، فتنحَّى شرحبيل فجلس ناحية. فبعث الأسقفُّ إلى رجل من أهل نجران يقال له عبد الله بن شرحبيل وهو من ذي أصبح من حِمْير، فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه، فقال مثل قول شرحبيل، فقال الأسقفُّ: تنحَّ فاجلس، فتنحَّى عبد الله فجلس ناحية. فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له جبَّار بن فيض من بني الحارث بن كعب أحد بني الحماس، فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه، فقال له مثل قول شرحبيل وعبد الله، فأمره الأسقفُّ فتنحَّى فجلس ناحية.
فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعاً أمر الأسقف بالناقوس فضُرب به ورُفعت النيران والمسوح في الصوامع، وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار، وإِذا كان فزعهم ليلاً ضربوا بالناقوس، ورفعت النيران في الصوامع، فاجتمعوا حين ضرب بالناقوس ورُفعت المسوح أهل الوادي أعلاه وأسفله، وطول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع، وفيه ثلاث وسبعون قرية وعشرون ومائة ألف مقاتل. فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن الرأي فيه. فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمْداني وعبد الله بن شرحبيل الأصبحي وجَبَّار بن فيض الحارثي فيأتونهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم ولبسوا حُلُلاً لهم يجرونها من حِبَرة وخواتيم الذهب. ثم انطلقوا حتى أتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلَّموا عليه فلم يردَّ عليهم، وتصدَّوا لكلامه نهاراً طويلاً فلم يكلمهم وعليهم تلك الحلل وخواتيم الذهب. فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وكانا معرفة لهم - فوجدوهما في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس فقالوا: يا عثمان، ويا عبد الرحمن، إن نبيكم كتب إلينا كتاباً فأقبلنا مجيبين له،
فأتيناه فسلَّمنا عليه فلم يردَّ سلامنا، وتصدينا لكلامه نهاراً طويلاً فأعيانا أن يكلمنا؟ فما الرأي منكما؟ أترون أن نرجع؟ فقالا لعلي بن أبي طالب - وهو في القوم - ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟ فقال علي لعثمان وعبد الرحمن: أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم هذه ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودوا إِليه. ففعلوا فسلَّموا عليه فردَّ سلامهم، ثم قال:«والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرة الأولى وإنَّ إِبليس لمعهم» . ثم سألهم وسألوه، فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له: ما تقول في عيسى؟ فإنَّا نرجع إِلى قومنا ونحن نصارى يسرُّنا - إن كنت نبياً - أن نسمع
ما تقول فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما عندي فيه شيء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقول لي ربي في عيسى» . فأصبح الغد وقد أنزل الله هذه الآية: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ الْحَقُّ مِن رَّبّكَ فَلَا تَكُنْ مّن الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءنَا وَأَبْنَآءكُمْ وَنِسَآءنَا وَنِسَآءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} (آل عمران: 59 - 61) .
فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد بعدما أخبرهم الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خَميل له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة، وله يومئذٍ عدة نسوة. فقال شرحبيل لصاحبيه: لقد علمتما أنَّ الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يَرِدوا ولم يصدُرُوا إلا عن رأيي، وإنِّي - والله - أرى أمراً ثقيلاً، والله لئن كن هذا الرجل مبعوثاً فكنَّا أول العرب طعناً في عينيه وردّاً عليه أمره لا يذهب لنا من صدوره ولا من صدور أصحابه حتى يصيبونا بجائحة؛ وإنا لأدنى العرب منهم جواراً. ولئن كان هذا الرجل نبياً مرسلاً فلاعنّاه لا يبقى منا على وجه الأرض شَعَر ولا ظِفْر إلا هلك. فقال صاحباه: فما الرأي يا أبا مريم؟ فقال: أرى أن أكلِّمه، فإنِّي أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً. فقالا له: أنت وذاك. قال: فتلقَّى شرحبيلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: إنِّي قد رأيت خيراً من ملاعنتك. فقال: وما هو؟ فقال: حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمتَ فينا فهو جائز. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لعل وراءك أحداً يُثَرِّبُ
عليك» . فقال شرحبيل: سل صاحبيَّ، فسألها فقالا: ما يَرِدُ الوادي ولا يصدُر إِلا عن رأي شرحبيل. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يلاعنهم، حتى إذا كان من الغد أَتوه: فكتب لهم هذا الكتاب:
وذكر تمام الشروط. كذا في التفسير لابن كثير. وزاد في البداية بعد قوله - وذكر تمام الشروط: إلى أن شهد أبو سفيان بن حرب، وغيلان بن عمرو، ومالك بن عوف من بني نصر، والأقرع بن حابس الحنظلي، والمغيرة، وكتب. حتى إذا قبضوا كتابهم إنصرفوا إلى نجران ومع الأسقُفِّ أخ له من أُمِّه وهو ابن عمِّه من النسب يقال له بِشْر بن معاوية وكنيته أبو علقمة. فدفع الوفدُ كتابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأسقُفِّ، فبينما هو يقرأه وأبو علقمة معه وهما يسيران إذ كَبَت ببشر ناقتُه، فَتَعَّسَ بشر غير أنه لا يكني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الأسقُف عند ذلك: قد - والله - تعَّسْتَ نبياً مرسلاً. فقال له بِشْر: لا جَرَم - والله - لا أحلُّ عنها عقداً حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرف وجه ناقته نحو المدينة وثَنى الأسقف ناقته عليه فقال له: أفهم عني إنَّما قلت هذا ليبلغ عني العرب مخافة أن يروا أنَّا أخذنا حقه أو رضينا بصوته أو بخعنا لهذا الرجل بما لم تبخع به العرب، ونحن أعزهم وأجمعهم داراً. فقال له بشر: لا والله لا أقبل ما خرج من رأسك أبداً، فضرب بشر ناقته - وهو مولِّي الأسقف ظهره - وارتجز
يقول:
إليكَ تغدو قَلِقاً وضينها
معترضاً في بطنها جنينُها
مخالفاً دين النصارى دينُها
حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، ولم يزل معه حتى قتل بعد ذلك. قال: ودخل الوفد نجران. فأتى الراهبَ ابن أبي شمر الزبيدي وهو في رأس صومعته. فقل له: إِنَّ نبياً بُعث بتهامة - فذكر ما كان من وفد نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه عرض عليهم الملاعنة فأبَوا، وأنَّ بشر بن معاوية دفع إليه فأسلم - فقال الراهب: أنزلوني، وإلا ألقيت نفسي من هذه الصومعة. قال: فأنزلوه، فأخذ معه هدية وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها هذا البُرْد الذي يلبسه الخلفاء، وقَعْبُ، وعصا. فأقام مدّة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع الوحي، ثم رجع إلى قومه ولم يُقدِّر له الإِسلام ووعد أنه سيعود فل يُقدَّر له حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأسقُف أبا الحارث أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه السيد والعاقب ووجوه قومه، فأقاموا عنده يسمعون ما ينزل الله عليه، وكتب للأسقفِّ هذا الكتاب ولأساقفة نجران بعده.
كتابه عليه السلام إلى الأسقف أبي الحارث