الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: ما جاء في التسبيح
9 -
قلت يُسبح الرجل بالنوى؟ قال: قد فعل ذلك أبو هريرة
(1)
وسعد
(2)
رضي الله عنهما،
= (8/ 95).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وبالجملة فمعنا أصلان عظيمان، أحدهما: أن لا نعبد إلا اللّه، والثاني: أن لا نعبده إلا بما شرع. لا نعبده بعبادة مبتدعة. وهذان الأصلان هما تحقيق شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه". مجموع الفتاوى (1/ 333).
وقد تضمن أثر سفيان الثوري كذلك إثبات صفة الوجه للّه تعالى، وسيأتي الكلام على هذه الصفة في باب الأسماء والصفات ص 189.
(1)
أبو هريرة الدوسي، الصحابي الجليل، حافظ الصحابة، اختلف في اسمه واسم أبيه، قيل: عبد الرحمن بن صخر وقيل غير ذلك. كان من أحفظ أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وألزمهم له صحبة على شبع بطنه فكانت يده مع يده يدور معه حيث دار إلى أن مات، أسلم عام خيبر، وقدم المدينة مهاجرًا، ومات سنة سبع، وقيل: ثمان، وقيل: تسع وخمسين. الاستيعاب (4/ 1768 - 1772)، والإصابة (7/ 425)، والتقريب (ص 599).
(2)
سعد بن أبي وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهري، أبو إسحاق، كان سابع سبعة في الإسلام، أحد العشرة، وأول من رمى بسهم في =
وما بأس بذلك، النبي صلى الله عليه وسلم قد عدَّ
(1)
.
= سبيل الله، ومناقبه كثيرة، مات بالعقيق سنة خمس وخمسين على المشهور وهو آخر العشرة وفاة. الإصابة (3/ 73)، والتقريب (ص 172).
(1)
مسائل الإمام أحمد برواية الكوسج (9/ 4887 - مسألة رقم 3589).
- ما نقله الإمام أحمد عن أبي هريرة، قد رواه أبو داود في سننه (كتاب النكاح، باب: ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابته أهله 3/ 61 ح 2167)، ورواه أحمد في مسنده (2/ 540) وابن أبي شيبة في المصنف (7743) مختصرا، كلهم عن إسماعيل بن عُلية، عن الجُريري، عن أبي نضرة، قال: حدثني شيخ من طفاوة قال: "تَثوَّيْتُ أبا هريرة بالمدينة، فلم أر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أشد تشميرا، ولا أقوم على ضيف منه، فبينما أنا عنده يوما وهو على سرير له، ومعه كيس فيه حصى، أو نوى، وأسفل منه جارية له سوداء، وهو يسبح بها، حتى إذا نفِد ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فأعادته في الكيس، فرفعته إليه، فقال: ألا أحدثك عني وعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلت: بلى، قال:
…
وذكر حديثا طويلا". هذا الإسناد فيه رجل مجهول، وهو الشيخ الذي لم يسم، فيكون الحديث بهذا ضعيفًا. وقد ضعفه الألباني كما في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (7/ 73 - 74).
- وأما ما نقله الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فقد رواه محمد بن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 143)، عن حكيم بن الديلمي أن سعدا كان يسبح =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بالحمى، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه (7740، 7741) عن حكيم بن الديلم، عن مولاة لسعد، أن سعدا: كان يسبح بالحصى والنوى. وحكيم بن الديلمي: قال الحافظ ابن حجر عنه في التقريب (ص 116): صدوق من السادسة. قال الألباني رحمه الله في "الرد على رسالة التعقيب الحثيث لعبد اللّه الحبشي"(ص 62): "لم يدرك سعدًا، وقد ذكره الحافظ في (الطبقة السادسة) وهي التي لم يثبت لأصحابها لقاء أحد من الصحابة".
- وأما ما ذكره الإمام أحمد "من أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عد"، فلم يثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، فقد روى أبو القاسم الجرجاني في "تاريخ جرجان" (ص 158) عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسبح بالحصى". وفي إسناده عبد اللّه بن محمد بن ربيعة القدامي: قال ابن حجر في "لسان الميزان "(3/ 334): أحد الضعفاء، أتى عن مالك بمصائب، وقال ابن الجوزي في "الضعفاء والمتروكين" (2/ 138): قال ابن عدي ضعيف.
