الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: ما جاء فى بعض أسماء الله وصفاته
36 -
قال حرب الكرماني فيما ينقله عن مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها: والله تبارك وتعالى: سميع لا يشك، بصير لا يرتاب، عليم لا يجهل، جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حفيظ لا ينسى، يقظان لا يسهو، رقيب لا يغفل، يتكلم، ويتحرك، ويسمع، ويبصر وينظر، ويقبض ويبسط، ويفرح ويحب، ويكره ويبغض، ويرضى ويسخط، ويغضب ويرحم، ويعفو ويغفر، ويعطي ويمنع
(1)
.
(1)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 359 - 360).
هذه بعض الأسماء والصفات نقلها حرب الكرماني عن أئمة السلف.
ومذهب السلف في هذه الأسماء وغيرها هو إمرارها كما جاءت إثباتا بلا تمثيل وتنزيها بلا تعطيل، وهذا إجماع منهم بلا خلاف.
قال الإمام الترمذي في السنن (4/ 318): "والمذهب في هذا عند أهل العلم، من الأئمة مثل: سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وابن المبارك، وابن عيينة، ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء ثم قالوا: تروى هذه الأحاديث، ونؤمن بها، ولا يقال: كيف؟ وهذا الذي اختاره أهل الحديث: أن يرووا هذه الأشياء كما جاءت، ويؤمن بها ولا تفسر، ولا تتوهم ولا يقال: كيف، وهذا أمر أهل العلم =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الذي اختاروه وذهبوا إليه".
وقال محمد بن الحسن الشيباني: "اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عزَّوجلَّ من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه فمن فسر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا. فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة لأنه قد وصفه بصفة لا شيء". أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (رقم: 740).
قال شيخ الإسلام معقبا على كلام محمد بن الحسن: "أراد به تفسير الجهمية المعطلة الذين ابتدعوا تفسير الصفات بخلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون من الإثبات". مجموع الفتاوى (5/ 50).
وقد دلت الأدلة على ما ذكره الإمام حرب الكرماني من الأسماء والصفات وذلك كما يلي:
1 -
قوله: "سميع لا يشك"، "بصير لا يرتاب": الأدلة على ذلك كثيرة منها: قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1]. وقال صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس، اربَعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، ولكن تدعون سميعًا بصيرًا". رواه البخاري (6384)، ومسلم (2704). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
2=. قوله: "عليم لا يجهل": من الأدلة على ذلك: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 115]. وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران: 5].
3 -
قوله: "جواد لا يبخل": وقد دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى كريم يحب الكرماء، جواد يحب الجَوَدةَ، يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها". أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (14/ 289). وصحح إسناده الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير وزيادة (رقم 1800)، وجلباب المرأة المسلمة (ص 151).
والبخل منتفٍ عن الله تعالى. قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64].
4 -
قوله: "حليم لا يعجل": وقد دل على ذلك قوله تعالى: {اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 225]. وأخرج البخاري (6346) ومسلم (2730) عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله ربُّ العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم".
5 -
قوله: "حفيظ لا ينسى": ودليل ذلك قوله تعالى: {إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [هود: 57]. وقد نفى الله عن نفسه النسيان، قال تعالى: {وَمَا كَانَ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64].
6 -
قوله: "يقظان لا يسهو": لم يثبت لله تعالى اسم "يقظان" لذا لا يجوز أن نطلقه على الله تعالى، لأن أسماء الله تعالى توقيفية، فلا نسمي الله عزَّوجلَّ إلا بما سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم. والله لا ينام ولا يسهو وقد نزه نفسه عن ذلك في أعظم آية من القرآن، قال تعالى:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255].
7 -
قوله: "رقيب لا يغفل": "الرقيب" من أسماء الله تعالى، ودليله قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
8 -
قوله: "يتكلم": الكلام صفة من صفات الله تعالى، وهو من الصفات الفعلية الاختيارية، يتكلم متى شاء كيف شاء سبحانه وتعالى، قال تعالى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164] وسيأتي مزيد تفصيل في المبحث الخاص بصفة الكلام لله تعالى.
9 -
قوله: "يتحرك": لقد وصف الله نفسه بأنه حي، وكل حي لا بد وأن له حركة، كذلك وصف الله نفسه بالنزول والمجيء والإتيان وكل ذلك يدل على أن الله تعالى يتحرك حركة تليق به سبحانه، لا نعقل كيفيتها.
لكن لفظ: "الحركة" لم يرد في الكتاب والسنة، ولم يقله السلف إلا في معرض =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الرد على المعطلة من الجهمية وغيرهم. انظر نقض الدارمي على المريسي (1/ 215)، ومجموع الفتاوى (8/ 21).
والأصل الالتزام بالألفاظ الشرعية التي جاءت بها النصوص.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص، فيثبت ما أثبت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم باللفظ الذي أثبته، وينفي ما نفاه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما نفاه وهو أن يثبت النزول، والإتيان، والمجيء، وينفى المثل، والسمي، والكفؤ، والند". الفتاوى (16/ 423 - 424)، وانظر مختصر الصواعق لابن القيم (4/ 1230 - 1232).
10 -
قوله: "ويسمع ويبصر وينظر": تقدم دليل السمع والبصر، وأما قوله "نظر" فدليله قوله تعالى:{وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمر ان: 77].
11 -
قوله "ويقبض ويبسط": يدل على اسمين من أسماء الله تعالى وهما "القابض"، "الباسط "، ويدل على إثبات صفتي القبض والبسط لله تعالى.
ودليل الصفتين قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} [البقرة: 245]. وجاء ثبوت الاسمين في السنة، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال الناس: يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال". رواه أبو داود (4/ 165 رقم 3445) بسند صحيح. انظر "غاية المرام" للألباني ص 194. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= 12. قوله: "يفرح ويحب": فيه إثبات صفتي "الفرح" و "المحبة" لله تعالى، فنثبتهما له كما يليق به سبحانه وتعالى من غير تأويل ولا تحريف ولا تعطيل.
ودليل "الفرح" قوله صلى الله عليه وسلم: "لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش، ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته، وعليها زاده طعامه وشرابه، فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده". رواه مسلم (2744).
ودليل المحبة قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].
13 -
قوله: "يكره ويبغض": ودليل ذلك قوله تعالى: {كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التوبة: 46].
ودليل البغض قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض" رواه مسلم (2637).
14 -
قوله: "يرضى ويسخط": دليل "الرضى" قوله تعالى: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
الْكُفْرَ} [الزمر: 7]. ودليل السخط قوله تعالى: {أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 80].
15 -
قوله "ويغضب ويرحم": دليل صفة الغضب قوله تعالى: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [النساء: 93]، ودليل صفة الرحمة قوله تعالى {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} [الإسراء: 8].
16 -
قوله: "ويعفو ويغفر": ومن الصفات التي يتصف الله بها أنه يعفو ويغفر، فدليل "العفو" قوله تعالى:{وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25]، ودليل "المغفرة" قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
17 -
قوله "ويعطي ويمنع": الدليل على أنه يعطي قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5]. والدليل على أنه يمنع قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} [الإسراء: 59].
وقال صلى الله عليه وسلم: "سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق، فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها". رواه مسلم (2890).