الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية عشرة: ما جاء في التصاوير
32 -
حدثنا محمد بن محبوب، قال حدثنا وهيب، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس -رضى الله عنهما- قال: الصورة الرأس، فإذا قطع
= ويؤيد ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه قولُه صلى الله عليه وسلم: "الريح من روح الله، تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها، فلا تسُبوها، وسلوا الله خيرها، واستعيذوا بالله من شرّها". رواه أبو داود (5/ 396 رقم 5056).
قال الشافعي في الأم (1/ 421): "لا ينبغي شتم الريح فإنها خلق مطيع لله وجند من جنوده يجعلها رحمة إذا شاء ونقمة إذا شاء".
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند هبوب الريح، ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به، قالت: وإذا تخيلت السماء تغير لونه، وخرج ودخل وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سري عنه، فعرفت ذلك في وجهه، قالت عائشة: فسألته، فقال: لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24]. أخرجه مسلم (899).
فهذا النبي صلى الله عليه وسلم يخاف أن تكون هذه الريح فيها عذاب من الله، وهو أتقى الخلق، وأكرمهم على الله وزمانه أفضل الأزمنة، فكيف بزماننا هذا وكثير من الناس قد بعدوا عن شرع ربهم، وغفلوا عن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم. والله المستعان!.
الرأس فليس هي صورة.
حدثنا أحمد قال: حدثنا إسماعيل، عن خالد، عن عكرمة نحوه، لم يذكر ابن عباس
(1)
.
33 -
حدثنا عبيد الله بن معاذ قال: حدئنا أبي قال: حدثنا سعيد، عن عدي بن ثابت، عن خالد بن سعد قال: دُعي أبو مسعود لطعام فقال: أفي البيت صورة؟ فقيل له: نعم. فلم يذهب حتى كسرت
(2)
.
(1)
مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود السجستاني (ص 350 - مسألة رقم 1676).
أثر ابن عباس: إسناد رجاله ثقات، ووُهَيب: هو ابن خالد بن عجلان الباهلي. التقريب (ص 515)، وخالد: هو ابن مهران الحذاء. التقريب (ص 131). وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 270) من طريق وهب عن أيوب عن عكرمة به. والأثر صحيح موقوفا ولم يثبت رفعه. انظر السلسلة الصحيحة (1921). -وأثر عكرمة: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (25808) عن ابن علية عن أيوب عن عكرمة مثله. وإسناده صحيح.
(2)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 340).
رجال إسناده ثقات.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 268) من طريق شعبة عن عدي بن ثابت به. وصحح إسناده ابن حجر كما في الفتح (9/ 310)، وانظر آداب الزفاف للألباني ص 93.
34 -
حدثنا إسحاق قال: أخبرنا معتمر بن سليمان قال: أخبرنا ليث قال: دخلت على سالم بن عبد الله وهو متكئ على وسادة فيها تصاوير وحش أو سباع فقلت: أما تكره هذا؟ قال: يكره للذي يصورها، ثم قال سالم: سمعت أبي يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صور شيئا كلف أن يحييه يوم القيامة
(1)
، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الفتنة ها هنا وأشار بيده نحو المشرق"
(2)
. قال: قلت له: بما جهزك أبوك؟ قال: بتابوتين من خضب، وحجَلة
(3)
من صوف، ونبد وسائد، وزريبة، وسرير عليه حشية قال: قلت: إلى من أرسل؟ قال: أرسل إلى أبي أيوب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعو لنا بالبركة، فلما رأى ما في البيت أبى أن يدخل،
(1)
أخرجه البخاري (كتاب اللباس، باب من صور صورة كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ، ح 5963) عن ابن عباس مرفوعا، ومسلم (كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان، ح 2110) بلفظ: "من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ".
(2)
أخرجه البخاري (كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، ح 3279).
(3)
الحجلة بالتَّحْريك: بَيْت كالقُبَّة يُسْتَر بالثِّيَاب وتكون له أزْرَارٌ كبَارٌ وتُجْمَع على حِجَال. النهاية لابن الأثير (1/ 347).
وقال: ما كنت أرى أن تدعوني إلى مثل هذا أو كما قال
(1)
.
35 -
قال إبراهيم
(2)
: "أصاب أصحابنا خمائص
(3)
فيها صلب
(4)
،
(1)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 340).
في إسناده ليث: وهو ابن أبي سليم، وهو ضعيف. انظر ترجمته عند الأثر رقم (14).
فيكون الأثر ضعيفًا. إلا ما كان مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو صحيح كما هو مخُرَّج.
وأخرجه -دون قصة أبي أيوب رضي الله عنه أحمد في المسند (2/ 145) عن حفص بن غياث عن ليث به، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 285) عن عبد الواحد ابن زياد عن ليث به. أما قصة دعوة ابن عمر لأبي أيوب رضي الله عنهم، فقد أخرجها ابن أبي شيبة في المصنف (25762)، وأحمد في الورع (ص 152)، والطبراني في المعجم الكبير (4/ 118)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (16/ 50) وجوَّد إسناده الألباني في آداب الزفاف (ص 129).
(2)
هو النخعي.
(3)
خمائص: جمع خميصة، وهي ثَوْب خَزٍّ أو صُوف مُعْلَم. وقيل: لا تُسَمَّى خَمِيصةً إلا أن تكون سَوْدَاء مُعْلَمة، وكانت من لِبَاس الناس قديِمًا. النهاية لابن الأثير (2/ 82).