والحديث حكم عليه الشيخ الألباني بالوضع كما في السلسلة الضعيفة (1002). والذي يدل على أن التسبيح بالنوى أو الحصى ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا من هدي أصحابه:
ما أخرجه الدارمي في سننه (1/ 79 رقم 254) عن عمرو بن يحيى قال سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد اللّه بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أَخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعا، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمرًا أنكرته، ولم أر والحمد للّه إلا خيرا، قال: فما هو؟ فقال: إن عشتَ فستراه، قال: رأيت في المسجد قوما حلقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصا، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم، ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصا نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمّة محمد ما أسرع هلكتكم هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحوا باب ضلالة، قالوا: واللّه يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حدثنا، أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم اللّه، ما أدري لعل أكثرهم منكم. ثم تولى عنهم فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج". وإسناده صحيح، انظر السلسلة الصحيحة (2005). =
10 -
حدثنا محمد بن جعفر الوركاني قال: حدثنا عبد اللّه بن المبارك، عن عيسى بن عبيد، عن عكرمة
(1)
أنه قال: لا يَعِيبَنّ أحدكم دابته وثوبه، فإن كل شيء يسبح بحمده
(2)
.
= والذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسبح بيده، فقد ورد من حديث عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنه أنه قال:"رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه". أخرجه أبو داود في السنن (2/ 287 ح رقم 1497)، وفي لفظ عند ابن حبان في صحيحه (3/ 123)"يعقد التسبيح بيده".
وقد بيّن الشيخ الألباني رحمه الله أن التسبيح لا يجوز بالحصى أو بالنوى، إنما يكون باليد، كما في رسالته:"الرد على التعقيب الحثيث" فلتراجع فإنها مفيدة.
(1)
عكرمة أبو عبد اللّه مولى ابن عباس، أصله بربري، ثقة، ثبت، عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا تثبت عنه بدعة، مات سنة (154) وقيل بعد ذلك. التقريب (ص 336).
(2)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 428).
رجاله ثقات إلا عيسى بن عبيد فهو صدوق، انظر التقريب (ص 375).
وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (14/ 605)، وعزاه السيوطي إلى سعيد ابن منصور وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (5/ 291)، وأخرج نحوه مرفوعا الطبراني في الأوسط (5/ 121) وفي إسناده محمد بن جامع العطار، وهو ضعيف. انظر مجمع الزوائد للهيثمي (8/ 105).
11 -
حدثنا أبو معن قال: ثنا عبد الكبير قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم
(1)
في قوله {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] قال: الطعام يسبح
(2)
.
12 -
حدثنا العلاء بن عمرو قال: ثنا الأشجعي عبيد اللّه، عن مسعر، عن الأعمش، عن ذكوان
(3)
قال: سمع صرير باب فقال: هذا
(1)
إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي، أبو عمران الكوفي، كان رجلًا صالحًا فقيهًا متوقيًا قليل التكلف، ثقة، إلا أنه يرسل كثيرا، مات سنة (96) وهو ابن خمسين أو نحوها. التهذيب (1/ 92)، والتقريب (ص 35).
(2)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 428).
رجاله كلهم ثقات، والإسناد صحيح.
وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (14/ 606)، وأبو الشيخ في العظمة (5/ 1726)، وابن أبي الدنيا في كتاب "الهواتف"(ص 94)، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (14/ 417) عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن عبد اللّه قال:"كنا مع رسول صلى الله عليه وسلم اللّه صلى الله عليه وسلم في سفر فدعا بالطعام وكان الطعام يسبح".
(3)
ذكوان، أبو صالح، السمّان، الزيّات، المدني، ثبت، ثقة من أجل الناس وأوثقهم، وكان يجلب الزيت إلى الكوفة، مات سنة (101). تذكرة الحفاظ (1/ 89)، والتقريب (ص 143).
تسبيحه
(1)
.
(1)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 428).
رجاله ثقات، إلا العلاء بن عمرو الحنفي، قال ابن حبان في المجروحين (2/ 176): شيخ يروي عن أبي إسحاق الفزاري العجائب لا يجوز الاحتجاج به بحال، وانظر لسان الميزان (4/ 185)، والضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (2/ 188).
وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (5/ 1741)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (5/ 291) إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
التعليق: التسبيح لغة: التَّنزيهُ والتبرئة من النَّقاَئِص، النهاية لابن الأثير (2/ 332)، وانظر العين للخليل الفراهيدي (3/ 151)، ولسان العرب لابن منظور (2/ 471).
وشرعًا: قال شيخ الإسلام: "فإن التسبيح يقتضي التنزيه والتعظيم، والتعظيم يستلزم إثبات المحامد التي يحمد عليها، فيقتضي ذلك تنزيهه وتحميده وتكبيره وتوحيده". مجموع الفتاوى (16/ 125).
وقال ابن القيم: "التسبيح ثناء عليه سبحانه يتضمن التعظيم والتنزيه". المنار المنيف (ص 27).
وقال الشوكاني: "هو تنزيه اللّه سبحانه عما لا يليق به في ذاته وصفاته وأفعاله". فتح القدير (4/ 51).
والتسبيح آثاره جليلة، وفضائله عظيمة، لا يحصي قدرها إلا اللّه عز وجل، ومما يدل =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= على عظم شأنه، أن اللّه تعالى سبّح نفسه ونزهها عن كل النقائص، وأمر ملائكته ورسله وجميع خلقه أن يسبحوه ويعظموه وينزهوه عن العيوب والنقائص.
قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)} [البقرة: 116]، وقال تعالى:{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء: 20]، وقال تعالى:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98)} [الحجر: 98]، وقال تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)} [النور: 41]، وقال تعالى:{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} [الأحزاب: 42].
وقد جاء في هذه الآثار أن الجمادات أيضا تسبح اللّه تعالى وتنزهه، وهذا مصداق قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم} [الإسر اء: 44].
والتسبيح من أعظم التجارات الأخروية، ومن أسهل الوسائل لكسب الحسنات، قال صلى الله عليه وسلم:"أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟ فسأله سائل من جلسائه، كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة". رواه مسلم (2698).
ومن فضائل التسبيح أنه ثقيل في الميزان يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله العظيم سبحان اللّه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وبحمده". رواه البخاري (6406)، ومسلم (2694).
وعن يزيد بن الأصم قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنه فقال: لا إله إلا اللّه نعرفها لا إله غيره، والحمد للّه نعرفها أن النعم كلها منه، وهو المحمود عليها، واللّه أكبر نعرفها لا شي أكبر منه، فما سبحان اللّه؟ قال: كلمة: رضيها اللّه عز وجل لنفسه، وأمر بها ملائكته، وفزع لها الأخيار من خلقه. أخرجه الطبراني في كتاب "الدعاء" (3/ 1593 رقم 1758) وقال محققه: إسناده حسن وهو موقوف. إلى غير ذلك من فضائل التسبيح التي لا تحصى.
ولقد ضلَّ في مفهوم تسبيح اللّه وتنزيهه عن النقائص، بعض طوائف المسلمين، فظن بعضهم أن من تنزيه اللّه، أن يعطلوه عن أسمائه وصفاته، وظن البعض أن من تنزيه اللّه أن يشبهوا صفاته بصفات خلقه، وظن البعض أن من تنزيه اللّه أن يجعلوا كل شيء في الوجود هو عين وجوده، وظن الآخر أن تنزيه اللّه يستلزم أنه لا يخلق أفعال عباده، لئلا ينسب الشر إليه، وهذا كله باطل بدليل الكتاب والسنة والإجماع. فسبحان اللّه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا، أما أهل السنة والجماعة فقد عرفوا للّه حقه، فعظموا اللّه تعالى ونزهوه عن كل مالا يليق به، وأثبتوا له كمال الأسماء والصفات والأفعال كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه.
يقول ابن القيم: "فسبحان اللّه رب العالمين، تنزيها لربوبيته وإلهيته وعظمته وجلاله، عما لا يليق به من كل ما نسبه إليه الجاهلون الظالمون، فسبحان اللّه، كلمة يحاشى اللّه بها عن كل ما يخالف كماله، من سوء، ونقص وعيب، فهو المنزه التنزيه =