الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: «بثمنها يا أبا بكر» ، فقال: بثمنها - بأبي وأمي - إن شئت. قالت: فهيّأنا لهم سُفْرة، ثم قطعت نِطاقها فربطتها ببعضه. فخرجا فمكثا في الغار في جبل ثور. فلما انتهيا إليه دخل أبو بكر الغار قبله، فلم يترك فيه جُحْراً إلا أدخل فيه أصبعه مخافة أن يكون فيه همَّة. وخرجت قريش حين فقدوهما في بُغائهما، وجعلوا في النبي صلى الله عليه وسلم مائة ناقة، وخرجوا يطوفون في جبال مكة حتى انتهَوا إلى الجبل الذي هما فيه. فقال أبو بكر - لرجل مواجه الغار -: يا رسول الله، إنَّه ليرانا، فقال:«كلا إنَّ ملائكة تسترنا بأجنحتها» . فجلس ذلك الرجل فبال مواجه الغار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو كان يرانا ما فعل هذا» . فمكثا ثلاث ليالٍ، يُرَوِّحُ عليهما عامر بن فُهَيرة مولى أبي بكر غنماً لأبي بكر، ويُدلج من عندهما، فيصبح مع الرعاة في مراعيها، ويُرَوِّحُ معهم ويبطىء في المشي، حتى إذا أظلم لليل إنصرف بغنمه إليهما؛ فتظن الرعاة أنه معهم. وعبد الله بن أبي بكر يظلّ بمكة يتطلَّب الأخبار، ثم يأتيهما إذا أظلم الليل فيخبرهما، ثم يُدلج من عندهما فيصبح بمكة.
خروجه عليه السلام من الغار للمدينة
ثم خرجا من الغار فأخذا على الساحل، فجعل أبو بكر يسير أمامه، فإذا خشي أن يُؤتى من خلفه سار خلفه، فلم يزل كذلك مسيره. وكان أبو بكر رجلاً معروفاً في الناس، فإذا لقيه لاقٍ فيقول لأبي بكر: من هذا معك؟ فيقول: هادٍ يهديني - يريد الهدى في الدِّين - ويحسب الآخر دليلاً، حتى إذا كان بأبيات قُدَيد - وكان على طريقِهِما - جاء إِنسان إلى بني مُدْلج فقال: قد رأيت راكبين
نحو الساحل، فإنِّي لأجدها لصاحب قريش الذي تبغون. فقال سراقة بن مالك: ذانك راكبان ممن بعثنا في طَلِبَة القوم، ثم دعا جاريته فسارَّها، فأمرها أن تخرج فرسه ثم خرج في آثارهما. قال سراقة: فدنوت منهما - فذكر قصته كما ستأتي. قال الهيثمي: وفيه: يعقوب بن حُمَيد بن كاسب وثَّقه ابن حِبَّان وغيره، وضعَّفه أبو حاتم وغيره؛ وبقية رجاله رجال الصحيح. اهـ.
ثناء عمر على أبي بكر وذكره خوف أبي بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما ذهبا للغار
وأخرج البيهقي عن ابن سِيرين قال: ذكر رجال على عهد عمر رضي الله عنه فكأنهم فضَّلوا عمر على أبي بكر، فبلغ ذلك عمر فقال: والله لليلةٌ من أبي بكر خيرٌ من آل عمر، وليومٌ من أبي بكر خيرٌ من آل عمر. لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة إنطلق إلى الغار ومعه أبو بكر، فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه، حتى فطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«يا أبا بكر، مالك تمشي ساعة خلفي وساعة بين يدي؟» فقال: يا رسول الله، أذكر الطَلَب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرَّصَد، فأمشي بين يديك. فقال:«يا أبا بكر، لو كان شيء لأحببتَ أن يكون بك دوني؟» قال: نعم، والذي بعثك بالحق. فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك - يا رسول الله - حتى استبرىء لك الغار. فدخل فاستبرأه، حتى إذا كان ذكر أنه لم يستبرىء الجِحَرَةَ، فقال: مكانك - يا رسول الله - حتى أستبرأ، فدخل فاستبرأ، ثم قال: إنزل يا رسول الله، فنزل. ثم قال عمر: والذي نفسي بيده، لتلك الليلة خيرٌ من آل عمر. كذا