(4)
صُلْب وصلبان جمع صليب، وهو ما كان على شكل خطين متقاطعين من خشب أو معدن أو نقش أو غير ذلك. وما يصلب عليه. وعند النصارى: الخشبة التي =
فجعلوا يضربونها بالسلوك
(1)
، يمحونها بذلك"
(2)
.
= يزعمون أنه صلب عليه المسيح. المعجم الوسيط (1/ 519). وانظر لسان العرب لابن منظور (1/ 530 - 531).
(1)
السلوك: هكذا جاءت هذه اللفظة أيضا عند ابن مفلح في الآداب الشرعية، ولعلها مأخوذة من "السِّلك" الذي هو الخيط، فكانوا يخيطون على الصورة من أجل أن تذهب معالمها. لكن جاء عند ابن رجب في أحكام الخواتيم (ص 78)"فجعلوا يضربونها بالسواك" بدل السلوك، فلعل كلمة "السواك" صحفت إلى "السلوك" والله أعلم.
(2)
مسائل الإمام أحمد برواية ابنه صالح (1/ 252 - رقم 191).
وقد أورد قولَ إبراهيم ابنُ رجب في أحكام الخواتيم (ص 78)، وابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 481).
التعليق: لقد حرم الله عزَّوجلَّ على عباده أن يشابهوه في خلق المخلوقات، فهو المتفرد بالخلق لا خالق إلا هو سبحانه، وهو المصوِّر لهذه المخلوقات المباع لها من عدم، قال الله تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: 11]. فلمّا يقوم ابن آدم بعمل الصور يكون قد شابه الله في صنعة الخلق. فقد روى البخاري في صحيحه (5953) عن أبي زرعة قال: دخلت مع أبي هريرة دارا بالمدينة، فرأى أعلاها مصورا يصور قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [قال الله تعالى]: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=وقال صلى الله عليه وسلم: "إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون". أخرجه البخاري (5950).
والمقصود بالصور المنهي عنها، هي التي تكون من ذوات الأرواح. ويؤيد هذا ما أخرجه البخاري في صحيحه (2225) عن سعيد بن أبي الحسن قال: كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال يا أبا عباس: إني إنسان، إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير. فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، سمعته يقول:"من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا". فرَبا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه، فقال: ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر، كل شيء ليس فيه روح".
قال ابن حجر في الفتح (10/ 484): "من صور صورة في الدنيا كذا أطلق وظاهره التعميم فيتناول صورة ما لا روح فيه، لكن الذي فهم ابن عباس من بقية الحديث التخصيص بصورة ذوات الأرواح من قوله: "كلف أن ينفخ فيها الروح" فاستثنى ما لا روح فيه كالشجر". وانظر عمدة القاري للعيني (12/ 38).
ودل أثر ابن عباس رضي الله عنه -الذي في الباب- على أن صورة الحيوان إذا قطع منها الرأس فلا تكون محرمة، ودليل ذلك ما رواه أبو داود في السنن (4/ 442 - 443 رقم 4155) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني جبريل فقال لي: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرامُ سترٍ فيه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= تماثيل، وكان في البيت كلب، فمُرْ برأس التمثال الذي في البيت يقطعْ فيصيرُ كهيئة الشجرة، ومُرْ بالستر فيقطعُ فيُجعلُ منه وسادتان منبوذتان توطآن، ومُرْ بالكلب فليُخرَج".
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (356) وذكر عدة فوائد لهذا الحديث فلتراجع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (29/ 370): "ولهذا يفرق في هذا التصوير بين الحيوان وغير الحيوان، فيجوز تصوير صورة الشجر والمعادن في الثياب والحيطان ونحو ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ" ولهذا قال ابن عباس للمستفتي الذي استفتاه: صور الشجر وما لا روح فيه، وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل قال له في الصورة: "مر بالرأس فليقطع" ولهذا نص الأئمة على ذلك، وقالوا: الصورة هي الرأس لا يبقى فيها روح فيبقى مثل الجمادات. وهذا التصوير ليس فيه غش ولا تلبيس، فإن كل أحد يفرق بين المصور وبين المخلوق". وكان السلف يكرهون تعليق الصور والتصاليب، سواء كانت معلقة في البيوت أو على الملابس أو غير ذلك، وكانوا يبادرون بطمسها كما في أثر إبراهيم، بل كانوا لا يدخلون البيوت التي تعلق فيها الصور. ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة". أخرجه البخاري (3322)، ومسلم (2106)، وقول عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه". أخرجه البخاري =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (5952).
قال ابن بطال: "في هذا الحديث دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان ينقض الصورة سواء كانت مما له ظل أم لا، وسواء كانت مما توطأ أم لا، سواء في الثياب وفي الحيطان وفي الفرش والأوراق وغيرها". فتح الباري (10/ 473).
قال النووي في شرح مسلم (14/ 309 - 310): "قال العلماء سبب امتناعهم من بيت فيه صورة، كونها معصية فاحشة، وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى، وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى".
فتدل هذه النصوص الواردة على تحريم تصوير ذوات الأرواح، وهو مما عمّت به البلوى في هذا العصر.