الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: العلاقة بين الإيمان والإسلام
213 -
حدثنا أبو معن قال: ثنا وهب بن جرير [قال ثنا أبي]
(1)
قال: ثنا الفضيل بن حسان
(2)
قال: ذكروا عند أبي جعفر محمد بن علي قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن"
(3)
فقال: قال محمد بن علي فأدار دارة
(4)
هكذا كبيرة فقال: هذا
= الرسول صلى الله عليه وسلم علمًا، والتصديق به عقدا، والإقرار به نطقا، والانقياد له محبة وخضوعا، والعمل به باطنًا وظاهرًا، وتنفيذه والدعوة إليه، بحسب الإمكان، وكماله في الحب في الله، والبغض في الله، والعطاء لله، والمنع لله، وأن يكون الله وحده إلهه ومعبوده". الفوائد (ص 107).
فمع توافر هذه النصوص الصريحة من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة، نجد أن كثيرا من الناس ضلوا في هذا الباب وانحرفوا عن هدي الكتاب فصاروا شيعًا وأحزابًا.
(1)
هذه الزيادة لا توجد في المطبوع، وقد أضفتها من المخطوط ل (185/ ب).
(2)
جاء عند من أخرج هذا الأثر "الفضيل بن يسار" ولعل هذا هو الصواب، لأنه هو الذي يروي عن محمد بن علي وعنه جرير. انظر لسان الميزان (4/ 454).
(3)
أخرجه البخاري (كتاب المظالم، باب النهبى بغير إذن صاحبه ح 2475)، ومسلم (كتاب الإيمان، باب بيان نقص الإيمان بالمعاصي ح 57).
(4)
جاء عند عبد الله بن أحمد في السنة وعند الشريعة للآجري "دائرة".
الإسلام، وأدار دارة أخرى صغيرة في جوفها فقال هذا الإيمان مقصور في الإسلام، فإذا زنا أو سرق خرج من الإيمان، فإذا تاب رجع إلى الإيمان، ولا يخرجه من الإسلام إلا الشرك والدارة هكذا
(1)
.
214 -
حدثنا صالح، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أبو سلمة الخزاعي، قال: قال مالك وشريك وأبو بكر بن عياش وعبد العزيز بن أبي سلمة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد: الإيمان: المعرفة، والإقرار: العمل، إلا أن حماد بن زيد كان يفرق بين الإيمان والإسلام، ويجعل
(1)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 374).
الإسناد ضعيف جدًا؛ الفضيل بن يسار: قال فيه موسى بن إسماعيل: كان فضيل بن يسار رجل سوء. وقال محمد بن نصر: كان رافضيا كذابا ليس ممن يحتج به ولا يعتمد عليه. ذكر هذه الأقوال ابن حجر في لسان الميزان (4/ 454).
وأخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (1/ 342)، و ابن بطة في الإبانة -القسم الأول- (رقم 1154)، والآجري في الشريعة (224، 225)، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/ 509) من طرق عن جرير بن حازم عن فضيل بن يسار به نحوه.
وأورد نحوه الترمذي في سننه (4/ 369) بصيغة التمريض، وكذا الخلال في السنة (1080).
الإسلام عامًا، والإيمان خاصًا
(1)
.
(1)
مسائل الإمام أحمد برواية ابنه صالح (3/ 223 - رقم 1695).
رجال إسناده ثقات.
وأخرجه أبو بكر الخلال في السنة (1077)، واللالكائي في شرح الاعتقاد (1499)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1/ 311) وأورده ابن منده في كتاب الإيمان (1/ 311).
التعليق: إن من نظر في كلام أئمة السلف وجد أن عباراتهم اختلفت في بيان معنى الإسلام والإيمان، وذلك لاختلاف فهمهم لبعض النصوص الواردة في هذا الموضوع.
وقد جاء اختلافهم على ثلاثة أقوال:
- فأصحاب القول الأول: ذهبوا إلى التفريق بين الإسلام والإيمان، منهم عبد الله بن عباس، والحسن، ومحمد بن سيرين، والزهري، وحماد بن زيد، وأحمد. انظر الإيمان لابن منده (1/ 311).
وقد استدلوا بقوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ (14)} [الحجرات: 14]. قال ابن القيم في مدارج السالكين (3/ 92): "فإنه فرق بين قولهم آمنا وقولهم أسلمنا، ولكن لما لم يذوقوا طعم الإيمان قال: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} ووعدهم سبحانه وتعالى مع ذلك على طاعتهم أن لا ينقصهم من أجور أعمالهم شيئا".=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= واستدلوا أيضا بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى رهطا وسعد جالس، فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا هو أعجبهم إليّ، فقلت: يا رسول الله ما لك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنًا، فقال:"أو مسلما". فسكتُ قليلا، ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي فقلت: ما لك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا، فقال:"أو مسلما" ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا سعد إني لأعطي الرجل وغيرُه أحب إلي منه، خشية أن يَكبهُ الله في النار". رواه البخاري (27)، ومسلم (150).
- وأما أصحاب القول الثاني فقالوا: أن الإسلام والإيمان مترادفان، وأنهما اسمان لمسمى واحد.
واحتجوا بقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات 35 - 36].
وبحديث وفد عبد قيس:
…
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس
…
". رواه البخاري (53)، ومسلم (17).
قال ابن عبد البر في التمهيد (9/ 250): "وعلى القول بأن الإيمان هو الإسلام: جمهور أصحابنا وغيرهم، من الشافعيين، والمالكيين، وهو قول داود وأصحابه، وأكثر أهل السنة والنظر المتبعين للسلف والأثر". وانظر"تعظيم قدر الصلاة" =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لمحمد بن نصر المروزي (1/ 418 - 424).
- وأما أصحاب القول الثالث فقالوا: أن الإسلام والإيمان بينهما تلازم، بحيث إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، وهذا القول يجمع بين القولين السابقين، ويوضح العلاقة بين الإسلام والإيمان.
قال ابن الصلاح في "صيانة صحيح مسلم"(ص 135): "فخرج مما ذكرناه وحققناه أن الإيمان والإسلام يجتمعان ويفترقان وأن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/ 259 - 260): "لكن التحقيق ابتداء هو ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الإسلام والإيمان، ففسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالإيمان بالأصول الخمسة، فليس لنا إذا جمعنا بين الإسلام والإيمان أن نجيب بغير ما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم، وأما إذا أفرد اسم الإيمان فإنه يتضمن الإسلام، وإذا أفرد الإسلام فقد يكون مع الإسلام مؤمنا بلا نزاع، وهذا هو الواجب".
وانظر للمزيد: معالم السنن للخطابي (4/ 315)، والإيمان لابن منده (1/ 346 - 347)، وإكمال المعلم للقاضي عياض (1/ 202 - 204)، و "الإيمان بين السلف والمتكلمين" للدكتور أحمد بن عطية الغامدي (ص 29 - 40).