الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: قول السلف في القدر
المطلب الأول: ما جاء في إثبات القدر
168 -
حدثنا المسيب بن واضح قال: ثنا يوسف بن السفر، عن الأوزاعي، عن الزهري قال: القضاء هو القدر، والقدر هو العلم
(1)
، والعلم نافذ في العباد فيما عملوا من خير أو شر مكتوب في رقابهم إلى أن يفارقوا الدنيا
(2)
.
(1)
التعريف الأكمل أن نقول: "إن الله علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل وجودها ثم كتبها في اللوح المحفوظ ثم أوجدها بقدرته ومشيئته في مواعيدها المقدرة، فكل محدث من خير أو شر، فهو صادر عن علمه وتقديره ومشيئته وإرادته ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن". شرح العقيدة الواسطية للشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- (ص 12).
(2)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 388).
الإسناد ضعيف: فيه المسيب بن واضح السلمي: صدوق يخطئ كثيرا. لسان الميزان (6/ 40).
ويوسف بن السفر أبو الفيض الدمشقي كاتب الأوزاعي، قال ابن عدي فيه: روى أحاديث بواطيل. انظر الكامل (7/ 163)، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الدارقطني: متروك الحديث يكذب، وقال البيهقي: هو في عداد من يضع الحديث، وقال أبو زرعة وغيره: متروك. لسان الميزان (6/ 322). ولم أقف على من أخرجه.
169 -
حدثنا صالح، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا هاشم بن القاسم، قال: حدثنا محمد بن مسلم، قال: أخبرنا أيوب بن موسى، عن محمد بن كعب
(1)
في قوله: {فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر: 12]، قال: كان القدر قبل البلاء
(2)
.
170 -
حدثنا أبو الربيع الزهراني، قال: ثنا عبد الله بن يزيد المقري، قال: ثنا عبد الله بن لهيعة بن عقبة، قال: حدثني عمرو بن شعيب قال:
(1)
محمد بن كعب بن سليم بن أسد، أبو حمزة القرظي المدني، وكان قد نزل الكوفة مدة، ثقة، عالم ولد سنة أربعين على الصحيح، ووهم من قال ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة (120) وقيل قبل ذلك. تهذيب التهذيب (3/ 684 - 685)، والتقريب (ص 438).
(2)
مسائل الإمام أحمد برواية ابنه صالح (2/ 55 - مسألة رقم 601).
رجال إسناده ثقات إلا محمد بن مسلم الطائفي، صدوق يخطئ من حفظه. التقريب (ص 440).
وأخرجه الطبري في التفسير (22/ 123)، وابن بطة في الإبانة -القسم الثاني- (2/ 209) كلاهما من طريق موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب به نحوه.
وقال السيوطي: أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر. الدر المنثور (7/ 675).
كنت عند سعيد بن المسيب إذ جاءه رجل فقال: إن ناسًا يقولون: قدر الله كل شيء ما خلا الأعمال. فغضب سعيد غضبا لم أره غضب مثله قط حتى هم بالقيام، ثم قال: فعلوها فعلوها، ويحهم لما يعملون
(1)
، أما إني قد سمعت فيهم بحديث كفاهم به شرًا، فقلت: وما ذاك يا أبا محمد رحمك الله؟ قال: حدثني رافع بن خديج، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يكون في أمتي قوم يكذبون بالله وبالقرآن وهم لا يشعرون" قال: فقلت: يقولون كيف يا رسول الله؟ قال: "يقولون الخير من الله والشر من إبليس، ثم يُقِرّون على ذلك كتاب الله فيكفروا بالله وبالقرآن بعد الإيمان والمعرفة، فماذا تلقى أمتي منهم من العداوة والبغضاء، ثم يكون المسخ، فيمسخ عامة أولئك قردة وخنازير، ثم يكون الخسف فقلَّ من ينجو منهم، المؤمن يومئذ قليل فرحه، شديد غمه، ثم بكى النبي صلى الله عليه وسلم حتى بكيت لبكائه، فقيل: يا رسول الله، ما هذا البكاء؟ قال رحمة لهم، الأشقياء، لأن منهم المجتهد ومنهم المتعبد، أما إنهم ليسوا بأول من سبق إلى هذا القول وضاق بحمله ذرعًا، إن عامة من هلك من بني إسرائيل بالتكذيب بالقدر" فقيل: يا رسول الله، فما الإيمان
(1)
جاء عند اللالكائي في شرح الاعتقاد وغيره "ويحهم لو يعلمون".
بالقدر؟ قال: "أن تؤمن بالله وحده، وتؤمن بالجنة والنار، وتعلم أن الله تبارك وتعالى خلقهما قبل الخلق، ثم خلق الخلق لهما، فجعل من شاء منهم للجنة ومن شاء منهم للنار، عدلا منه، فكلٌ يعمل لما فرغ منه وصائر إلى ما خلق له"، فقلت: صدق الله ورسوله
(1)
.
