الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السابعة: الحكم فيمن سبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
26 -
حدثني أبي قال: نا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن توبة العنبري. قال سمعت أبا سوار القاضي عن أبي برزة الأسلمي
(1)
قال:
= قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالذبح للمعبود غاية الذل والخضوع له، ولهذا لم يجز الذبح لغير الله، ولا أن يسمى غير الله على الذبائح، وحرم سبحانه ما ذبح على النصب، وهو ما ذبح لغير الله، وما سمي عليه غير اسم الله، وإن قصد به اللحم لا القربان. و"لعن النبي صلى الله عليه وسلم من ذبح لغير الله". ونهى عن ذبائح الجن، وكانوا يذبحون للجن. بل حرم الله ما لم يذكر اسم الله عليه مطلقا، كما دل على ذلك الكتاب والسنة في غير موضع". مجموع الفتاوى (17/ 484 - 485).
فالذبح لغير الله يعد من الكفر والشرك الأكبر، لأن الذبح لغير الله من أظلم الظلم، ومن أعظم المحرمات، سواء قصد بذلك تعظيم المذبوح له أو لم يقصد، بل فِعل الذبح هو في حد ذاته تعظيم للمذبوح له. وقد قال الله في الآية السابقة:{لَا شَرِيكَ لَهُ} أي أن مجرد الذبح لغير الله شرك به سبحانه وتعالى، والذبح نوع من أنواع العبادة فلا يجوز صرفها إلا لله تعالى.
(1)
هو نَضلة بن عبيد، أبو برزة الأسلمي، صحابي مشهور بكنيته، أسلم قبل الفتح، وغزا سبع غزوات، ثم نزل البصرة، وغزا خراسان، ومات بها بعد سنة خمس وستين على الصحيح. الإصابة (6/ 433)، والتقريب (ص 494).
أغلظ رجل لأبي بكر، فقال أبو برزة الأسلمي: ألا أضرب عنقه؟ قال فانتهره أبو بكر، وقال: ما هي لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
(1)
مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله (3/ 1292 - مسألة رقم 1795).
رجال إسناده ثقات، والأثر صحيح.
وأخرجه أبو داود في السنن (كتاب الحدود، باب: الحكم فيمن سبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، 5/ 67 رقم 4363) من طريق حميد بن هلال عن عبد الله بن مُطرِّف عن أبي برزة به، والنسائي في السنن (كتاب تحريم الدم، باب: الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم، 7/ 108 رقم 4071)، من طريق شعبة عن توبة العنبري عن عبد الله بن قدامة ابن عَنَزَة عن أبي برزة به.
التعليق: التعرض لجناب الأنبياء صلوات الله عليهم أمر محرم في جميع الشرائع السماوية، والنيل من عِرض واحد من الأنبياء كالنيل من الجميع، كما أن التكذيب بأحدهم كالتكذيب بالجميع. قال تعالى:{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 105]. ويشتد الأمر خطورة إذا تعرض أحد لجناب أفضل الأنبياء، وأشرف الخلق على الإطلاق، ألا وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. فمن سب النبي صلى الله عليه وسلم أو استهزأ به فقد ارتد وخرج من ملة الإسلام. قال تعالى:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تلخيص كتاب الاستغاثة المعروف بالرد على البكري (683/ 2): "وقد أجمع العلماء، كما حكاه من يُرجع إليه، على أن كل =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= مسلم صدر منه سب الرسول، أو تنقيصه، وجب قتله، ويحكم بكفره وردته عن دين الإسلام، على ذلك دلت نصوص من السنة والكتاب".
وانظر: الصارم المسلول على شاتم الرسول (1/ 9، 533).
وقد دل أثر أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه على أن عقوبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم القتل أيضًا.
قال أحمد بن حنبل:" أي: لم يكن لأبي بكر أن يقتل رجلا إلا بإحدى الثلاث التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل". انظر سنن أبي داود (5/ 67 حاشية 4363).
قال ابن القيم في زاد المعاد (5/ 56): "فذلك أن الحق له صلى الله عليه وسلم، فله أن يستوفيه، وله أن يتركه، وليس لأمته ترك استيفاء حقه صلى الله عليه وسلم". لأن حقه صلى الله عليه وسلم عظيم لا ينبغي التفريط فيه.
وقد جاء في السنة النبوية ما يدل على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم فإن دمه هدر.
فعن ابن عباس رضي الله عنه: أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم-وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر، قال: فلمّا كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المغول فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فجمع الناس فقال:"أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام"، قال: فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم" ألا اشهدوا أن دمها هدر". أخرجه أبو داود (5/ 66 رقم 4361)، والنسائي في السنن (7/ 107 رقم 4070). والحديث صحيح. انظر إرواء الغليل (5/ 91).
قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول (1/ 513): "إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهر وباطن، وسواء كان السابّ يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلا له، أو كان ذاهلا عن اعتقاده، هذا مذاهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل". وقد سرد في هذا الكتاب عددًا وافرًا من الأدلة الدالة على عدم عصمة دم من شتم النبي صلى الله عليه وسلم، وانظر كذلك السبكي في كتابه "السيف المسلول على من سب الرسول".
قال القاضي عياض في كتابه الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 133): "اعلم
-وفقنا الله وإياك- أن جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو ألحق به نقصا في نفسه
أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله، أو عرض به، أو شبهه بشيء على طريق السب له، أو الإزراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه، والعيب له، فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب يقتل
…
وكذلك من لعنه، أو دعا عليه، أو تمنى مضرة له، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزور، أو عيّره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة و =