الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتح الباري.
قتل أبي رافع سَلام ابن أبي الحُقَيق
أخرج ابن إسحاق عن عبد الله بن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: وكان مما صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن هذين الحيَّين من الأنصار: الأوس والخزرج كانا يتصاولان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تصاولَ الفحلين، لا تصنع الأوس شيئاً فيه غَنَاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقالت الخزرج: والله لا تذهبون بهذه فضلاً علينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينتهون حتى يُوقعوا مثلَها. وإذا فعلت الخزرج شيئاً قالت الأوس مثل ذلك. قال: ولما أصابت الأوس كعبَ بن الأشرف في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الخزرج: والله لا تذهبون بها فضلاً علينا أبداً. قال: فتذاكروا مَنْ رجلٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العداوة كابن الأشرف، فذكرا ابن أبي الحُقَيق وهو بخيبر، فاستأذنوا الرسول صلى الله عليه وسلم في قلته، فأذن لهم. فخرج من الخزرج من بني سَلِمة خمسة نفر: عبد الله بن عَتِيك، ومسعود بن سِنان، وعبد الله بن أُنيْس، وأبو قتادة الحارث بن رِبعي، وخُزاعي بن الأسود - حليف لهم من أسلَم - فخرجوا، وأمّر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك، ونهاهم أن يقتلوا وليداً أو إمرأة.
فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر أتَوا دار ابن أبي الحُقَيق ليلاً، فلم يَدَعوا بيتاً في الدار حتى أغلقوه على أهله. قال: وكان عِلَّية له إليها عَجَلة. قال: فأسندوه إليها حتى قاموا على بابه فاستأذنوا. فخرجت إليهم إمرأته
فقالت: من أنتم؟ قالوا: أناس من العرب نلتمس المِيرَة. قالت: ذاكم صاحبكم، فادخلوا عليه. فلما دخلنا أغلقنا علينا وعليه الحجرة تَخَوّفاً أن يكن دونه مجاولة تحول بيننا وبينه. قال: فصاحت إمرأته فنوَّهت بنا فابتدرناه - وهو على فراشه - بأسيافنا، فوالله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه، كأنه قُبْطيّة ملقاة. قال: فلما صاحت بنا إمرأته جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكفّ يده، ولولا ذلك لفرغنا منها بليل. قال: فلما ضربناه بأسيافنا تحمل عليه عبد الله بن أُنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه وهو يقول: قَطْني قَطْني - أي حَسْبي حَسْبي -. قال: وخرجنا - وكان عبد الله بن عتيك سيّىء البصر - فوقع من الدرجة، فوئئت يده وئئاً شديداً، وحملناه حتى نأتي به مَنْهَراً من عيونهم فندخل فيه. قال: فأوقدوا النيران واشتدوا في كل وجه يطلبوننا، حتى إذا يئسوا رجعوا إليه فاكتنفوه، وهو يقضي بينهم.
قال: فقلنا: كيف لنا بأن نعلم أن عدوَّ الله قد مات؟ قال: فقال رجل منا: أنا أذهب فأنظر لكم، فانطلق حتى دخل في الناس. قال: فوجدتها - يعني إمرأته - ورجال يهود حوله وفي يدها المصباح تنظر في وجهه وتحدِّثهم، وتقول: أما - والله - لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت نفسي وقلت: أنَّى ابن عتيك بهذه البلاد؟ ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه فقالت: فاظَ، وإله يهود فما سمعت كلمة كانت ألذّ على نفسي منها. قال: ثم جاءنا فأخبرنا، فاحتملنا صاحبنا وقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بقتل عدو الله، واختلفنا عنده في
قتله، كلنا يدّعيه. قال: فقال: «هاتوا أسيافكم» فجئنا به فنظر إِليها فقال لسيف عبد الله بن أُنيس: «هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام» . كذا في البداية، وسيرة ابن هشام.
وعند البخاري عن البراء رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع اليهودي رجالاً من الأنصار، وأمّر عليهم عبد الله بن عتِيك رضي الله عنه، وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز. فلما دَنوا منه - وقد غربت الشمس وراح الناس بسَرْحهم - قال عبد الله: إجلسوا مكانكم، فإني منطلق ومتلطِّف للبواب لعلِّي أن أدخل، فأقبل حتى دنا من الباب، ثم تقنع بثوبه، كأنه يقضي حاجته وقد دخل الناس؛ فهتف به البواب: يا عبد الله، إن كنت تريد أن تدخل فادخل، فإني أريد أن أغلق الباب، فدخلتُ فكمنتُ. فلمَّا دخل الناس أغلق الباب، ثم علَّق الأغاليق على ودّ. قال: فقمت إلى الأقاليد وأخذتها وفتحت الباب. وكان أبو رافع يُسمَر عنده، وكان في عَلاليَّ له. فلما ذهب عنه أهل سَمَره صعدت إليه، فجعلت كلما فتحت باباً أغلَقت عليّ من داخل فقلت: إِن القومُ نذروا بي لم يخلُصوا إليّ حتى أقتله، فانتهيت إِليه فإذا هو في بيت مظلم - وَسْطَ عياله -، لا أدري أين هو من البيت. قلت: أبا رافع، قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه بالسيف ضربة وأنا دهش فما أغنيت شيئاً، وصاح فخرجت من البيت، فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليه فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟
فقال: لأمِّك الويل إنَّ رجلاً في البيت ضربني قَبْلُ بالسيف. قال: فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله، ثم وضعت ظُبَةَ السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب باباً باباً حتى انتهيت إلى درجة له، فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت إِلى الأرض، فوقعت في ليلة مقمرة، فانكسرت ساقي، فعصبته بعمامة ثمَّ انطلقت، حتى جلست على الباب، فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته. فلما صاح الديك قام الناعي على السور، فقال: أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز؛ فانطلقت إلى أصحابي فقلت: النجاءَ، فقد قتل الله أبا رافع. فانتهيت إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فحدَّثته. فقال: «أبسط رجلك» فبسطت رجلي فمسحها فكأنما لم أشتكِها قط. وأخرجه البخاري أيضاً بسياق آخر، تفرّد به البخاري بهذه السياقات من بين أصحاب الكتب الستة، ثم قال: قال الزهري: قال أُبيّ بن كعب: فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال: «أفلحت الوجوه» . قالوا: أفلح وجهك يا رسول الله. قال: «أفتكتموه؟» قالوا: نعم. قال: «ناولني السيف» ، فسلَّه فقال:«أجل، هذا طعامه في ذُباب السيف» . كذا في البداية.
قتل ابن شيبة اليهودي
أخرج أبو نُعيم عن بنت مُحَيِّصة عن أبيها رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه» . فوثب مُحيّصة على ابن شيبة - رجل من تجار يهود وكان يلابسهم ويبايعهم - فقتله؛ وكان حُويّصة إذ ذاك لم يسلم وكان أسنَّ من محيِّصة. فلما قتله جعل حويّصة يضربه ويقول: أي عدو الله، قتلته؟ أما - والله - لربَّ شحم في بطنك من ماله فقلت: والله، لو