171 -
قال حرب الكرماني فيما ينقله عن مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها: والقدر خيره وشره، وقليله، وكثيره، وظاهره وباطنه، وحلوه ومره، ومحبوبه ومكروهه، وحسنه وسيئه، وأوله وآخره من الله تبارك وتعالى قضاء قضاه على عباده. وقدر قدّره عليهم لا يعدو أحد منهم مشيئة الله، لا يجاوز
(1)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 382 - 383).
إسناده ضعيف؛ لضعف ابن لهيعة وقد تقدَّم.
وأخرجه اللالكائي في شرح الاعتقاد (1100)، وابن بطة في الإبانة -القسم الثاني- (2/ 101 - 102)، وأبو بكر الفريابي في القدر (ص 158)، والطبراني في المعجم الكبير (4/ 245)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 198):"رواه الطبراني بأسانيد في أحسنها ابن لهيعة وهو لين الحديث".
وقال البوصيري: "رواه الحارث وأبو يعلى بسند ضعيف". المطالب العالية (3/ 80).
قضاءه، بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له، وواقعون فيما قدّر عليهم لا محالة، وهو عدل منه عز ربنا وجل. والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وقتل النفس، وأكل مال الحرام، والشرك بالله، والذنوب جميعًا، والمعاصي كلها بقضاء وقدر من الله من غير أن يكون لأحد على الله حجةٌ بل لله الحجة البالغة على خلقه، و {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]
(1)
.
(1)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 355).
التعليق: إن الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة التي لا يتم إيمان المرء إلا به، فيجب على كل مسلم الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، وأن الله فعال لما يريد مدبر لما في الكون، وأن كل شيء بإرادته ومشيئته. وقد جاء إثبات القدر بالكتاب والسنة وإجماع السلف.
فمن الكتاب العزيز قوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2].
قال القرطبي في تفسيره (15/ 366 - 377): "أي: قدر كل شيء مما خلق بحكمته على ما أراد لا عن سهو وغفلة؛ بل جرت المقادير على ما خلق الله إلى يوم القيامة وبعد القيامة، فهو الخالق المقدر؛ فإياه فاعبدوه". وقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]. وقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 1 - 3]. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية (7/ 482): =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
"أي: قدر قدرًا، وهدى الخلائق إليه؛ ولهذا يستدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة على إثبات قدر الله السابق لخلقه، وهو علمه الأشياء قبل كونها، وكتابته لها قبل برئها، وردوا بهذه الآية وبما شاكلها من الآيات وما ورد في معناها من الأحاديث الثابتات على الفرقة القدرية الذين نبغوا في أواخر عصر الصحابة".
وقوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107].
ومن السنة المطهرة: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام الطويل: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره". رواه مسلم (8).
قال ابن حجر في الفتح (1/ 157): "وهكذا الحكمة في إعادة لفظ: "وتؤمن" عند ذكر القدر كأنها أشارة إلى ما يقع فيه من الاختلاف، فحصل الاهتمام بشأنه بإعادة "تؤمن"، ثم قرره بالإبدال بقوله "خيره وشره وحلوه ومره" ثم زاده تأكيدا بقوله في الرواية الأخيرة "من الله".
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه". رواه الترمذي في السنن (4/ 22 رقم 2144)، وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة (2439).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل شيء بقدر حتى العجز=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
والكيس". رواه مسلم (2655).
وقد أجمع السلف الصالح على وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره.
قال الإمام ابن عبد البر في التمهيد (6/ 12): "قد أكثر الناس من تخريج الآثار في هذا الباب -يعني القدر- وأكثر المتكلمون من الكلام فيه. وأهل السنة مجتمعون على الإيمان بهذه الآثار واعتقادها، وترك المجادلة فيها وبالله العصمة والتوفيق". وانظر أيضا كتابه الاستذكار (8/ 264).
وقال أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص 284): "ويشهد أهل السنة ويعتقدون: أن الخير والشر، والنفع والضر بقضاء الله وقدره. لا مرد ولا محيد عنها، ولا يصيب المرء إلا ما كتبه له ربه، ولو جهد الخلق أن ينفعوا المرء بما لم يكتبه الله له لم يقدروا عليه، ولو جهدوا أن يضروه بما لم يقضه الله لم يقدروا".
وقال عبد الغني المقدسي في كتابه الاقتصاد في الاعتقاد (ص 151): "وأجمع أئمة السلف من أهل الإسلام على الإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قليله وكثيره، بقضائه وقدره، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يجري خير وشر إلا بمشيئته، خلق من شاء للسعادة واستعمله بها فضلا، وخلق من أراد للشقاء واستعمله به عدلا، فهو سر استأثر به، وعلم حجبه عن خلقه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] ".
والإيمان بالقدر على أربعة مراتب ذكرها الأئمة وهي: =