الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الحادي عشر: هل يقال أن لله تعالى حدًا
؟
49 -
قلت لإسحاق: العرش بحد؟ قال: نعم بحد، وذكر عن ابن المبارك قال: هو على عرشه بائن من خلقه بحد
(1)
.
= رحمه الله: الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة". أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (664).
وقد جاء إثبات هذه الصفة في الكتاب والسنة.
فمن الكتاب قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} [غافر: 10]، وقوله تعالى:{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3].
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب". رواه مسلم (2865).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في التدمرية (ص 26): "وكذلك وصف نفسه بأنه يمقت الكفار، ووصفهم بالمقت، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ}، وليس المقت مثل المقت".
(1)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 412).
وأورده ابن بطة في الإبانة، القسم الثالث (3/ 161).
50 -
حدثنا أبو بكر محمد بن يزيد قال: أخبرنا علي بن الحسن قال: قلت لابن المبارك
(1)
: يا أبا عبد الرحمن كيف نعرف ربنا؟ قال: هو على العرش فوق سبع سموات وعلمه وأمره في كل موضع. قال: قلت: بحد؟ قال: بحد، ولا نقول كما تقول الجهمية
(2)
إنه هاهنا، وهاهنا في الأرض
(3)
.
(1)
عبد الله بن المبارك المروزي الإمام، الحافظ، العلامة، شيخ الإسلام، فخر المجاهدين، قدوة الزاهدين، ثقة، ثبت، فقيه، عالم، جواد، جمعت فيه خصال الخير، مات سنة (181) وله ثلاث وستون سنة. تذكرة الحفاظ (1/ 274)، والتقريب (ص 262).
(2)
أتباع جهم بن صفوان. ظهرت بدعته بترمذ، وقتله سلم بن أحوز المازني بمرو في آخر ملك بني أمية، وافق المعتزلة في نفي الصفات الأزلية ونفي الرؤية وإثبات خلق القرآن. وزاد عليهم بأشياء منها: أنه لا يجوز أن يوصف الله بصفة يوصف بها خلقه، لأن ذلك يقتضي التشبيه فنفى كونه حيا عالمًا وأثبت كونه قادرًا فاعلًا خالقًا. ويقول: إن الإنسان مجبور في أفعاله لا قدرة له ولا إرادة وأن الجنة والنار تفنيان، وأن الإيمان معرفة الله، وأن الإيمان لا يتفاضل. انظر: الملل والنحل للشهرستاني (1/ 85)، ومقالات الإسلاميين (ص 164).
(3)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 412).
وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (216)، والدارمي في الرد على =
51 -
قال حرب الكرماني فيما ينقله عن مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها: وله حد، الله أعلم بحده
(1)
.
= المريسي (1/ 510). كلاهما من طريق علي بن الحسن عن ابن المبارك نحوه. وصححه ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (5/ 138)، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص 95).
(1)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 359).
التعليق: مسألة "الحد" من المسائل المهمة التي ظهرت بسبب انحراف أهل الأهواء عن الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح في باب الأسماء والصفات، وهي من الألفاظ الحادثة التي لم يكن يعرفها الصدر الأول من السلف الصالح، وهي من جنس لفظ الجهة والجسم والحيز ونحوها، التي لم ترد في النصوص الشرعية نفيًا ولا إثباتًا، وإنما جاء بها أهل الضلال ليبطلوا ما دل عليه الكتاب والسنة من الأسماء والصفات.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا مثل لفظ المركب والجسم والمتحيز والجوهر والجهة والعرض ونحو ذلك ولفظ الحيز ونحو ذلك، فإن هذه الألفاظ لا توجد في الكتاب والسنة بالمعنى الذي يريده أهل هذا الاصطلاح؛ بل ولا في اللغة أيضا؛ بل هم يختصون بالتعبير بها على معان لم يعبر غيرهم عن تلك المعاني بهذه الألفاظ، فيفسر تلك المعاني بعبارات أخرى ويبطل ما دل عليه القرآن بالأدلة العقلية والسمعية". مجموع الفتاوى (13/ 146). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وموقف أهل السنة والجماعة من هذه الألفاظ المجملة أنهم لا يثبتونها ولا ينفونها حتى يعرفوا مراد قائلها، فإن كان حقًا قبلوه، وإن كان باطلا ردوه.
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (ص 189 - 190): "وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها فلا تطلق حتى ينظر في مقصود قائلها: فإن كان معنى صحيحًا قُبل، لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص، دون الألفاظ المجملة، إلا عند الحاجة، مع قرائن تبين المراد". وانظر مجموع الفتاوى (3/ 41).
قال الذهبي: وقد سئل أبو القاسم التيمي رحمه الله: هل يجوز أن يقال: لله حد؛ أو لا؟ وهل جرى هذا الخلاف في السلف؟ فأجاب هذه مسألة استعفي من الجواب عنها لغموضها، وقلة وقوفي على غرض السائل منها، لكني أشير إلى بعض ما بلغني، تكلم أهل الحقائق في تفسير الحد بعبارات مختلفة، محصولها أن حد كل شيء موضع بينونته عن غيره، فإن كان غرض القائل: ليس لله حد؛ لا يحيط علم الحقائق به، فهو مصيب، وإن كان غرضه بذلك: لا يحيط علمه تعالى بنفسه فهو ضال، أو كان غرضه أن الله بذاته في كل مكان فهو أيضا ضال". سير أعلام النبلاء (20/ 85 - 86).
فإن أراد بإثبات الحد أن الله بائن من خلقه منفصل عنهم فهو حق، وإن أراد بنفي الحد أن الله لا يقدر حده إلا هو سبحانه فهذا أيضا حق، وإن قصد بالنفي أن الله في كل مكان، فهذا باطل مردود.
ولقد أثبت السلف الحد على هذا المعنى. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال شيخ الإسلام: "وهذا المحفوظ عن السلف والأئمة من إثبات حد لله في نفسه قد بينوا مع ذلك أن العباد لا يحدونه ولا يدركونه؛ ولهذا لم يتناف كلامهم في ذلك كما يظنه بعض الناس؛ فإنهم نفوا أن يحد أحد الله". بيان تلبيس الجهمية (3/ 706).
قال عثمان بن سعيد الدارمي: "والله تعالى له حد لا يعلمه أحد غيره، ولا يجوز لأحد أن يتوهم لحده غاية في نفسه، ولكن يؤمن بالحد ويكل علم ذلك إلى الله. ولمكانه أيضًا حد وهو على عرشه فوق سماواته فهذان حدان اثنان".
ثم قال: "فمن ادعى أنه ليس لله حد فقد رد القرآن، وادعى أنه لا شيء؛ لأن الله حد مكانه في مواضع كثيرة من كتابه فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، {أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16]، {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50]، {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55]، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]، فهذا كله وما أشبهه شواهد ودلائل على الحد". نقض الدارمي على المريسي (1/ 223 - 226).
وما جاء عن إسحاق بن راهويه وابن المبارك وما نقله حرب الكرماني عن أئمة السلف يدل على أن جمهور السلف متفقون على إثبات حد لله تعالى.
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (ص 190): ومن المعلوم أن الحد يقال على ما ينفصل به الشيء ويتميز به عن غيره، والله تعالى غير حالّ في خلقه، ولا قائم بهم، بل هو القيوم القائم بنفسه، المقيم لما سواه، فالحد بهذا المعنى لا يجوز أن =