الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأحدهما داخل في الخيمة والآخر يمسك الرحلتين. قال: فنظرت فإذا خالد بن الوليد. قال قلت: أين تريد؟ قال: محمداً، دخل الناس في الإِسلام فلم يبقَ أحد به طعم، والله، لو أقمت لأخذ برقابنا كما يؤخذ برقبة الضُّبُع في مغارتها. قلت: وأنا - والله - قد أردت محمداً وأردت الإِسلام. فخرج عثمان بن طلحة فرحَّب بي، فنزلنا جميعاً في المنزل ثم اتفقنا حتى أتينا المدينة، فما أنسَى قول رجل لقيناه ببئر أبي عتبة يصيح: يا رباح، يا رباح، يا رباح فتفاءلنا بقوله وسرَّنا، ثم نظر إلينا فأسمعه يقول: قد أعطت مكة المقادة بعد هذين، وظننت أنه يعنيني ويعني خالد بن الوليد، وولَّى مدبراً إلى المسجد سريعاً. فظننت أنه بشَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومنا، فكان كما ظننت، وأنخنا بالحرَّة فلبسنا من صالح ثيابنا، ثم نُوديَ بالعصر فانطلقنا حتى اطَّلعنا عليه وإِن لوجهه تهللاً والمسلمون حوله قد سُرُّوا بإسلامنا، فتقدَّم خالد بن الوليد فبايع، ثم تقدَّم عثمان بن طلحة فبايع، ثم تقدَّمت، فوالله، ما هو إلا أن جلست بين يديه فما استطعت أن أرفع طَرْفي حياءً منه. قال: فبايعته على أن يغفر لي ما تقدَّم من ذنبي ولم يحضرني ما تأخر. فقال: «إن الإِسلام يجبُّ ما كن قبله، والهجرة تجبّ ما كان قبلها» . قال: فوالله، ما عَدَلَ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد بن الوليد أحداً من أصحابه في أمر حَزَبه منذ أسلمنا. كذا في البداية.
قصة إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه
أخرج الواقدي عن خالد رضي الله عنه قال: لمّا أراد الله بي ما أراد من الخير قذف في قلبي الإِسلام وحضرني رُشدي، فقلت: قد شهدت هذه المواطن كلَّها على محمد صلى الله عليه وسلم فليس في موطن أشهده إلا أنصرفُ وأنا أرى في نفسي أني مُوضِعٌ في غير شيء وأنَّ محمداً سيظهره. فلم اخرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية خرجت في خيل من المشركين فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه بعُسْفان، فقمت بإزائه وتعرَّضت له. فصلّى بأصحابه الظهر أمامنا فهممنا أن نُغير عليهم ثم لم يُعم لنا - وكانت فيه خِيرة، فاطَّلع على ما في أنفسنا من الهمِّ به. فصلَّى بأصحابه صلاة العصر: صلاة الخوف. فوقع ذلك منَّا موقعاً، وقلت: الرجل ممنوع، فاعتزَلَنا وعَدَل عن سير خيلنا وأخذ ذات اليمين. فلما صالح قريشاً بالحديبية ودافعته قريش بالرواح قلت في نفسي: أيُّ شيء بقي؟ أين أذهب؟: إلى الن جاشي؛ فقد اتبع محمداً وأصحابه عنده آمنون فأخرج إِلى هرقل، فأخرج من ديني إلى نصرانية أو يهودية، فأقيمُ في عجم، أفأقيم في داري بمن بقي؟. فأنا في ذلك إذ دخلت مكّة في عمرة القضيّة، فغيَّبت ولم أشهد دخوله، وكان أخي الوليد بن الوليد قد دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضيّة، فطلبني فلم يجدني، فكتب إِليَّ كتاباً فإذا فيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد: فإني لم أرَ أَجب من ذهاب رأيك عن الإِسلام، وعقلك عقلك ومثل الإِسلام جهله أحد؟ وقد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك، وقال: أين خالد؟ فقلت: يأتي الله به. فقال: «مثله جهل الإِسلام؟ ولو كان جعل نكايته وجِدِّه مع المسلمين كان خيراً له، ولقدّمناه على غيره» فاستدرك يا أخي ما قد فاتك من مواطن صالحة» .
قال: فلما جاءني كتابه نشطت للخروج، وزادني رغبة في الإِسلام، وسرني سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عني، وأرى في النوم كأنِّي في بلاد ضيِّقة مجدبة، فخرجت في بلاد خضراء واسعة، فقلت: إِنَّ هذه لرؤيا. فلما أن قدمت المدينة قلت: وذكرنّها لأبي بكر فقال: مَخْرجُك الذي هداك الله للإِسلام، والضيق الذي كنت فيه من الشرك.
قال: فلما أجمعت الخروج إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: من أصاحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيت صفوان بن أُمية، فقلت: يا أبا وَهْب، أما ترى ما نحن فيه؟ إنما نحن كأضراس، وقد ظهر محمد على العرب والعجم. فلو قدمنا على محمد واتبعناه فإنَّ شرف محمد لنا شرف. فأبى أشدَّ الإِباء، فقال: لو لم يبق غيري ما اتبعته أبداً، فافترقنا. وقلت: هذا رجل قُتل أخوه وأبوه ببدر. فلقيت عِكْرمة بن أبي جهل، فقلت له مثل ما قلت لصفوان بن أُمية، فقال لي مثل ما قال صفوان بن أُمية. قلت: فاكتم عليَّ. قال: لا أذكره، فخرجت إلى منزلي فأمرت براحلتين فخرجت بها إلى أن لقيت عثمان بن طلحة. فقلت؛ إنَّ هذا لي صديق فلو ذكرت له ما أرجو. ثم ذكرت من قُتل من آبائه فكرهت أن أذكِّره. ثم قلت: وما عليَّ؟ وأنا راحل من ساعتي. فذكرت له ما صار الأمرُ إليه، فقلت: إنما نحن بمنزلة ثعلب في جحر لو صُبَّ فيه ذَنُوبٌ من ماء لخرج، وقلت له نحواً ممّا قلت لصاحبيَّ، فأسرع الإِجابة. وقلت له: إني غدوت اليوم وأنا أريد أن أغدو وهذه راحلتي بفجِّ مَنَاخة. قال: فاتعدت أنا وهو يأجُجَ إن سبقني أقام وإن سبقته أقمت عليه. قال: فأدلجنا سَحَراً فلم يطلع الفجر حتى التقينا بيأجج. فغدونا حتى انتهينا إلى الهدّة، فنجد عمرو بن العاص بها. قال: مرحباً بالقوم، فقلنا: وبك. فقال إلى أين مسيركم؟ فقلنا: وما أخرجك؟ فقال: وما أخرجكم؟ قلنا: الدخول في الإِسلام واتباع محمد صلى الله عليه وسلم قال: وذاك الذي أقدمني. فاصطحبنا جميعاً
حتى دخلنا المدينة فأنخنا بظهر الحرَّة ركابنا. فأُخبر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسُرَّ بنا. فلبست من صالح ثيابي ثم عمدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيني أخي فقال: أسرع فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُخبر بك